تفسير الصافي ج 3 ص 161 الى ص 180

( 118 ) وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل أي في سورة الأنعام بقوله وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية وما ظلمناهم بالتحريم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه وفيه دلالة على أن التحريم عليهم كان للعقوبة لا للمضرة .
( 119 ) ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة جاهلين غير متدبرين للعاقبة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها من بعد التوبة لغفور لذلك السوء رحيم يثيب على الأنابة .
( 120 ) إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا .
في الكافي عن الصادق عليه السلام والامة واحد فصاعدا كما قال الله وتلا الآية .
والقمي عن الباقر عليه السلام وذلك أنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره فكأنه امة واحدة وأما قانتا فالمطيع وأما الحنيف فالمسلم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام شيء فضله الله به وعن الكاظم عليه السلام لقد كانت الدنيا وما فيها إلا واحد يعبد الله ولو كان معه غيره إذا لأضافه إليه حيث يقول إن إبرهيم كان أمة الآية فعبر بذلك ما شاء الله ثم إن الله آنسه باسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة ولم يك من المشركين تكذيب لقريش فيما كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام .
( 121 ) شاكرا لانعمه لأنعم الله معترفا بها روي أنه كان لا يتغذى إلا مع ضيفه اجتبايه اختاره وهداه إلى صراط مستقيم إلى الطريق الواضح .
( 122 ) وآتيناه في الدنيا حسنة بأن حببه إلى الناس حتى أن أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه ورزقه أولادا طيبة وعمرا طويلا في السعة والطاعة وإنه في الآخرة لمن الصالحين لمن أهل الجنة كما سأله بقوله وألحقني بالصالحين .
( 123 ) ثم أوحينا إليك يا محمد أن اتبع ملة إبرهيم حنيفا وما كان من


( 162 )

المشركين قيل في ثم هذه تعظيم لمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإعلام بأن أفضل ما أوتي خليل الله من الكرامة إتباع نبينا ملته حيث دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام لا طريق للأكياس (1) من المؤمنين أسلم من الأقتداء لأنه المنهج الأوضح قال الله عز وجل ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبرهيم حنيفا فلو كان لدين الله تعالى مسلك أقوم من الأقتداء لندب أولياءه وأنبياءه إليه .
والعياشي عن الحسين بن علي عليهما السلام ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشعيتنا وساير الناس منها براء .
( 124 ) إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون .
القمي وذلك أن موسى عليه السلام أمر قومه أن يتفرغوا الى الله في كلّ سبعة أيام يوما يجعله الله عليهم وهم الذين اختلفوا فيه .
أقول : قد سبقت قصتهم في سورة الأعراف .
( 125 ) اُدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة بالمقالة المحكمة الصحيحة الموضحة للحق المزيحة للشبهة هذا للخواص والموعظة الحسنة الخطابات المقنعة والعبر النافعة التي لا يخفي عليهم إنك تناصحهم بها وتنفعهم فيها وهذا للعوام وجادلهم (2) بالتي هي أحسن بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة وهذا للمعاندين والجاحدين .
في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام يعني بالقرآن .
____________
(1) الكيس كفلس العقل والفطنة وجودة القريحة وقيل الكيس مخفف من كيس مثل هين وهين والاول اصح لان الكيس مصدر كاس كباع والكيّس بالتّثقيل اسم فاعل وجمعه اكياس مثل جيد واجياد م‍ .
(2) أي ناظرهم بالقرآن وباحسن ما عندك من الحجج وتقديره بالكلمة التي هي احسن والمعنى افتل المشركين واصرفهم عما هم عليه من الشرك بالرفق والسكينة ولين الجانب في النصيحة ليكونوا اقرب الى الاجابة فان الجدل هو فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج وقيل هو ان يجادلهم على قدر ما يحتملونه كما جاء في الحديث امرنا معاشر الانبياء ان نكلم الناس على قدر عقولهم مجمع البيان .

