تفسير الصافي ج 3 ص 181 الى ص 200
عجولا في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام وأعرف طريق نجاتك وهلاكك كيلا تدعوا الله بشيء عسى فيه هلاكك وأنت تظن أن فيه نجاتك قال الله تعالى ويدعو الانسان الآية .
والعياشي عنه عليه السلام قال لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه وثب ليقوم قبل أن يستتم خلقه فسقط فقال الله عز وجل وكان الانسان عجولا .
( 12 ) وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتطلبوا في بياض النهار أسباب معايشكم ولتعلموا بإختلافهما ومقاديرهما عدد السنين والحساب وكل شيء تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا فصلناه تفصيلا بيناه بيانا غير ملتبس في نهج البلاغة وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراهما في مناقل مجراهما وقدر مسيرهما في مدارج مدرجهما ليتميز بين الليل والنهار بهما وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما .
وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور قال لما خلقهما الله عز وجل أطاعا ولم يعصيا شيئا فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا علم الصائم كم يصوم ولا عرف الناس عدد السنين وذلك قول الله عز وجل وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية .
وفي الأحتجاج قال ابن الكوا لأمير المؤمنين عليه السلام أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء أما سمعت الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة .
وعن الصادق عليه السلام لما خلق الله القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو السواد الذي ترونه .
والعياشي ما يقرب من الحديثين .


( 182 )

( 13 ) وكل إنسان ألزمناه طائره عمله وما قدر له كأنه طير له من عش الغيب ووكر القدر في عنقه لزوم الطوق في عنقه .
العياشي عنهما عليهما السلام .
والقمي قال قدره الله الذي قدر عليه .
والقمي عن الباقر عليه السلام خيره وشره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل ونخرج له يوم القيامة كتابا هي صحيفة عمله .
أقول : هي بعينها نفسه التي رسخت فيها آثار أعماله بحيث انتقشت بها يلقاه منشورا لكشف الغطاء وقريء يلقاه بالتشديد والبناء للمفعول .
( 14 ) اقرأ كتابك على إرادة القول كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا .
في المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال يذكر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتى كأنه فعله في تلك الساعة فلذلك قالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
( 15 ) من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا تحمل نفس حاملة وزرا وزرت نفس اخرى بل إنما تحمل وزرها وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا يبين الحجج ويمهد الشرايع فيلزمهم الحجة .
في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة قال لا قيل فهل كلفوا المعرفة قال لا على الله البيان لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها .
( 16 ) وإذا أردنا أن نهلك قرية وإذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم بدنو وقته المقدر أمرنا مترفيها متنعميها ففسقوا فيها .
القمي كثرنا جبابرتها .
والعياشي عن الباقر عليه السلام أمرنا مشددة ميمه تفسيره كثرنا وقال لا قرأتها مخففة وعنه عليه السلام أمرنا أكابرها .


( 183 )

وفي المجمع عنه عليه السلام إنه قرأ أمرنا بتشديد الميم وعن علي عليه السلام إنه قريء آمرنا على وزن عامرنا يقال آمرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته وفي الحديث خير المال سكة مابورة (1) ومهرة مأمورة أي كثيرة النتاج والسكة النخل والمهرة الفرس وقيل تخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور فحق عليها القول يعني كلمة العذاب فدمرناها تدميرا أهلكناها .
( 17 ) وكم أهلكنا وكثيرا أهلكنا من القرون من بعد نوح كعاد وثمود وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها .
( 18 ) من كان يريد العاجلة النعمة الدنيوية مقصورا عليها همته عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والأرادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه ولا كل أحد جميع ما يهواه وليعلم إن الأمر بالمشيئة ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا مطرودا من رحمة الله .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معنى الآية من كان يريد ثواب الدنيا بعمله إفترضه الله عليه لا يريد به وجه الله والدار الآخرة عجل له ما يشاء الله من عرض الدنيا وليس له ثواب الآخرة وذلك إن الله سبحانه يؤتيه ذلك ليستعين به على الطاعة فيستعمله في معصية الله فيعاقبه الله عليه .
( 19 ) ومن أراد الآخرة وسعى لَهَا سعيها حقها من السعي وهو الأتيان بما أمر به والأنتهاء عما نهي عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم وفائدة اللام إعتبار النية والأخلاص وهو مؤمن إيمانا لا شرك فيه ولا تكذيب فأولئك كان سعيهم مشكورا من الله مقبولا عنده مثابا عليه .
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن أراد الآخرة فليترك زينة الحياة الدنيا .
____________
(1) ابر فلان نخله اي لقمه واسلمه ومنه سكة مأبورة .
( 184 )

