ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون .
(18) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين .
(19) الذين يصدون عن سبيل الله : عن دينه . ويبغونها عوجا : يطلبون لسبيل الله زيغا عن الاستقامة يحرفونها بالتأويل ، أو يبغونها بالإنحراف عن الحق والصواب . وهم بالآخرة هم كافرون .
العياشي : عن الباقر عليه السلام هم أربعة ملوك من قريش يتبع بعضهم بعضا .
أقول : الملوك الاربعة : الثلاثة ، ومعاوية .
وعن الصادق عليه السلام : الاشهاد : هم الائمة عليهم السلام .
القمي : يعني بالاشهاد : الائمة عليهم السلام ، ( ألا لعنة الله على الظالمين ) : آل محمد حقهم ، ( يصدون عن سبيل الله ) : عن طريق الله وهي الامامة ، ( يبغونها عوجا ) حرفوها إلى غيرها .
(20) أولئك لم يكونوا معجزين في الارض ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم . وما كان لهم من دون الله من أولياء : يمنعونهم من العقاب لو أراد عقابهم ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشد وأدوم . يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع : لتصامهم عن الحق وبغضهم له .
القمي : قال : ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين عليه السلام . وما كانوا يبصرون : لتعاميهم عن آيات الله .
(21) أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون : خسروا بما بذلوا ، وضاع عنهم ما حصلوا فلم يبق معهم سوى الحسرة والندامة .
القمي : بطل الذين دعوه غير أمير المؤمنين عليه السلام .
( 440 )
(22) لا جرم أنهم في الآخرة هم الاخسرون : لا أحد أبين وأكثر خسرانا منهم .
(23) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم : اطمأنوا إليه وخشعوا له . أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون .
(24) مثل الفريقين : الكافر والمؤمن . كالاعمى والاصم : كالأعمى وكالأصم أو كالأعمى الاصم . والبصير والسميع : كالبصير وكالسميع ، أو كالبصير السميع ، وذلك لتعامي الكافر عن آيات الله ، وتصامه عن استماع كلام الله ، وتأبيه عن تدبر معانيه . هل يستويان مثلا أفلا تذكرون : بضرب الامثال والتأمل فيها .
(25) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه أني لكم : بأني لكم وقريء بالكسر . نذير مبين بين لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص .
(26) أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم : مؤلم ، قد سبق ذكر اسم نوح ونسبه وشريعته والبشارة به في سورة الاعراف .
(27) فقال الملأ : الاشراف . الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا : لا مزية لك علينا تخصك بالنبوة ووجوب الطاعة . وما نراك اتبعك إلاّ الذين هم أراذلنا : أخساؤنا .
القمي : يعني الفقراء والمساكين . بادي الرأي : ظاهر الرأي من غير تعمق من البدو أو أول الرأي من البدء وإنما استرذلوهم لفقرهم فإنهم لما لم يعلموا إلا ظاهرا من الحيوة الدنيا كان الاحظ بها أشرف عندهم والمحروم أرذل . وما نرى لكم : لك ولمتبعيك . علينا من فضل : يؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة . بل نظنّكم كاذبين : أنت في دعوى النبوة ، وإياهم في دعوى العلم بصدقك .
(28) قال يا قوم أرأيتم : أخبروني . إن كنت على بينة من ربي : حجة شاهدة بصدق دعواي . وآتاني رحمة من عنده : بإيتاء البينة أو النبوة . فعميت عليكم : فخفيت
( 441 )
عليكم واشتبهت حتى لم تعرفوها ولم تفهموها فلم تهدكم ، وقريء بضم العين وتشديد الميم . أنلزمكموها : أنكرهكم على الاهتداء بها . وأنتم لها كارهون : لا تختارونها ولا تتأملون فيها .
(29) ويا قوم لا أسألكم عليه على التبليغ . مالا : جعلا . إن أجري إلا على الله : فإنه المأمول منه . وما أنا بطارد الذين آمنوا : يعني الفقراء وهو جواب لهم حين سألوا طردهم . إنهم ملاقوا ربهم : يلاقونه ويفوزون بقربه فيخاصمون طاردهم فكيف أطردهم . ولكني أراكم قوما تجهلون : الحق وأهله أو تتسفهون عليهم بأن تدعوهم أراذل .
