تفسير الصافي ج 3 ص 301 الى ص 320
( 9 ) وهل أتاك حديث موسى قيل قفى تمهيد نبوته بقصة موسى ليأتم به في تحمل أعباء النبوة وتبليغ الرسالة والصبر على مقاساة الشدايد فإن هذه السورة من أوائل ما نزل .
( 10 ) إذ راى نارا قيل إنه إستاذن شعيبا في الخروج إلى امه وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى وفيه الطور ولد له عليه السلام ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد أضل الطريق وتفرقت ماشيته إذ رأى من جانب الطور نارا فقال لاهله امكثوا أقيموا مكانكم إني آنست نارا أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه .
وقيل الأيناس إبصار ما يؤنس به لعلّي آتيكم منها بقبس بشعلة من النار أو أجد على النار هُدىً .
القمي عن الباقر عليه السلام يقول آتيكم بقبس من النار تصطلون من البرد أو أجد على النار هُدىً كان قد أخطأ الطريق يقول أو أجد عند النار طريقا .
( 11 ) فلما اتاها أي النار قيل وجد نارا بيضاء تتقد في شجرة خضراء .
القمي عن الباقر عليه السلام فأقبل نحو النار يقتبس فإذا شجرة ونار تلتهب عليها فلما ذهب نحو النار ليقتبس منها أهوت النار إليه ففزع وعدا ورجعت النار إلى الشجرة فألتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت إليه فعدا وتركها ثم إلتفت وقد رجعت إلى الشجرة فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا ولم يعقب أي لم يرجع فناداه الله عز وجل ويأتي تمام الحديث في سورة القصص نودي يا موسى .
( 12 ) إني أنا ربك وقريء بفتح الهمزة فاخلع نعليك إنك بالوادِ المقدس طوى طوى عطف بيان للوادي فإنه كان مسمى به وقريء بالتنوين قيل امر بخلع نعليه لأن الحفوة تواضع وأدب .
في الفقيه والأكمال والعلل عن الصادق عليه السلام .
والقمي قال إنه إنما أمر بخلعهما لأنهما كانتا من جلد حمار ميت .


( 302 )

وفي الأكمال عن الحجة القائم عليه السلام في حديث قيل له أخبرني يا بن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسى عليه السلام فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس فإن فقهاء الفريقين يزعمون إنها كانت من إهاب الميتة قال صلوات الله عليه من قال ذلك فقد إفترى على موسى عليه السلام واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من خصلتين إما أن يكون صلاة موسى عليه السلام فيها جائزة أو غير جائزة فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسها في تلك البقعة إذا لم تكن مقدسة وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة وإن كانت صلاته غير جايزة فيها فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام وعلم ما جاز فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر قيل وأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها قال صلوات الله عليه إن موسى عليه السلام ناجى ربه بالواد المقدس فقال يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عن سواك وكان شديد الحب لأهله فقال الله تعالى اخلع نعليك أي أنزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة وقلبك من الميل إلى من سواي مغسول .
وفي العلل عن الصادق عليه السلام يعني ارفع خوفيك يعني خوفه من ضياع أهله وقد خلفها تمخض وخوفه من فرعون .
وفي الأكمال مرفوعا ما في معناه .
وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله إنه سئل عن الواد المقدس فقال لأنه قدست فيه الأرواح واصطفيت فيه الملائكة وكلم الله عز وجل موسى تكليما .
( 13 ) وأنا اخترتك إصطفيتك للنبوة وقريء إنا إخترناك فاستمع لما يوحى للذي يوحى إليك أو للوحي واللام يحتمل التعلق بكل من الفعلين .
( 14 ) إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني بدل مما يوحي دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهي العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل وأقم الصلاة لذكري قيل خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة التي أناط بها إقامتها وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى فإن


( 303 )
كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الاخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك فإن الله يقول أقم الصلاة لذكري الحديث .
وفي المجمع عنه عليه السلام معناه أقم الصلاة متى ذكرت إن عليك صلاة كنت في وقتها أم لم تكن .
وعن النبي صلى الله عليه وآله من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها غير ذلك وقرأ أقم الصلاة لذكري .
والقمي قال إذا نسيتها ثم ذكرتها فصلها .
( 15 ) إن الساعة آتية كائنة لا محالة أكاد أخفيها قيل أي اخفي وقتها .
وفي المجمع والجوامع عن الصادق عليه السلام أكاد اخفيها من نفسي وانه كذلك في قراءة ابي .
والقمي قال من نفسي هكذا نزلت قيل كيف يخفيها من نفسه قال جعلها من غير وقت وقيل معناه أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاه لتجزى كل نفس بما تسعى متعلق بآتية أو بأخفيها على المعنى الأخير .
( 16 ) فلا يصدّنك عنها عن تصديق الساعة أو الصلاة من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى فتهلك بالأنصداد أو بصده .
( 17 ) وما تلك بيمينك إستفهام يتضمن إستيقاظا لما يريه فيها من العجائب يا موسى تكرير لزيادة الأستيناس والتنبيه .
( 18 ) قال هي عصاي أتوكؤ عليها أعتمد عليها إذا عييت أو وقفت على رأس القطيع وأهش بها على غنمي وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي ولي فيها مآرب أخرى حاجات اخر مثل أنه كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل به وإذا قصر الرشا وصله بها وإذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها .


( 304 )

القمي فمن الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه فقال ولي فيها مآرب أخرى يقول حوائج اخرى .
( 19 ) قال ألقها يا موسى .
( 20 ) فألقاها فإذا هي حية تسعى .
( 21 ) قال خذها ولا تخف .
القمي عن الصادق عليه السلام ففزع منها موسى عليه السلام وعدا فناداه الله عز وجل خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى هيئتها وحالتها المتقدمة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة .
( 22 ) واضمم يدك إلى جناحك تحت العضد تخرج بيضاء من غير سوء من غير عاهة كنى به عن البرص .
في طب الأئمة عن الباقر عليه السلام يعني من غير برص .
والقمي عن الصادق عليه السلام أي من غير علة وذلك أن موسى عليه السلام كان شديد السمرة فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا آية أخرى معجزة ثانية .
( 23 ) لنريك من آياتنا الكبرى .
( 24 ) اذهب إلى فرعون بهاتين الآيتين وادعُه إلى العبادة إنه طغى عصى وتكبر
( 25 ) قال رب اشرح لي صدري .
( 26 ) ويسر لي أمري لما أمره الله بخطب عظيم سأله أن يشرح صدره ويفتح قلبه ليحمل أعباءه والصبر على مشاقه .
( 27 ) واحلل عقدة من لساني .
( 28 ) يفقهوا قولي قيل كان في لسانه رتة من جمرة أدخلها فاه .
القمي عن الباقر عليه السلام وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلما يلدون


( 305 )

ويربي موسى ويكرمه ولا يعلم أن هلاكه على يديه ولما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس فقال الحمد لله رب العالمين فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه وقال ما هذا الذي تقول فوثب موسى عليه السلام على لحيته وكان طويل اللحية فهبلها أي قلعها فآلمه ألما شديدا فهم فرعون بقتله فقالت له إمرأته هذا غلام حدث لا يدري ما تقول فقال فرعون بلى يدري فقالت له ضع بين يديك تمرا وجمرا فإن ميز بين التمر والجمر فهو الذي تقول فوضع بين يديه تمرا وجمرا وقال له كل فمد يده إلى التمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه وصاح وبكى فقالت آسية لفرعون ألم أقل لك إنه لم يعقل فعفا عنه .
( 29 ) واجعل لي وزيرا من أهلي .
( 30 ) هارون أخي يعينني على ما كلفتني به .
( 31 ) اشدد به أزري قوتي .
( 32 ) وأشركه في أمري وقريء بلفظ الخبر على إنهما جواب الأمر .
( 33 ) كي نسبحك كثيرا .
( 34 ) ونذكرك كثيرا فإن التعاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايده .
( 35 ) إنك كنت بنا بصيرا عالما بأحوالنا وإن التعاون مما يصلحنا وإن هارون نعم المعين لي فيما أمرتني به .
( 36 ) قال قد أوتيت سؤلك يا موسى أي مسؤولك .
( 37 ) ولقد مننا عليك مرة أخرى أنعمنا عليك في وقت آخر .
( 38 ) إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ما لم يعلم إلا بالوحي .
( 39 ) أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم والقذف يقال للألقاء والوضع فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له تكرير عدو للمبالغة أو لأن الأول بإعتبار


( 306 )

