تفسير الصافي ج 3 ص 221 الى ص 240
جاهل بدلايل الله يا عبد الله أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكشحتها فأجريت فيها عيونا إستنبطتها قال بلى قال وهل لك فيها نظراء قال بلى قال أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء قال لا قال فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لو فعله على نبوته فما هو إلا كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس وأما قولك يا عبد الله أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الانهار خلالها تفجيرا أو ليس لك ولأصحابك جنان من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا أفصرتم أنبياء بهذا قال لا قال فما بال إقتراحكم على رسول الله أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه بل لو تعاطاها لدل تعاطيه إياها على كذبه لأنه حينئذ يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا عبد الله وأما قولك أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا فإنك قلت وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فإن في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم وإنما تريد بهذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب إقتراح عباده لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وبما لا يجوز منه وبالفساد وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعها لو كان إلى اقتراحاتهم لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم ويقترح غيرك أن لا يسقط عليكم السماء بل أن يرفع الأرض إلى السماء ويقع عليها وكان ذلك يتضاد ويتنافي ويستحيل وقوعه والله لا يجري تدبيره على ما يلزمه المحال . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل رأيت يا عبد الله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب إقتراحاتهم وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبه العليل أو كرهه فأنتم المرضى والله طبيبكم فإن أنفذتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم وبعد


( 222 )

فمتى رأيت يا عبد الله مدّعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة دعواه على حسب إقتراح المدعي عليه إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حق ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا صادق ولا كاذب فرق ثم قال يا عبد الله وأما قولك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعانيهم فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به إن ربي عز وجل ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به فقد سألتم بهذا المحال وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد يا عبد الله أو ليس لك ضياع وجنان [ خيال ] بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها قال بلى قال أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك قال بسفراء قال أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله ابن أبي امية فنشاهده فتسمع [ ونسمع خ ل ] ما تقولون عنه شفاها أكنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك قال لا قال فما الذي يجب على سفراءك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم قال بلى قال يا عبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك فقال قم معي فإنهم قد إقترحوا عليّ مجيئك أليس يكون هذا لك مخالفا وتقول له إنما أنت رسول لا مشير ولا آمر قال بلى قال فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا يسوغ أكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم فكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم إلى ربه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل ذلك لرسول لك إلى أكرتك وقوامك هذه حجة قاطعة لأبطال جميع ما ذكرته في كل ما إقترحته .
أما قولك يا عبد الله أو يكون لك بيت من زخرف وهو الذهب أما بلغك أن لعزيز مصر بيوتا من زخرف قال بلى قال أفصار بذلك نبيا قال لا قال فكذلك لا يوجب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لو كان له نبوة ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله وأما قولك يا عبد الله أو ترقى في السماء ثم قلت ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه يا عبد الله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها


( 223 )

وإذا اعترفت على نفسك إنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول ثم قلت حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ومن بعد ذلك لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند بعد حجة الله عليك فلا دواء لك إلا تأديبه على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية وقد أنزل الله تعالى عليّ كلمة جامعة لبطلان كل ما إقترحته فقال الله تعالى قل يا محمد سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ما أبعد ربي أن يفعل الأشياء على قدر ما يقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز وهل كنت إلا بشرا رسولا لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه .
( 94 ) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا وما منعهم الأيمان بعد ظهور الحق إلا إنكارهم أن يرسل الله بشرا .
( 95 ) قل جوابا لشبهتهم لو كان في الارض ملائكة يمشون كما يمشي بنو آدم مطمئنين ساكنين فيها لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا لتمكنهم من الأجتماع به والتلقي عنه وأما الأنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك والتلقف منه فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس وليس إلا لمن يصلح للنبوة .
( 96 ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم على إني رسول إليكم وإني قد قضيت ما عليّ من التبليغ إنه كان بعباده خبيرا بصيرا يعلم أحوالهم الباطنة والظاهرة فيجازيهم عليه وفيه تسلية للرسول وتهديد للكفار .
( 97 ) ومن يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه يهدونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة .


( 224 )

والعياشي عن أحدهما عليهما السلام على وجوههم قال على جباههم عميا وبكما وصما لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما ينفعهم ويقبل منهم لأنهم في الدنيا لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن إستماع الحق وأبوا أن ينطقوا به مأواهم جهنم كلما خبت انطفت بأن أكلت جلودهم ولحومهم زدناهم سعيرا توقدا بأن نبدل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة متسعرة بهم كأنهم لما كذبوا بالأعادة بعد الأفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الأعادة والأفناء وإليه أشار بقوله .
( 98 ) ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أي فنفنيهم ونعيدهم ليزيد ذلك تحسرهم على التكذيب بالبعث .
القمي والعياشي عن السجاد عليه السلام إن في جهنم واديا يقال له السعير إذا خبت جهنم فتح سعيرها وهو قوله تعالى كلما خبت زدناهم سعيرا أي كلما انطفت .
( 99 ) أو لم يروا أو لم يعلموا أن الله الذي خلق السماوات والارض قادر على أن يخلق مثلهم فانهم ليسوا أشد خلقا منهن كما قال ءأنتم أشد خلقا أم السماء ولا الأعادة أصعب عليه من الأبداء كما قال بل هو أهون عليه وجعل لهم أجلا لا ريب فيه هو الموت أو القيامة فأبى الظالمون مع وضوح الحق إلا كفورا إلا جحودا .
( 100 ) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي خزائن أرزاق الله ونعمه على خلقه إذا لامسكتم خشية الانفاق لبخلتم مخافة النفاد بالأنفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فلا جواد إلا الله الذي يعطي بغير عوض وكان الانسان قتورا بخيلا لأن بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذل .
القمي في هذه الآية قال لو كانت الأمور بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة الفناء وكان الانسان قتورا أي بخيلا .
( 101 ) ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات .


( 225 )

في الخصال والقمي عن الصادق عليه السلام هي الجراد والقمل والضفادع والدم والطوفان والبحر والحجر والعصا ويده .
والعياشي عن الباقر عليه السلام والقمي مثله .
وفي قرب الأسناد عن الكاظم عليه السلام وقد سأله نفر من اليهود عنها فقال العصا وإخراجه يده من جيبه بيضاء والجراد والقمل والضفادع والدم ورفع الطور والمن والسلوى آية واحدة وفلق البحر . قالوا : صدقت .
وفي المجمع أن يهوديا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآيات فقال هي أن لا تشركوا به شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتل ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا للفرار يوم الزحف وعليكم خاصة يا يهود أن لا تعتدوا في السبت فقبل يده وقال أشهد أنك نبي فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم قيل يعني فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك ويتسلى نفسك ويزداد يقينك فهو إعتراض وإذ جاءهم متعلق بآياتنا فقال له فرعون إني لاظنك يا موسى مسحورا سحرت فتخبط عقلك .
( 102 ) قال لقد علمت يا فرعون وقريء بضم التاء ما أنزل هؤلاء يعني الآيات إلا رب السماوات والارض بصائر بينات تبصرك صدقي ولكنك معاند وإني لاظنك يا فرعون مثبورا مصروفا عن الخير [ الحق ] أو هالكا قابل ظنه المكذوب بظنه الصحيح .
في المجمع روي أن عليا عليه السلام قال في علمت والله ما علم عدو الله ولكن موسى عليه السلام هو الذي علم فقال لقد علمت .
أقول : يعني إنه بضم التاء ليس بفتحها .
( 103 ) فأراد فرعون أن يستفزهم من الارض أن يستخف موسى عليه السلام وقومه وينفيهم من الارض بالأستيصال وفي رواية القمي من أرض مصر فأغرقناه


( 226 )

ومن معه جميعا فاستفززناه وقومه بالأغراق .
القمي عن الباقر عليه السلام أراد أن يخرجهم من الأرض وقد علم فرعون وقومه ما أنزل تلك الآيات إلا الله .
أقول : وهذه الرواية دليل فتح التاء .
( 104 ) وقلنا من بعده من بعد فرعون وإغراقه لبني إسرائيل اسكنوا الارض التي أراد أن يستفزكم منها فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا مختلطين ثم نحكم بينكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى .
القمي عن الباقر عليه السلام لفيفا يقول جميعا وفي رواية اخرى من كل ناحية .
( 105 ) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل أي وما أنزلنا القرآن إلا بالحق وما نزل إلا بالحق وما أرسلناك إلا مبشرا للمطيع بالثواب ونذيرا للعاصي بالعقاب .
( 106 ) وقرآنا فرقناه نزلناه منجما .
في المجمع عن علي عليه السلام فرقناه بالتشديد لتقرأه على الناس على مكث على مهل وتؤدة فإنه أيسر للحفظ وأعون في الفهم ونزلناه تنزيلا على حسب الحوادث .
( 107 ) قل آمنوا به أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم بالقرآن لا يزد كمالا وإمتناعكم عنه لا يورثه نقصانا إن الذين أوتوا العلم من قبله أي العلماء الذين قرؤا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وإمارات النبوة وتمكنوا من التمييز بين المحق والمبطل .
القمي يعني أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله إذا يتلى عليهم القرآن يخرون للاذقان سجدا يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر الله وشكرا لأنجاز وعده في تلك الكتب ببعثه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم على فترة من الرسل وإنزال القرآن عليه .