( 163 )

وفي الأحتجاج وتفسير الأمام عليه السلام عند قوله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين من سورة البقرة ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام نهوا عنه فقال الصادق عليه السلام لم ينه مطلقا ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقوله تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن فالجدال بالتي هي أحسن قد أمر به العلماء بالدين والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى قال الله تعالى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فجعل علم الصدق والأيمان بالبرهان وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن قيل يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن قال أما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله تعالى ولكن تجحد حقا يريد بذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شعيتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجة له على باطله وأما الضعفاء فتغتم قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل وأما الجدال بالتي هي أحسن وهو ما أمر الله به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياء الله تعالى له فقال الله له حاكيا عنه وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم وقال الله في الرد عليه قل يا محمد يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا إلى آخر السورة فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم فقال الله قل يحييها الذي أنشأها أول مرة أفيعجز من ابتدائه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى بل إبتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثم قال الذي جعل


( 164 )

لكم من الشجر الاخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أي إذا كمن [ تكن خ ل ] النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة ما بلى أقدرتم ثم قال أو ليس الذي خلق السماوات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي قال فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي قال الصادق عليه السلام فهذا الجدال بالتي هي أحسن لأن فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبهتهم وأما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين أي ليس عليك أن تهديهم ولا أن تردهم عن الضلالة وإنما عليك البلاغ فمن كان فيه خير كفاه البرهان والوعظ ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل فكأنك تضرب منه في حديد بارد .
( 126 ) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين .
القمي وذلك أن المشركين يوم احد مثلوا بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين استشهدوا فيهم حمزة فقال المسلمون أما والله لئن أدالنا الله عليهم لنمثلن بأخيارهم فذلك قول الله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به يعني بالاموات .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يوم احد من له علم بعمي حمزة فقال الحارث بن الصمت أنا أعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام أطلب يا علي عمك فجاء علي عليه السلام فوقف على حمزة فكره أن يرجع إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال ما وقفت موقفا قط أغيظ عليّ من هذا المكان لئن أمكنني


( 165 )

الله من قريش لأمثلن سبعين رجلا منهم فنزل عليه جبرئيل فقال وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل أصبر .
والعياشي عن الصادق عليه السلام لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صنع بحمزة بن عبد المطلب قال اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان على ما أرى ثم قال لئن ظفرت لأمثلن وامثلن قال فانزل الله وإن عاقبتم الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبر أصبر .
( 127 ) واصبر وما صبرك إلا بالله إلا بتوفيقه وتثبيته ولا تحزن عليهم على أصحابك وما فعل بهم فإن الله نقلهم إلى دار كرامته ولا تكُ في ضيق مما يمكرون في ضيق صدر من مكرهم وقريء بكسر الضاد .
( 128 ) إن الله مع الذين اتقوا الشرك والمعاصي والذين هم محسنون في أعمالهم . في ثواب الأعمال ، والعياشي عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان اللهم ارزقنا بحق محمد وآله .


( 166 )


سورة الأسراء

هي مكية وقيل إلا خمس آيات وقيل إلا ثمان وعدد آيها مأة وإحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

( 1 ) سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله أي إلى ملكوت المسجد الأقصى الذي هو في السماء كما يظهر من الأخبار الآتية لنريه من آياتنا إنه هو السميع لأقوال عبده البصير لأفعاله .
القمي عن الباقر عليه السلام إنه كان جالسا في المسجد الحرام فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلى إسماعيل الجعفي فقال أي شيء يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي قال يقولون أسرى به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس فقال ليس كما يقولون ولكنه اسرى به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن المساجد التي لها الفضل فقال المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قيل والمسجد الأقصى فقال ذاك في السماء إليه أسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال مسجد الكوفة أفضل منه .


( 167 )

