تفسير الصافي ج 3 ص 201 الى ص 220
واحد يكمّله إثنى عشر إمام ضلالة وهم الذين رأى رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره يردون الأمة على أدبارهم القهقري عشرة منهم من بني امية ورجلان أسسا ذلك لهم وعليهما أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة وفي مقدمة الصحيفة السجادية عن الصادق عن أبيه عن جدّه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذته نعسة (1) وهو على منبره فرآى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة يردون الناس على أعقابهم القهقري فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا والحزن يعرف وجهه فأتاه جبرئيل بهذه الآية وما جعلنا الرؤيا التى أريناك الآية يعني بني امية قال يا جبرئيل أعلى عهدي يكونون وفي زمني قال لا ولكن تدور رحى الأسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا ثم تدور رحى الأسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا ثم لابدّ من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ثم ملك الفراعنة قال وأنزل الله في ذلك إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تملكها بنو امية ليس فيها ليلة القدر قال فاطلع الله نبيه أن بني امية تملك سلطان هذه الامة وملكها طول هذه المدة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن الله بزوال ملكهم وهم بذلك مستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا أخبر الله نبيه بما يلقى أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم .
أقول : وإنما اُرِيَ صلى الله عليه وآله وسلم رد الناس عن الأسلام القهقرى لأن الناس كانوا يظهرون الأسلام وكانوا يصلون إلى القبلة ومع هذا كانوا يخرجون من الأسلام شيئا فشيئا كالذي يرتد عن الصراط السوي القهقرى ويكون وجهه إلى الحق حتى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في الجحيم .
وفي الأحتجاج عن الحسن بن علي عليهما السلام في حديث أنه قال لمروان بن الحكم أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك (2) ولا سببت أباك ولكن الله عز وجل لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه
____________
(1) النعاس بالضم الوسن وأول النوم وهي ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي العين ولا تصل الى القلب فإذا وصلت إليه كان نوما وقد نعست بالفتح انعس نعاسا ونعس ينعس من باب قتل ورجل ناعس اي وسنان م‍ .
(2) سبه قطعه وطعنه في السبة اي الاست وشتمه سبا ق .

( 202 )

محمد صلى الله عليه وآله وسلم والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لك ولأبيك من قبلك وما زادك الله يامروان بما خوفك إلا طغيانا كبيرا وصدق الله وصدق رسوله بقول الله تعالى والشجرة الملعونة في القرآن وخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وجعل أهل الكتاب القائمين به والعاملين بظاهره وباطنه من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه .
أقول : وفي قوله سبحانه فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا لطافة لا تخفى .
( 61 ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال ءأسجد (1) لمن خلقت طينا قد سبق تفسيره .
( 62 ) قال أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ يعني أخبرني هذا الذي كرمته عليّ أي فضلته وإخترته عليّ لم إخترته عليّ وأنا خير منه فحذف للأختصار لئن أخرتن إلى يوم القيامة كلام مبتدأ واللام للقسم لاحتنكن (2) ذريته إلا قليلا أي لأستأصلنهم بالأغواء ولأستولين عليهم إلا قليلا لا أقدر أن اقاوم سكينتهم .
( 63 ) قال اذهب إمض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه
____________
(1) فهو استفهام بمعنى الانكار اي كيف اسجد له وانا افضل منه واصلي اشرف من اصله وفي هذا دلالة على ان ابليس فهم من ذلك تفضيل آدم على الملائكة ولولا ذلك لما كان لامتناعه عن السجود وجه وانما جاز ان يأمرهم سبحانه بالسجود لآدم ولم يجر ان يأمرهم بالعبادة له لان السجود يترتب في التعظيم بحسب ما يراد به وليس كذلك العبادة التي هي خضوع بالقلب ليس فوقه خضوع لانه يترتب في التعظيم لجنسه يبين ذلك انه لو سجد ساهيا لم يكن له منزلة في التعظيم على قياس غيره من افعال الجوارح م‍ ن .
(2) الاحتناك الاقتطاع من الاصل يقال احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم إذا استقصاه فاخذه كله واحتنك الجراد الزرع إذا اكله كله وقيل انه من قولهم حنك الدابة إذا جعل في حنكها الاسفل حبلا يقودها به م‍ ن .