( 227 )


( 108 ) ويقولون سبحان ربنا عن خلف الوعد إن كان وعد ربنا لمفعولا إنه كان وعده كائن لا محالة .
( 109 ) ويخرون للاذقان يبكون كرره لإختلاف الحالين وهما خرورهم للشكر وإنجاز الوعد حال كونهم ساجدين وخرورهم لما أثر فيهم من المواعظ حال كونهم باكين وذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد .
والقمي فسر الأذقان بالوجوه ومعنى اللام الأختصاص لأنهم جعلوا أذقانهم ووجوههم للسجود والخرور ويزيدهم سماع القرآن خشوعا لما يزيدهم علما ويقينا .
( 110 ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن سموا الله بأي الأسمين شئتم فإنهما سيان في حسن الأطلاق والمعنى بهما واحد أيا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى أي أيّ هذين الأسمين سميتم وذكرتم فهو حسن فوضع موضعه فله الاسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه فإنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الأسمان لأنهما منها وما مزيدة مؤكدة للشرط والضمير في له للمسمى لأن التسمية له لا للاسم ومعنى كون أسمائه أحسن الأسماء إستقلالها بمعاني التمجيد والتعظيم والتقديس ودلالتها على صفات الجلال والأكرام قيل نزلت حين سمع المشركون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعوا إلها آخر وقيل قالت له اليهود إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة فنزلت ولا تجهر بصلاتك يعني بقراءتها ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا .
القمي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لا تسمع نفسك واقرأ بين ذلك .
وعن الباقر عليه السلام فيها الأجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك والأخفات أن لا تسمع من معك إلا يسيرا .
والعياشي عن الصادق عليه السلام الجهر بها رفع الصوت والمخافتة ما لم تسمع أذناك وما بين ذلك قدر ما تسمع أذنيك .


( 228 )

وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام المخافتة ما دون سمعك والجهر أن ترفع صوتك شديدا وعنه عليه السلام إنه سئل أعلى الأمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا قال ليقرأ قراءة وسط ثم تلا هذه الآية .
والعياشي عنهما عليهما السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان بمكة جهر صوته فيعلم بمكانه المشركون فكانوا يؤذونه فأنزلت هذه الآية عند ذلك .
وعن الباقر عليه السلام إنه قال للصادق عليه السلام يا بني عليك بالحسنة بين السيئتين تمحوهما قال وكيف ذلك يا أبة قال مثل قول الله ولا تجهر الآية ومثل قوله ولا تجعل يدك مغلولة الآية ومثل قوله والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا الآية فأسرفوا سيئة واقتروا سيئة وكان بين ذلك قواما حسنة فعليك بالحسنة بين السيئتين .
أقول : أراد عليه السلام أمره بالتوسط في الامور كلها ليسلم من الأفراط والتفريط .
وعن الباقر عليه السلام في هذه الآية إنها نسختها فاصدع بما تؤمر وعنه عليه السلام تفسيرها ولا تجهر بولاية علي عليه السلام ولا بما أكرمته به حتى آمرك بذلك ولا تخافت بها يعني لا تكتمها علّياً عليه السلام وإعلمه بما أكرمته به وإبتغ بين ذلك سبيلا سلني أن أذن لك أن تجهر بأمر علي بولايته فأذن له بإظهار ذلك يوم غدير خم .
( 111 ) وقل ( 1 ) الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذل .
القمي قال ولم يذل فيحتاج إلى ناصر ينصره وكبره تكبيرا .
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال رجل عنده الله أكبر فقال الله أكبر من أي شيء فقال من كل شيء فقال عليه السلام حددته فقال الرجل كيف أقول قال قل الله أكبر من أن يوصف وفي رواية اخرى فقال وكان ثمة شيء فيكون أكبر منه فقيل
____________
(1) قيل ان في هذه الآية رداً على اليهود والنصارى حين قالوا اتخذ الله الولد وعلى مشركي العرب حيث قالوا لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك وعلى الصابئين والمجوس حين قالوا لولا اولياء الله لذل الله مجمع البيان .
( 229 )