( 20 ) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك كل واحد من الفريقين نتفضل عليه بالعطاء مرة بعد أخرى نجعل الآنف منه مددا للسالف لا نقطعه فنرزق المطيع والعاصي جميعا وما كان عطاء ربك محظورا ممنوعا لا يمنع العاصي لعصيانه .
( 21 ) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض في الدنيا وللاخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا أي التفاوت في الآخرة أكثر .
في المجمع روي أن ما بين أعلى درجات الجنة وأسفلها مثل ما بين السماء والأرض .
والعياشي عن الصادق عليه السلام لا تقولن الجنة واحدة إن الله يقول ومن دونهما جنتان ولا تقولن درجة واحدة إن الله يقول درجات بعضها فوق بعض إنما تفاضل القوم بالأعمال قيل له إن المؤمنين يدخلان الجنة فيكون أحدهما أرفع مكانا من الاخر فيشتهي أن يلقى صاحبه قال من كان فوقه فله أن يهبط ومن كان تحته لم يكن له أن يصعد لأنه لم يبلغ ذلك المكان ولكنهم إذا أحبوا ذلك وإستهووه إلتقوا على الأسرة وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلّفى من ربهم على قدر عقولهم .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الثواب على قدر العقل .
( 22 ) لا تجعل مع الله إلها آخر الخطاب لكل واحد أو للرسول والمراد به أمته كما قاله القمي فتقعد مذموما مخذولا يعني إذا فعلت ذلك بقيت ما عشت مذموما على ألسنة العقلاء مخذولا لا ناصر لك وإنما عبر عن ذلك بالقعود لأن في القعود معنى الذل والعجز والهوان يقال قعد به الضعف .
( 23 ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وأمر أمرا مقطوعا به بأن لا تعبدوا إلا إياه لأن غاية التعظيم لا يحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الأنعام ويجوز أن يكون أن مفسرة ولا ناهية ويأتي فيه حديث بعد ثماني عشرة آية وبالوالدين إحسانا أن تحسنوا أو أحسنوا بالوالدين إحسانا لأنهما السبب الظاهر للوجود والتعيش إما يبلغن إما أن


( 185 )

الشرطية زيدت عليها ما للتأكيد ولهذا صح لحوق النون عندك الكبر في كنفك وكفالتك أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف إن أضجراك ولا تنهرهما ولا تزجرهما .
القمي أي لا تخاصمهما وقل لهما قولا كريما حسنا جميلا .
( 24 ) واخفض لهما جناح الذل جناحك الذليل أو جعل الذل جناحا للمبالغة أي تذلل لهما وتواضع من الرحمة من فرط رحمتك عليهما لأفتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله إليهما وقل رب ارحمهما وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية كما ربياني صغيرا جزاء لرحمتهما عليّ وتربيتهما وإرشادهما لي في صغري .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل ما هذا الأحسان فقال أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا وإن كانا مستغنيين أليس الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما قال إن أضجراك فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما إن ضرباك وقل لهما قولا كريما قال إن ضرباك فقل لهما غفر الله لكما فذلك منك قول كريم واخفض لهما جناح الذل من الرحمة قال لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما .
وعنه عليه السلام لو علم الله شيئا أدنى من أف لنهى عنه وهو من أدنى العقوق .
وزاد في الكافي ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما .
وعن الكاظم عليه السلام سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حق الوالد على ولده قال لا يسميه باسمه ولا يمشي بين يديه ولا يجلس قبله ولا يستسب له .
وفي الجوامع إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال رغم أنفه ثلاث مرات قالوا من يا رسول الله قال من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ولم يدخل الجنة .