( 203 )

وقد سبق في هذا المعنى حديث في سورة الأعراف فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب جزاء موفورا مكملا .
( 64 ) واستفزز واستخف من استطعت منهم أن تستفزه والفز الخفيف بصوتك بدعائك إلى الفساد وأجلب عليهم وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح بخيلك ورجلك بفرسانك وراجليك فأجسرهم عليهم تمثيل لتسلطه على من يغويه بمن صوت على قوم فاستفزهم من أماكنهم وأجلب عليهم بجنده حتى إستأصلهم وشاركهم في الاموال بحملها على كسبها وجمعها من الحرام وانفاقها فيما لا ينبغي والاولاد .
في الكافي والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذي (1) قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فإن فتشته لم تجده إلا لغية (2) أو شرك شيطان قيل يا رسول الله وفي الناس شرك شيطان فقال أما تقرء قول الله عز وجل وفي الاموال والاولاد .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه قرء هذه الآية ثم قال إن الشيطان ليجيء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ويحدث كما يحدث وينكح كما ينكح قيل بأي شيء يعرف ذلك قال بحبنا وبغضنا فمن أحبنا كان نطفة العبد ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان .
وعنه عليه السلام إن ذكر إسم الله تعالى تنحى الشيطان وإن فعل ولم يسم أدخل ذكره وكان العمل منهما جميعا والنطفة واحدة .
وعنه عليه السلام إنه سئل عن النطفتين اللتين للآدمي والشيطان إذا اشتركا فقال ربما خلق من أحدهما وربما خلق منهما جميعا .
____________
(1) البذي كرضي الرجل الفاحش وبذوت عليهم وابذيتهم من البذاء وهو الكلام القبيح ق .
(2) قال المصنف ره في الوافي بيان لغية بكسر المعجمة وتشديد المثناة التحتانية الزنا يقال فلان لغية في مقابلة فلان لرشدة بكسر الراء ومعنى مشاركة الشيطان للانسان في الاموال حمله اياه على تحصيلها من الحرام وانفاقها فيما لا يجوز وعلى ما لا يجوز من الاسراف والتقتير والبخل والتبذير ومشاركته في الاولاد ادخاله معه في النكاح إذا لم يسم الله والنطفة واحدة .

( 204 )

والقمي قال ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان فإذا إشترى به الأماء ونكحهن وولد له فهو شرك الشيطان كل ما تلد منه ويكون مع الرجل إذا جامع ويكون الولد من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراما .
والعياشي عن الباقر عليه السلام مثله .
وعنه عليه السلام إذا زنى الرجل أدخل الشيطان ذكره ثم عملا جميعا ثم يختلط النطفتان فيخلق الله منهما فيكون شرك الشيطان والأخبار في هذا المعنى كثيرة وعِدْهُمْ (1) المواعيد الكاذبة كشفاعة الآلهة وتأخير التوبة لطول الأمل وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إعتراض والغرور تزيين الخطإِ بما يوهم أنه صواب .
( 65 ) إن عبادي يعني المخلصين بقرينة الأضافة إلى نفسه ولقوله إلا عبادك منهم المخلصين ليس لك عليهم سلطان أي لا تقدر أن تغويهم لأنهم لا يغترون بك وكفى بربك وكيلا لهم يتوكلون عليه في الأستعاذة منك فيحفظهم من شرك .
العياشي مضمرا في هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن نرجو أن تجري لمن أحب الله من عباده .
في نهج البلاغة فاحذروا عدو الله أن يغويكم بداءه وأن يستفزكم بخيله ورجله قال فلعمر الله لقد فخر على أصلكم ووقع في حسبكم ودفع في نسبكم وأجلب بخيله عليكم وقصد برجله سبيلكم يقتنصونكم (2) بكل مكان ويضربون منكم كل بنان لا تمتنعون بحيلة ولا تدفعون بعزيمة في حومة ذل وحلقة ضيق وعرصة موت وجولة بلاء .
( 66 ) ربكم الذي يزجي هو الذي يجري لكم الفلك في البحر (3) لتبتغوا من فضله الريح وأنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم إنه كان بكم رحيما حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل لكم ما تعسر من أسبابه .
( 67 ) وإذا مسكم الضر في البحر خوف الغرق ضل من تدعون ذهب عن
____________
(1) وهذا زجر وتهديد في صورة الامر م‍ .
(2) قنصه يقنصه صاده ق .
(3) بما خلق من الرياح وبأن جعل الماء على وجه يمكن جري السفن فيه لتبتغوا من فضله اي لتطلبوا من فضل الله تعالى بركوب السفن على وجه الماء فيما فيه صلاح دنياكم من التجارة أو صلاح دينكم من الغزو مجمع البيان .