وما هو قال أكبر من أن يوصف وفي التهذيب عنه عليه السلام أنه أمر من قرأ هذه الآية أن يكبر ثلاثا .
وفي الفقيه في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام يا عليّ أمان لأمتي من السرق قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن إلى آخر السورة .
وفي ثواب الأعمال والمجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم عجل الله تعالى فرجه ويكون مع أصحابه عليه السلام .



( 230 )



سورة الكهف مكية
قال ابن عباس إلا آية واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم فإنها نزلت بالمدينة
في قصة عيينة بن حصين
عدد آيها مائة وإحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
( 1 ) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني القرآن علم الله سبحانه عباده كيف يحمدونه على أجل نعمه عليهم الذي هو سبب نجاتهم ولم يجعل له عوجا باختلال في اللفظ وتناقض في المعنى والعوج بالكسر في المعاني كالعوج بالفتح في الأعيان .
( 2 ) قيما جعله مستقيما معتدلا لا إفراط فيه ولا تفريط .
القمي قال هذا مقدم ومؤخر لأن معناه الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا فقدم حرف على حرف لينذر بأسا شديدا أي لينذر الذين كفروا عذابا شديدا من لدنه صادرا من عنده .
العياشي البأس الشديد عليّ عليه السلام وهو من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله قاتل معه عدوه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا هو الجنة .
( 3 ) ماكثين فيه أبدا بلا إنقطاع .
( 4 ) وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا .
القمي يعني قريشا حيث قالوا إن الملائكة بنات الله واليهود والنصارى في قولهم


( 231 )

عزير ابن الله والمسيح ابن الله .
( 5 ) ما لهم ( 1 ) به وبما يقولون من علم ولا لآبائهم الذين يقلدونهم فيه بل يقولونه عن جهل مفرط وتوهم كاذب كبرت كلمة عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والأشراك تخرج من أفواههم إستعظام لأجترائهم على إخراجها من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .
( 6 ) فلعلك باخع نفسك .
القمي عن الباقر عليه السلام يقول قاتل نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث بهذا القرآن أسفا متعلق بباخع نفسك وهو فرط الحزن والغضب كأنهم إذ ولوا عن الأيمان فارقوه فشبهه بمن فارقته أعزته فهو يتحسر على آثارهم ويقتل نفسه تلهفا على فراقهم .
( 7 ) إنا جعلنا ما على الارض زينة لها ما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارفها لنبلوهم أيهم أحسن عملا في تعاطيه وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بالكفاف .
( 8 ) وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا .
القمي يعني خرابا وعن الباقر عليه السلام قال لا نبات فيها وهو تزهيد في الدنيا وتنبيه على المقصود من حسن العمل .
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام إن الله لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته .
( 9 ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم في إبقاء حياتهم على تلك الحال مدة مديدة كانوا من آياتنا عجبا القمي يقول قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه قال وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وأما الكهف والرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان
____________
(1) أي ليس لهؤلاء ولا لاسلافهم علم بهذا القول الشنيع ، وإنما يقولون ذلك عن جهل وتقليد من غير حجة .
( 232 )