( 186 )

وعن حذيفة أنه إستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قتل أبيه وهو في صف المشركين قال دعه يَلِهِ غيرك .
( 25 ) ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للاوابين غفورا .
العياشي عن الصادق عليه السلام هم التوابون المتعبدون .
وفي المجمع عنه عليه السلام الأواب التواب المتعبد الراجع عن ذنبه .
وعنه عليه السلام صلاة أربع ركعات تقرأ في كل ركعة خمسين مرة قل هو الله أحد .
( 26 ) وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل قيل في تفسير العامة وصى سبحانه بغير الوالدين من القرابات والمساكين وأبناء السبيل بأن تؤتى حقوقهم بعد أن وصى بهما وقيل فيه أن المراد بذي القربى قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
والقمي يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزلت في فاطمة عليها السلام فجعل لها فدك والمسكين من ولد فاطمة وأبن السبيل من آل محمد صلوات الله عليهم وولد فاطمة عليها السلام وأورد في سورة الروم قصة فدك مفصلة في تفسير نظير هذه الآية .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام في حديث له مع المهدي إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وآت ذا القربى حقه ولم يدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هم فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل ربه فأوحى الله إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة عليها السلام فدعاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا فاطمة إن الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدك فقالت قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك الحديث .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث له مع المأمون والآية الخامسة قول الله تعالى وآت ذا القربى حقه خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم


( 187 )

على الامة فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ادعوا لي فاطمة عليها السلام فدعيت له فقال يا فاطمة قالت لبيك يا رسول الله فقال هذه فدك هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة دون المسلمين فقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك .
والعياشي عن الصادق عليه السلام لما أنزل الله وآت ذا القربى حقه والمسكين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جبرئيل قد عرفت المسكين من ذو القربى قال هم أقاربك فدعا حسنا وحسينا وفاطمة عليهم السلام فقال إن ربي أمرني أن أعطيكم مما أفاء الله عليّ قال اعطيكم فدك مع أخبار اُخر في هذا المعنى .
وفي الأحتجاج عن السجاد عليه السلام إنه قال لبعض الشاميين أما قرأت هذه الآية وآت ذا القربى حقه قال نعم قال فنحن أولئك الذين أمر الله نبيه أن يؤتيهم حقهم .
وفي المجمع عنه عليه السلام برواية العامة ما في معناه .
وعن أبي سعيد الخدري أنه لما نزلت هذه الآية أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام فدك .
وبالجملة الأخبار في هذا المعنى مستفيضة وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث ثم قال جل ذكره وآت ذا القربى حقه وكان علي عليه السلام وكان حقه الوصية التي جعلت له والأسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة .
أقول : لا تنافي بين هذا الحديث والأحاديث السابقة ولا بينهما وبين تفسيري العامة ولا بين تفسيريهم كما يظهر للمتدبر العارف بمخاطبات القرآن ومعنى الحقوق ومن الذي له الحق ومن الذي لا حق له والحمد لله ولا تبذر تبذيرا بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الأسراف وأصل التبذير التفريق في الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه مر بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف يا سعد قال أفي الوضوء سرف قال نعم وإن كنت على نهر جار .


( 188 )


وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه قال لرجل إتق الله ولا تسرف ولا تقتر وكن بين ذلك قواما إن التبذير من الأسراف قال الله ولا تبذر تبذيرا .
والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال من أنفق شيئا في غير طاعة الله فهو مبذر ومن أنفق في سبيل الله فهو مقتصد .
وعنه عليه السلام إنه سئل أفيكون تبذير في حلال قال نعم .
وعنه عليه السلام أنه دعا برطب فأقبل بعضهم يرمي بالنوى فقال عليه السلام لا تفعل إن هذا من التبذير وأن الله لا يحب الفساد .
وفي المجالس عنه عليه السلام في قول الله ولا تبذر تبذيرا قال لا تبذر في ولاية علي عليه السلام .
( 27 ) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين أمثالهم السالكين طريقتهم وهذا هو غاية الذم وكان الشيطان لربه كفورا مبالغا في الكفر فينبغي أن لا يطاع .
( 28 ) وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك بإيتاء حقوقهم حياءا من الرد لتبتغي الفضل من ربك والسعة التي يمكنك معها البذل فقل لهم قولا لينا وعدهم عدة جميلة فوضع الأبتغاء موضع فقد الرزق لأن فاقد الرزق مبتغ له .
وفي المجمع والعياشي روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لما نزلت هذه الآية إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال يرزقنا الله وإياكم من فضله .
( 29 ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك (1) ولا تبسطها كل البسط (2) تمثيل لمنع الشحيح وإسراف المبذر نهى عنهما وأمر بالأقتصاد بينهما الذي هو الكرم والجود فتقعد ملوما محسورا .
____________
(1)أي لا تكن ممن لا يعطي شيئا ولا يهب فتكون بمنزلة من يده مغلولة الى عنقه لا يقدر على الاعطاء والبذل وهذا مبالغة في النهي عن الشح والامساك .
(2) أي ولا تعطي أيضا جميع ما عندك فتكون بمنزلة من بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء وهذا كناية عن الاسراف .