وفي الكافي عنه عليه السلام إنه سئل كم عرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال مرتين .
والكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار مضطرب الأذنين عينيه في حافره وخطاه مد بصره .
وزاد في الكافي فإذا إنتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه أهدب (1) العرف (2) الأيمن له جناحان من خلفه .
وفي العيون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تعالى سخر لي البراق وهي دابة من دواب الجنة ليست بالقصير ولا بالطويل فلو أن الله أذن لها لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة وهي أحسن الدواب لونا .
والقمي عن الصادق عليه السلام جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ واحد باللجام وواحد بالركاب وسوى الاخر عليه ثيابه فتضعضعت (3) البراق فلطمها جبرئيل ثم قال اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله قال فترقت به ورفعته إرتفاعا ليس بالكثير ومعه جبرئيل عليه السلام يريه الآيات من السماء والأرض قال صلى الله عليه وآله وسلم فبينا أنا في مسيرتي إذ نادى مناد عن يميني يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم نادى مناد عن يساري يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم استقبلتني إمرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد انتظرني حتى أكلمك فلم ألتفت إليها ثم سرت فسمعت صوتا أفزعني فجاوزته فنزل بي جبرئيل فقال صل فصليت فقال لي تدري أين صليت فقلت لا فقال صليت بطيبة (4) وإليها مهاجرك ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم
____________
(1) هدب الشجر كفرح طال اغصانها وتدلت كاهدبت ق .
(2) وفي حديث ابن جبير ما اكلت لحما اطيب من مغرفة البرذون اي منبت عرفه من رقبته نهاية .
(3) ضعضعه هدمه حتى الارض وتضعضعت اركانه اي اتضعت م‍ .
(4) وطيبة على وزن شيبة اسم مدينة الرسول صلى الله عليه وآله صحاح .

( 168 )

قال لي إنزل فصل فنزلت فصلّيت فقال لي أتدري أين صليت فقلت لا فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي أنزل فصل فنزلت وصليت فقال لي أتدري أين صليت فقلت لا قال صليت ببيت لحم وبيت لحم بناحية بيت المقدس حيث ولد عيسى بن مريم عليهما السلام ثم ركبت فمضينا حتى إنتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء يربطون بها فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فيمن شاء الله من أنبياء الله فقد جمعوا إلي وأقيمت الصلاة ولا أشك إلا وجبرئيل سيتقدمنا فلما استووا أخذ جبرئيل بعضدي فقدمني وأممتهم ولا فخر ثم أتاني الخازن بثلاثة أوان إناء فيه لبن وإناء فيه ماء وإناء فيه خمر وسمعت قائلا يقول إن أخذ الماء غرق وغرقت امته وإن أخذ الخمر غوي وغوت امته وإن أخذ اللبن هدي وهديت امته قال فأخذت اللبن وشربت منه فقال لي جبرئيل هديت وهديت امتك ثم قال لي ماذا رأيت في مسيرك فقلت ناداني مناد عن يميني فقال لي أو أجبته فقلت لا ولم ألتفت إليه فقال ذلك داعي اليهود ولو أجبته لتهودت امتك من بعدك ثم قال ماذا رأيت فقلت ناداني مناد عن يساري فقال لي أو أجبته فقلت لا ولم ألتفت إليه فقال ذلك داعي النصارى ولو أجبته لتنصرت امتك من بعدك ثم قال ماذا استقبلك فقلت لقيت إمرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد إنتظرني حتى اكلمك فقال أو كلمتها فقلت لم اكلمها ولم ألتفت إليها فقال تلك الدنيا ولو كلمتها لاختارت امتك الدنيا على الآخرة ثم سمعت صوتا أفزعني فقال لي جبرئيل تسمع يا محمد قلت نعم قال هذه صخرة قذفتها على شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين إستقرت قالوا فما ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبض قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السماء الدنيا وعليها ملك يقال اسماعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله تعالى إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك فقال يا جبرئيل من هذا معك فقال محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال وقد بعث قال نعم ثم


( 169 )

s فتح الباب فسلمت عليه وسلم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وتلقتني الملائكة حتى دخلت السماء الدنيا فما لقيني ملك إلا ضاحك مستبشر حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر خلقا أعظم منه كريه المنظر ظاهر الغضب فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا أنه لم يضحك ولم أر فيه من الأستبشار ما رأيت مّمن ضحك من الملائكة فقلت من هذا يا جبرئيل فإني قد فزعت منه فقال لي يجوز أن يفزع منه فكلنا نفزع منه إن هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا وغيظا على أعداء الله وأهل معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك ولكنه لا يضحك فسلمت عليه فرد السلام عليّ وبشرني بالجنة فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم أمين ألا تأمره أن يريني النار فقال له جبرئيل يا مالك أر محمدا النار فكشف عنها غطاء وفتح بابا منها فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت وارتفعت حتى ظننت لتتناولني مما رأيت فقلت يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاءها فأمرها فقال ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه ثم مضيت فرأيت رجلا آدما جسيما فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا أبوك آدم عليه السلام فإذا هو يعرض عليه ذريته فيقول روح طيب وريح طيبة من جسد طيب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سورة المطففين على رأس سبع عشرة آية كلا إن كتاب الابرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون إلى آخرها قال فسلمت على أبي آدم وسلم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالأبن الصالح والنبي الصالح والمبعوث في الزمن الصالح ثم مررت بملك من الملائكة وهو جالس على مجلس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه وإذا بيده لوح من نور ينظر إليه مكتوب فيه كتابا ينظر فيه لا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه به كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح فقلت يا جبرئيل أدنني منه حتى اكلمه فأدناني منه فسلمت عليه وقال له جبرئيل هذا نبي الرحمة الذي أرسله الله إلى العباد فرحب بي وحياني بالسلام وقال