(30) ويا قوم من ينصرني من الله : بدفع انتقامه . إن طردتهم : وهم بتلك المثابة . أفلا تذكرون : لتعرفوا أن التماس طردهم وتوقيف الايمان عليه ليس بصواب .
(31) ولا أقول لكم عندي خزائن الله : خزائن رزقه حتى جحدتم فضلي . ولا أعلم الغيب : ولا أقول إني أعلم الغيب حتى تكذبوني ، استبعادا أو حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب . ولا أقول إني ملك : حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا . ولا أقول للذين تزدري أعينكم : ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم من زرى عليه إذا عابه ، وإسناده إلى الاعين للمبالغة والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادى الرؤية من غير روية . لن يؤتيهم الله خيرا : فإن ما أعد الله لهم في الآخرة خير مما أتاكم في الدنيا . الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين : أن قلت شيئا من ذلك .
(32) قالوا يا نوح قد جادلتنا : خاصمتنا . فأكثرت جدالنا : فأطلته . فأتنا بما تعدنا من العذاب . إن كنت من الصادقين : في الدعوى والوعيد فإن مناظرتك لا تؤثر فينا .
(33) قال إنما يأتيكم به الله إن شآء : عاجلا أو آجلا . وما أنتم بمعجزين : بدفع العذاب والهرب منه .
(34) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن
( 442 )
يغويكم : بأن علم منكم الاصرار على الكفر فخلاكم وشأنكم .
في قرب الاسناد ، والعياشي : عن الرضا عليه السلام يعني الامر إلى الله تعالى يهدي من يشاء ، وزاد العياشي : ويضل والعياشي ، والقمي : عن السجاد عليه السلام نزلت في العباس .
أقول : يعني فيه وفي أمثاله إذا عمم التنزيل . هو ربكم وإليه ترجعون .
(35) أم يقولون افتراه : اعتراض . قل إن افتريته فعلي إجرامي : وباله وقريء بفتح الهمزة على الجمع .وأنا بريء مما تجرمون : من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي .
(36) وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس : فلا تحزن حزن بائس مستكين . بما كانوا يفعلون : أقنطه الله من إيمانهم ، ونهاه أن يغتم بما فعلوه من التكذيب والايذاء .
في الكافي والعياشي : عن الباقر عليه السلام إن نوحا لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم سرا وعلانية فلما أبوا وعتوا قال رب : ( إني مغلوب فانتصر ) فأوحى الله تعالى إليه ( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ) فلذلك قال : نوح ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) .
(37) واصنع الفلك بأعيننا : متلبسا بأعيننا عبر بكثرة آلة الحس الذي به يحفظ الشيء ويراعى عن الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريقة التمثيل . ووحينا : إليك كيف تصنعها . ولا تخاطبني في الذين ظلموا : ولا تراجعني فيهم ، ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم . إنهم مغرقون : محكوم عليهم بالأغراق فلا سبيل إلى كفه .
(38) ويصنع الفلك : حكاية حال ماضيه . وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه : استهزؤا به لعمله السفينة . قيل : أنه كان يعملها في برية بعيدة من الماء أوان نجرته ، وكانوا يضحكون منه ، ويقولون : صرت نجارا بعدما كنت نبيا .
( 443 )
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام إن نوحا لما غرس النوى مر عليه قومه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد (1) غراسا حتى إذا طال النخل وكان جبارا (2) طوالا (3) قطعه ، ثم نحته (4) ، فقالوا : قد قعد نجارا ، ثم ألفه فجعله سفينة فمروا عليه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد ملاحا في فلاة من الارض حتى فرغ منها . قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون : إذا أخذكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة . فسوف تعلمون .
(39) من يأتيه عذاب يخزيه يعني به إياهم ، وبالعذاب : الغرق . ويحل عليه عذاب مقيم : دائم وهو عذاب النار .
(40) حتى (5)إذا جاء أمرنا وفار التنور : نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور .
في الكافي ، والمجمع : عن الصادق عليه السلام كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة المسجد يعني مسجد الكوفة فقيل له : فإن ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم ثم سئل وكان بدو خروج الماء من ذلك التنور ؟ فقال : نعم إن الله عز وجل أحب أن يري قوم نوح آية ، ثم إن الله تعالى أرسل المطر يفيض فيضا وفاض الفرات فيضا ، والعيون كلهن فيضا فغرقهم الله وأنجى نوحا ومن معه في السفينة .