( 189 )

في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئا إلا أعطاه فأرسلت إليه إمرأة إبنا لها فقالت إنطلق إليه فاسأله فإن قال ليس عندنا شيء فقل اعطني قميصك قال فأخذ قميصه وأعطاه فأدبه الله على القصد فقال ولا تجعل يدك الآية .
وفي الكافي عنه عليه السلام في حديث ثم علم الله نبيه كيف ينفق وذلك أنه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده فتصدق بها وأصبح وليس عنده شيء وجاء من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل وإغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيما رقيقا فأدب الله نبيه بأمره فقال ولا تجعل يدك الآية يقول قد يسألونك ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال .
وعنه عليه السلام في هذه الآية قال الأحسار الفاقة .
والعياشي عنه عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية الأحسار الأقتار والقمي قال كان سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يرد أحدا يسأله شيئا عنده فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شيء فقال يكون إن شاء الله فقال يا رسول الله أعطني قميصك فأعطاه قميصه فأنزل الله ولا تجعل الآية فنهاه الله أن يبخل ويسرف ويقعد محسورا من الثياب فقال الصادق عليه السلام المحسور العريان .
وفي التهذيب والعياشي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك قال ضم يديه فقال هكذا ولا تبسطها كل البسط قال بسط راحته وقال هكذا .
( 30 ) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسعه ويضيقه بحسب المصلحة إنه كان بعباده خبيرا بصيرا فيعلم مصالحهم وما ينبغي لهم وما لا ينبغي كما ورد في الحديث القدسي وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وقال وإني لأعلم بمصالح


( 190 )

عبادي وتمام الحديث يطلب في الكافي وفي نهج البلاغة وقدر الأرزاق فكثرها وقللها وقسمها على الضيق والسعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها .
( 31 ) ولا تقتلوا أولادكم (1) خشية إملاق .
القمي يعني مخافة الفقر والجوع فإن العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك .
والعياشي عن الصادق عليه السلام الحاج لا يملق أبدا قيل ما الأملاق فقال الأفلاس ثم تلا هذه الآية نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا ذنبا كبيرا وقريء بفتح الخاء والطاء وهو ضد الصواب أو بمعنى الخطاء وبالكسر والمد وهو إما لغة فيه أو مصدر .
( 32 ) ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة قبيحة زائدة على حد القبح وساء سبيلا (2) .
القمي عن الباقر عليه السلام يقول معصية ومقتا فإن الله يمقته ويبغضه قال وساء سبيلا وهو أشد النار عذابا والزنا من أكبر الكباير .
وفي الفقيه والخصال عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته له يا علي في الزّنا ست خصال ثلاث منها في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ويعجل الفناء ويقطع الرزق وأما التي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرحمان والخلود في النار وعنه عليه السلام إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل .
( 33 ) ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق إلا بإحدى ثلاث كفر بعد الأيمان وزنا بعد إحصان وقتل مؤمن عمدا ومن قتل مظلوما غير مستوجب للقتل فقد
____________
(1) وانما نهاهم الله عن ذلك لانهم كانوا يئدون البنات يدفنونهنّ أحياء .
(2) فيه إشارة الى ان العقل يقبح الزنا من حيث انه لا يكون للولد نسب إذ ليس بعض الزناة اولى به من بعض فيؤدي الى قطع الانساب وابطال المواريث وابطال صلة الرحم وحقوق الاباء على الاولاد وذلك مستنكر في العقول .

