سورة الملائكة مكية
قال الحسن إلا آيتين إن الذين يتلون الكتاب الله الآية ثم أورثنا الكتاب الآية
عدد آيها خمس واربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) الحمد لله فاطر السماوات والارض مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه شق العدم بإخراجهما منه جاعل الملائكة رسلا وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والألهام والرؤيا الصادقة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ذوي أجنحة متعددة ينزلون بها ويعرجون ويسرعون بها نحو ما امروا به.
في الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله الملائكة على ثلاثة أجزاء جزء له جناحان وجزء له ثلاثة أجنحة وجزء له أربعة أجنحة قيل لعله لم يرد خصوصية الأعداد ونفى ما زاد عليها لما روي عنه عليه السلام أنه رأى جبرئيل عليه السلام ليلة المعراج وله ستمأة ألف جناح.
أقول : ولعله إلى ذلك اشير بقوله تعالى يزيد في الخلق ما يشآء.
وفي الأكمال عنه عليه السلام إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ما بين الجناح والجناح هواء والهواء كما بين السماء والأرض.
والقمي عن الصادق عليه السلام قال خلق الله الملائكة مختلفة وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل وله ستمأة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل قد ملأ ما بين السماء والأرض وقال إذا أمر الله عز وجل ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء السابعة والاخرى في الأرض السابعة وأن لله ملائكة


(230)

أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك وقال إن لله ملكا بعد ما بين شحمة اذنه إلى عينه مسيرة خمسمأة عام بخفقان (1) الطير وقال إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون وإنما يعيشون بنسيم العرش وأن لله عز وجل ملائكة ركعا إلى يوم القيامة وأن لله عز وجل ملائكة سجدا إلى يوم القيامة ثم قال أبو عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من شيء مما خلق الله عز وجل أكثر من الملائكة وأنه ليهبط في كل يوم أو في كل ليلة سبعون ألف ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يأتون أمير المؤمنين عليه السلام فيسلمون عليه ثم يأتون الحسين عليه السلام فيقيمون عنده فإذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون أبدا.
وقال أبو جعفر عليه السلام إن الله عز وجل خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل من تسبيحة واحدة وجعل لهم السمع والبصر وجودة العقل وسرعة الفهم وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خلقة الملائكة وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سمواتك فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة ولا فيهم معصية هم أعلم خلقك بك وأخوف خلقك لك وأقرب خلقك منك وأعملهم بطاعتك لا يغشيهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الأبدان لم يسكنوا الأصلاب ولم يضمهم الأرحام ولم تخلقهم من ماء مهين أنشأتهم إنشاء فأسكنتهم سمواتك وأكرمتهم بجوارك وائتمنتهم على وحيك وجنبتهم الآفات ووقيتهم البلبات وطهرتهم من الذنوب ولو لا قوتك لم يقووا ولو لا تثبيتك لم يثبتوا ولو لا رحمتك لم يطيعوا ولو لا أنت لم يكونوا أما إنهم على مكانتهم منك وطاعتهم إياك ومنزلتهم عندك وقلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم ولازرؤا على أنفسهم ولعلموا أنهم لم يعبدوك حق عبادتك سبحانك خالقا ومعبودا ما أحسن بلاءك عند خلقك.
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه سئل عن قدرة الله عز وجل فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكا منهم هبط
____________
(1) خفق الطائر اي طار واخفق إذا ضرب بجناحيه.