الواقع والثاني بإعتبار المتوقع وألقيت عليك محبة مني أي محبة كائنة مني قد زرعتها في القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك ولتصنع على عيني ولتربى ويحسن إليك وأنا راعيك وراغبك .
( 40 ) إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها بلقائك ولا تحزن هي بفراقك أو أنت على فراقها وفقد إشفاقها .
القمي عن الباقر عليه السلام قال إن موسى لما حملت امه به لم يظهر حملها إلا عند وضعه وكان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط تحفظهن وذلك لما كان بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون أنه يلد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك فرعون وأصحابه على يديه فقال فرعون عند ذلك لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون وفرق بين الرجال والنساء وحبس الرجال في المحابس فلما وضعت ام موسى بموسى نظرت إليه وحزنت واغتمت وبكت وقالت يذبح الساعة فعطف الله بقلب الموكلة بها عليه فقالت لام موسى مالك قد إصفر لونك فقالت أخاف أن يذبح ولدي فقالت لا تخافي وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه وهو قوله وألقيت عليك محبة مني فأحبته القبطية الموكلة به وأنزل الله على ام موسى التابوت ونوديت ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليم وهو البحر ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل وكان لفرعون قصور على شط النيل متنزهات فنظر من قصره ومعه آسية إمرأته إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج والرياح تضربه حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فاخذ التابوت ورفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا فقال هذا إسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة وكذلك في قلب آسية وأراد فرعون أن يقتله .
فقالت آسية لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون إنه موسى عليه السلام ولم يكن لفرعون ولد فقال ادنوا له ظئرا لتربيته فجاؤوا بعدة نساء قد قتل أولادهن فلم يشرب لبن أحد من النساء وهو قول الله تعالى وحرمنا عليه المراضع من قبل وبلغ امه


( 307 )

أن فرعون قد أخذه فحزنت وبكت كما قال الله وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به قال كادت أن تخبر بخبره أو تموت ثم حفظت نفسها فكانت كما قال الله لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ثم قالت لاخته قصيه أي إتبعيه فجاءت اخته إليه فبصرت به عن جنب أي عن بعد وهم لا يشعرون فلما لم يقبل موسى بأخذ ثدي أحد من النساء إغتم فرعون غما شديدا فقالت أخته هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فقال نعم فجاءت بامه فلما أخذته بحجرها وألقته ثديها إلتقمه وشرب ففرح فرعون وأهله وأكرموا امه فقال لها ربيه لنا فإنا نفعل بك وتفعل وسأله الراوي فكم مكث موسى عليه السلام غائبا عن امه حتى رده الله عليها قال ثلاثة أيام وقتلت نفسا نفس القبطي الذي إستغاثه عليه الأسرائيلي كما يأتي قصته في سورة القصص إن شاء الله تعالى فنجيناك من الغم غم قتله خوفا من عقاب الله وإقتصاص فرعون بالمغفرة والأمر بالهجرة إلى مدين وفتنك فتونا وابتليناك إبتلاءا أو أنواعا من الأبتلاء فتنة بعد فتنة وذلك أنه ولد في عام كان يقتل فيه الولدان وألقته امه في البحر وهم فرعون بقتله ونال في سفره ما نال من الهجرة عن الوطن ومفارقة الآلاف والمشي راجلا على حذر وفقد الزاد وأجر نفسه عشر سنين إلى غير ذلك فلبثت سنين في أهل مدين لبثت فيهم عشر سنين ومدين على ثماني مراحل من مصر ثم جئت على قدر قيل أي على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء وهو رأس أربعين سنة .
وقيل معناه سبق في قدري وقضائي أن اكلمك في وقت بعينه فجئت على ذلك القدر يا موسى قيل كرره عقيب ما هو غاية الحكاية للتنبيه على ذلك .
( 41 ) واصطنعتك لنفسي واتخذتك صنيعتي وخالصتي واصطفيتك لمحبتي ورسالتي وكلامي .
( 42 ) اذهب أنت وأخوك بآياتي بمعجزاتي ولا تَنِيا ولا تفترا ولا تقصرا في ذكري لا تنسياني حيثما تقلبتما وقيل في تبليغ ذكري والدعاء إليّ .
( 43 ) اذهبا إلى فرعون إنه طغى .


( 308 )

( 44 ) فقولا له قولا لينا مثل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة حذرا أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما لعله يتذكر أو يخشى .
في العلل عن الكاظم عليه السلام قال أما قوله فقولا له قولا لينا أي ليناه وقولا له يا أبا مصعب وكان فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب وأما قوله لعله يتذكر أو يخشى فإنما قال ذلك ليكون أحرص لموسى على الذهاب وقد علم الله عز وجل أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى إلا عند رؤية البأس ألا تسمع قول الله يقول حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين فلم يقبل الله إيمانه وقال الآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين .
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له وأعلم أن الله جل ثناؤه قال لموسى عليه السلام حين أرسله إلى فرعون فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ولكن ليكون ذلك أحرص لموسى على الذهاب .
( 45 ) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصير إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم أو أن يطغى أن يزداد طغيانا فيتخطى إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب .
( 46 ) قال لا تخافا إنني معكما بالحفظ والنصرة أسمع وأرى ما يجري بينكما وبينه من قول أو فعل فأحدث في كل حال ما يصرف شره عنكما ويوجب نصرتي لكما .
( 47 ) فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل أطلقهم ولا تعذبهم بالتكاليف الصعبة قد جئناك بآية من ربك بمعجزة وبرهان والسلام على من اتبع الهدى والسلامة من عذاب الله على المهتدين .
( 48 ) إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى إن العذاب على المكذبين للرسل .


