عليه ، وكانوا يسخرون منه ، ويقولون : سفينة يتخذ في البر .
وفي الاكمال عنه وأما إبطاء نوح عليه السلام فإنه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث الله تعالى جبرئيل الروح الامين معه سبع نوايات فقال : يا نبي الله إن الله تعالى يقول لك : إن هؤلاء خلائقي وعبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة فعاود إجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه ، وأغرس : هذا النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وادراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص ، فبشر بذلك من اتبعك من المؤمنين ، فلما نبتت الاشجار وتأزرت وتسوقت واغتصنت وزهى التمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله العدة فأمره الله تعالى أن يغرس نوى تلك الاشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكد الحجة على قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به ، فارتد منهم ثلاثمأة رجل ، وقالوا لو كان ما يدعيه نوح عليه السلام حقا لما وقع في وعد ربه خلف ، ثم إن الله تعالى لم يزل يأمره عند كل مرة بأن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات ، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا فأوحى الله إليه عند ذلك وقال : يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل ، لنعينك حين صرح الحق عن محضه ، وصفا من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من قد إرتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك ، واعتصموا بحبل نبوتك بأني أستخلفهم في الارض ، وأمكن لهم دينهم ، وابدلهم خوفهم بالأمن ، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشرك من قلوبهم ، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبذل الامن مني لهم مع ماكنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوخ الضلالة ، فلو أنهم تنسموا من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذ أهلكت أعداؤهم لنشقوا روايح صفاته ولاستحكمت مراير نفاقهم وثارت خبال ضلالة قلوبهم ، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرياسة ، والتفرد بالأمر والنهي ، وكيف يكون التمكين في


( 454 )

الدين وإنتشار الامر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب ؟ كلا ( فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام إنه قيل له يا ابن رسول الله لا علة أغرق الله الدنيا كلها في زمن نوح عليه السلام وفيهم الاطفال وفيهم من لا ذنب له ؟ فقال : ما كان فيهم الاطفال ، لأن الله أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم ، وما كان الله تعالى ليهلك بعذابه من لا ذنب له ، وأما الباقون من قوم نوح فاغرقوا بتكذيبهم لنبي الله نوح وسائرهم اغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين ، ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهد .
وفي الكافي ، والاكمال : عن الصادق عليه السلام لما حسر (1) الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح عليه السلام جزع جزعا شديدا واغتم لذلك فأوحى الله عز وجل هذا عملك أنت دعوت عليهم ، قال يا رب : إني استغفرك وأتوب إليك فأوحى الله إليه أن كل العنب الاسود ليذهب غمك .
وعنه عليه السلام كانت أعمار قوم نوح ثلاثمأة سنة .
وفي الكافي عنه عليه السلام عاش نوح ألفي سنة وثلاث مأة سنة ، منها : ثمانمأة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث ، وألف سنة إلا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم ، وخمسمأة عام بعدما نزل من السفينة ونضب الماء ، فمصر الامصار ، وأسكن ولده البلدان ، ثم أن ملك الموت جاءه وهو في الشمس فقال : السلام عليك فرد عليه نوح عليه السلام فقال : ما جاء بك يا ملك الموت ؟ فقال : جئتك لأقبض روحك ، قال : دعني أدخل من الشمس إلى الظل ، فقال له : نعم فتحول ، ثم قال : يا ملك الموت كل ما مر بي من الدنيا مثل تحويلي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت به فقبض روحه .
وعنه عليه السلام عاش نوح عليه السلام بعد الطوفان خمسمأة سنة ثم أتاه جبرئيل فقال : يا نوح إنه قد انقضت نوبتك واستكملت أيامك فانظر إلى الاسم الاكبر ، وميراث العلم ، وآثار علم النبوة التي معك فإدفعها إلى ابنك سام فإني لا أترك الارض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي ، ويعرف به هداي ، وتكون النجاة فيما بين مقبض النبي ومبعث النبي
____________
(1) حسره يحسره كشفه والشئ حسورا انكشف ق
( 455 )