وفيه ، والعياشي : عنه عليه السلام جاءت إمرأة نوح إليه وهو يعمل السفينة فقالت له : إن التنور قد خرج منه ماء فقام إليه مسرعا حتى جعل الطبق عليه فختمه بخاتمه فقام الماء فلما فرغ من السفينة جاء الى خاتمه ففضه وكشف الطبق ففار الماء .
وفي الكافي : عن أمير المؤمنين عليه السلام أن نوحا لما فرغ من السفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربه في اهلاك قومه أن يفور التنور ففار ، فقالت إمرأته : إن التنور قد
____________
(1) وحدد شفرته حتى قعدت كأنها حربة أي صارت ق .
(2) العظيم القوي الطويل ق .
(3) كرمان المفرط الطول ق .
(4) نحته ينحته كيضربه وينصره ويعلمه براه ق .
(5) والمعنى فذلك حاله وحالهم حتى إذا جاء قضاؤنا بنزول العذاب م ن .
( 444 )
فار فقام إليه فختمه ، فقام الماء وأدخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج ، ثم جاء إلى خاتمه ونزعه يقول الله ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) ( وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ) قال : وكان نجرها في وسط مسجدكم . قلنا احمل فيها : في السفينة . من كل زوجين : أي من كل صنف ذكر وصنف أنثى ، وقريء بتنوين كل أي من كل نوع من الحيوانات المنتفع بها زوجين . إثنين : ذكرا وانثى . وأهلك : أريد إمرأته وبنوه ونساؤهم . إلا من سبق عليه القول : بأنه من المغرقين أريد ابنه كنعان وإمرأته وأهلة فإنهما كانا كافرين . ومن آمن : والمؤمنين من غيرهم . وما آمن معه إلا قليل .
في المجمع : عن الصادق عليه السلام آمن مع نوح من قومه ثمانية نفر .
وفي المعاني : عن الباقر عليه السلام مثله . والقمي : عن الصادق عليه السلام في حديث فلما فرغ نوح من إتخاذ السفينة أمره الله أن ينادي بالسريانية لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلا حضر فأدخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين (1) رجلا فقال الله عز وجل : ( احمل فيها من كل زوجين اثنين ) الآية ، وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة ، فلما كان في اليوم الذي أراد الله عز وجل إهلاكهم كانت إمرأة نوح تخبر في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة ، وكان نوح عليه السلام قد اتخذ لكل ضرب من أجناس الحيوان موضعا في السفينة ، وجمع لهم فيها ما يحتاجون إليه من الغذاء ، فصاحت إمرأته لما فار التنور فجاء نوح إلى التنور فوضع عليه طينا وختمه حتى أدخل جميع الحيوان السفينة ، ثم جاء إلى التنور ففض الخاتم ، ورفع الطين ، وانكسفت الشمس ، وجاء من السماء ماء منهمر صب بلا قطر ، وتفجرت الارض عيونا وهو قوله سبحانه : ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ) . وعن الباقر عليه السلام ليس كل من في الارض من بني آدم من ولد نوح عليه السلام قال الله تعالى في كتابه : ( احمل فيها من كل زوجين اثنين ) إلى قوله
____________
(1) اقول لا تنافي بين ما سبق من أنه امن معه من قومه ثمانية نفر وبين هذا الحديث من كون الذين آمنوا معه من جميع الدنيا ثمانين رجلا لجواز ان يكون المراد بالثمانية الذين كانوا في قومه بنوه الثلاثة سام وحام ويافث ونساؤهم وزوجته المسلمة وبنته ويكون الباقي من الثمانين من غير اهله « منه رحمه الله » .
( 445 )
( ومن امن ) وقال : ( ذرية من حملنا مع نوح عليه السلام ) .
وفي الكافي ، والعياشي عن الصادق عليه السلام حمل نوح في السفينة الازواج الثمانية التي قال الله ( ثمانية أزواج ) فكان من الضأن اثنين زوج داجنة (1) يربيها الناس والزوج الآخر الضأن التي تكون في الجبال الوحشية أحل لهم صيدها الحديث .