( 309 )

( 49 ) قال فمن ربكما يا موسى أي بعد ما أتياه وقالا له ما امرا به وإنما خاطب الأثنين وخص موسى بالنداء لأنه الأصل وهارون وزيره وتابعه أو حمله خبثه على إستدعاء كلام موسى دون كلام أخيه لما عرف من فصاحة هارون .
( 50 ) قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه صورته وشكله الذي يوافق المنفعة المنوطة به ثم هدى عرفه كيف يرتفق بما أعطى .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال ليس شيء من خلق الله إلا وهو يعرف من شكله الذكر من الانثى سئل ما معنى ثم هدى قال هدى للنكاح والسّفاح من شكله قيل وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها ودلالته على أن الغني القادر بالذات المنعم على الأطلاق هو الله تعالى وأن جميع ما عداه مفتقر إليه وعليه في ذاته وصفاته وأفعاله لذلك بهت الذي كفر فلم ير إلا صرف الكلام عنه عليه السلام .
( 51 ) قال فما بال القرون الاولى فما حالهم من بعد موتهم من السعادة والشقاوة .
( 52 ) قال علمها عند ربي يعني أنه غيب لا يعلمه إلا الله وإنما أنا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به في كتاب مثبت في اللوح المحفوظ لا يضل ربي ولا ينسى الضلال أن يخطئ الشيء في مكانه فلم يهتد إليه والنسيان أن يذهب بحيث لا يخطر بالبال .
( 53 ) الذي جعل لكم الارض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وحصل لكم فيها سبلا بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به التفاوت من الغيبة إلى التكلم وله نظاير كثيرة في القرآن أزواجا أصنافا من نبات شتى .
( 54 ) كلوا وارعوا انعامكم على إرادة القول إن في ذلك لآيات لاُولي النهى لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وإرتكاب القبايح جمع نهية .


( 310 )


القمي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال نحن والله أولو النهى .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله إن خياركم أولو النّهى قيل يا رسول الله ومن أولو النّهى قال هم اولوا الأخلاق الحسنة والأحلام الرزينة وصلة الأرحام والبررة بالامهات والآباء والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ويطعمون الطعام ويفشون السلام في العالم ويصلون والناس نيام غافلون .
( 55 ) منها خلقناكم فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم وفيها نعيدكم بالموت وتفكيك الأجزاء ومنها نخرجكم تارة أخرى بتأليف أجزائكم المفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها .
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله عز وجل ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها فماثها في النطفة فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها .
( 56 ) ولقد أريناه آياتنا بصرناه إياها وعرفناه صحتها كلها فكذب من فرط عناده وأبى الأيمان والطاعة لعتوه .
( 57 ) قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا أرض مصر بسحرك يا موسى هذا تعلل منه ويلوح من كلامه أنه خاف منه أن يغلبه على ملكه .
( 58 ) فلنأتينك بسحر مثله مثل سحرك فاجعل بيننا وبينك موعدا وعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قيل أي منتصفا يستوي مسافته إلينا وإليك وقريء بضم السين .
( 59 ) قال موعدكم يوم الزينة وهو يوم عيد كان لهم في كل عام وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار وأن يحشر الناس ضحى وإجتماع الناس في ضحى .
( 60 ) فتولى فرعون فجمع كيده ما يكاد به من السحرة وآلاتهم ثم أتى الموعد .


( 311 )