الآخر ولم أكن أترك الناس بغير حجة لي وداع إلي وهاد إلى سبيلي وعارف بأمري فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هاديا أهدي به السعداء ويكون حجة لي على الاشقياء ، قال : فدفع نوح الاسم الاكبر ، وميراث العلم ، وآثار علم النبوة إلى سام ، وأما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به ، قال : وبشرهم نوح بهود وأمرهم باتباعه وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام وينظروا فيها ويكون عيدا لهم .
(50) وإلى عاد أخاهم هودا أخاهم يعني أحدهم كما سبق بيانه في سورة الاعراف . قال يا قوم اعبدوا الله وحده . مالكم من إله غيره : وقرء بالجر . إن أنتم إلا مفترون على الله باتخاذ الاوثان شركاء وجعلها شفعاء .
(51) يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجرى إلا على الذى فطرني : خاطب كل رسول به قومه إزاحة للتهمة ، وتمحيصا للنصيحة ، فإنها لا تنجع مادامت مشوبة بالمطامع . أفلا تعقلون : أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل ، والصواب من الخطأ .
(52) ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه : إطلبوا مغفرة الله بالأيمان ، ثم توسلوا إليها بالتوبة . يرسل السماء عليكم مدرارا : كثير الدر . ويزدكم قوة إلى قوتكم ويضاعف قوتكم ، قيل : رغبهم في الايمان بكثرة المطر ، وزيادة القوة ، لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين ، وكانوا يدلون بالقوة والبطش . ولا تتولوا : ولا تعرضوا عني وعما أدعوكم إليه . مجرمين : مصرين على إجرامكم .
(53) قالوا ياهود ما جئتنا ببينة : بحجة تدل على صحة دعواك ، وهو كذب وجحود ، لفرط عنادهم ، وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات . وما نحن بتاركي آلهتنا بتاركي عبادتهم . عن قولك وما نحن لك بمؤمنين اقناط له من الاجابة والتصديق .
(54) إن نقول إلا اعتريك : أصابك . بعض آلهتنا بسوء بجنون لسبك إياها وصدك عنها ، فمن ثمة تتكلم بكلام المجانين . قال إنى أشهد الله واشهدوا نى برئ مما تشركون .
(55) من دونه : من إشراككم آلهة من دونه . فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون واجههم بهذا الكلام مع قوتهم وشدتهم وتعطشهم إلى إراقة دمه ثقة بالله واعتمادا


( 456 )

على عصمته إياه ، وإستهانة بهم وبكيدهم وإن اجتمعوا عليه وتواطئوا على إهلاكه .
(56) إنى توكلت على الله ربى وربكم : تقرير له ، والمعنى : وإن بذلتم غاية وسعكم لن تضروني فإني متوكل على الله واثق بكلامه ، وهو مالكي ومالككم ، ولا يحيق بي ما لم يرده ، ولا تقدرون على ما لم يقدره . ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها أي إلا وهو مالك لها ، قاهر عليها ، يصرفها على ما يريد بها ، والاخذ بالناصية تمثيل لذلك . إن ربى على صراط مستقيم : أنه على الحق والعدل ، لا يضيع عنده معتصم ، ولا يفوته ظالم .
العياشي : عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه يعني إنه على حق يجزي بالأحسان إحسانا ، وبالسئ سيئا ، ويعفو عمن يشاء ويغفر سبحانه وتعالى .
(57) فإن تولوا : فإن تتولوا .فقد أبلغتكم مآ أرسلت به إليكم : فقد أديت ما علي من الابلاغ وإلزام الحجة . ويستخلف ربى قوما غيركم : وعيد لهم بالأهلاك والاستبدال . ولا تضرونه شيئا : بتوليكم . إن ربى على كل شئ حفيظ : رقيب ، فلا يخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم .
(58) ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين ءامنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ : تكرير لبيان ما نجيهم عنه أو المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة ايضا والتعريض بأن المهلكين كما عذبوا بالدنيا فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ .
(59) وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم : كفروا بها . وعصوا رسله : لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله . واتبعوا أمر كل جبار عنيد : يعني رؤساؤهم الدعاة إلى تكذيب الرسل .
(60) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة : أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم (1) في العذاب .ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود : دعاء عليهم بالهلاك ، ودلالة بأنهم كانوا مستوجبين لما نزل بهم ، وفي تكرير ( ألا ) وإعادة ذكر عاد
____________
(1) قوله تعالى فمن يمشي مكبا آه أي ملقى على وجهه يقال ذلك لكل ساير أي ماش كان على اربع قوائم أو لم يكن يقال كببت فلانا كبا القينة على وجهه فاكب هو بالالف وهي من النوادر التي يعدى ثلاثيها دون رباعيها من .
( 457 )