أمرهم وحالهم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام هم قوم فقدوا وكتب ملك ذلك الديار بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في صحف من رصاص فهو قوله أصحاب الكهف والرقيم .
والقمي عنه عليه السلام كان سبب نزول سورة الكهف أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط والعاص بن وائل السهمي ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم فقالوا سلوه عن ثلاث مسائل فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثم سلوه عن مسألة واحدة فإن إدعى علمها فهو كاذب قالوا وما هذه المسائل قالوا سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأول فخرجوا وغابوا وناموا كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا وكم كان عددهم وأي شيء كان معهم من غيرهم وما كان قصتهم واسألوه عن موسى حين أمره الله عز وجل أن يتبع العالم ويتعلم منه من هو وكيف يتبعه وما كان قصته معه واسألوه عن طائف طاف مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج من هو وكيف كان قصته ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث المسائل وقالوا لهم إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه قالوا فما المسألة الرابعة قالوا سلوه متى تقوم الساعة فإن إدعى علمها فهو كاذب فإن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى فرجعوا إلى مكة فاجتمعوا إلى أبي طالب رضى الله عنه فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق وإن لم يخبرنا علمنا أنه كاذب فقال أبو طالب سلوه عما بدا لكم فسألوه عن الثلاث المسائل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله غدا اخبركم ولم يستثن فاحتبس الوحي عليه أربعين يوما حتى إغتم النبي صلى الله عليه وآله وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به وفرحت قريش واستهزؤا وآذوا وحزن أبو طالب عليه السلام فلما كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل عليه السلام بسورة الكهف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لقد أبطأت فقال إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله تعالى فأنزل الله عز وجل أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ثم قص قصتهم فقال إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فقال الصادق عليه السلام إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات وكان يدعو أهل مملكته


( 233 )

إلى عبادة الأصنام فمن لم يجبه قتله وكانوا هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عز وجل وكل الملك بباب المدينة وكلاء ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام فخرج هؤلاء بعلة الصيد وذلك إنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم فقال الصادق عليه السلام لا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة حمار بلعم بن باعورا وذئب يوسف عليه السلام وكلب أصحاب الكهف فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم فألقى الله عز وجل عليهم النعاس كما قال الله تبارك وتعالى فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا فناموا حتى أهلك الله عز وجل الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا فقال بعضهم لبعض كم نمنا هاهنا فنظروا إلى الشمس قد إرتفعت فقالوا نمنا يوما أو بعض يوم ثم قالوا لواحد منهم خذ هذه الورقة وادخل المدينة متنكرا لا يعرفونك فاشتر لنا طعاما فإنهم إن علموا بنا وعرفونا قتلونا أو ردونا في دينهم فجاء ذلك الرجل فرأى المدينة بخلاف الذي عهدها ورأى قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم فقالوا له من أنت ومن أين جئت فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف وأقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم وقال بعضهم هم خمسة وسادسهم كلبهم وقال بعضهم هم سبعة وثامنهم كلبهم وحجبهم الله عز وجل بحجاب من الرعب فلم يكن أحد تقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم فإنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكون أصحاب دقيانوس شعروا بهم فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل وأنهم آية للناس فبكوا وسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ثم قال الملك ينبغي أن نبني ها هنا مسجدا ونزوره فإن هؤلاء قوم مؤمنون فلهم في كل سنة نقلتان ينامون ستة أشهر على جنوبهم الأيمن وستة أشهر على جنوبهم الأيسر والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف .
( 10 ) إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة توجب لنا المغفرة والرزق والأمن من العدو وهّيىء لنا من أمرنا من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار رشدا نصير بسببه راشدين مهتدين .


( 234 )

( 11 ) فضربنا على آذانهم أي ضربنا عليها حجابا يمنع السماع يعني أنمناهم إنامة لا ينبههم منها الأصوات في الكهف سنين عددا ذوات عدد .
( 12 ) ثم بعثناهم أيقظناهم لنعلم ليقع علمنا الأزلي على المعلوم بعد وقوعه ويظهر لهم أي الحزبين المختلفين أحصى لما لبثوا أمدا ضبط أمدا لزمان لبثهم أو أضبط له .
( 13 ) نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه قال لرجل ما الفتى عندكم فقال له الشاب فقال لا الفتى المؤمن إن أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسماهم الله فتية بإيمانهم .
والعياشي عنه عليه السلام مثله إلا أنه قال كانوا كلهم كهولا وزاد من آمن بالله واتقى فهو الفتى آمنوا بربهم وزدناهم هدى بالتوفيق والتثبيت .
( 14 ) وربطنا على قلوبهم أي قويناها وشددنا عليها حتى صبروا على هجر الأوطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا قولا ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرطا في الظلم .
القمي عن الباقر عليه السلام يعني جورا على الله تعالى إن قلنا إن له شريكا .
أقول : قالوه سرا من الكفار ليس كما زعمه المفسرون أنهم جهروا به بين يدي دقيانوس الجبار وما فعلوه أعظم أجرا .
ففي الكافي عن الصادق عليه السلام إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الأيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين .
وفيه والعياشي عنه عليه السلام ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الأعياد ويشدون الزنانير فأعطاهم الله أجرهم مرتين .
والعياشي عنه عليه السلام إن أصحاب الكهف أسروا الأيمان وأظهروا الكفر وكانوا على إجهار الكفر أعظم أجرا منهم على الأسرار بالأيمان وعنه عليه السلام إنه ذكر أصحاب الكهف فقال لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم فقيل له ما كلفهم قومهم فقال كلفوهم الشرك بالله العظيم فأظهروا لهم الشرك وأسروا الأيمان حتى جاءهم الفرج وعنه