( 170 )

إبشر يا محمد فإني أرى الخير كله في امتك فقلت الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ذلك من فضل ربي ورحمته عليّ فقال جبرئيل هو أشد الملائكة عملا فقلت أكل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا يقبض روحه فقال نعم قلت ويراهم حيث كانوا ويشهدهم بنفسه فقال نعم .
فقال ملك الموت ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني عليها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار إلا وأنا أتصفحه كل يوم خمس مرات وأقول إذا بكى أهل البيت على ميتهم لا تبكوا عليه فإن لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفى بالموت طامة (1) يا جبرئيل فقال جبرئيل إن ما بعد الموت أطم وأطم من الموت قال ثم مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون اللحم الخبيث ويدعون الطيب فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من أمتك يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجبا نصف جسده نارا ونصفه الاخر ثلجا فلا النار يذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار وهو ينادي بصوت رفيع ويقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا يذيب الثلج وكف برد هذا الثلج فلا يطفي حر هذه النار اللهم مؤلف [ يا مؤلفا خ ل ] بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك وكله الله بأكناف (2) السماء وأطراف الأرضين وهو أنصح ملائكة الله لأهل الأرضين من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منه منذ خلق ملكان يناديان في السماء أحدهما يقول اللهم أعط كل منفق خلفا(3) والاخر يقول اللهم أعط كل ممسك تلفا ثم مضيت فإذا أنا بأقوام
____________
(1) الطامة الدهية لانها تطم على كل شيء اي تعلوه من طم الامر اعلاه م‍ .
(2) الكنف بالتحريك الجانب والناحية والاكناف الجوانب والنواحي م‍ .
(3) وفي الخبر اللهم اعط كل منفق خلفا أي عوضا عاجلا مالا أو دفع سوء واجلا ثوابا فكم من منفق قلما يقع به الخلف المالي م‍ .

( 171 )

لهم مشافر (1) كمشافر الأبل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الهمازون اللمازون ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يرضخ (2) رؤسهم بالصخر فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يقذف النار في أفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وإذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون عليها النار غدوا وعشيا ويقولون ربنا متى تقيم الساعة قال ثم مضيت فإذا أنا بنساء معلقات بُثديهنّ (3) فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتد غضب الله على إمرأة ادخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم فاطلع على عوراتهم وأكل خزائنهم ثم قال مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوههم كيف شاء ليس شيء من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم فقال كما ترى خلقوا إن الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط ولا رفعوا رؤسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتها خوفا لله وخشوعا فسلمت عليهم فردوا عليّ بايماء رؤوسهم ولا ينظرون إليّ من الخشوع فقال لهم جبرئيل هذا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة أرسله الله على العباد رسولا ونبيا وهو خاتم النبوة وسيدهم أفلا تكلموه قال فلما سمعوا ذلك من جبرئيل
____________
(1) المشفر من البعير بفتح الميم وكسرها والشين مفتوحة فيها كالجحفلة من الفرس وغيره من ذي الحافر والشفة من الانسان م‍ .
(2) الرضخ الدق والكسر ومنه ضخت رأسه بالحجارة م‍ .
(3) الثدي بالفتح وسكون المهملة وخفة الياء يذكر ويؤنث وهو للمرأة والرجل والجمع ثد وثدي بكسر الثاء وربما جاء على ثداء كسهم وسهام م‍ .