تفظيع لأمرهم وحثهم على الاعتبار بحالهم ، والحذر من مثل أفعالهم ، وإنما قيل : قوم هود ، ليتميزوا عن عاد ارم .
القمي : إن عادا كانت بلادهم في البادية من المشرق إلى الاجفر (1) أربعة منازل ، وكان لهم زرع ونخل كثير ، ولهم أعمار طويلة ، واجسام طويلة ، فعبدوا الاصنام ، وبعث الله إليهم هودا يدعوهم إلى الاسلام وخلع الانداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود ، وآذوه فكفت السماء عنهم سبع سنين حتى قحطوا ، وكان هود زراعا ، وكان يسقي الزرع فجاء قوم إلى بابه يريدونه فخرجت عليهم إمرأة شمطاء (2) عوراء (3) ، فقالت : من أنتم ، فقالوا : نحن من بلاد كذا وكذا أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو الله حتى يمطر ويخصب بلادنا ، فقالت : لو استجيب لهود لدعا لنفسه ، وقد احترق زرعه لقلة الماء ، قالوا فأين هو ؟ قالت : هو في موضع كذا وكذا ، فجاؤوا إليه فقالوا : يا نبي الله قد أجدبت بلادنا ولم يمطر فسل الله أن يخصب بلادنا ويمطر فتهيأ للصلوة وصلى ودعا لهم فقال لهم : إرجعوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم ، فقالوا : يا نبي الله إنا رأينا عجبا قال : وما رأيتم ؟ قالوا : رأينا في منزلك إمرأة شمطاء عوراء قالت لنا : من أنتم ومن تريدون ؟ فقلنا : جئنا إلى هود ليدعو الله لنا فنمطر ، فقالت : لو كان هود داعيا لدعا لنفسه ، فإن زرعه قد احترق ، فقال هود : ذاك أهلي وأنا أدعو الله لها بطول البقاء ، فقالوا وكيف ذلك ؟ قال : لأنه ما خلق الله مؤمنا إلا وله عدو يؤذيه ، وهي عدوي فلان يكون عدوي ممن أملكه خير من أن يكون عدوي وممن يملكني ، فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن عبادة الاصنام حتى أخصبت بلادهم وأنزل الله تعالى عليهم المطر ، وهو قوله عز وجل : ( يا قوم استغفروا ربكم ) الآيات فلما لم يؤمنوا أرسل الله عليهم الريح الصرصر (4) يعني الباردة ، وهو قوله تعالى في سورة القمر ( كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس
____________
(1) الاجفر موضع بين الخريمية وفيد ق والمراد بلادهم في جانب شرق الاجفر ببعد أربعة منازل منه .
(2) في الحديث لا بأس بجز الشمط ونتفه وجزه احب الي من نتفه وهو بالتحريك بياض شعر الرأس يخالط سواده والرجل اشمط والمرأة شمطاء .
(3) عورت العين عورا من باب تعب نقصت أو غارت والرجل اعور والانثى عوراء م .
(4) والصرة بالكسر شدة البرد أو البرد كالصر فيهما واشد الصياح وبالفتح الشدة من الكرب والحرب والحر وريح صر وصرصر شديد الصوت أو البرد وصر النبات بالضم اصابه الضر
.

( 458 )

مستمر وحكي في سورة الحاقة فقال : وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، قال : كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيام .
أقول : وقد سبق تمام بيان استيصالهم في سورة الاعراف .
(61) وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الاءرض : هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب . واستعمركم فيها : استبقاكم من العمر أو أمركم بعمارتها . فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربى قريب : منكم . مجيب : لمن دعاه .
(62) قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا نرجو منك الخير لما كانت يلوح منك من مخايلة (1) فكنا نسترشدك في تدابيرنا ونشاورك في أمورنا فالآن انقطع رجاؤنا عنك وعلمنا أن لا خير فيك . أتنهينآ أن نعبد ما يعبد أآباؤنا وإننا لفى شك مما تدعونا إليه : من التوحيد والتبري عن الاوثان . مريب : موقع في الريبة أو ذي ريبة .
(63) قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربى : بيان وبصيرة . واتاني منه رحمة : نبوة . فمن ينصرني من الله : فمن يمنعني من عذابه . إن عصيته : في تبليغ رسالته والنهي عن الاشراك به . فما تزيدونني إذا باستتباعكم إياي . غير تخسير : غير أن أنسبكم إلى الخسران أو غير أن تخسروني بإبطال ما منحني الله به .
(64) ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله : ترع نباتها وتشرب ماءها . ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب : عاجل .
(65) فعقروها فقال تمتعوا في داركم : عيشوا في منازلكم أو بلدكم . ثلاثة أيام : ثم تهلكون . ذلك وعد غير مكذوب
(66) فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين ءامنوا برحمة منا ومن خزى يومئذ : أي ونجيناهم من خزي ذلك اليوم ، وذله وفضيحته ، ولا خزي أعظم من خزي من كان
____________
(1) والمخايل جمع المخيلة وهي ما يوقع في الخيال يعني به الامارات وخلت الشئ خيلا ومخيلا ظننته .
( 459 )