( 235 )

عليه السلام خرج أصحاب الكهف على غير معرفة ولا ميعاد فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق فأخذ هذا على هذا وهذا على هذا ثم قالوا أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد وعنه عليه السلام إنه ذكر أصحاب الكهف فقال كانوا صيارفة كلام ولم يكونوا صيارفة دراهم .
( 15 ) هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون هلا يأتون عليهم على عبادتهم بسلطان بيّن ببرهان ظاهر وهو تبكيت لأن الأتيان بالحجة على ذلك محال فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا بنسبة الشرك إليه .
أقول : في هذه الآية دلالة على أنهم كانوا يسرون الأيمان وكذا فيما بعدها .
( 16 ) وإذ اعتزلتموهم خطاب بعضهم لبعض وما يعبدون إلا الله وإعتزلتم معبوديهم أو عبادتهم إلا الله فاْوُوا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء لكم من أمركم مرفقا ما ترتفقون به أي تنتفعون به وقريء بفتح الميم وكسر الفاء وكان جزمهم بذلك لشدة وثوقهم بفضل الله وقوة يقينهم بالله .
( 17 ) وترى الشمس لو رأيتهم إذا طلعت تزاور تميل وقريء بتشديد الزاي وتزور بتشديد الراء كتحمر عن كهفهم ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم ولعل الكهف كان جنوبيا ذات اليمين أي جهة يمين الكهف وإذا غربت تقرضهم تقطعهم وتصرم عنهم ذات الشمال جهة شمال الكهف وهم في فجوة منه وهم في متسع من الكهف يعني في وسط بحيث ينالهم برد النسيم وروح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس لا في طلوعها ولا في غروبها ذلك من آيات الله من يهد الله بالتوفيق فهو المهتد ثناء عليهم ومن يضلل من يخذله فلن تجد له وليا مرشدا من يليه ويرشده .
في التوحيد والمعاني عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال إن الله تبارك وتعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته ويهدي أهل الأيمان والعمل الصالح إلى جنته كما قال الله عز وجل ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء وقال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم .


( 236 )

( 18 ) وتحسبهم أيقاظا القمي عن الباقر عليه السلام قال ترى أعينهم مفتوحة وهم رقود نيام ونقلبهم في رقدتهم ذات اليمين وذات الشمال في كل عام مرتين كما سبق كي لا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزمان وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد بالفناء وقد سبق حديث الكلب لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا لهربت منهم ولملئت منهم رعبا خوفا يملأ صدرك وقريء لملئت بالتشديد ورعبا بالتثقيل قيل وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة .
العياشي عن الباقر عليه السلام إن ذلك لم يعن به النبي صلى الله عليه وآله إنما عني به المؤمنين بعضهم لبعض لكنه حالهم التي هم عليها .
( 19 ) وكذلك بعثناهم وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا ليتساءلوا بينهم ليسأل بعضهم بعضا فيتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقينا إلى يقينهم ويستبصروا به على أمر البعث قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم بناء على غالب ظنهم المستفاد من النوم المعتاد قالوا ربكم أعلم بما لبثتم قيل قالوا ذلك لما رأوا من طول أظفارهم وشعورهم ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى العلم به أخذوا فيما يهمهم وقالوا فابعثوا أحدكم بورقكم هذه قريء بسكون الراء إلى المدينة والورق الفضة فلينظر أيها أزكى طعاما القمي يقول أيها أطيب طعاما .
وفي المحاسن عنهما عليهما السلام أزكى طعاما التمر .
أقول : ويستفاد منه أن البارز في أيها راجع إلى الأطعمة دون المدينة المراد بها أهلها كما فهمه الجمهور فليأتكم برزق منه وليتلطف وليتكلف اللطف في التخفي والتنكر حتى لا يعرف كما سبق في حديث القمي ويفسره قوله ولا يشعرن بكم أحدا .
( 20 ) إنهم إن يظهروا عليكم إن يظفروا بكم يعني أهل المدينة يرجموكم يقتلوكم بالرجم وهي أخبث قتلة أو يعيدوكم في ملتهم ويصيّروكم إليها كرها ولن تفلحوا إذا أبدا إن دخلتم في ملتهم .
( 21 ) وكذلك أعثرنا عليهم وكما أنمناهم بعثناهم ليزداد بصيرتهم إطلعنا عليهم
____________
(1) أي لو رأيتهم لحسبتهم منتبهين ، وهم رقود ، أي نائمون .
( 237 )

