سورة سبأ مكية
عدد آيها خمس وخمسون آية شامي أربع في الباقين اختلافها آية عن يمين
وشمال

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض كلمة نعمة من الله فله الحمد في الدنيا وله الحمد في الاخرة لأن نعمها أيضا من الله كلها وهو الحكيم الذي أحكم أمر الدارين الخبير ببواطن الأشياء.
(2) يعلم ما يلج يدخل في الارض من مطر أو كنز أو ميت وما يخرج منها من ماء أو فلز أو نبات أو حيوان وما ينزل من السماء من مطر وملك أو رزق وما يعرج فيها من عمل أو ملك وهو الرحيم الغفور للمقصرين في شكر نعمه.
(3) وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة إنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به قل بلى وربي رد لكلامهم وإثبات لما تفوه لتأتينّكم عالم الغيب تكرير لأيجابه مؤكدا بالقسم مقررا له بوصف المقسم به بصفات تقرر إمكانه وتنفي استبعاده وقريء علام وبالرفع لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وقريء لا يعزب بالكسر ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين رفعهما بالأبتداء والجملة مؤكدة لنفي العزوب وقريء بالفتح على نفي الجنس.
القمي عن الصادق عليه السلام قال أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات علة لأتيانها وبيان لما يقتضيه أولئك لهم مغفرة ورزق كريم لا تعب فيه ولا من عليه.
(5) والذين سعوا في آياتنا بالأبطال وتزهيد الناس فيها معاجزين مسابقين كي يفوتونا وقريء معجزين أي مثبطين عن الأيمان من أراده أولئك لهم عذاب من رجز من


(211)

سيّء العذاب أليم مؤلم وقريء بالرفع.
(6) ويرى الذين أوتوا (1) العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق
القمي قال هو أمير المؤمنين عليه السلام صدق رسول الله بما أنزل الله عليه وقريء برفع الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى.
(7) وقال الذين كفروا قال بعضهم لبعض هل ندلكم على رجل يعنون النبي صلى الله عليه وآله ينبئكم يحدثكم بأعجب الأعاجيب إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد إنكم تنشيءون خلقا جديدا بعد أن تفرق أجسادكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير ترابا.
(8) أفترى على الله كذبا أم به جنة جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد رد من الله عليهم ترديدهم.
(9) افلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم ما أحاط بجوانبهم من السماء والارض مما يدل على كمال قدرة الله وأنهم في سلطانه تجري عليهم قدرته إن نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا من السماء لتكذيبهم الايات بعد ظهور البينات وقريء بالياء في ثلاثتهن وكسفا بتحريك السين إن في ذلك النظر والفكر فيهما وما يدلان عليه لآية لدلالة لكل عبد منيب راجع إلى ربه فإنه يكون كثير التأمل في أمره.
(10) ولقد اتينا داود منا فضلا يا جبال أوّبي ارجعي معه التسبيح.
القمي أي سبحي لله والطير أي ارجعي أيضا أو أنت والطير وقريء بالرفع وألنّا له الحديد جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق.
القمي قال كان داود إذا مر بالبراري يقرأ الزبور تسبح الجبال والطير معه
____________
(1) يعني القرآن هو الحق ، اي يعلمونه الحق لأنهم يتدبرونه ويتفكرون فيه فيعلمون بالنظر والاستدلال انه ليس من قبل البشر.


(212)

والوحوش وألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب وقال اعطى داود وسليمان ما لم يعط أحدا من أنبياء الله من الايات علمهما منطق الطير وألان لهما الحديد والصفر من غير نار وجعلت الجبال يسبحن مع داود.
(11) أن اعمل سابغات دروعا واسعات وقدر في السرد في نسجها بحيث تتناسب حلقها أو في مساميرها في الدقة والغلظ فلا تغلق ولا تحرق.
في قرب الأسناد عن الرضا عليه السلام قال الحلقة بعد الحلقة والقمي قال المسامير التي في الحلقة واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير
(12) ولسليمان الريح وسخرنا له الريح وقريء بالرفع غدوها شهر ورواحها شهر جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك.
القمي قال كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به بالغداة مسيرة شهر وبالعشي مسيرة شهر وأسلنا له عين القِطْر القمي الصفر وقيل أسال له النحاس المذاب من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا ومن يعدل منهم عما أمرناه به من طاعة سليمان نذقه من عذاب السعير قيل عذاب الاخرة وقيل عذاب الدنيا.
(13) يعملون له ما يشآء من محاريب قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها وتماثيل وصورا.
في الكافي والمجمع عن الصادق عليه السلام والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وشبهه وجفان صحاف كالجواب كالحياض الكبار جمع جابية من الجبآية وقدور راسيات ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهآية ولذلك قيل الشكور من يرى عجزه عن الشكر.