( 191 )

جعلنا لوليه لمن يلي أمره بعد وفاته سلطانا تسلطا بالمؤاخذة فلا يسرف في القتل وقريء بالتاء إنه كان منصورا .
القمي يعني ينصر ولد المقتول على القاتل .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية قيل فما هذا الأسراف الذي نهى الله عنه قال نهى أن يقتل غير قاتله أو يمثل بالقاتل قيل فما معنى قوله إنه كان منصورا قال وأي نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلى أولياء المقتول فتقتله ولا تبعة تلزمه من قتله في دين ولا دنيا .
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام إذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيهم شاؤا وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد إن الله عز وجل يقول ومن قتل مظلوما إلى قوله فلا يسرف في القتل .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام نزلت في الحسين عليه السلام لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا .
( 34 ) ولا تقربوا مال اليتيم فضلا عن أن تتصرفوا فيه إلا بالتى هي أحسن إلا بالطريقة التي هي أحسن وهي حفظه عليه حتى يبلغ أشده .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام إنقطاع يتم اليتيم الأحتلام وهو أشده .
وعنه عليه السلام إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة سنة وجب عليه ما وجب على المحتلمين إحتلم أو لم يحتلم كتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شيء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها .
والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب منه وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا .
في الخصال عن الصادق عليه السلام ثلاث لم يجعل الله لأحد من الناس فيهن رخصة وعد منها الوفاء بالعهد .


( 192 )

( 35 ) وأوفوا الكيل إذا كلتم ولا تبخسوا فيه وزنوا بالقسطاس المستقيم بالميزان السوي وقريء بكسر القاف .
القمي عن الباقر عليه السلام هو الميزان الذي له لسان ذلك خير وأحسن تأويلا وأحسن عاقبة .
( 36 ) ولا تقف ولا تتبع .
القمي أي لا تقل ما ليس لك به علم .
القمي قال لا ترم أحدا بما ليس لك به علم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بهت (1) مؤمنا أو مؤمنة اقيم في طينة (2) خبال أو يخرج مما قال إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية يسئل السمع عما سمع والبصر عما نظر إليه والفؤاد عما عقد عليه .
والكافي وفي الفقيه والقمي والعياشي عنه عليه السلام قال له رجل إن لي جيرانا ولهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما دخلت المخرج فاطيل الجلوس إستماعا مني لهن فقال الصادق عليه السلام لا تفعل فقال والله ما هو شيء آتيه برجلي إنما هو سماع أسمعه باذني فقال له الصادق عليه السلام تالله أنت أما سمعت الله يقول إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فقال الرجل كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من عربي ولا عجمي لا جرم إني قد تركتها وأنا أستغفر الله الحديث .
وفي العلل عن السجاد عليه السلام ليس لك أن تتكلم بما شئت لأن الله
____________
(1) بهته كمنعه بهتا وبهتا وبهتانا قال عليه ما لم يفعل ق .
(2) قوله في طينة خبال بفتح خاء وباء موحدة وفسرت بصديد اهل النار وما يخرج من فروج الزناة فيجمع ذلك في قدر جهنم م‍ .

( 193 )

يقول ولا تقف ما ليس لك به علم ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو صمت فسلم وليس لك أن تسمع ما شئت لأن الله عز وجل يقول إن السمع والبصر الآية .
وفي مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام ومن نام بعد فراغه من أداء الفرائض والسنن والواجبات من الحقوق فذلك نوم محمود وإني لا أعلم لأهل زماننا هذا إذا أتوا بهذه الخصال أسلم من النوم لأن الخلق تركوا مراعاة دينهم ومراقبة أحوالهم وأخذوا شمال الطريق والعبد إن إجتهد أن لا يتكلم كيف يمكنه أن لا يسمع إلا ما له مانع من ذلك وأن النوم من أحد تلك الآلات قال الله عز وجل إن السمع والبصر وتلا الآية .
( 37 ) ولا تمش في الارض مرحا ذا مرح وهو الأختيال .
القمي أي بطرا وفرحا إنك لن تخرق الارض لن تجعل فيها خرق لشدة وطأتك القمي أي لن تبلغها كلها ولن تبلغ الجبال طولا بتطاولك .
القمي أي لا تقدر أن تبلغ قلل الجبال قيل هو تهكم بالمختال وتعليل للنهي بأن الأختيال حماقة مجردة لا يعود بجدوى وليس في التذلل في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية وفرض على الرجلين أن تثقلهما في طاعته وأن لا تمشي بهما مشية عاص فقال عزّ وجلّ ولا تمش في الأرض مرحا .
( 38 ) كل ذلك إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة من قوله ولا تجعل مع الله إلها آخر وعن إبن عباس إنها المكتوبة في ألواح موسى كان سيئه يعني المنهي عنه منه وقريء سيئة عند ربك مكروها مبغوضا .
( 39 ) ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه ورأس الحكمة وملاكها فتلقى في جهنم ملوما تلوم نفسك مدحورا مبعدا من رحمة الله .
القمي فالمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى للناس .