وقد سبق تمامه في سورة الانعام وفي المجمع ، والقمي عنه عليه السلام لما أراد الله هلاك قوم نوح عليه السلام عقم أرحام النساء أربعين سنة فلم يلد لهم مولود ولما فرغ نوح من اتخاذ السفينة أمره الله أن ينادي بالسريانية أن يجتمع جميع الحيوانات فلم يبق حيوان إلا حضر فأدخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين ما خلا الفأر والسنور ، وأنهم لما شكوا من سرقين الدواب والقذر دعا بالخزير فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج فأر فتناسل فلما كثروا شكوا إليه منها فدعا بالأسد فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج سنور وفي حديث آخر أنهم شكوا العذرة فأمر الله تعالى الفيل فعطس فسقط الخنزير .
والعياشي : عنه عليه السلام إن نوحا حمل الكلب في السفينة ولم يحمل ولد الزنا وعنه عليه السلام ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له شهادة ، ولا يؤم بالناس ، لم يحمله نوح في السفينة ، وقد حمل فيها الكلب والخنزير .
وفي العلل عن الرضا عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه سئل ما بال الماعز معرقبة الذنب بادية الحياء والعورة ؟ فقال لأن الماعز عصت نوحا لما أدخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها ، والنعجة مستورة الحياء والعورة ، لأن النعجة بادرت بالدخول إلى السفينة فمسح نوح يده على حيائها وذنبها فاستوت الالية .
وفي الخصال : عن الرضا عليه السلام أتخذ نوح في الفلك تسعين بيتا للبهائم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام أن الله أمر نوحا أن يحمل في السفينة من
____________
(1) دجن الحمام والشاة الفت وهي داجنة .
( 446 )
كل زوجين اثنين فحمل الفحل والعجوة فكانا زوجا .
في الكافي ، والعياشي عنه عليه السلام كان طول سفينة نوح عليه السلام ألف ومأتي ذراع ، وعرضها ثمانمأة ذراع ، وطولها في السماء ثمانين ذراعا .
والقمي عنه عليه السلام مثله كما يأتي وفي العيون في الخبر الشامي ذكر الطول ثمانمأة والعرض خمسمأة .
وفي الكافي عنه عليه السلام في فضل مسجد الكوفة ، قال ومنه فار التنور ، وفيه بخرت السفينة .
ومثله في المجمع عن الباقر عليه السلام وفي رواية في الكافي ومنه سارت .
والعياشي عن سلمان ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في فضله ، فيه نجر نوح سفينته ، وفيه فار التنور ، وبه كان بيت نوح ومسجده .
وفي الكافي ، والعياشي عن الصادق عليه السلام وكان منزل نوح عليه السلام وقومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة ، وكان نوح عليه السلام رجلا نجارا فجعله الله نبيا وانتجبه ، ونوح عليه السلام أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء قال ولبث نوح في قومه ( ألف سنة إلا خمسين عاما ) يدعوهم إلى الهدى فيمرون به ويسخرون منه ، فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال يا رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا فأوحى الله إليه يا نوح اصنع الفلك وأوسعها وعجل عملها بأعيننا ووحينا ، فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده يأتي بالخشب من بعد حتى فرغ منها سئل في كم عمل نوح عليه السلام سفينته حتى فرغ منها قال في دورين ، قيل وكم الدورين ؟ قال ثمانون سنة ، قيل : فإن العامة يقولون عملها في خمسمائة عام فقال كلا والله ، كيف والله يقول ( ووحينا ) .
أقول : آخر الحديث يحتمل معنيين أحدهما : إن ما يكون بأمر الله وتعليمه كيف يطول زمانه إلى هذه المدة ، والثاني : أن يكون قد فسر الوحي هنا بالسرعة والعجلة فإنه
( 447 )
جاء بهذا المعنى ، يقال الوحا الوحا ممدودا ومقصورا يعني البدار البدار ، والمعنى الثاني أتم في الاستشهاد .
(41) وقال اركبوا فيها : صيروا فيها راكبين كما يركب الدواب في البر بسم الله مجراها ومرساها مسمين الله قائلين ذلك ، ومعناه بالله ، اجراؤها وارساؤها .