( 205 )

خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم إلا إياه وحده فلا ترجون هناك النجاة إلا من عنده وقد سبق في هذا المعنى حديث في سورة الفاتحة فلما نجاكم من الغرق إلى البر أعرضتم عن التوحيد وإتسعتم في كفران النعمة وكان الانسان كفورا كالتعليل للأعراض .
( 68 ) أفأمنتم أنجوتم من الغرق فأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أن يقلبه الله وأنتم عليه فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قدر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره وقريء بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم كما وصلوا إلى الساحل كفروا وأعرضوا أو يرسل عليكم حاصبا ريح تحصب أي ترمي بالحصاة ثم لا تجدوا لكم وكيلا يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفعله .
( 69 ) أم أمنتم أن يعيدكم فيه في البحر تارة أخرى بتقوية دواعيكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر فيرسل عليكم قاصفا من الريح التي لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته .
القمي عن الباقر عليه السلام هي العاصف فيغرقكم بما كفرتم بسبب إشراككم أو كفرانكم نعمة الأنجاء ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف .
( 70 ) ولقد كرمنا بني آدم بالعقل والمنطق والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض وتسخير سائر الحيوانات والتمكن إلى الصناعات إلى غير ذلك مما لا يحصى وحملناهم في البر والبحر على الدواب والسفن ورزقناهم من الطيبات المستلذات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا في الأمالي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية يقول فضلنا بني آدم على سائر الخلق وحملناهم في البر والبحر يقول على الرطب واليابس ورزقناهم من الطيبات يقول من طيبات الثمار كلها وفضلناهم يقول ما من دابة ولا طائر إلا وهي تأكل وتشرب بفيها لا ترفع بيدها إلى فيها طعاما ولا شرابا إلا ابن آدم فإنه يرفع إلى فيه بيده طعامه فهذا من التفضيل .


( 206 )

والعياشي عن الباقر عليه السلام وفضلناهم على كثير قال خلق كل شيء منكبا غير الأنسان خلق منتصبا .
والقمي عنه عليه السلام إن الله لا يكرم روح كافر ولكن الله كرّم أرواح المؤمنين وإنما كرامة النفس والدم بالروح والرزق الطيب هو العلم وعن أمير المؤمنين عليه السلام في صورة الادميين إنها أكرم صورة على الله .
( 71 ) يوم ندعوا كل أناس بإمامهم بمن ائتموا به من نبي أو وصي أو شقي .
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال بإمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه .
والقمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال يجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قومه وعلي عليه السلام في قومه والحسن عليه السلام في قومه والحسين عليه السلام في قومه وكل من مات بين ظهراني قوم جاؤوا معه .
والعياشي ما يقرب من معناه .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام لما نزلت هذه الآية قال المسلمون يا رسول الله ألست إمام الناس كلهم أجمعين فقال أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذبون ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم فمن والاهم وإتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه بريء .
وفي المجالس عن الحسين عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال إمام دعا إلى هدىً فأجابوه إليه وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها هؤلاء في الجنة وهؤلاء إلى النار وهو قوله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير .
والعياشي عن الصادق عليه السلام سيدعى كل اناس بإمامهم أصحاب الشمس بالشمس وأصحاب القمر بالقمر وأصحاب النار بالنار وأصحاب الحجارة بالحجارة .