( 194 )

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أدخله الجنة بإقراره وهو إيمان التصديق ولن يعذب الله أحدا ممن مات وهو متبع لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك إلا من أشرك بالرحمن وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالولدين إحسانا إلى قوله إنه كان بعباده خبيرا بصيرا أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على إجتراح شيء مما نهى عنه وأنذر نهيا عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها وقال ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق وتلا الآيات إلى قوله ملوما مدحورا .
( 40 ) أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا .
القمي هو رد على قريش فيما قالوا إن الملائكة هي بنات الله إنكم لتقولون قولا عظيما بإضافة الولد إليه ثم بتفضيل أنفسكم عليه حيث تجلعون له ما تكرهون ثم يجعل الملائكة الذين هم من أشرف خلق الله دونهم .
( 41 ) ولقد صَرّفْنَا كررنا الدلائل وفصلنا العبر في هذا القرآن ليذكروا ليتعظوا ويعتبروا وما يزيدهم إلا نفورا عن الحق .
القمي قال إذا استمعوا القرآن ينفروا عنه ويكذبوه .
( 42 ) قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا لطلبوا إلى مالك الملك سبيلا بالتقرب والطاعة كما يأتي في هذه السورة أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب .
( 43 ) سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا .
( 44 ) تسبح له وقرء بالتاء السماوات السبع والارض ومن فيهن وإن من
____________
(1) فيعلموا الحق وحذف ذكر الدلائل والعبر لدلالة الكلام عليه وعلم السامع به مجمع البيان .
( 195 )

شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام تنقض الجدر تسبيحها .
وعنه عليه السلام ما من طير يصاد إلا بتضييعه التسبيح وعن الباقر عليه السلام إنه سئل أتسبح الشجرة اليابسة فقال نعم أما سمعت خشب البيت كيف ينقض وذلك تسبيحه لله فسبحان الله على كل حال .
أقول : وذلك لأن نقصانات الخلايق دلائل كمالات الخالق وكثراتها واختلافاتها شواهد وحدانيته وإنتفاء الشريك عنه والضد والند كما قال أمير المؤمنين عليه السلام بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له الحديث فهذا تسبيح فطري وإقتضاء ذاتي نشأ عن تجل تجلى لهم فأحبوه وابتعثوا إلى الثناء عليه من غير تكليف وهي العبادة الذاتية التي أقامهم الله فيها بحكم الأستحقاق الذي يستحقه جل جلاله ويأتي زيادة بيان لهذا في سورة النور إن شاء الله إنه كان حليما لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم غفورا لمن تاب منكم .
( 45 ) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا عن الحسن من قدرة الله يحجبك عنهم .
( 46 ) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه أي يمنعهم أن يفقهوه تكنها وتحول دونها عن إدراك الحق وقبوله وفي آذانهم وقرا يمنعهم عن استماعه وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده غير مشفوع به آلهتهم ولَّوْا على أدبارهم نفورا هربا من استماع التوحيد ونفرة .
في الكافي عن الصادق عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل إلى منزله وإجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته فتولي قريش فرارا فأنزل الله عز وجل في ذلك وإذا ذكرت ربك الآية .
والقمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى تهجد بالقرآن


( 196 )