هلاكه بغضب الله وبأسه ، أو أريد بيومئذ : يوم القيامة ، وقرئ يومئذ : بفتح الميم بناء على بنائه حين أضيف إلى إذ . إن ربك هو القوى العزيز : القادر على كل شئ والغالب عليه .
(67) وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين : ميتين وأصل الجثوم : اللزوم في المكان ، وقد سبق تفسيره في سورة الاعراف مع تمام القصة .ألا إن ثمود وقرئ منونا . كفروا ربهم ألا بعدا لثمود .
(69) ولقد جاءت رسلنا إبرهيم : يعني الملائكة . بالبشرى : ببشارة الولد .
في المجمع : عن الصادق عليه السلام كانوا أربعة جبرئيل وميكائيل واسرافيل وكروبيل (1) .
وفيه ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام إن هذه البشارة كانت باسماعيل من هاجر . ويأتي من العلل ، والعياشي : إنها باسحق . قالوا سلاما : سلمنا عليك سلاما أي سلامة . قال سلام : أي أمركم سلام ، وقرئ سلم بالكسر والسكون . فما لبث أن جاء بعجل حنيذ : مشوى نضيج (2) .
العياشي : عن الباقر عليه السلام يعني زكيا مشويا نضيجا . وعن الصادق عليه السلام : يعني مشويا نضيجا .
وعنه عليه السلام إنه قال : كلوا ، فقالوا : لا نأكل حتى تخبرنا ما ثمنه ؟ قال : إذا أكلتم فقولوا : بسم الله ، وإذا فرغتم فقولوا : الحمد لله ، قال : فالتفت جبرئيل إلى أصحابه وكانوا أربعة رئيسهم جبرئيل ، فقال : حق لله أن يتخذ هذا خليلا .
(70) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه : لا يمدون إليه أيديهم نكرهم : أنكرهم . وأوجس منهم خيفة : أضمر منهم خوفا إن يريدوا به مكروها . قالوا لا تخف إنآ أرسلنا إلى قوم لوط : إنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب ، وإنما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل .
(71) وامرأته قائمة : تسمع محاورتهم وهي سارة ابنة لاحج ، وهي ابنة خالته .
____________
(1) بفتح الكاف وتخفيف الراء المضمومة . (2) نضج اللحم والفاكهة نضجا أي استوى وطاب أكله والاسم النضج بضم النون فهو نضيج .
( 460 )

العياشي : عن الباقر عليه السلام إنما عنى سارة . فضحكت : سرورا وحاضت من الفزع .
في العلل ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام يعني تعجبت من قولهم .
وفي المعاني ، والمجمع ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام حاضت .
والقمي : ضحكت أي حاضت ، وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل .
أقول : ومنه قول الشاعر : وعهدي بسلمى ضاحكا في لبابة ولم تعد حقا ثديها أن تحلبا ومنه ضحكت الثمرة ( الشجرة خ ل ) إذا سال صمغها . فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب : أي ومن بعده . وقيل : الوراء ولد الولد ، وقرئ يعقوب بالرفع .
(72) قالت يا ويلتى : يا عجبا وأصله في الشر فاطلق في كل أمر فظيع . ءألد وأنا عجوز وهذا بعلى : زوجي . شيخا : في العلل : عن أحدهما عليهما السلام وهي يومئذ ابنة تسعين سنة ، وإبراهيم يومئذ ابن عشرين ومأة سنة . إن هذا لشئ عجيب : يعني الولد من الهرمين وهو استعجاب بحسب العادة دون القدرة .
(73) قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت : يعني هذه وأمثالها مما يكرمكم الله به يا أهل بيت النبوة فليس هذا مكان تعجب . إنه حميد : فاعل ما يستوجب به الحمد . مجيد : كثير الخير والاحسان .
العياشي : عن الصادق عليه السلام قال : أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيولد لك ، فقال : لسارة ، فقالت : ءألد وأنا عجوز ؟ فأوحى الله إليه أنها ستلد ويعذب أولادها أربعمأة سنة بردها الكلام علي ، قال : فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى وهرون نخلصهم من فرعون ، فحط عنهم سبعين ومأة سنة ، قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا ، فأما إذا لم تكونوا فإن الامر ينتهي إلى منتهاه .
(74) فلما ذهب عن إبراهيم الروع : أي ما أوجس من الخيفة يعني لما اطمأن قلبه بعد الخوف . وجاءته البشرى : بدل الروع . يجادلنا في قوم لوط : يجادل رسلنا في شأنهم ومعناهم ، وكان لوط ابن خالته كما سبق ذكره في سورة الاعراف ، ومجادلته إياهم أنه