( 207 )

وفي المحاسن عنه عليه السلام أنتم والله على دين الله ثم تلا هذه الآية ثم قال علي عليه السلام إمامنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إمامنا وكم من إمام يجيء يوم القيامة يلعن أصحابه ويلعنونه .
وفي المجمع عنه عليه السلام ألا تحمدون الله إذا كان يوم القيامة فدعى كل قوم إلى من يتولونه وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفزعتم إلينا فإلى أين ترون أين تذهب بكم إلى الجنة ورب الكعبة قالها ثلاثا فمن أوتيَ كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم مبتهجين بما يرون فيه ولا يظلمون فتيلا ولا ينقصون من اجورهم أدنى شيء والفتيل المفتول الذي في شق النواة .
( 72 ) ومن كان في هذه أعمى أعمى القلب لا يبصر رشده ولا يهتدي إلى طريق النجاة فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا لا يهتدي إلى طريق الجنة .
في التوحيد عن الباقر عليه السلام في هذه الآية من لم يدله خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر والآيات العجيبات على أن وراء ذلك أمر أعظم منه فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام إياك وقول الجهال أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص وإهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون وذلك قوله عز وجل من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا يعني أعمى عن الحقائق الموجودة .
وفي الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام أشد العمى من عمي من فضلنا وناصبنا العداوة بلا ذنب سبق إليه منا إلا أن دعونا إلى الحق ودعاه من سوانا إلى الفتنة والدنيا فأتاهما ونصب البراءة منا والعداوة .
وفي الكافي والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية


( 208 )

فقال ذلك الذي يسوف نفسه الحج يعني حجة الأسلام حتى يأتيه الموت .
( 73 ) وإن كادوا ليفتنونك قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالأستنزال عن الذي أوحينا إليك أي عن حكمه لتفتري علينا غيره غير ما أوحينا إليك .
القمي قال يعني في أمير المؤمنين عليه السلام .
والعياشي ما في معناه في الآية الاتية وإذاً لاتّخذوك خليلا ولو اتبعت مرادهم لأظهروا خلتك .
القمي يعني لاتخذوك صديقا لو أقمت غيره .
( 74 ) ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم .
العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال لما كان يوم الفتح أخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصناما من المسجد وكان منها صنم على المروة وطلبت إليه قريش أن يتركه وكان مسخا فهم بتركه ثم أمر بكسره فنزلت .
وفي المجمع قيل لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا .
( 75 ) إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات قيل أي عذاب النار وعذاب الآخرة ضعف ما يعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر وكان أصل الكلام عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات يعني مضاعفا فاقيمت الصفة مقام الموصوف وأضيفت كما يضاف موصوفها ثم لا تجد لك علينا نصيرا يدفع عنك .
في العيون عن الرضا عليه السلام في حديث المأمون في عصمة الأنبياء حيث سأله عن قوله عفا الله عنك لم أذنت لهم قال هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة خاطب الله تعالى بذلك نبيه والمراد به امته وكذلك قوله عز وجل لئن أشركت ليحبطن


( 209 )

عملك ولتكونن من الخاسرين وقوله تعالى لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام ما عاتب الله نبيه فهو يعني به من قد مضى في القرآن مثل قوله ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا عنى بذلك غيره .
وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الزنديق الذي سأله عن أشياء من القرآن وكان في جملة ما سأل عنه عليه السلام هذه الآية وأما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تعالى من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فإن الله جعل لكل نبي عدوا من المشركين ثم ذكر عليه السلام مساعي أعدائه في تغيير ملته وتحريف كتابه الذي جاء به وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وكفر ذوي الكفر منه وتركهم منه ما قدروا أنه لهم وهو عليهم وزيادتهم فيه ما ظهر به تناكره وتنافره ثم قال والذي بدأ في الكتاب من الأزراء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فرية الملحدين وقد مضى هذا الحديث على وجهه وبيان الحديث السابق عليه المروي من الكافي والعياشي في المقدمة السادسة من هذا الكتاب مع ما هو التحقيق في هذا الباب .
( 76 ) وإن كادوا ليستفزونك ليزعجونك بمعاداتهم من الارض .
القمي يعني أهل مكة ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلا يعني لو خرجت لا يبقون بعد خروجك إلا زمانا قليلا .
القمي يعني حتى قتلوا ببدر قيل وكان ذلك بعد الهجرة بسنة وقريء خلفك .
( 77 ) سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا أي سن الله ذلك سنة وهو أن يهلك كل امة أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم ولا تجد لسنتنا تحويلا تغييرا .
( 78 ) أقم الصلاة لدلوك الشمس لزوالها إلى غسق الليل إلى ظلمته وهي انتصافه وقرآن الفجر صلاته إن قرآن الفجر كان مشهودا بملائكتي الليل والنهار .