( 172 )

أقبلوا عليّ بالسلام وأكرموني وبشروني بالخير لي ولأمتي قال ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذان يا جبرئيل قال إبنا الخالة يحيى وعيسى عليهما السلام فسلمت عليهما وسلما عليّ واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وإذا فيها من الملائكة وعليهم الخشوع وقد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح الله ويحمده بأصوات مختلفة ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فإذا فيها رجل فضل حسنه سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا أخوك يوسف فسلمت عليه وسلم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبيّ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح وإذا فيها ملائكة من الخشوع مثل ما وصفت في والسماء الأولى والثانية وقال لهم جبرئيل في أمري ما قال للآخرين وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون ثم صعدنا إلى السماء الرابعة وإذا فيها رجل فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات فبشروني بالخير لي ولامتي ثم رأيت ملكا جالسا على سرير تحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه هو فصاح به جبرئيل فقال قم فهو قائم إلى يوم القيامة ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلا أكهل منه حوله ثلة من أمته فأعجبني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا المجيب في لقومه هارون بن عمران فسلمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة عليهم الخشوع مثل ما في السماوات ثم صعدنا إلى السماء السادسة وإذا فيها رجل أدم طويل كأنه من شعرة ولو أن عليه قميصين لنفذ شعره فيهما وسمعته يقول يزعم بنو إسرائيل إني أكرم ولد آدم على الله وهذا رجل أكرم على الله مني فقلت من هذا يا جبرئيل فقال أخوك موسى بن عمران فسلمت عليه وسلم عليّ واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة عليهم الخشوع مثل ما في السماوات قال ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما


( 173 )

مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد احتجم وأمر امتك بالحجامة وإذا فيها رجل اشمط (1) الرأس واللحية جالس على كرسي فقلت يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب بيت المعمور في جوار الله فقال يا محمد هذا أبوك إبراهيم عليه السلام وهذا محلك ومحل من إتقى من امتك ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين فسلمت عليه وسلم عليّ وقال مرحبا بالنبي الصالح والأبن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح وإذا فيها من الملائكة عليهم الخشوع مثل ما في السماوات فبشروني بالخير لي ولأمتي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ترعد فلما فرغت ورأيت هؤلاء سألت جبرئيل فقال إبشر يا محمد واشكر كرامة ربك واشكر الله على ما صنع إليك قال فثبتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل ويعجبي فقال جبرئيل يا محمد تعظّم ما ترى إنما هذا خلق من خلق ربك أن بين الله وبين خلقه تسعين ألف حجاب وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل وبيننا وبينه أربعة حجب حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من الغمام وحجاب من ماء قال ورأيت من العجائب الذي خلق الله وسخر به على ما أراد ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه عند العرش وملكا من ملائكة الله تعالى خلقه كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وإنتهى فيها مصعدا حتى إنتهى قرنه إلى قرب العرش وهو يقول سبحان ربي حيث ما كنت لا تدري أين ربك من عظم شأنه وله جناحان في منكبه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فإذا كان في السحر نشر جناحيه وخفق (2) بهما وصرخ (3) بالتسبيح يقول سبحان الله الملك القدوس سبحان الله الكبير المتعال لا إله إلا الله الحي القيوم
____________
(1) الشمط ـ بالتحريك ـ بياض شعر الرأس مخالط السواد .
(2) وخفق الطائر إذا طار وخفقاته اضطراب جناحيه م‍ .
(3) والصراخ بالضم الصوت والتصرخ تكلف الصّراخ وفي الحديث كان يقوم من الليل إذا سمع صوت الصارخ يعني بذلك الديك لانه كثير الصراخ بالليل م‍ .

( 174 )

وإذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت بالصراخ فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الأرض كلها ولذلك الديك زغب (1) أخضر وريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط وله زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط قال ثم مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيها ركعتين ومعي اناس من أصحابي عليهم ثياب جدد وآخرين عليهم ثياب خلقان (2) فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلق ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر ونهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة وإذا على حافتيها (3) بيوتي وبيوت أزواجي وإذا ترابها كالمسك وإذا جارية تنغمس في أنهار الجنة فقلت لمن أنت يا جارية فقالت لزيد بن حارثة فبشرته بها حين أصبحت وإذا بطيرها كالبخت (4) وإذا رمانها مثل الدّليب (5) العظام وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة سنة وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرئيل فقال هذه شجرة طوبى قال الله تعالى طوبى لهم وحسن مآب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها فقال هو سرادقات الحجب التي إحتجب الله تبارك وتعالى بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش وكل شيء فيه فانتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا الورقة منها تظل امة من الأمم فكنت منها كما قال الله تعالى قاب قوسين أو أدنى فناداني آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون قال القمي قد كتبنا ذلك في سورة البقرة .
أقول : وقد نقلناه عنه هناك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا
____________
(1) الزّغب محركة صغار الشعر ولينه حين يبدو من الصبي وكذلك من الشيخ حين يرقّ شعره ويضعف ومن الرّيش ول ما ينبت يقال زغب الفرخ زغيبا من باب تعب صغر ريشه مـ .
(2) خلق الثور كنصر وسمع وكرم خلوقة وخلقا محركة بليَ والخلق محركة البالي للمذكر والمؤنث ج خلقان ق .
(3) حفوا حوله يحفون حفا اي اطافوا به واستداروا وحفافا الشيء جانبا ص .
(4) البخت نوع من الابل مـ .
(5) الدلو مؤنث وقد يذكر ج أدل ودلاء ودلّى ودِلّى ق .

( 175 )

رب أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني فقال الله وقد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا منك إلا إليك قال وعلمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت اللهم أن ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك وذلي أصبح مستجيرا بعزك وفقري أصبح مستجيرا بغناك ووجهي البالي أصبح مستجيرا بوجهك الباقي الذي لا يفنى وأقول ذلك إذا أمسيت ثم سمعت الأذان فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال الله أكبر الله أكبر فقال الله صدق عبدي أنا أكبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال صدق عبدي أنا الله لا إله غيري فقال أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله فقال صدق عبدي أن محمدا عبدي ورسولي أنا بعثته وانتجبته فقال حي على الصلاة حي على الصلاة فقال صدق عبدي دعا إلى فريضتي فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا كانت كفارة لما مضى من ذنوبه فقال حي على الفلاح حي على الفلاح فقال الله هي الصلاح والنجاح والفلاح ثم أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس قال ثم غشيتني صبابة فخررت ساجدا فناداني ربي إني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقم بها أنت في امتك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنحدرت حتى مررت على إبراهيم عليه السلام فلم يسألني عن شيء حتى إنتهيت إلى موسى عليه السلام فقال ما صنعت يا محمد فقلت قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقال موسى يا محمد إن امتك آخر الأمم وأضعفها وإن ربك لا يرد عليك شيئا وإن امتك لا تستطيع أن تقوم بها فإرجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك فرجعت إلى ربي حتى إنتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجدا ثم قلت فرضت عليّ وعلى امتي خمسين صلاة ولا اطيق ذلك ولا امتي فخفف عني فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته فقال إرجع إلى ربك لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته فقال ارجع وفي كل رجعة أرجع إليه أخر ساجدا حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى عليه السلام وأخبرته فقال لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني


( 176 )

خمسا فرجعت إلى موسى وأخبرته فقال لا تطيق فقلت قد أستحييت من ربي ولكن أصبر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر ومن هم من امتك بحسنة يعملها فعملها كتبت له عشرا وإن لم يعمل كتبت له واحدة ومن هم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وإن لم يعملها لم أكتب عليه فقال الصادق عليه السلام جزى الله موسى عن هذه الامة خيرا فهذا تفسير قول الله عزوجل سبحان الذي أسرى بعبده الآية .
وفي المجالس عن الصادق عليه السلام لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق فأتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلى بها ورده فمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رجوعه بعير (1) لقريش وإذا لهم ماء في آنية وقد أضلوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فشرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الماء وأهرق باقيه فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لقريش إن الله تعالى قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار الأنبياء ومنازلهم وإني مررت بعير في موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيرا لهم فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك فقال أبو جهل قد مكنتكم الفرصة فسألوه كم الأساطين فيها والقناديل فقالوا يا محمد أن هاهنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه فجاء جبرئيل عليه السلام فعلق صورة بيت المقدس تجاه (2) وجهه فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه فلما أخبرهم قالوا حتى يجيء العير ونسألهم عما قلت فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصديق ذلك أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق (3) فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبينما هم كذلك إذ أطلعت عليهم العير حتى طلع القرص يقدمها جمل أورق
____________
(1) العير بالكسر القافلة مؤنثة والابل تحمل الميرة بلا واحد من لفظها أو كل ما امتير عليه ابلا كانت أو حميرا أو بغالا ج كعنبات ويسكن ق .
(2) ووجاهك وتجاهك مثلثين تلقاء وجهك ق .
(3) الاورق من الابل ما في لونه بياض الى سواد وهو من أطيب الابل لحما لا سيرا وعملا ق .