( 461 )

قال لهم : إن كان فيها مأة من المؤمنين أتهلكونهم فقال : جبرئيل لا إلى آخر ما يأتي في قصته .
(75) إن إبراهيم لحليم : غير عجول على من أساء إليه بالأنتقام . أواه : كثير الدعاء .
العياشي : عنهما عليهما السلام قالا دعاء . منيب : راجع إلى الله تعالى بما يحب ويرضى ، والغرض من هذا الكلام بيان الحامل له على المجادلة ، وهو رقة قلبه ، وفرط ترحمه .
(76) يا إبراهيم : على إرادة القول ، أي قالت الملائكة : يا إبراهيم . أعرض عن هذا عن الجدال ، وإن كانت الرحمة دأبك فلا فائدة فيه . إنه قد جاء أمر ربك : قضاؤه وحكمه الذي لا يصدر إلا عن حكمة . وإنهم آتيهم عذاب غير مردود : لا مرد له بجدال ولا غيره .
(77) ولما جاءت رسلنا لوطا سيئ بهم : ساءه مجيئهم لأنهم جاؤا في صورة غلمان فظن أنهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم . وضاق بهم ذرعا : وضاق بمكانهم ذرعه ، وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه . وقال هذا يوم عصيب شديد .
(78) وجاءه قومه يهرعون إليه : يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه . ومن قبل : ومن قبل ذلك الوقت . كانوا يعملون السيئات : الفواحش فتمرنوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤا يسارعون إليه مجاهرين . قال يا قوم هؤلاء بناتى : فتزوجوهن ، فدى بهن أضيافه كرما وحمية .
في الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام عرض عليهم التزويج .
والعياشي : عن أحدهما عليهما السلام أنه وضع يده على الباب ثم ناشدهم فقال : اتقو الله ولا تخزون في ضيفي ، ثم عرض عليهم بناته بنكاح .
والقمي : مقطوعا قال عنى به أزواجهم ، وذلك أن النبي هو أبو أمته فدعاهم إلى الحلال ولم يكن يدعوهم إلى الحرام . هن أطهر لكم : هن أنظف فعلا وأقل فحشا ، قيل : يعني أدبارهن .


( 462 )