(231)

إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقته وكثرة أجنحته ومنهم من لو كلفت الجن والأنس أن يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته وكيف يوصف من ملائكته من سبع مأة عام ما بين منكبه وشحمة اذنيه ومنهم من يسد الافق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه ومنهم من السماوات إلى حجزته ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهوى الأسفل والأرضون إلى ركبتيه ومنهم من لو القي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها ومنهم من لو القيت السفينة من دموع عينيه لجرت دهر الداهرين فتبارك الله أحسن الخالقين وفي الكافي عن الثمالي قال دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام فاحتبست في الدار ساعة ثم دخلت البيت وهو يلتقط شيئا وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت فقلت جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أي شيء هو قال فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا نجعله سبحا لأولادنا قلت جعلت فداك فإنهم ليأتونكم فقال يا أبا حمزة إنهم ليزاحمونا على تكائنا وفي هذا المعنى أخبار كثيرة فيه وفي البصائر يزيد في الخلق ما يشآء على مقتضى حكمته.
في التوحيد عن الصادق عليه السلام إن القضاء والقدر خلقان من خلق الله والله يزيد في الخلق ما يشاء.
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن إن الله على كل شيء قدير
(2) ما يفتح الله للناس ما يطلق لهم من رحمة كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة وولآية.
والقمي عن الصادق عليه السلام قال والمتعة من ذلك فلا ممسك لها يحبسها وما يمسك فلا مرسل له يطلقه من بعده من بعد إمساكه وهو العزيز الغالب على ما يشاء ليس لأحد أن ينازعه فيه الحكيم لا يفعل إلا بعلم وإتقان.
(3) يا ايها الناس اذكروا نعمت الله عليكم إحفظوها بمعرفة حقها والأعتراف بها وطاعة منعمها هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به وقريء غير مجرورا.


(232)

(4) وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك أي فتأس بهم في الصبر على تكذيبهم وإلى الله ترجع الامور فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب.
(5) يا ايها الناس إن وعد الله بالحشر والجزاء حق لا خلف فيه فلا تغرنكم الحياة الدنيا فيذهلكم التمتع بها عن طلب الاخرة والسعي لها ولا يغرنكم بالله الغرور الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الأصرار على المعصية.
(6) إن الشيطان لكم عدو عدواة عامة قديمة فاتخذوه عدوا في عقايدكم وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير تقرير لعداوته وبيان لغرضه.
(7) الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير وعيد لمن أجاب دعاءه ووعد لمن خالفه.
(8) أفمن زين له سوء عمله فراه حسنا كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق فحذف الجواب لدلالة ما بعده عليه فإن الله يضل من يشآء ويهدي من يشآء .
في الكافي عن الكاظم عليه السلام أنه سئل عن العجب الذي يفسد العمل فقال للعجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب إن الله عليم بما يصنعون فيجازيهم عليه.
القمي مرفوعا قال نزلت في زريق وحبتر.
(9) والله الذي أرسل الرياح وقريء الريح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الارض بالمطر النازل منه بعد موتها بعد يبسها.
في الكافي والقمي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن السحاب أين يكون قال يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه فإذا أراد الله عز وجل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته فوكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق فيرتفع


(233)

وزاد في الكافي ثم قرأ هذه الآية والله الذي أرسل الرياح الآية قال والملك اسمه الرعد كذلك النشور أي مثل إحياء الموات إحياء الأموات وقد سبق من تفسير الأمام عليه السلام في قصة البقرة أن الله عز وجل ينزل بين نفختي الصور بعدما ينفخ النفخة الاولى من دون السماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله تعالى والبحر المسجور وهو مني كمني الرجال فيمطر ذلك على الأرض فيلقى الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون.
وفي المجالس والقمي عن الصادق عليه السلام إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم.
(10) من كان يريد العزة الشرف والمنعمة فلله العزة جميعا أي فليطلبها من عنده فإن كلها له.
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه قيل بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح.
والقمي قال كلمة الأخلاص والأقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من عند الله من الفرائض والولآية ترفع العمل الصالح إلى الله.
وعن الصادق عليه السلام الكلم الطيب قول المؤمن لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله وخليفة رسول الله صلوات الله عليهما قال والعمل الصالح الأعتقاد بالقلب أن هذا هو الحق من عند الله لا شك فيه من رب العالمين.
وعن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله وإذا قال وخالف عمله قوله رد قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار.
في الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال ولايتنا أهل البيت وأومى بيده إلى صدره فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا.