(213)

(14) فلما قضينا عليه الموت أي على سليمان ما دلهم على موته إلا دابة الارض أي الأرضة والأرض فعلها اضيفت إليه تأكل منسأته عصاه من نساه إذا طرده فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين في المجمع وفي الشواذ تبينت الأنس ثم نسبها إلى السجاد والصادق عليهما السلام ويأتي ذكرها.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان بن داود عليه السلام أن آية موتك أن شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس فقال لها ما اسمك قالت الخرنوبة قال فولى سليمان مدبرا إلى محرابه فقام فيه متكئا على عصاه فقبض روحه من ساعته قال فجعلت الجن والأنس يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا وهم يظنون أنه حي لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت الأرضة من عصاه فأكلت منسأته فانكسرت وخر سليمان إلى الأرض أفلا تسمع لقوله عز وجل فلما خر تبينت الجن الآية.
وفي العلل عن الباقر عليه السلام قال أمر سليمان بن داود عليه السلام الجن فصنعوا له قبة من قوارير فبينا هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه فقال له من أنت قال أنا الذي لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك أنا ملك الموت فقبضه وهو متكئ على عصاه في القبة والجن ينظرون إليه قال فمكثوا سنة يدأبون له حتى بعث الله عز وجل الأرضة فأكلت منسأته وهي العصا فلما خر تبينت الجن الآية. قال عليه السلام فالجن يشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان فما تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء وطين.
والقمي قال لما أوحى الله إلى سليمان أنك ميت أمر الشياطين أن تتخذ له بيتا من قوارير ووضعوه في لجة البحر ودخله سليمان فاتكى على عصاه وكان يقرء الزبور والشياطين حوله ينظرون إليه ولا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذا حانت منه التفاتة ثم ذكر كالحديث السابق ثم قال فلما خر على وجهه تبينت الأنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين فهكذا نزلت هذه الآية وذلك أن


(214)

الأنس كانوا يقولون إن الجن يعلمون الغيب فلما سقط سليمان عليه السلام على وجهه علموا أن لو يعلم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان عليه السلام وهو ميت ويتوهمونه حيا.
وفي العيون والعلل عن الرضا عن أبيه عليهم السلام إن سليمان بن داود عليه السلام قال ذات يوم لأصحابه إن الله تعالى وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي سخر لي الريح والجن والانس والطير والوحوش وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شيء ومع جميع ما اوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل وقد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي ولا تأذنوا لأحد عليّ لئلا يرد عليّ ما ينقص عليّ يومي قالوا نعم فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما اوتي فرحا بما اعطي إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره فلما بصر به سليمان عليه السلام قال له من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت قال الشاب أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه دخلت فقال ربه أحق به مني فمن أنت قال أنا ملك الموت قال وفيما جئت قال جئت لأقبض روحك قال امض لما امرت به فهذا يوم سروري وأبى الله عز وجل أن يكون لي سرور دون لقائه فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله والناس ينظرون إليه وهم يقدرون انه حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال قد بقي سليمان عليه السلام متكئا على عصاه هذه الايام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب إنه لربنا الذي يجب علينا أن نعبده وقال قوم إن سليمان ساحر وأنه يرينا أنه واقف متكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك فقال المؤمنون إن سليمان هو عبد الله ونبيه يدبر الله أمره بما يشاء فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الأرضة فدبت في عصاه فلما أكلت جوفه انكسرت العصا وخر سليمان من قصره على وجهه فشكرت الجن للأرضة صنيعها فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا وعندها ماء وطين وذلك قول الله عز وجل فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته يعني عصاه فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا الآية.
ثم قال الصادق عليه السلام والله ما نزلت هذه الآية هكذا وإنما نزلت فلما خر


(215)