( 177 )

فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا لقد كان هذا ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماء فأصبحنا وقد اهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتوا . والقمي ما يقرب منه وفي كشف الغمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فقال خاطبني بلغة علي بن أبي طالب عليه السلام فألهمت أن قلت يا رب خاطبتني أم علي فقال يا أحمد أنا شيء ليس كالأشياء ولا أقاس بالناس ولا أوصف بالأشياء خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سراير قلبك فلم أجد إلى قلبك أحب من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كي ما يطمئن قلبك والأخبار في قصة المعراج كثيرة من أرادها فليطلبها من مواضعها وفيها أسرار لا يعثر عليها إلا الراسخون في العلم .
( 2 ) وآتينا موسى الكتاب (1) وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا (2) وقريء بالياء من دوني وكيلا ربا تكلون إليه أموركم .
( 3 ) ذرية من حملنا مع نوح (3) نصبه على الأختصاص أو النداء إنه كان عبدا شكورا كثير الشكر .
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل ما عنى بقوله إنه كان عبدا شكورا فقال كلمات بالغ فيهن قيل وما هن قال كان إذا أصبح قال أصبحت أشهدك ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فإنها منك وحدك لا شريك لك فلك الحمد على ذلك ولك الشكر كثيرا كان يقولها إذا أصبح ثلاثا وإذا أمسى ثلاثا .
وفي الفقيه والعلل والقمي والعياشي ما يقرب منه على إختلاف في ألفاظ الذكر وعدده .
( 4 ) وقضينا إلى بنى إسرائيل وأوحينا إليهم وحيا مقضيا مبتوتا في
____________
(1) اي وجعلنا التوراة حجة ودلالة وبيانا وارشادا لبني اسرائيل يهتدون به مجمع البيان .
(2) اي امرناهم أن لا يتخذوا من دوني معتمدا يرجعون إليه في النوائب وقيل ربا يتوكلون عليه م ن .
(3) أي أولاد من حملنا مع نوح في السفينة فأنجيناهم من الطوفان م‍ ن .

( 178 )

الكتاب في التوراة لتفسدن (1) في الارض مرتين إفسادتين ولتعلن علوا كبيرا (2) .
( 5 ) فإذا جاء وعد أوليهما وعد عقاب اوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا .
في الجوامع عن علي عليه السلام أنه قرأ عبيدا لنا أولي بأس شديد ذوي قوة وبطش في الحرب شديد فجاسوا ترددوا لطلبكم خلال الديار وسطها للقتل والغارة والسبي وكان وعدا مفعولا وكان وعد عقابهم لابد أن يفعل .
( 6 ) ثم رددنا لكم الكرة الدولة والغلبة عليهم على الذين بعثوا عليكم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا مما كنتم والنفير من ينفر مع الرجل من قومه والمجتمعون للذهاب إلى العدو .
( 7 ) إن أحسنتم أحسنتم لانفسكم (3) لأن ثوابه لها وإن أسأتم فلها فإن وبالها عليها .
في الجوامع عن علي عليه السلام ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه وتلا الآية قيل وإنما ذكر باللام إزدواجا .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام وإن أسأتم فلها رب يغفر فإذا جاء وعد الآخرة وعد عقوبة المرة الآخرة ليسوؤا وجوهكم بعثناهم ليسوؤا وجوهكم ليجعلوها بادية آثار المساءة فيها فحذف لدلالة ذكره أولا عليه وقريء ليسوء على التوحيد أي الوعد أو البعث وبالنون وليدخلوا المسجد (4) كما دخلوه أول مرة وليتبروا وليهلكوا ما علوا ما غلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم تتبيرا .
____________
(1) اي حقا لا شك فيه ان اخلافكم سيفسدون في البلاد التي يسكنونها كرتين وهي بيت المقدس واراد بالفساد الظلم واخذ المال وقتل الانبياء وسفك الدماء م‍ ن .
(2) أي ولتستكبرن ولتظلمن الناس ظلما عظيما والعلو نظير العتو هنا وهو الجرأة على الله تعالى والتعرض لسخطه م‍ ن .
(3) معناه ان احسنتم في اقوالكم وافعالكم فنفع احسانكم عائد عليكم وثوابه واصل اليكم تنصرون على اعدائكم الدنيا وتثابون في العقبى م‍ ن .
(4) أي بيت المقدس ونواحيه فكنى بالمسجد وهو المسجد الاقصى عن البلد كما كنى بالمسجد الحرام عن الحرم ومعناه ليستولوا على البلد لانه لا يمكنهم دخول المسجد الا بعد الاستيلاء م‍ ن .