وفي التهذيب ، والعياشي : عن الرضا عليه السلام إنه سئل عن إتيان الرجل المرأة من خلفها ؟ قال : أحله آية من كتاب الله قول لوط : ( هؤلاء بناتى هن أطهر لكم ) وقد علم أنهم لا يريدون الفرج . فاتقوا الله : في مواقعة الذكور . ولا تخزون : ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء أو لا تفضحوني من الخزي . في ضيفي : في شأنهم ، فإن إخزاء ضيف الرجل إخزاؤه . أليس منكم رجل رشيد : يهتدي إلى الحق ، ويرعوي عن القبيح .
(79) قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق : من حاجة . وإنك لتعلم ما نريد : عنوا إتيان الذكران .
(80) قال لو أن لى بكم قوة لو قويت بنفسي على دفعكم . أواوى إلى ركن شديد : أو أويت إلى قوي أتمنع به عنكم لدفعتكم عن أضيافي ، شبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته ، في الجوامع : قال جبرئيل : إن ركنك لشديد افتح الباب ودعنا وإياهم .
وفي المجمع : عن الصادق عليه السلام لو يعلم أي قوة له ، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد . وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام رحم الله لوطا لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنه منصور حيث يقول : ( لو أن لى بكم قوة أوءاوى إلى ركن شديد ) أي ركن أشد من جبرئيل معه في الحجرة .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام رحم الله لوطا لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنه منصور حيث يقول : ( لو أن لى بكم قوة أوءاوى إلى ركن شديد ) أي ركن أشد من جبرئيل معه في الحجرة .
(81) قالوا يالوط إنا رسل ربك : أرسلنا لأهلاكهم فلا تغتم . لن يصلوا إليك : بسوء أبدا . فأسر بأهلك : من الاسراء وهو السير ليلا ، وقرئ بالوصل من السري وهو بمعناه . بقطع من الليل : بطائفة منه .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام بقطع من الليل مظلما ، قال : هكذا قراءة أمير المؤمنين عليه السلام . ولا يلتفت منكم أحد : ولا يتخلف أو لا ينظر إلى ورائه . إلا امرأتك : وقرئ بالرفع . إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب


( 463 )

جواب لأستعجال لوط ، واستبطائه العذاب ، في الجوامع : روي أنه قال : متى موعد اهلاكهم ؟ قالوا : الصبح . قال : أريد أسرع من ذلك لضيق صدره بهم ، فقالوا ( أليس الصبح بقريب ) .
في العلل ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام فأسر بأهلك يا لوط إذا مضى لك من يومك هذا سبعة أيام ولياليها ( بقطع من الليل ) إذا مضى نصف الليل ، قال : فلما كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسحق ويعزونه (1) بهلاك قوم لوط ، وذلك قوله تعالى : ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) .
(82) فلما جاء أمرنا جعلنا عليها سافلها : بأن جعل جبرئيل جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء ثم قلبها عليهم واتبعوا الحجارة من فوقهم . وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل : من طين متحجر هي معربة من - سنك كل بدليل قوله تعالى : ( حجارة من طين ) . منضود : نضد معدا لعذابهم أو أرسل بعضه في أثر بعض متتابعا . القمي : يعني بعضها على بعض منضدة . مسومة : معلمة للعذاب .
القمي : أي منقوطة . عند ربك : في خزائنه .وما هي من الظالمين ببعيد : فإنهم بظلمهم حقيق بأن يمطر عليهم ، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل عن جبرئيل فقال : يعني ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام ( وما هي من الظالمين ببعيد ) ظالمي أمتك ، إن عملوا ما عمل قوم لوط . وفيه ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام من مات مصرا على اللواط لم يمت حتى يرميه الله بحجر من تلك الاحجار فيكون فيه منيته ،
وزاد العياشي : ولا يراه أحد .
والقمي : عنه عليه السلام ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل عمل قوم لوط إلا رمى الله كبده من تلك الحجارة تكون منيته بها ولكن الخلق لا يرونه .
____________
(1) العزاء الصبر يقال عزيته تعزية فتعزى ( صحاح ) .
( 464 )