( 61 ) قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا بأن تدعوا آياته سحرا فيسحتكم بعذاب فيهلككم ويستأصلكم به وقريء بضم الياء وقد خاب من افترى .
( 62 ) فتنازعوا أمرهم بينهم قيل أي تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم ليس هذا من كلام السحرة وأسروا النجوى يعني السحرة قيل كان نجواهم إن غلبنا موسى إتّبعناه وقيل إن كان ساحرا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر .
( 63 ) قالوا إن هذان لساحران قال فرعون وقومه وهو على لغة بلحارث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديرا وقريء إن هذان على أنها هي المخففة واللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا وقريء هذين وهو ظاهر يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بالأستيلاء عليها بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب أو بأهل طريقتكم ووجوه قومكم وأشرافكم .
( 64 ) فاجمعوا كيدكم فازمعوه واجعلوه مجمعا عليه لا يتخلف عنه واحد منكم وقريء فأجمعوا ويعضده قوله فجمع كيده ثم اتوا صفا مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين قيل كانوا سبعين ألفا مع كل واحد حبل وعصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة وقد أفلح اليوم من استعلى فاز بالمطلوب من غلب .
( 65 ) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى أي بعد ما اتوا مراعاة للأدب .
( 66 ) قال بل ألقوا مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم ولأن يأتوا بأقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى أي فألقوا فإذا قيل أنهم لطخوها بالزيبق فلما ضربت عليها الشمس إضطربت فخيل أنها تتحرك وقريء تخيل بالتاء على بناء الفاعل .
( 67 ) فأوجس في نفسه خيفة موسى فأضمر فيها خوفا .
في نهج البلاغة لم يوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال .


( 312 )

( 68 ) قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى تعليل للنهي وتقرير لغلبته مؤكدا .
في الأحتجاج عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن موسى عليه السلام لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما امنتني قال الله عز وجل لا تخف إنك أنت الاعلى .
( 69 ) وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا يبتلعه بقدرة الله تعالى وقريء بالرفع وبالتخفيف إن ما صنعوا الذي زوروا وافتعلوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى حيث كان وأين أقبل .
( 70 ) فاُلقي السحرة سجدا أي فألقى فتلقف فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر وإنما هو من آيات الله ومعجزاته فألقاهم ذلك على وجوههم سجدا لله توبة عما صنعوا وتعظيما لما رأوا قالوا آمنا برب هارون وموسى .
( 71 ) قال آمنتم له أي لموسى واللام لتضمين الفعل معنى الأتباع وقريء بدون الهمزة قبل أن آذن لكم في الأيمان له إنه لكبيركم لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به واستاذكم الذي علمكم السحر وأنتم تواطأتم على ما فعلتم فلاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف اليد اليمنى والرجل اليسرى ولاصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا يريد به نفسه وموسى أو رب موسى أشد عذابا وأبقى أدوم عقابا .
( 72 ) قالوا لن نؤثرك لن نختارك على ما جائنا به موسى أو المستتر في جاء لما من البينات المعجزات الواضحات والذي فطرنا عطف على ما جاءنا أو قسم فاقض ما أنت قاض ما أنت قاضيه أي صانعه أو حاكمه إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الدنيا والآخرة خير وأبقى فهو كالتعليل لما قبله والتمهيد لما بعده .
( 73 ) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا من الكفر والمعاصي وما أكرهتنا عليه من السحر في معارضة المعجزة .
في الجوامع روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما فوجدوه يحرسه العصا


( 313 )

فقالوا ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه والله خير وأبقى جزاء أو خير ثوابا وأبقى عقابا .
( 74 ) إنه إن الأمر من يأت ربه مجرما بأن يموت على كفره وعصيانه فان له جهنم لا يموت فيها فيستريح ولا يحيى حياة مهنأة .
( 75 ) ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات في الدنيا فأولئك لهم الدرجات العلى المنازل الرفيعة .
( 76 ) جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى من تطهر من أدناس الكفر والمعاصي والآيات الثلاث يحتمل أن تكون من كلام السحرة وأن تكون إبتداء كلام من الله .
( 77 ) ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي أي من مصر فاضرب لهم فاجعل لهم طريقا في البحر يبسا يابسا لا تخاف دركا آمنا من أن يدرككم العدو وقريء لا تخف ولا تخشى إستيناف أو عطف .
( 78 ) فأتبعهم فرعون بجنوده فأتبعهم نفسه ومعه جنده فغشيهم من اليم ما غشيهم ما سمعت قصته ولا يعرف كنهه إلا الله فيه مبالغة ووجازة .
( 79 ) وأضل فرعون قومه وما هدى .
نقل ابن طاووس رحمه الله عن تفسير الكلبي عن ابن عباس أن جبرئيل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله في حديث في حال فرعون وقومه وإنما قال لقومه أنا ربكم الاعلى حين انتهى إلى البحر فرآه قد يبست فيه الطريق فقال لقومه ترون البحر قد يبس من فرقي فصدقوه لما رأوا ذلك فذلك قوله تعالى وأضل فرعون قومه وما هدى ويأتي تمام القصة في سورة الشعراء .
( 80 ) يا بني إسرائيل خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون على إضمار قلنا أو للذين منهم في عهد النبي صلى الله عليه وآله بما فعل بآبائهم قد أنجيناكم من عدوكم فرعون وقومه وواعدناكم جانب الطور الايمن لمناجاة موسى