( 210 )

وفي الكافي والفقيه والتهذيب والعياشي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عما فرض الله من الصلاة فقال خمس صلوات في الليل والنهار فقيل هل سماهن وبيّنهنّ في كتابه فقال نعم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ودلوكها زوالها ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن وغسق الليل إنتصافه ثم قال وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا فهذه الخامسة .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر فقال مع طلوع الفجر إن الله يقول وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا يعني صلاة الفجر يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها له ملائكة الليل وملائكة النهار .
والعياشي عنهما عليهما السلام في هذه الآية قال جمعت الصلاة كلهن ودلوك الشمس زوالها وغسق الليل إنتصافه .
وقال إنه ينادي مناد من السماء كل ليلة إذا إنتصف الليل من رقد عن صلاة العشاء إلى هذه الساعة فلا نامت عيناه وقرآن الفجر قال صلاة الصبح وأما قوله كان مشهودا قال تحضره ملائكة الليل والنهار وفي معنى هذه الأخبار أخبار كثيرة .
( 79 ) ومن الليل فتهجد به وبعض الليل فاترك الهجود للصلاة بالقرآن نافلة لك فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة .
في التهذيب عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن النوافل فقال فريضة ففزع السامعون فقال عليه السلام إنما أعني صلاة الليل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله يقول ومن الليل فتهجد به نافلة لك في الخصال فيما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا يا علي ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا لقاء الأخوان والأفطار من الصيام والتهجد في آخر الليل .
وفي العلل عن الصادق عليه السلام عليكم بصلاة الليل فإنها سنة نبيكم ودأب الصالحين قبلكم ومطردة الداء عن أجسادكم .


( 211 )

وعن السجاد عليه السلام إنه سئل ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها قال لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره والأخبار في فضل صلاة الليل لا تحصى تطلب من مواضعها عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .
في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث يذكر فيه أهل المحشر ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين فيحمده أهل السماوات وأهل الأرض فذلك قوله عز وجل عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فطوبى لمن كان له في ذلك اليوم حظ ونصيب وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظ ولا نصيب .
والعياشي عن أحدهما عليهما السلام في قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال هي الشفاعة .
وفي روضة الواعظين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام الذي أشفع لامتي قال وقال صلى الله عليه وآله وسلم إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من امتي فيشفعني الله فيهم والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي .
والقمي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو قد قمت المقام المحمود تشفعت في أبي وامي وعمي وأخ لي كان في الجاهلية .
وعنه عليه السلام إنه سئل عن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة فقال أملج الناس يوم القيامة العرق فيقولون إنطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا فيأتون آدم فيقولون له إشفع لنا عند ربك فيقول إن لي ذنب وخطيئة فعليكم بنوح فيأتون نوحا فيردهم إلى من يليه ويردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهوا إلى عيسى عليه السلام فيقول عليكم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول إنطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمن ويخر ساجدا فيمكث ما شاء الله فيقول إرفع رأسك وإشفع تشفع وسل تعط وذلك قوله تعالى


( 212 )

عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .
والعياشي عنه وعن الكاظم عليهما السلام ما يقرب منه وعن الصادق عليه السلام حديثا في ذلك فيه بسط وتفصيل لهذا المعنى يطلب منه .
( 80 ) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا حجة تنصرني .
القمي نزلت يوم فتح مكة لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخولها أنزل الله قل يا محمد أدخلني مدخل صدق الآية وقيل أي أدخلني في جميع ما أرسلتني به إدخالا مرضيا وأخرجني إخراجا مرضيا يحمد عاقبته .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا قال نعم قيل ما هو قال يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه ومنه قوله تعالى سبحان الذي سخر لنا هذا الآية وقوله رب أنزلني منزلا مباركا الآية وقوله رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق الآية .
وفي المحاسن عنه عليه السلام إذا دخلت مدخلا تخافه فاقرأ هذه الآية رب أدخلني مدخل صدق الآية وإذا عاينت الذي تخافه فاقرأ آية الكرسي .
( 81 ) وقل جاء الحق وزهق الباطل جاء الأسلام وذهب الشرك إن الباطل كان زهوقا مضمحلا .
في الأمالي عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة والأصنام حول الكعبة وكانت ثلاثمائة وستين صنما فجعل يطعنها بمخصرة في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وما يبدئ الباطل وما يعيد فجعلت تنكب لوجهها .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل .


( 213 )

وفي الخرائج عن حكيمة لما ولد القائم كان نظيفا مفروغا منه وعلى ذراعه الأيمن مكتوب جاء الحق الآية .
( 82 ) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين في معانيه شفاء الأرواح وفي ألفاظه شفاء الأبدان ولا يزيد الظالمين إلا خسارا لتكذيبهم وكفرهم به ( 1 ) .
العياشي عن الصادق عليه السلام في حديث مر صدره في سورة النحل إنما الشفاء في علم القرآن لقوله وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة لأهله لا شك فيه ولا مرية وأهله أئمة الهدى الذين قال الله ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا .
وعن الباقر عليه السلام نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا يزيد الظالمين آل محمد حقهم إلا خسارا في طب الأئمة عن الصادق عليه السلام ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاية قط وقال بإخلاص نية ومسح موضع العلة وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا إلا عوفي من تلك العلة أية علة كانت ومصداق ذلك في الآية حيث يقول شفاء ورحمة للمؤمنين .
وعنه عليه السلام لا بأس بالرقية ( 2 ) والعوذة والنشرة إذا كانت من القرآن ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله وهل شيء أبلغ من هذه الأشياء من القرآن أليس الله يقول وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين .
( 83 ) وإذا أنعمنا على الانسان بالصحة والسعة أعرض عن ذكر الله ونأى بجانبه لوى عطفه وبعد بنفسه عنه كأنه مستغن مستبد بأمره وإذا مسه الشر من مرض أو فقر كان يؤسا شديد اليأس من روح الله .
( 84 ) قل كل يعمل على شاكلته على ما تشاكل حاله في الهدى والضلالة فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا .
____________
(1) ويحتمل ان يريد ان القرآن يظهر حيث سرائرهم وما يأتمرون به من الكيد والمكر بالنبي فيفتضحون بذلك م‍ ن .
(2) الرقية بالضم العوذة والنشرة بالضم رقية يعالج بها المجنون والمريض ق .

( 214 )

في الكافي عن الصادق عليه السلام النية أفضل من العمل ألا وإن النعمة هي العمل ثم تلا قل كل يعمل على شاكلته يعني على نيته .
وفيه والعياشي عنه عليه السلام إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قل كل يعمل على شاكلته .
وفي الفقيه والتهذيب والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عن الصلاة في البيع والكنايس فقال صل فيها قلت أصلي فيها وإن كانوا يصلون فيها قال نعم أما تقرأ القرآن قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا صل إلى القبلة ودعهم .
( 85 ) ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي .
في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مع الأئمة عليهم السلام وهو من الملكوت .
والعياشي عنه عليه السلام أنه سئل عنها فقال خلق عظيم أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومع الأئمة يسددهم وليس كلما طلب وجد وعنهما عليهما السلام في هذه الآية إنما الروح خلق من خلقه له بصر وقوة وتأييد يجعله في قلوب المؤمنين والرسل . وعن أحدهما عليهما السلام في هذه الآية سئل ما الروح قال التي في الدواب والناس قيل وما هي قال هي من الملكوت من القدرة .
أقول : قد سبق تمام الكلام في معنى الروح في سورة الحجر فلا نعيده وما ذكر في الأخبار أخبار عما يتميز به عن غيره وما أبهم في الآية حقيقته فلا منافاة وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .


( 215 )