والقمي عن الصادق عليه السلام أي مسيرها وموقفها ، وقرء مجريها بفتح الميم . إن ربي لغفور رحيم : أي لولا مغفرته لفرطاتكم ورحمته أياكم لما نجاكم .
(42) وهي تجري بهم في موج من الطوفان . كالجبال : كل موجة منها كجبل في تراكمها وارتفاعها .
في الخصال عن الكاظم عليه السلام ، وفي العيون عن الرضا عليه السلام أن نوحا عليه السلام لما ركب السفينة أوحى الله إليه يا نوح إن خفت الغرق فهللني ألفا ، ثم سلني النجاة أنجك من الغرق ومن آمن معك ، قال : فلما استوى نوح ومن معه في السفينة ورفع القلس [ القلص خ ل ] عصفت الريح عليهم فلم يأمن نوح عليه السلام واعجلته الريح فلم يدرك أن يهلل ألف مرة فقال بالسريانية هيلوليا ألفا ألفا ياماريا أتقن قال فاستوى القلص واستمرت السفينة ، فقال نوح عليه السلام إن كلاما نجاني الله به من الغرق لحقيق أن لا يفارقني ، قال : فنقش في خاتمه لا إله إلا الله ألف مرة يا رب اصلح .
وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال اللهم إني أسألك بمحمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق فنجاه الله عز وجل ونادى نوح ابنه : كنعان .
القمي والعياشي عن الصادق عليه السلام ليس بابنه إنما هو ابن إمرأته وهو لغة طي يقولون لابن الامرأة ابنه ، يعني بفتح الهاء .
في المجمع عن علي والباقر والصادق عليهم السلام إنهم قرأوا كذلك .
( 448 )
وروي أيضا ابنها والضمير لأمرأته وكان في معزل: أي مكان عزل فيه نفسه عن المركب يا بني اركب معنا في السفينة . ولا تكن مع الكافرين .
القمي عن الصادق عليه السلام نظر نوح عليه السلام إلى إبنه يقع ويقوم ، فقال له : ( يا بني اركب ) الآية .
(43) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء في الفقيه عن الصادق عليه السلام إنه قال حين أشرف على النجف ـ هو الجبل الذي اعتصم به ابن جدي نوح ، عليه السلام فقال : ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) فأوحى الله إليه يا جبل أيعتصم بك مني أحد ؟ فغار في الارض ، وتقطع إلى الشام وفي العلل ما يقرب منه . قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم إلا الراحم وهو الله تعالى وحال بينهما الموج بين نوح وابنه . فكان من المغرقين .
(44) وقيل يأرض ابلعي ماءك أنشفي .
العياشي عن الصادق عليه السلام نزلت بلغة الهند إشربي ، وفي رواية حبشية . وياسمآء أقلعي : أمسكي نداء الارض والسماء بما ينادي به العقلاء مما يدل على كمال القدرة والاقتدار ، وإن هذه الاجرام العظيمة منقادة لتكوينه فيها ما يشاء ، غير ممتنعة عليه عارفون جلالته وعظمته يتمثلون أمره على الفور من غير ريث . وغيض الماء نقص وقضي الامر وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين واستوت على الجودي واستقرت عليه ، وهو جبل بالموصل . وقيل بعدا للقوم الظالمين : أصله بعد بعدا بعيدا لا يرجى عوده ، ثم استعير للهلاك ، وخص بدعاء السوء ، قيل الآية في غاية الفصاحة لفخامة لفظها ، وحسن نظمها ، والدلالة على كنه الحال مع إلايجاز الخالي عن الاخلال ، وإيراد الاخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل ، وأنه متعين في نفسه مستغني عن ذكره إذ لا يذهب الوهم إلى غيره للعلم بأن مثل هذه الافعال لا يقدر عليه سوى الواحد القهار .