أهل مدينتهم .
القمي وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف ليعلموا ليعلم الذين إطلعناهم على حالهم أن وعد الله بالبعث حق وأن الساعة لآتية لا ريب فيها بأنها كائنة لأن حالهم في نومهم وانتباههم كحال من يموت ويبعث .
وفي الحديث النبوي كما تنامون تستيقظون وكما تموتون تبعثون .
وفي حديث آخر النوم أخ الموت .
وفي الأحتجاج عن الصادق عليه السلام في حديث قد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق إذ يتنازعون أعثرنا عليهم حين يتنازعون بينهم أمرهم أمر دينهم وكان بعضهم يقول تبعث الأرواح مجردة وبعضهم يقول تبعثان معا ليرتفع الخلاف ويتبين إنهما تبعثان معا كذا قيل وكان في حديث الأحتجاج ايماء إلى ذلك وقيل أمرهم أي أمر الفتية حين توفاهم ثانيا وكان بعضهم يقول ماتوا وبعضهم يقول ناموا كنومهم أول مرة وقد سبق في حديث القمي وكيف كان فقالوا ابنوا عليهم بنيانا حين توفاهم ثانيا ربهم أعلم بهم إعتراض قال الذين غلبوا على أمرهم من المسلمين وملكهم لنتخذن عليهم مسجدا يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم .
( 22 ) سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم يعني أهل المدينة وملكهم كما سبق في حديث القمي .
وقيل بل يعني بهم الخائضين في قصتهم في عهد نبينا صلى الله عليه وآله من أهل الكتاب والمؤمنين ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب يرمون رميا بالخبر الخفي .
والقمي ظنا بالغيب ما يستفتونهم ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل روت العامة عن علي عليه السلام وهم سبعة وثامنهم كلبهم ويدل عليه من طريق الخاصة ما روي في روضة الواعظين عن الصادق عليه السلام أنه يخرج مع


( 238 )

القائم من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلا خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسلمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا فلا تجادل أهل الكتاب في شأن الفتية إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم بما أوحى إليك من غير تجهيل لهم والرد عليهم ولا تستفت فيهم منهم أحدا .
القمي يعني يقول حسبك ما قصصنا عليك من أمرهم ولا تسأل أحدا من أهل الكتاب عنهم .
( 23 ) ولا تقولن لشيء تعزم عليه إني فاعل ذلك غدا .
( 24 ) إلا أن يشاء الله إلا متلبسا بمشيته قائلا إن شاء الله تعالى واذكر ربك إذا نسيت يعني إذا نسيت الأستثناء فاستثن إذا ذكرت .
وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام ما لم ينقطع الكلام .
وفي الكافي عنه عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت قال ذلك في اليمين إذا قلت والله لا أفعل كذا وكذا فإذا ذكرت إنك لم تستثن فقل إن شاء الله .
والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه في عدة روايات .
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام الأستثناء في اليمين متى ما ذكر وإن كان بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الآية .
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال لهم تعالوا غدا احدثكم ولم يستثن فاحتبس جبرئيل عنه أربعين يوما ثم أتاه فقال ولا تقولن لشيء الآية .
والعياشي عنه عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في قول الله عز وجل ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما إن الله عز وجل لما قال لآدم وزوجته لا تقربا هذه الشجرة ولا تأكلا


( 239 )