تبينت الأنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
وفي الأحتجاج عن الصادق عليه السلام أنه سئل كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليه السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم قال غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق غذاهم التنسم والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لأستراق السمع ولا يقدر الجسم الكثيف على الأرتقاء إليها إلا بسلم أو سبب.
في الأكمال عن النبي صلى الله عليه وآله عاش سليمان بن داود سبعمأة سنة واثنتي عشرة سنة.
(15) لقد كان لسبأٍ لأولاد سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان (1).
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن سبأ أرجل هو أم إمرأة فقال هو رجل من العرب ولد له عشرة تيامن منهم ستة وتشأم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعرون والأنمار وحمير قيل ما أنمار قال الذين منهم خثعم وبجيلة وأما الذين تشأموا فعاملة وجذام ولحم وغسان في مساكنهم موضع سكناهم قيل وهي باليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث وقريء بالأفراد ثم بفتح الكاف وكسره آية علامة دالة على وجود الصانع المختار وأنه قادر على ما يشاء من الامور العجيبة جنّتان جماعتان من البساتين عن يمين وشمال جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة منهما في تقاربهما وتضايقهما كأنه جنة واحدة كذا قيل كلوا من رزق ربكم واشكروا له على إرادة القول بلدة طيبة ورب غفور وقريء الكل بالنصب.
(16) فأعرضوا عن الشكر فأرسلنا عليهم سيل العرم أي العظيم الشديد.
القمي قال إن بحرا كان في اليمن وكان سليمان عليه السلام أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من
____________
(1) المراد من سبأ هنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشخب.


(216)

الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيها يمر المار لا يقع عليه الشمس من التفافها فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله عز وجل على ذلك السد الجرذ وهي الفارة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا تستقلها الرجال وترمي بها فلما رآى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم وقلع أشجارهم وهو قوله تعالى لقد كان لسبأٍ الآية إلى قوله سيل العرم أي العظيم الشديد وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط مر بشع.
القمي وهم ام غيلان وأثل وشيء من سدر قليل قيل معطوفان على أكل لا خمط فإن الأثل هو الطرفاء ولا ثمر له ووصف السدر بالقلة لأن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك تغرس في البساتين وتسميته البدل جنتين للمشاكلة والتهكم.
(17) ذلك جزيناهم بما كفروا بكفرانهم النعمة وهل نجازى إلا الكفور إلا البليغ في الكفران وقريء بالنون ونصب الكفور.
(18) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها بالتوسعة على أهلها قيل هي قرى الشام والقمي قال مكة قرى ظاهرة متواصلة يظهر بعضها لبعض وقدرنا فيها السير بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت في اخرى سيروا فيها على إرادة القول ليالى وأياما متى شئتم من ليل أو نهار آمنين .
(19) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا أشروا النعمة وملوا العافية فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الأزواد فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة وقريء بعد.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام ربنا باعد بلفظ الخبر على أنه شكوى منهم لبعد سفرهم إفراطا منهم في الترفيه وعدم الأعتداد بما أنعم الله عليهم فيه وظلموا أنفسهم حيث بطروا النعمة فجعلناهم أحاديث يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل


(217)

فيقولون تفرقوا أيدي سبأ ومزقناهم كل ممزق وفرقناهم غآية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان إن في ذلك فيما ذكر لآيات لكل صبار عن المعاصي شكور على النعم.
في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية وأموال ظاهرة فكفروا نعم الله عز وجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله فغير الله ما بهم من نعمة وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فأرسل الله عليهم سيل العرم فغرق قراهم وخرب ديارهم وذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جنتيهم جنتين ذواتي اكل خمط واثل وشيء من سدر قليل.
وفي الأحتجاج عن الباقر عليه السلام في حديث الحسن البصري في هذه الآية قال عليه السلام بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن فنحن القرى التي بارك الله فيها وذلك قول الله عز وجل فيمن أقر بفضلنا حيث أمرهم أن يأتونا فقال وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها أي جعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة والقرى الظاهرة الرسل والنقلة عنا إلى شيعتنا وفقهاء شيعتنا وقوله سبحانه وقدرنا فيها السير والسير مثل للعلم سير به فيها ليالي وأياما مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم في الحلال والحرام والفرائض والأحكام آمنين فيها إذا أخذوا عن معدنها الذي امروا أن يأخذوا منه آمنين من الشك والضلال والنقلة من الحرام إلى الحلال.
وعن السجاد عليه السلام إنما عني بالقرى الرجال ثم تلا آيات في هذا المعنى من القرآن قيل فمن هم قال نحن هم قال أولم تسمع إلى قوله سيروا فيها ليالي وأياما آمنين قال آمنين من الزيغ.
وفي الأكمال عن القائم عليه السلام في هذه الآية قال نحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة.
وفي العلل عن الصادق عليه السلام في حديث أبي حنيفة الذي سبق صدره في


(218)