القمي إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الروح فقال الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا قالوا نحن خاصة قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذان يا محمد تزعم إنك لم تؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة وقد قرأت ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فأنزل الله ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله يقول علم الله أكثر من ذلك وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله .
والعياشي عن الباقر عليه السلام في قول الله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا قال تفسيرها في الباطن أنه لم يؤت العلم إلا اناس يسير فقال وما أوتيتم من العلم إلا قليلا منكم .
وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام في حديث قال ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به فلذلك قال وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فليس له شبه ولا مثل ولا عدل .
( 86 ) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ذهبنا بالقرآن ومحونا عن المصاحف والصدور ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ( 1 ) من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا مستورا .
( 87 ) إلا رحمة من ربك إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك إن فضله كان عليك كبيرا ( 2 ) .
( 88 ) قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في البلاغة وحسن النظم وجزالة ( 3 ) المعنى لا يأتون بمثله وفيهم العرباء وأرباب البيان
____________
(1) اي لو فعلنا ذلك لم تجد علينا وكيلا يستوي ذلك منا وقيل معناه ولو شيءنا لمحونا هذا القرآن من صدرك وصدر امتك حتى لا يوجد له اثر ثم لا تجد حفيظا يحفظه عليك ويحفط ذكره على قلبك .
(2) عظيما إذا اختارك للنبوة وخصك بالقرآن فقابله بالشكر وقال ابن عباس يريد حيث جعلك سيد ولد آدم وختم بك النبيين واعطاك المقام المحمود .
(3) الجزل الكثير من الشيء الجزيل جمع كجبال والكريم المعطاء والعاقل الاصيل الرأي وهي جزلة وجزلاء وخلاف لركيك من الالفاظ جزل كفرح وهو اجزل وهي جزلاء ككرم وعظم وفلان صار ذا رأي جيد .

( 216 )

وأهل التحقيق ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ولو تظاهروا على الأتيان به .
في العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام إن الله تعالى نزل هذا القرآن بهذه الحروف التي يتداولها جميع العرب ثم قال قل لئن اجتمعت الآية .
وفي الخرايج في اعلام الصادق عليه السلام إن ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدهرية إتفقوا على أن يعارض كل واحد منهم ربع القرآن وكانوا بمكة وعاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل فلما حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم عليه السلام قال أحدهم إني لما رأيت قوله يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء كففت عن المعارضة وقال الاخر وكذا أنا لما وجدت قوله فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا أيست عن المعارضة وكانوا يسترون ذلك إذ مر عليهم الصادق عليه السلام فإلتفت إليهم وقرأ عليهم قل لئن اجتمعت الانس والجن الآية فبهتوا .
( 89 ) ولقد صرفنا كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان للناس في هذا القرآن من كل مثل يعني من كل معنى كالمثل في غرابته ووقوعه موقعا في الأنفس فأبى أكثر الناس إلا كفورا إلا جحودا .
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا فأبى أكثر الناس بولاية علي عليه السلام إلا كفورا .
( 90 ) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا عينا قالوه عنادا ولجاجا وتعنتا وإقتراحا بعد ما لزمتهم الحجة ببيان إعجاز القرآن وإنضمام غيره من المعجزات إليه .
( 91 ) أو تكون لك جنة بستان من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا .
( 92 ) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا قطعا يعنون قوله تعالى وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم وقريء بفتح السين أو تأتي بالله


( 217 )

والملائكة قبيلا كثيرا أو مقابلا أي وهم مقابلون لنا نشاهدهم ونعاينهم .
( 93 ) أو يكون لك بيت من زخرف من ذهب وأصله الزينة أو ترقى في السماء في معارجها ولن نؤمن لرقيك لصعودك وحدك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه فيه تصديقك قل سبحان ربي تنزيها لله من أن يتحكم عليه أحد ويأتي بما يقترحه الجهال وقرء قال أي الرسول هل كنت إلا بشرا رسولا كسائر الرسل وقد كانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات على ما يلايم حال قومهم وليس أمر الآيات إليّ إنما هو إلى الله وهو العالم بالمصالح فلا وجه لطلبكم إياها مني .
القمي عن الباقر عليه السلام ينبوعا أي عينا لك جنة أي بستان تفجيرا أي من تلك العيون كسفا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إنه سيسقط من السماء كسفا لقوله وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم قال والقبيل الكثير والزخرف الذهب كتابا يقرؤه يقول من الله إلى عبد الله بن أبي أمية إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم صادق وإني أنا بعثته ويجيء معه أربعة من الملائكة يشهدون أن الله هو كتبه فأنزل الله قل سبحان ربي الآية .
وفي الأحتجاج وتفسير الأمام عليه السلام في سورة البقرة عند قوله سبحانه أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل عن أبيه عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء (1) الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري بن هشام وأبو جهل ابن هشام والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي امية المخزومي وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه فقال المشركون بعضهم لبعض لقد
____________
(1) فناء الدار ككساء ما اتسع من امامها ج افنية وفنى ق .
( 218 )