( 314 )

عليه السلام وإنزال التوراة عليه وقريء أنجيتكم وواعدتكم ونزلنا عليكم المن والسلوى يعني في التيه كما سبق قصته في سورة البقرة .
( 81 ) كلوا من طيبات ما رزقناكم لذائذه ولا تطغوا فيه بالأخلال بشكره والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق فيحل عليكم غضبي فيلزمكم عذابي ويجب لكم ومن يحلل عليه غضبي فقد تردى وهلك وقريء يحل ويحلل بالضم .
في التوحيد عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية ما ذلك الغضب فقال هو العقاب ثم قال إنه من زعم أن الله عز وجل زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق إن الله عزوجل لا يستفزه شيء ولا يغيره .
وفي الأحتجاج عنه عليه السلام ما يقرب منه .
( 82 ) وإني لغفار لمن تاب عن الشرك وآمن بما يجب الأيمان به وعمل صالحا ثم اهتدى إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام .
القمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال ألا ترى كيف إشترط ولم تنفعه التوبة والأيمان والعمل الصالح حتى اهتدى والله لو جهد أن يعمل ما قبل منه حتى يهتدي قيل الى من جعلني الله فداك قال إلينا .
وفي المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال لعلي عليه السلام في حديث ولقد ضل من ضل عنك ولن يهتدي إلى الله من لم يهتد إليك وإلى ولايتك وهو قول ربي عز وجل وإني لغفار الآية يعني إلى ولايتك .
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام قال ثم إهتدى إلى ولايتنا أهل البيت فوالله لو أن رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ثم مات ولم يجيء بولايتنا لأكبه الله في النار على وجهه .
وفي المناقب عن السجاد عليه السلام في هذه الآية ثم اهتدى قال إلينا أهل البيت .


( 315 )

وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام ثم اهتدى قال إلى ولايتنا .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال وهو مستقبل البيت إنما امر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله تعالى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ثم أومأ بيده إلى صدره إلى ولايتنا .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال لهذه الآية تفسير يدل ذلك التفسير على أن الله لا يقبل من أحد عملا إلا ممن لقاه بالوفاء منه بذلك التفسير وما اشترط فيه على المؤمنين .
وفي الكافي عنه عليه السلام قال إنكم لا تكونوا صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفوا حتى تصدقوا ولا تصدقوا حتى تسلموا أبوابا أربعة حتى لا يصلح أولها إلا بآخرها ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها عظيما إن الله تعالى لا يقبل إلا العمل الصالح ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود فمن وفى الله تعالى بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل وعده إن الله تعالى أخبر العباد بطرق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى وقال إنما يتقبل الله من المتقين فمن اتقى الله فيما أمره لقى الله مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون إنه من أتى البيوت من أبوابها إهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله وهو الأقرار بما نزل من عند الله تعالى .
أقول : أشار بالأبواب الأربعة إلى التوبة عن الشرك والأيمان بالوحدانية والعمل الصالح والأهتداء إلى الحجج عليهم السلام كما يتبين فيما بعد وأصحاب الثلاثة إشارة إلى من لم يهتد إلى الحجج والشروط والعهود كناية عن الأمور الأربعة المذكورة إذ هي شروط للمغفرة وعهود وقوله فمن اتقى الله أي من الشرك في أمره .
( 83 ) وما أعجلك عن قومك يا موسى .


( 316 )