آخر المقدمة الثانية سيروا فيها ليالي وأياما آمنين قال مع قائمنا أهل البيت عليهم السلام.
(20) ولقد (1) صدق عليهم إبليس ظنه صدق في ظنه وهو قوله لاضلنهم ولأغوينهم وقريء بالتشديد أي حققه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين .
(21) وما كان له عليهم من سلطان تسلط وإستيلاء بوسوسة وإستغواء إلا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك ليتميز المؤمن من الشاك أراد بحصول العلم حصول متعلقه وربك على كل شيء حفيظ .
في الكافي عن الباقر عليه السلام قال كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله أنه ينطق عن الهوى فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه.
والقمي عن الصادق عليه السلام لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للناس في قوله يا ايها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي بغدير خم فقال من كنت مولاه فعلي مولاه فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على رؤوسهم فقال لهم إبليس مالكم قالوا إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شيء إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني فأنزل الله عز وجل على رسوله ولقد صدق عليهم إبليس ظنه الآية.
(22) قل للمشركين ادعوا الذين زعمتم آلهة من دون الله فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لا يملكون مثقال ذرة من خير أو شر في السماوات ولا في الارض في أمرهما وما لهم فيهما من شرك من شركة لا خلقا ولا ملكا وما له منهم من ظهير يعينه على تدبير أمرهما.
(23) ولا تنفع الشفاعة عنده ولا تنفعهم شفاعة أيضا كما يزعمون إلا لمن أذن
____________
(1) الضمير في عليهم يعود الى اهل سبا وقيل الى الناس كلهم الا من أطاع الله.


(219)

له أن يشفع وقريء بضم الهمزة.
القمي قال لا يشفع أحد من أنبياء الله واولياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن الله له الاّ رسول الله صلى الله عليه وآله فانّ الله عزّ وجلّ قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة والشفاعة له وللأئمة عليهم السلام ثم بعد ذلك للأنبياء.
وعن الباقر عليه السلام ما من أحد من الأولين والاخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة ثم إن لرسول الله صلى الله عليه وآله الشفاعة في امته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم ثم قال وأن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر وأن المؤمن ليشفع حتى لخادمه يقول يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد حتى إذا فزع عن قلوبهم يعني يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم وقريء على البناء للفاعل قالوا قال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ذو العلو والكبرياء.
القمي عن الباقر عليه السلام وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى بن مريم عليه السلام إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وآله فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعق أهل السماوات فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل كلما مر بأهل سماء فزع عن قلوبهم يقول كشف عن قلوبهم فقال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير.
(24) قل من يرزقكم من السماوات والارض تقرير لقوله لا يملكون قل الله إذ لا جواب سواه وفيه إشعار بأنهم إن سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الألزام فهم مقرون به بقلوبهم وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين أي وإن أحد الفريقين من الموحدين والمشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبين وهو أبلغ من التصريح لأنه في صورة الأنصاف المسكت للخصم المشاغب قيل اختلاف الحرفين لأن الهادي كمن صعد منارا ينظر الأشياء ويطلع عليها أو ركب جوادا يركضه حيث يشاء والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى أو محبوس في مطمورة لا


(220)

يستطيع أن يتفصى منها.
(25) قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون هذا أدخل في الأنصاف وأبلغ في الأخبات حيث أسند الأجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين.
(26) قل يجمع بيننا ربنا يوم القيامة ثم يفتح بيننا بالحق يحكم ويفصل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار وهو الفتاح الحاكم الفاصل العليم بما ينبغي أن يقضي به.
(27) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء لأرى بأي صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم كلا ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة بل هو الله العزيز الحكيم الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة وهؤلاء الملحقون متسمة بالذلة متأبية عن قبول العلم والقدرة رأسا.
(28) وما أرسلناك إلا كآفة للناس إلا لرسالة عامة لهم من الكف فإنها إذا عمتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون فيحملهم جهلهم على مخالفتك.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا صلى الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى على نبينا وآله وعليهم السلام إلى أن قال وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والأنس.
وفي روضة الواعظين عن السجاد عليه السلام إن أبا طالب سأل النبي صلى الله عليه وآله يا ابن أخ إلى الناس كافة ارسلت أم إلى قومك خاصة قال لا بل إلى الناس ارسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي (1) والذي نفسي بيده لأدعونّ إلى هذا الأمر الأبيض والأسود من على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار ولأدعونّ
____________
(1) ويؤيده الحديث المروي عن ابن عباس (ره) عن النبي (ص) قال أعطيت خمسا ولا اقول فخرا : بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الارض طهورا ومسجدا واحل لي المغنم ولم يحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر واعطيت الشفاعة فادخرتها لأمتي يوم القيامة.