استفحل (1) أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعظم خطبه (2) فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته (3) وتوبيخه والأحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم ولعله ينزع (4) عما هو فيه من غيه (5) وباطله وتمرده (6) وطغيانه (7) فإن إنتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر قال أبو جهل فمن الذي يلي كلامه ومجادلته قال عبد الله بن أبي امية المخزومي أنا إلى ذلك أفما ترضاني له قرنا (8) حسيبا (9) ومجادلا كفيا قال أبو جهل بلى فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي امية فقال يا محمد لقد إدعيت دعوىً عظيمة وقلت مقالا هايلا زعمت أنك رسول رب العالمين وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسولا له بشرا مثلنا يأكل كما نأكل ويمشي في الأسواق كما نمشي فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال عظيم خطر له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث الينا ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت يا محمد إلا رجلا مسحورا ولست بنبي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل بقي من كلامك شيء فقال بلى لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجلّ من بيننا مالا وأحسنه حالا فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل بقي من كلامك شيء فقال بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه فإنها
____________
(1) حفل القوم واحتفلوا اي اجتمعوا واحتشدوا ص .
(2) وهذا خطب جليل اي امر عظيم وجل الخطب عظم الامر والشأن م‍ .
(3) التبكيت كالتقريع والتعنيف وبكته بالحجة غلبته ص .
(4) نزع عن الامر نزعا اي انتهى عنها ص .
(5) غوى يغوي غيا وغواية ولا يكسر فهو غاو وغوي وغيان ضل وغواه غيره واغواه وغواه ق .
(6) مرد كنصر وكرم مرودا ومرادة فهو مارد ومريد ومتمرد اقدم وعتا أو هو ان يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف ج مردة ومرداء ومرده قطعه وفرق عرضه .
(7) طغى كرضي طغيا وطغيانا بالضم والكسر جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر واسرف في المعاصي والظلم ق .
(8) القرن مثلك في السن تقول هو على قرني اي على سني ص .
(9) حسبك الله اي انتقم الله عنك وكفى بالله حسيبا اي محاسبا أو كافيا ق .

( 219 )

ذات حجارة وعرة (1) وجبال تكشح (2) أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا فإنك قلت لنا وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فلعلنا نقول ذلك ثم قال أو تأتي بالله والملائكة قبيلا تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ثم قال أو ترقى في السماء أي تصعد في السماء ولن نؤمن لرقيك لصعودك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي امية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله فإنه من عندي ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا إنما سكرت أبصارنا وسحرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أبقي شيء من كلامك يا عبد الله قال أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ما بقي شيء وقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كانت لك حجة وآتنا بما سألناك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك فأنزل الله عليه ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الاسواق إلى قوله قصورا وأنزل عليه يا محمد فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك الآية وأنزل عليه يا محمد وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما ما ذكرت من إني آكل الطعام كما تأكلون وساق الحديث كما يأتي في سورة الفرقان إن شاء الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما قولك هذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم
____________
(1) الوعر ضد السهل كالوعر والواعر والوعير والاوعر ق .
(2) كشحه على الامر اضمره وستره .

( 220 )

عبيده فإن الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك ولا حسبانك ولا بإقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكد نفسه في ذلك إناء الليل ونهاره فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه على الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ أو ما ترى الملوك إذا إحتجبوا كيف يجري القبايح والفساد من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون يا عبد الله إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته وهذا أبين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فاوسعكم قتلا وأسرا ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما قولك لي ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده وساق الحديث كما مضى في سورة الأنعام ثم ساق الحديث بما يأتي في سورة الفرقان والزخرف ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما قولك لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا إلى آخر ما قلته فإنك إقترحت على محمد رسول الله رب العالمين أشياء منها لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته ورسول الله يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بمالا حجة فيه ومنها لو جاءك به لكان معه هلاكك وإنما يؤتي بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الأيمان بما لا يهلكون بها وإنما إقترحت هلاكك ورب العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم بما يقترحون ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص ومنها ما قد إعترفت على نفسك إنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان ومن كان كذلك فدواؤه عذاب النار النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه .
وأما قولك يا عبد الله لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه فإنها ذات أحجار وصخور وجبال تكشح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون فإنك سألت هذا وأنت