وتستمع له قريش لحسن صوته فكان إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فروا عنه .
والعياشي عنه عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى بالناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم فتخلف من خلفه من المنافقين عن الصفوف فإذا جازها في السورة عادوا إلى مواضعهم وقال بعضهم لبعض إنه ليردد إسم ربه ترددا إنه ليحب ربه فأنزل الله وإذا ذكرت ربك الآية .
( 47 ) نحن أعلم بما يستمعون به بسببه من اللغو والأستهزاء بالقرآن إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى متناجون إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلاّ رجلا مسحورا قد سحر به فجن واختلط عليه عقله .
( 48 ) انظر كيف ضربوا لك الامثال مثلوك بالساحر والشاعر والكاهن والمجنون فضلوا عن الحق فلا يستطيعون سبيلا إليه .
( 49 ) وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ترابا وغبارا وانتثر لحومنا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا على الأنكار والأستبعاد .
العياشي عن الصادق عليه السلام جاء ابي بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففته (1) ثم قال يا محمد إذا كنا عظاما ورفاتا (2) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا فأنزل الله تعالى قل من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم .
( 50 ) قل جوابا لهم كونوا حجارة أو حديدا .
( 51 ) أو خلقا مما يكبر في صدوركم فإنه يقدر على إعادتكم أحياءا .
القمي عن الباقر عليه السلام الحق الذي يكبر في صدوركم الموت فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فإن من يقدر على الأنشاء كان على الأعادة
____________
(1) الفت الدق والكسر بالاصابع والشق في الصخرة ق .
(2) الرفات ما يكسر ويبلى من كل شيء ويكثر بناء فعال في كل ما يحطم ويرضض يقال حطام ودقاق وتراب وقال المبرد كل شيء مدقوق مبالغ في دقه حتى انسحق فهو رفات .

( 197 )

أقدر فسينغضون (1) إليك رؤسهم فيحركون نحوك رؤوسهم تعجبا واستهزاءً ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا فإن كل من هو آت قريب .
( 52 ) يوم يدعوكم فتستجيبون أي يوم يبعثكم فتنبعثون منقادين استعار لهما الدعاء والأستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر أمرهما بحمده حامدين لله على كمال قدرته .
في الجوامع روي أنهم ينفضون (2) التراب عن رؤوسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك وتظنون إن لبثتم إلا قليلا وتستقصرون مدة لبثكم .
( 53 ) وقل لعبادي يعني المؤمنين يقولوا التي هي أحسن أي يقولوا للمشركين الكلمة التي هي أحسن ولا يخاطبوهم بما يغيظهم ويغضبهم إن الشيطان ينزغ بينهم يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة (3) بهم يفضي إلى العناد وإزدياد الفساد إن الشيطان كان للانسان عدوا مبينا ظاهر العداوة .
( 54 ) ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم قيل هي تفسير للتي هي أحسن وما بينهما إعتراض أي يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يصرحوا بأنهم من أهل النار فإن ذلك يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله وما أرسلناك عليهم وكيلا موكولا إليك أمرهم تجبرهم على الأيمان وإنما أرسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالأحتمال منهم .
( 55 ) وربك أعلم بمن في السماوات والارض وأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يستأهل لهما وهو رد لأستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا وأن يكون الفقراء أصحابه ولقد فضلنا بعض النَّبيِّين على بعض وآتينا داود زبورا .
____________
(1) يقال انغض رأسه ينغضه ونغض برأسه ينغضه نغضا إذا حركه قالوا والنغض تحريك الرأس بارتفاع وانخفاض م‍ ن .
(2) نفضت الثوب والشجر انفضه نفضا حركته لينتفض .
(3) خشن ككرم خشنا وخشانة ضد لان وخاشنه ضد لا ينه .

( 198 )

في الكافي عن الصادق عليه السلام سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولوا العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جميع الأنبياء .
وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تعالى فضل أنبياءه المرسلين على الملائكة المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من ولدك وأن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا الحديث .
( 56 ) قل ادعوا الذين زعمتم أنها آلهة من دونه كالملائكة والمسيح وعزير فلا يملكون فلا يستطيعون كشف الضر عنكم كالمرض والفقر والقحط ولا تحويلا ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم .
( 57 ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة هؤلاء الآلهة يبتغون إلى الله القربة بالطاعة أيهم أقرب أي يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه كسائر العباد فكيف يزعمون أنهم آلهة إن عذاب ربك كان محذورا حقيقا بأن يحذره كل أحد حتى الملائكة والرسل .
( 58 ) وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب في اللوح المحفوظ مسطورا مكتوبا .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال هو الفناء بالموت .
والعياشي عن الباقر عليه السلام إنما أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الأمم فمن مات فقد هلك .
وعن الصادق عليه السلام قال بالقتل والموت وغيره .
( 59 ) وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحتها قريش إلا أن كذب بها الاولون إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم كعاد وثمود وأنها لو أرسلت لكذبوا بها كما