( 84 ) قال هم أولاء على أثرى ما تقدمتهم إلا بخطى يسيرة لا يعتد بها عادة وعجلت إليك رب لترضى فإن المسارعة إلى إمتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك .
في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام قال المشتاق لا يشتهي طعاما ولا يلتذ شرابا ولا يستطيب رقادا ولا يأنس حميما ولا يأوي دارا ولا يسكن عمرانا ولا يلبس لباسا ولا يقر قرارا ويعبد الله ليلا ونهارا راجيا بأن يصل إلى ما يشتاق إليه ويناجيه بلسان شوقه معبرا عما في سريرته كما أخبر الله عن موسى بن عمران عليه السلام في ميعاد ربه بقول وعجلت إليك رب لترضى وفسر النبي صلى الله عليه وآله عن حاله أنه ما أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما شوقا إلى ربه .
( 85 ) قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم وأضلهم السامري بإتخاذ العجل والدعاء إلى عبادته .
( 86 ) فرجع موسى إلى قومه بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة غضبان عليهم آسفا حزينا بما فعلوه قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور أفطال عليكم العهد أي الزمان زمان مفارقته لهم أم أردتم أن يحل عليكم يجب عليكم غضب من ربكم بعبادة ما هو مثل في الغباوة فأخلفتم موعدي وعدكم إياي بالثبات على الأيمان بالله والهدى والقيام على ما أمرتكم به .
( 87 ) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا بأن ملكنا أمرنا أي لو خلينا وأمرنا ولم يسوّل لنا السامري لما أخلفنا وهو مثلثا مصدر ملكت الشيء وقريء بالفتح وبالضم ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم أحمالا من حلي القبط التي استعرناها منهم أو ألقاها البحر على الساحل بعد إغراقهم وقريء حملنا بالفتح والتخفيف فَقَذَفْناها أي في النار فكذلك ألقى السامري أي ما كان معه منها .
( 88 ) فأخرج لهم عجلا جسدا من تلك الحلي المذابة له خوار صوت العجل فقالوا يعني السامري ومن افتتن به أول ما رآه هذا إلهكم وإله موسى فنسي قيل فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطور أو فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من إظهار الأيمان .


( 317 )

( 89 ) أفلا يرون أو لا يعلمون ألا يرجع إليهم قولا أنه لا يرجع إليه كلاما ولا يرد عليهم جوابا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا .
( 90 ) ولقد قال لهم هارون من قبل من قبل رجوع موسى يا قوم إنما فتنتم به بالعجل وإن ربكم الرحمن لا غير فاتبعوني وأطيعوا أمري في الثبات على الدين .
( 91 ) قالوا لن نبرح عليه على العجل وعبادته عاكفين مقيمين حتى يرجع إلينا موسى .
القمي فهموا بهارون فهرب منهم وبقوا في ذلك حتى تم ميقات موسى أربعين ليلة فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله تعالى عليه الألواح فيها التوراة وما يحتاج إليه من أحكام السير والقصص فأوحى الله إلى موسى عليه السلام إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري وعبدوا العجل وله خوار فقال يا رب العجل من السامري فالخوار ممن فقال مني يا موسى إني لما رأيتهم قد ولوا عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة فرجع موسى إلى قومه كما حكى الله .
( 92 ) قال يا هارون أي قال له موسى لما رجع ما منعك إذ رأيتهم ضلوا بعبادة العجل .
( 93 ) ألا تَتّبِعَنِ أي في الغضب لله ومقاتلة من كفر به وتأتي عقبي وتلحقني ولا مزيدة كما في قوله ما منعك ألا تسجد أفعصيت أمري بالصلابة في الدين والمحاماة عليه .
القمي ثم رمى بالألواح وأخذ بلحية أخيه ورأسه يجر إليه فقال ما منعك .
( 94 ) قال يا ابن ام خص الام إستعطافا وترقيقا لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقْتَ بين بني إسرائيل لو قاتلت بعضهم ببعض ولم ترقب قولي حين قلت أخلفني في قومي وأصلح فإن الأصلاح كان في حفظ الدماء والمداراة بينهم إلى أن ترجع إليهم فتدارك الأمر برأيك .
في العلل عن الصادق عليه السلام أنه سئل لم أخذ برأسه يجره إليه وبلحيته ولم يكن له في إتخاذهم العجل وعبادتهم له ذنب فقال إنما فعل ذلك لأنه لم يفارقهم لما فعلوا


( 318 )

ذلك ولم يلحق بموسى وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب ألا ترى أنه قال لهرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال هرون لو فعلت ذلك لتفرقوا .
( 95 ) قال فما خطبك يا سامري ثم أقبل عليه وقال له منكراً ما طلبك له وما الذي حملك عليه .
( 96 ) قال بصرت بما لم يبصروا به علمت ما لم يعلموا أو فطنت ما لم يفطنوا له وهو أن الرسول الذي جاءك روحاني لا يمس أثره شيئا إلا أحياه وقريء لم تبصروا على الخطاب فقبضت قبضة من أثر الرسول القمي يعني من تحت حافر رمكه جبرئيل في البحر فنبذتها يعني أمسكتها فنبذتها في جوف العجل وقد مضت هذه القصة في سورة البقرة ثم في سورة الأعراف وكذلك سولت لي نفسي أي زينت القمي فأخرج موسى العجل فأحرقه بالنار وألقاه في البحر .
( 97 ) قال فاذهب فإن لك في الحياة عقوبة على ما فعلت أن تقول لا مساس خوفا أن يمسك أحد فيأخذك الحمى ومن مسك فتحامى الناس ويحاموك وتكون طريدا وحيدا كالوحشي النافر القمي يعني ما دمت حيا وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة أن تقول لا مساس حتى يعرفوا أنكم سامرية فلا يغتر بكم الناس فهم إلى الساعة بمصر والشام معروفون لا مساس قال ثم هم موسى بقتل السامري فأوحى الله إليه لا تقتله يا موسى فإنه سخّي .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام إن موسى هم الحديث . وإن لك موعدا في الآخرة لن تخلفه لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا وقرء بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه وسيأتيه لا محالة وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ظللت على عبادته مقيما فحذف اللام الاولى تخفيفا لنحرقنه أي بالنار وفي الجوامع وقريء لنحرقنه وهو قراءة عليّ عليه السلام ومعناه لنبردنه بالمبرد قال ويجوز أن يكون لنحرقنه مبالغة في حرق إذا برد قال وهذه القراءة تدل على أنه كان ذهبا وفضة ولم يصر حيوانا .