(234)

وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام من قال لا إله إلا الله مخلصا طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض فإذا قال ثانية لا إله إلا الله مخلصا خرقت أبواب السماء وصفوف الملائكة حتى تقول الملائكة بعضها لبعض اخشعوا لعظمة أمر الله فإذا قال ثالثة مخلصا لا إله إلا الله لم تنته دون العرش فيقول الجليل اسكتي فوعزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه ثم تلا هذه الآية إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يعني إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه والذين يمكرون السيئات المكرات السيئات قيل يعني مكرات قريش للنبي صلى الله عليه وآله في دار الندوة وتدارئهم (1) الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله وإجلائه.
أقول : ويشمل مكرات أصحاب السقيفة في رد وصية النبي صلى الله عليه وآله للوصي وغير ذلك لهم عذاب شديد لا يؤبه دونه ما يمكرون به ومكر أولئك هو يبور يفسد ولا ينفذ وفي العاقبة يحيق بهم.
(11) والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا ذكرانا واناثا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه إلا معلومة له وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب القمي يعني يكتب في كتاب قال وهو رد على من ينكر البداء.
وفي الجوامع قيل معناه لا يطول عمر ولا ينقص إلا في كتاب وهو أن يكتب في اللوح لو أطاع الله فلان بقي إلى وقت كذا وإذا عصى نقص من عمره الذي وقت له وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله إن الصدقة وصلة الرحم تعمران الديار وتزيدان في الأعمار.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلا صلة الرحم حتى أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله عز وجل في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة ويكون أجله ثلاثا وثلاثين سنة فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله ثلاثين سنة في عمره ويجعل أجله إلى ثلاث سنين والأخبار في هذا
____________
(1) يتدارؤن الحديث اي يتدافعونه فكل منهم يدفع قول صاحبه بما ينفعه من القول.


(235)

المعنى كثيرة جدا إن ذلك على الله يسير إشارة إلى الحفظ والزيادة والنقص.
(12) وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج .
القمي عن الباقر عليه السلام الاجاج هو المر قيل هو مثل للمؤمن والكافر ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها اللئالي واليواقيت وترى الفلك فيه مواخر (1) تشق الماء بجريها القمي يقول الفلك مقبلة ومدبرة بريح واحدة لتبتغوا من فضله من فضل الله بالنقلة فيها ولعلكم تشكرون على ذلك.
(13) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير القمي قال الجلدة الرقيقة التي على ظهر النوى.
(14) إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم لأنهم جماد ولو سمعوا على سبيل الفرض ما استجابوا لكم لعدم قدرتهم عليها ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ولا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير به أخبرك وهو الله سبحانه فإنه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين والمراد تحقيق ما أخبر به عن حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم.
(15) يا ايها الناس أنتم الفقراء إلى الله في أنفسكم وأحوالكم والله هو الغني الحميد المستغني على الأطلاق المنعم على سائر الموجودات حتى استحق عليهم الحمد.
(16) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد بقوم آخرين أطوع منكم.
(17) وما ذلك على الله بعزيز بمتعذر أو متعسر.
(18) ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا تحمل نفس آثمة اثم نفس اخرى وأما قوله وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال أضلالهم مع أثقال ضلالهم وكل ذلك أوزارهم ليس فيها شيء من أوزار غيرهم وإن
____________
(1) مواخر : جواري تشق الماء شقا.


(236)