القمي عن الصادق عليه السلام في حديث فدارت السفينة وضربتها الامواج
( 449 )
حتى وافت مكة ، وطافت بالبيت ، وغرق جميع الدنيا إلا موضع البيت ، وإنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق ، فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا ، ومن الارض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء ، قال فرفع نوح عليه السلام يده فقال : يا رهمان اتقن ، وتفسيرها يا رب أحسن ، فأمر الله عز وجل الارض أن تبلع ماءها وهو قوله عز وجل ( يا أرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي ) أي إمسكي ( وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي ) ، فبلعت الارض ماءها فأراد ماء السماء أن يدخل في الارض فامتنعت الارض من قبولها وقالت : إنما أمرني الله أن أبلع مائي فبقي ماء السماء على وجه الارض ، واستوت السفينة على جبل الجودي ، وهو بالموصل جبل عظيم فبعث الله عز وجل جبرئيل فساق الماء إلى البحار حول الدنيا .
والعياشي ما يقرب من بعض ما تضمن هذا الحديث وهو دعاء نوح عليه السلام وقصة امتناع الارض .
وفي التهذيب : عنه عليه السلام إن الله عز وجل أوحى إلى نوح عليه السلام وهو في السفينة أن يطوف بالبيت أسبوعا فطاف بالبيت كما أوحى إليه ، ثم نزل في الماء إلى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم فحمله في جوف السفينة حتى طاف ما شاء الله أن يطوف ، ثم ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال الله للأرض ( ابلعي ماءك ) فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء منه ، وتفرق الجمع الذي كان مع نوح عليه السلام في السفينة .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام إن نوحا كان في السفينة وكان فيها ما شاء الله وكانت السفينة مأمورة فطاف بالبيت وهو طواف النساء ، وخلى سبيلها نوح عليه السلام فأوحى الله عز وجل إلى الجبال إني واضع سفينة نوح عليه السلام عبدي على جبل منكن فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي ، وهو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل ، قال فقال نوح عند ذلك يا ماري أتقن وهو بالسريانية رب إصلح .
وفي المجمع ، والعياشي : ما يقرب منه ، قال : وهو جبل بالموصل .
( 450 )
والعياشي عن الباقر عليه السلام سمع نوح عليه السلام صرير السفينة على الجودي فخاف عليها فأخرج رأسه من كوة كانت فيها فرفع يده وأشار بإصبعه وهو يقول : ( يا رهمان اتقن ) تأويلها رب أحسن .
وفي الكافي ، والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل كم لبث نوح عليه السلام ومن معه في السفينة حتى نضب الماء وخرجوا منها ؟ فقال : لبثوا فيها سبعة أيام ولياليها ، فطاف بالبيت أسبوعا ، ثم استوت على الجودي ، وهو فرات الكوفة وفي رواية وسعت بين الصفا والمروة .
وفي الكافي عنه عليه السلام ارتفع الماء على كل جبل وعلى كل سهل خمسة عشر ذراعا .
أقول : لعل ارتفاعه هذا المقدار بعدما استوى على الجميع وخفي فيه كل سهل وجبل .
وفي الخصال : عنه عليه السلام إن نوحا عليه السلام لما كان أيام الطوفان دعا مياه الارض فأجابته إلا الماء المر والكبريت .
(45) ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وقد وعدت أن تنجي أهلي . وأنت أحكم الحاكمين : أعدلهم وأعلمهم .
(46) قال يا نوح إنه ليس من أهلك : الذين وعدتك بنجاتهم لأنه ليس على دينك .
في المجمع ، والعياشي ، والعيون : عن الرضا ، عليه السلام إن الله قال لنوح : إنه ليس من أهلك لأنه كان مخالفا له ، وجعل من اتبعه من أهله . إنه عمل غير صالح : تعليل لنفي كونه من أهله ، وجعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة في ذمه ، وقريء : عمل بصيغة الماضي وغير بالفتح : أي عمل عملا غير صالح .
وفي العيون : عن الرضا عليه السلام كيف تقرؤن هذه الآية ؟ قيل : من الناس
( 451 )
من يقرأ : أنه عمل غير صالح ، ومنهم من يقرأ : أنه عمل غير صالح فمن قرأ أنه عمل غير صالح نفاه عن أبيه ، فقال : كلا لقد كان إبنه ولكن لما عصى الله نفاه عن أبيه ، كذا من كان منا لم يطع الله فليس منا . وفي رواية اخرى نفاه عنه حين خالفه في دينه .