منها فقالا نعم يا ربنا لا نقربها ولا نأكل منها ولم يستثنيا في قولهما نعم فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما قال وقد قال الله عز وجل لنبيه في الكتاب ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله أن لا أفعله فتسبق مشية الله في أن لا أفعله فلا أقدر على أن أفعله فلذلك قال الله عز وجل واذكر ربك إذا نسيت أي إستثن مشية الله في فعلك .
والعياشي عنه عليه السلام قال قال الله عز وجل ولا تقولن إلى آخر الحديث كما ذكر في الكافي .
وعنه عليه السلام إن آدم لما أسكنه الله الجنة فقال له يا آدم لا تقرب هذه الشجرة فقال نعم ولم يستثن فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله فقال ولا تقولن لشيء إني فاعل إلى قوله إذا نسيت ولو بعد سنة .
قال في المجمع الوجه فيه إنه إذا إستثنى بعد النسيان فإنه يحصل له ثواب المستثنى من غير أن يؤثر الأستثناء بعد إنفصال الكلام في الكلام وإبطال الحنث وسقوط الكفارة في اليمين .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه أمر بكتاب في حاجة فكتب ثم عرض عليه ولم يكن فيه إستثناء فقال كيف رجوتم أن يتم هذا وليس فيه إستثناء انظروا كل موضع لا يكون فيه إستثناء فاستثنوا فيه وفي التهذيب ما يقرب منه وزاد ثم دعا بالدوات فقال الحق فيه إن شاء الله فألحق فيه في كل موضع إن شاء الله وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا قيل أي يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه رشدا وأدنى خيرا ومنفعة أو لما هو ظهر دلالة على إني نبيء من نبأ أصحاب الكهف .
( 25 ) ولبثوا في كهفهم ثلاثمأة سنين وقرء بالأضافة وازدادوا تسعا أي ثلثمأة وتسعا .
( 26 ) قل الله أعلم بما لبثوا بمدة لبثهم من الذين إختلفوا فيها ( فيهم خ ل ) من أهل الكتاب والحق ما أخبر الله به وهو ما ذكر في المجمع روي أن يهوديا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام عن مدة لبثهم فأخبر بما في القرآن فقال إنا نجد في كتابنا ثلثمأة فقال علي عليه السلام ذلك بسني الشمس وهذا بسني القمر .


( 240 )

والقمي عطف على الخبر الأول الذي حكى عنهم أنهم يقولون ثلثة رابعهم كلبهم فقال ولبثوا في كهفهم ثلثمأة سنين وإزدادوا تسعا وهو حكاية عنهم ولفظه خبر والدليل على أنه حكاية عنهم قوله قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والارض يختص بعلمه أبصر به وأسمع فما أبصره وأسمعه ذكره بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره في الأدراك خارج عن حدّ ما عليه إدراك كل مبصر وسامع إذ لا يحجبه شيء ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفي وجلي ما لهم ما لأهل السماوات والأرض من دونه من ولي يتولى امورهم ولا يشرك في حكمه في قضائه أحداً منهم وقريء بالتاء والجزم .
( 27 ) واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك من القرآن لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ملتجأ وموئلا يقال التحد إلى كذا إذا مال إليه .
( 28 ) واصبر نفسك احبسها مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي في طرفي النهار أو في مجامع أوقاتهم .
العياشي عنهما عليهما السلام إنما عنى بهما الصلاة وقريء بالغدوة يريدون وجهه رضاه وطاعته ولا تعد عيناك عنهم ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم من أبناء الدنيا تريد زينة الحياة الدنيا في مجالسة أهل الغنى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا بالخذلان واتبع هواه وكان أمره فرطا إفراطا وتجاوزا للحد ونبذا للحق وراء ظهره القمي نزلت في سلمان الفارسي ( رضى الله عنه ) كان عليه كساء فيه يكون طعامه وهو دثاره وردائه وكان كساءا من صوف فدخل عيينة بن حصين على النبي صلى الله عليه وآله وسلمان عنده فتأذى عيينة بريح كساء سلمان وقد كان عرق فيه وكان يوما شديد الحر فعرق في الكساء فقال يا رسول الله إذا نحن دخلنا عليك فأخرج هذا وحزبه من عندك فإذا نحن خرجنا فادخل من شئت فأنزل الله عز وجل ولا تطع من أغفلنا قلبه الآية وهو عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري .
وفي المجمع نزلت في سلمان وأبي ذر وصهيب وخباب وغيرهم من فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وذلك أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول الله عيينة بن حصين والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا يا رسول الله إن جلست في صدر