تدع مثقلة نفس أثقلها الأوزار إلى حملها تحمل بعض أوزارها لا يحمل منه شيء لم تجب بحمل شيء منه نفى أن يحمل عنها ذنبها كما نفى أن يحمل عليها ذنب غيرها ولو كان ذا قربى ولو كان المدعو ذا قرابتها أضمر المدعو لدلالة إن تدع عليه إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة فإنهم المنتفعون بالأنذار لا غير ومن تزكى ومن تطهر عن دنس المعاصي فإنما يتزكى لنفسه إذ نفعه لها وإلى الله المصير فتجازيهم على تزكيتهم وما يستوى الاعمى والبصير الكافر والمؤمن.
(19) وما يستوى الأعمى والبصير
(20) ولا الظلمات ولا النور ولا الباطل ولا الحق
(21) ولا الظل ولا الحرور ولا الثواب ولا العقاب ولا لتأكيد نفي الاستواء وتكريرها على الشقين لمزيد التأكيد والحرور من الحر غلب على السموم القمي الظل الناس والحرور البهائم.
(22) وما يستوي الاحياء ولا الاموات تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين ابلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وقيل للعلماء والجهلاء إن الله يسمع من يشآء هدايته فيوفقه لفهم آياته والأتعاظ بعظاته وما أنت بمسمع من في القبور المصرين على الكفر.
(23) إن أنت إلا نذير فما عليك إلا الأنذار وأما الأستماع فلا عليك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم.
(24) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة أهل عصر إلا خلا مضى فيها نذير من نبي أو وصي نبي القمي قال لكل زمان إمام.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام لم يمت محمد إلا وله بعيث نذير قال فإن قيل لا فقد ضيع رسول الله صلى الله عليه وآله من في أصلاب الرجال من امته قيل وما يكفيهم القرآن قال بلى إن وجدوا له مفسرا قيل وما فسره رسول الله صلى الله عليه وآله قال بلى قد فسره لرجل واحد وفسر للامة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب عليه السلام.
(25) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جآئتهم رسلهم بالبينات بالمعجزات الشاهدة على نبوتهم وبالزبر وبالكتاب المنير كصحف


(237)

إبراهيم عليه
(26) ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير أي إنكاري بالعقوبة.
(27) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد أي ذو جدد أي خطط وطرائق بيض وحمر مختلف ألوانها بالشدة والضعف وغرابيب سود ومنها غرابيب متحدة اللون والغربيب تأكيد للأسود وحقه أن يتبع المؤكد قدم لمزيد التأكيد لما فيه من التأكيد باعتبار الأضمار والأظهار.
(28) ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك كاختلاف الثمار والجبال إنما يخشى الله من عباده العلماء إذ شرط الخشية معرفة المخشى والعلم بصفاته وأفعاله فمن كان أعلم به كان أخشى منه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله إني أخشاكم لله أتقاكم له إن الله عزيز غفور تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه.
في المجمع عن الصادق عليه السلام يعني بالعلماء من صدق قوله فعله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم وفي الحديث أعلمكم بالله أخوفكم لله.
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان فمن عرف الله خافه وحثه الخوف على العمل بطاعة الله وأن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله إنما يخشى الله من عباده العلماء.
وعن الصادق عليه السلام إن من العبادة شدة الخوف من الله ثم تلا هذه الآية.
وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام دليل الخشية التعظيم لله والتمسك بخالص الطاعة وأوامره والخوف والحذر ودليلهما العلم ثم تلا هذه الآية.
(29) إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور لن تكسد ولن تهلك بالخسران والتجارة تحصيل الثواب بالطاعة.
(30) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله على ما يقابل أعمالهم.


(238)