والعياشي : ما في معنى الرواية الثانية . فلا تسألن ما ليس لك به علم : ما لا تعلم أصواب هو أم لا حتى تعرف كنهه ، وقريء تسألن بفتح اللام وتشديد النون المفتوحة ، وبكسر النون المشددة وإثبات الياء . إني أعظك أن تكون من الجاهلين .
(47) قال رب إني أعوذ بك أن أسألك : فيما يستقبل . ما ليس لي به علم ما لا علم لي بصحته تأدبا بأدبك واتعاظا بموعظتك . وإلا تغفر لي : ما فرط مني من السؤال . وترحمني : بالتوبة والتفضل علي . أكن من الخاسرين : أعمالا ، قاله على سبيل الخضوع لله والتذلل والاستكانة .
(48) قيل يا نوح اهبط بسلام منا أنزل من السفينة مسلما من المكاره محفوظا من جهتنا . وبركات عليك : ومباركا عليك ، والبركات : الخيرات النامية . وعلى أمم ممن معك : يعني في السفينة لأنهم كانوا جماعات أو لتشعب الامم منهم . وأمم سنمتعهم : أي وممن معك امم سنمتعهم في الدنيا . ثم يمسهم منا عذاب أليم : أراد بهم الكفار من ذرية من معه .
القمي : عن الصادق عليه السلام فنزل نوح بالموصل من السفينة مع الثمانين ، وبنوا مدينة الثمانين ، وكانت لنوح عليه السلام ابنة ركبت معه السفينة فتناسل الناس منها ، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم نوح أحد الابوين .
(49) تلك : إشارة إلى قصة نوح عليه السلام . من أنباء الغيب : أي بعضها . نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر : على مشاق الرسالة وإيذاء القوم كما صبر نوح . عليه السلام إن العاقبة : في الدنيا بالظفر ، وفي الآخرة بالفوز . للمتقين : عن الشرك والمعاصي .
القمي : عن الصادق عليه السلام بقي نوح عليه السلام في قومه ثلاث مأة
( 452 )
سنة يدعوهم إلى الله عز وجل فلم يجيبوه فهم أن يدعو عليهم فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الدنيا وهم العظماء من الملائكة ، فقال لهم نوح عليه السلام : من أنتم ؟ فقالوا : نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الدنيا ، وإن غلظ مسيرة السماء الدنيا خمسمأة عام ، ومن السماء الدنيا إلى الدنيا خمسمأة عام ، وخرجنا عند طلوع الصبح ووافيناك في هذا الوقت فنسألك أن لا تدعو على قومك ، فقال نوح : قد أجلتهم ثلاثمأة سنة ، فلما أتى عليهم ستمأة سنة ولم يؤمنوا هم أن يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية ، فقال نوح عليه السلام : من أنتم ؟ قالوا : نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية وغلظ السماء الثانية مسيرة خمسمأة عام ومن السماء الثانية إلى السماء الدنيا مسيرة خمسمأة عام ، وغلظ السماء الدنيا مسيرة خمسمأة عام ، ومن السماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمأة عام خرجنا عند طلوع الشمس ، ووافينا ضحوة نسألك أن لا تدعو على قومك ، فقال نوح عليه السلام : قد أجلتهم ثلاثمأة سنة ، فلما أتى عليهم تسعمأة سنة ولم يؤمنوا هم أن يدعو عليهم فأنزل عز وجل ( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ) فقال نوح : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلاّ فاجرا كفارا ) فأمره الله عز وجل أن يغرس النخل فأقبل يغرس النخل ، فكان قومه يمرون به ويسخرون منه ، ويستهزؤن به ، ويقولون : شيخ قد أتى له تسعمأة سنة يغرس النخل ، وكانوا يرمونه بالحجارة ، فلما أتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر بقطعه فسخروا منه ، وقالوا : بلغ النخل مبلغه وهو قوله عز وجل ( وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون ) فأمره الله أن يتخذ السفينة وأمر جبرئيل أن ينزل عليه ويعلمه كيف يتخذها فقدر طولها في الارض ألفا ومأتي ذراع ، وعرضها ثمانمأة ذراع ، وطولها في السماء ثمانون ذراعا ، فقال : يا رب من يعينني على اتخاذها فأوحى الله عز وجل إليه ناد في قومك من أعانني عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضة ، فنادى نوح عليه السلام فيهم بذلك فأعانوه