( 319 )

أقول : قد سبق أنه برد العجل ثم أحرقه بالنار فذره في اليم وفي رواية ذريت ( 1 ) سحالته في الماء ثم لننسفنه لنذرينه رمادا أو مبرودا في اليمّ نَسْفاً فلا يصادف منه شيء والمقصود زيادة العقوبة وإظهار غباوة المفتنين به .
( 98 ) إنما إلهكم الله المستحق لعبادتكم الذي لا إله إلا هو الذي لا أحد يماثله أو يدانه في كمال العلم والقدرة وسع كل شيء علما وسع علمه كل ما يصح أن يعلم لا العجل الذي يصاغ ويحرق وإن كان حيا في نفسه كان مثلا في الغباوة .
( 99 ) كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق من أخبار الامور الماضية والامم الدارجة تبصرة لك وزيادة في علمك وتكثيرا لمعجزاتك وتنبيها وتذكيرا للمستبصرين من أمتك وقد آتيناك من لدنا ذكرا كتابا مشتملا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتفكر والأعتبار .
( 100 ) من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا عقوبة ثقيلة فادحة على كفره وذنوبه .
( 101 ) خالدين فيه في الوزر وساء لهم يوم القيامة حملا .
( 102 ) يوم ينفخ في الصور وقريء نفخ بالنون ونحشر المجرمين يومئذ وقرء يحشر المجرمون زرقا قيل يعني زرق العيون لأن الزرقة أسوء ألوان العين وأبغضها عند العرب وقيل أي عمياء فإن حدقة الأعمى تزراق وقيل عطاشا يظهر في أعينهم كالزرقة .
والقمي تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون أن يطرفوها .
( 103 ) يتخافتون بينهم يحفظون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرعب والهول إن لبثتم إلا عشرا يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبر لزوالها .
( 104 ) نحن أعلم بما يقولون وهو مدة لبثهم إذ يقول أمثلهم طريقة أعدلهم .
____________
(1) ذرت الريح الشيء ذرا : أطارته وأذهبته .
( 320 )

القمي أعلمهم وأصلحهم إن لبثتم إلا يوما .
( 105 ) ويسئلونك عن الجبال عن مال أمرها فقل ينسفها ربي نسفا يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فيفرقها .
في المجمع إن رجلا من ثقيف سأل النبي صلى الله عليه وآله كيف يكون الجبال مع عظمها يوم القيامة فقال إن الله يسوقها بأن يجعلها كالرمال ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها .
( 106 ) فيذرها فيذر مقارها أو الأرض وإضمارها من غير ذكر لدلالة الجبال عليها كقوله ما ترك عليها من دابة قاعا خاليا صفصفا مستويا كان أجزاؤها على صف واحد .
القمي القاع الذي لا تراب فيه والصفصف الذي لا نبات له .
( 107 ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا إعوجاجا ولا نتوا القمي قال الأمت الأرتفاع والعوج الحزون والركوات قيل الأحوال الثلاثة مرتبة فالأولان باعتبار الأحساس والثالث باعتبار المقياس ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخص المعاني .
( 108 ) يومئذ يتبعون الداعي داعي الله إلى المحشر قيل هو إسرافيل يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا عوج له لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه وخشعت الاصوات للرحمن وخفضت لمهابته فلا تسمع إلا همسا صوتا خفيا .
القمّي عن الباقر عليه السلام إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا وتشتد أنفاسهم فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاما وهو قول الله تعالى وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا قال ثم ينادي مناد من تلقاء العرش أين النبي الامي فيقول الناس قد أسمعت فسم باسمه فينادي أين نبي الرحمة أين محمد بن عبد الله الامي فيتقدم رسول الله أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين إيلة وصنعا