والعياشي : عنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما عمل قوم لوط ما عملوا بكت الارض إلى ربها حتى بلغ دموعها العرش فأوحى الله عز وجل إلى السماء أن أحصبهم وأوحى إلى الارض أن اخسفي بهم .
في الكافي : عن الباقر عليه السلام قال ، كان قوم لوط من أفضل قوم خلقهم الله فطلبهم إبليس الطلب الشديد ، وكان من فضلهم وخيرتهم أنهم إذا خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم وتبقى النساء خلفهم ولم يزل إبليس يعتادهم وكانوا إذا رجعوا خرب إبليس ما كانوا يعملون ، فقال بعضهم لبعض : تعالوا نرصد لهذا الذي يخرب متاعنا فرصدوه فإذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان ، فقالوا له : أنت الذي تخرب متاعنا مرة بعد مرة ؟ فاجتمع رأيهم على أن يقتلوه فبيتوه عند رجل ، فلما كان الليل صاح فقال له : ما لك ؟ فقال : كان أبي ينومني على بطنه فقال له : تعال فنم على بطني ، قال : فلم يزل يدلك الرجل حتى علمه أن يفعل بنفسه فأولا علمه إبليس ، والثانية علمه هو ، ثم انسل ففر منهم ، وأصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه ، وهم لا يعرفونه فوضعوا أيديهم فيه حتى اكتفى الرجال بالرجال بعضهم ببعض ، ثم جعلوا يرصدون مارة الطريق فيفعلون بهم حتى تنكب (1) مدينتهم الناس ، ثم تركوا نساءهم وأقبلوا على الغلمان ، فلما رأى أنه قد أحكم أمره في الرجال جاء إلى النساء فصير نفسه امرأة ، ثم قال : إن رجالكن يفعل بعضهم ببعض قلن نعم قد رأينا ذلك ، وكل ذلك يعظهم لوط ويوصيهم ، وإبليس يغويهم حتى استغنى النساء بالنساء فلما كملت عليهم الحجة بعث الله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في زي غلمان عليهم أقبية ، فمروا بلوط وهو يحرث ، قال : أين تريدون ؟ ما رأيت أجمل منكم قط ، قالوا : إنا أرسلنا سيدنا إلى رب هذه المدينة ، قال : أو لم يبلغ سيدكم ما يفعل أهل هذه المدينة ؟ يا بني والله يأخذون الرجال فيفعلون بهم حتى يخرج الدم ، فقالوا : أمرنا سيدنا أن نمر وسطها ، قال : فلى إليكم حاجة ، قالوا : وما هي ؟ قال : تصبرون
____________
(1) نكب عنه كنصر وفرح نكبا ونكبا ونكوبا عدل كنكب وتنكب ونكبه تنكيبا نحاه لازم متعد وطريق منكوب على غير قصد ونكبة الطريق ونكب به عدل والنكب الطرح بالتحريك شبه ميل في الشئ ق .
( 465 )

هيهنا إلى اختلاط الظلام ، قال فجلسوا ، قال : فبعث ابنته فقال : جيئي لهم بخبز ، وجيئي لهم بماء في القرعة (1) وجيئي لهم عباء يتغطون بها من البرد ، فلما أن ذهبت الابنة أقبل المطر والوادي ، فقال لوط الساعة يذهب بالصبيان الوادي ، قال قوموا حتى نمضي ، وجعل لوط يمشي في أصل الحائط وجعل جبرئيل وميكائيل واسرافيل يمشون وسط الطريق فقال : يا بني امشوا هيهنا فقالوا أمرنا سيدنا أن نمر في وسطها وكان لوط يستغنم الظلام ، ومر إبليس فأخذ من حجر إمرأة صبيا فطرحه في البئر فتصايح أهل المدينة كلهم على باب لوط ، فلما أن نظروا إلى الغلمان في منزل لوط ، قالوا يا لوط قد دخلت في عملنا ، فقال هؤلاء ضيفي فلا تفضحون في ضيفي ، قالوا : هم ثلاثة خذ واحدا وأعطنا اثنين ، قال وأدخلهم الحجرة ، وقال لوط لو أن لي أهل بيت يمنعوني منكم ، قال وتدافعوا على الباب وكسروا باب لوط وطرحوا لوطا ، فقال له جبرئيل ( إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) فأخذ كفا من بطحاء (2) فضرب بها وجوههم ، وقال شاهت الوجوه فعمي أهل المدينة كلهم ، وقال لهم لوط يا رسل ربي فما أمركم ربي فيهم ؟ قالوا : أمرنا أن نأخذهم بالسحر ، قال فلي إليكم حاجة ، قالوا وما حاجتك ؟ قال تأخذونهم الساعة ، فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم ، فقالوا يا لوط ( إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) لمن يريد أن يأخذ ، فخذ أنت بناتك وامض ودع إمرأتك .
وفيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إن الله بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط ، جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وكروبيل ، فمروا بابراهيم وهم معتمون فسلموا عليه فلم يعرفهم ، ورأى هيئة حسنة ، فقال لا يخدم هؤلاء أحد إلا أنا بنفسي ، وكان صاحب ضيافة فشوى لهم عجلا سمينا حتى انضجه ثم قربه إليهم ، فلما وضعه بين أيديهم رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ، فلما رأى ذلك جبرئيل حسر العمامة عن وجهه ، وعن رأسه فعرفه إبراهيم فقال أنت هو ؟ قال نعم ، ومرت سارة إمرأته فبشرها باسحق
____________
(1) القرعة واحدة القرع وهو حمل اليقطين يجعل وعاء منه رحمه الله .
(2) البطح ككتف والبطحة والبطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى ق .