( 199 )

كذب أولئك وإستوجبوا العذاب العاجل المستأصل ومن حكمه سبحانه في هذه الأمة أن لا يعذبهم بعذاب الأستيصال تشريفا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم كما قال وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم .
القمي عن الباقر عليه السلام إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم سأله قومه أن يأتيهم بآية فنزل جبرئيل وقال إن الله يقول وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الاولون وكنا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم فلذلك أخرنا عن قومك الآيات وآتينا ثمود الناقة بسؤالهم مبصرة آية بينة فظلموا بها فظلموا أنفسهم بسبب عقرها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا وإنذارا بعذاب الآخرة فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة .
( 60 ) وإذ قلنا لك أوحينا إليك إن ربك أحاط بالناس فهم في قبضة قدرته وقيل يعني بقريش أي أهلكهم من أحاط بهم العدو أي أهلكهم يعني بشرناك بوقعة بدر ونصرتك عليهم وهو قوله سيهزم الجمع ويولون الدبر سيغلبون ويحشرون إلى جهنم فجعله سبحانه كأنه قد كان على عادته في إخباره وما جعلنا الرؤيا التى أريانك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن عطف على الرؤيا ونخوفهم بأنواع التخويف فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا إلا عتوا متجاوزا عن الحد .
العياشي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى إن رجالا من بني تيم وعدي على المنابر يردون الناس عن الصراط القهقرى قيل والشجرة الملعونة قال هم بنو امية .
وعن الصادق عليه السلام مثله إلا أنه قال رأى أن رجالا على المنابر يردون الناس ضلالا زريق وزفر .
أقول : وهما كنايتان عن الأولين وتيم وعدي جداهما قال .
وفي رواية اخرى عنه عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد


( 200 )

رأى رجالا من نار على منابر من نار يردون الناس على أعقابهم القهقري قال ولسنا نسمي أحدا وفي أخرى إنا لا نسمّي الرجال ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى قوما على منبره يضلون الناس بعده عن الصراط القهقري وفي رواية اخرى قال رأيت الليلة صبيان بني امية يرقون على منبري هذا فقلت يا رب معي فقال لا ولكن بعدك وفي الكافي عن أحدهما عليهما السلام أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله يوما كئيبا حزينا فقال له علي عليه السلام ما لي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا فقال وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم وبني عدي وبني امية يصعدون منبري هذا يردون الناس عن الأسلام القهقري فقلت يا رب في حياتي أو بعد موتي فقال بعد موتك .
أقول : معنى هذا الخبر مستفيض بين الخاصة والعامة إلا أن العامة رووا تارة أنه رأى قوما من بني امية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال هو حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم وأخرى أن قرودا تصعد منبره وتنزل فساءه ذلك واغتم به .
والقمي قال نزلت لما رأى النبي صلى الله عليه وآله في نومه كأن قرودا تصعد منبره فساءه ذلك وغمه غما شديدا فأنزل الله وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا (1) فيها والشجرة الملعونة كذا نزلت وهم بنو امية ، والعياشي عن الباقر عليه السلام وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها والشجرة الملعونة في القرآن يعني بني امية ومضمرا أنه سئل عن هذه الآية فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله نام فرأى إن بني امية يصعدون منبره يصدون الناس كلما صعد منهم رجل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الذلة والمسكنة فاستيقظ جزوعا من ذلك فكان الذين رآهم إثنى عشر رجلا من بني أمية فأتاه جبرئيل بهذه الآية ثم قال جبرئيل إن بني امية لا يملكون شيئا إلا ملك أهل البيت ضعفيه .
وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال إن معاوية وابنه سيليانها بعد عثمان ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحد بعد
____________
(1) يقال عمه في طغيانه عمها من باب تعب إذا تردد متحيرا ومنه عامه وعمه اي متحير جائر عن الطريق فالعمه في الرأي خاصة م‍ .