( 179 )

( 8 ) عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم نوبة أخرى عدنا مرة ثالثة إلى عقوبتكم وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا محبسا لا يقدرون الخروج منها أبدا والعامة فسروا الأفسادتين بقتل زكريا ويحيى والعلو الكبير بإستكبارهم عن طاعة الله وظلمهم الناس والعباد أولي بأس بخت نصر وجنوده ورد الكرة عليهم برد بهمن بن إسفنديار اسراءهم إلى الشام وتمليكه دانيال عليهم ووعده الآخرة بتسليط الله الفرس عليهم مرة اخرى .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه فسر الأفسادتين بقتل علي بن أبي طالب عليه السلام وطعن الحسن عليه السلام والعلو الكبير بقتل الحسين عليه السلام والعباد أولى بأس بقوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وترا (1) لآل محمد صلوات الله عليهم إلا قتلوه ووعد الله بخروج القائم عليه السلام ورد الكرة عليهم بخروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب حين كان الحجة القائم بين أظهرهم .
وزاد العياشي ثم يملكهم الحسين عليه السلام حتى يقع حاجباه ألى عينيه .
والعياشي عنه عليه السلام أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه ويزيد بن معوية وأصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة ثم تلا هذه الآية ثم رددنا .
وفي رواية أخرى للعياشي عن الباقر عليه السلام إن العباد أولي بأس هم القائم وأصحابه والقمي وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب أي أعلمناهم ثم إنقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب الله أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال لتفسدن في الارض مرتين يعني فلانا وفلانا وأصحابهما ونقضهم العهد ولتعلن علوا كبيرا يعني ما إدعوه من الخلافة فإذا جاء وعد أولاهما يعني يوم الجمل بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد يعني أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه فجاسوا خلال
____________
(1) الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا وترة ص .
( 180 )

الديار أي طلبوكم وقتلوكم وكان وعدا مفعولا يعني يتم ويكون ثم رددنا لكم الكرة عليهم يعني لبني أمية على آل محمد وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا من الحسن والحسين عليهما السلام ابني علي وأصحابهما وسبوا نساء آل محمد صلوات الله عليهم فإذا جاء وعد الآخرة يعني القائم وأصحابه ليسوؤا وجوهكم يعني يسود وجوههم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وأمير المؤمنين عليه السلام ليتبروا ما علوا تتبيرا أي يعلو عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد فقال عسى ربكم أن يرحمكم أي ينصركم على عدوكم ثم خاطب بني امية فقال وإن عدتم عدنا يعني إن عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد صلوات الله عليهم وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا حبسا يحصرون فيها .
( 9 ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم للطريقة التي هي أقوم الطرق وأشد استقامة .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أي يدعو وعنه عليه السلام يهدي إلى الأمام عليه السلام .
والعياشي مقطوعا مثله .
وعن الباقر عليه السلام يهدي إلى الولاية .
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده السجاد عليهما السلام الأمام منا لا يكون إلا معصوما وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصا فقيل ما معنى المعصوم قال هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن والقرآن يهدي إلى الأمام وذلك قول الله عز وجل إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا .
( 10 ) وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما يعني يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم .
( 11 ) ويدعُو الانسان بالشر دعاءه بالخير مثل دعائه بالخير وكان الانسان