في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله هو الشفاعة لمن وجب له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا إنه غفور لفرطاتهم شكور لطاعاتهم أي مجازيهم عليها.
(31) والذي أوحينا إليك من الكتاب يعني القرآن هو الحق مصدقا لما بين يديه من الكتب السماوية إن الله بعباده لخبير بصير عالم بالبواطن والظواهر.
(32) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا يعني العترة الطاهرة خاصة فمنهم ظالم لنفسه لا يعرف إمام زمانه ومنهم مقتصد يعرف الأمام ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله هو الأمام.
في البصائر عن الباقر عليه السلام هي في ولد علي وفاطمة عليهما السلام.
وفي الكافي عنه عليه السلام قال السابق بالخيرات الأمام والمقتصد العارف للأمام والظالم لنفسه الذي لا يعرف الأمام.
وعن الصادق عليه السلام إنه قيل له إنها في الفاطميين فقال ليس حيث تذهب ليس يدخل في هذا من أشار بسيفه ودعا الناس إلى ضلال فقيل أي شيء الظالم لنفسه قال الجالس في بيته لا يعرف حق الأمام والمقتصد العارف بحق الأمام والسابق بالخيرات الأمام.
وعن الكاظم عليه السلام أنه تلا هذه الآية قال فنحن الذين اصطفانا الله تعالى عز وجل وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شيء.
وعن الرضا عليه السلام إنه سئل عنها قال ولد فاطمة عليها السلام والسابق بالخيرات الأمام والمقتصد العارف بالأمام والظالم لنفسه الذي لا يعرف الأمام.
وفي العيون عنه عليه السلام أراد الله بذلك العترة الطاهرة ولو أراد الامة لكانت بأجمعها في الجنة لقول الله فمنهم ظالم لنفسه الآية ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال جنات عدن يدخلونها الآية فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم.
وفي الخرائج عن الزكي عليه السلام كلهم من آل محمد صلى الله عليه وآله الظالم لنفسه الذي لا يقر بالأمام عليه السلام والمقتصد العارف بالأمام والسابق


(239)

بالخيرات الأمام عليه السلام.
وعن الصادق عليه السلام أن فاطمة عليها السلام لعظمها على الله حرم الله ذريتها على النار وفيهم نزلت ثم أورثنا الكتاب الآية ثم فسر الفرق الثلاث بما مر.
وفي المجمع عنه عليه السلام الظالم لنفسه منا من لا يعرف حق الأمام والمقتصد منا من يعرف حق الأمام والسابق بالخيرات هو الأمام وهؤلاء كلهم مغفور لهم.
وفي الأحتجاج عنه عليه السلام أنه سئل عنها وقيل له إنها لولد فاطمة عليها السلام خاصة فقال أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة عليها السلام فليس بداخل في هذه الآية قيل من يدخل فيها قال الظالم لنفسه الذي لا بدعو الناس إلى ضلال ولا هدى والمقتصد منا أهل البيت العارف حق الأمام والسابق بالخيرات الأمام.
وفي المناقب عنه عليه السلام نزلت في حقنا وحق ذرياتنا.
وفي روآية عنه وعن أبيه عليهما السلام هي لنا خاصة وإيانا عنى.
وعن الباقر عليه السلام هم آل محمد صلوات الله عليهم.
وفي المعاني عنه عليه السلام أنه سئل عنها فقال نزلت فينا أهل البيت فقيل فمن الظالم لنفسه قال من استوت حسناته وسيئاته منا أهل البيت فهو الظالم لنفسه فقيل من المقتصد منكم قال العابد لله في الحالين حتى يأتيه اليقين فقيل فمن السابق منكم بالخيرات قال من دعا والله إلى سبيل ربه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولم يكن للمضلين عضدا ولا للخائنين خصيما ولم يرض بحكم الفاسقين إلا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعوانا.
وعن الصادق عليه السلام أنه سئل عنها فقال الظالم يحوم حول نفسه والمقتصد يحوم حول قلبه والسابق يحوم حول ربه عز وجل.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام أما الظالم لنفسه منا فمن عمل عملا


(240)

صالحا وآخر سيئا وأما المقتصد فهو المتعبد المجتهد وأما السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين عليهم السلام ومن قتل من آل محمد صلوات الله عليهم شهيدا.
وفي سعد السعود (1) عنه عليه السلام هي لنا خاصة أما السابق بالخيرات فعلي ابن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام والشهيد منا وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل وأما الظالم لنفسه ففيه ما في الناس وهو مغفور له ذلك هو الفضل الكبير إشارة إلى التوريث أو الأصطفاء أو السبق.
(33) جنات عدن يدخلونها .
في المعاني عن الصادق عليه السلام يعني المقتصد والسابق.
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله في هذه الآية قال وأما السابق فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام ثم يدخل الجنة فهم الذين قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ وقريء لؤلؤا بالنصب ولباسهم فيها حرير .
(34) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور للمذنبين شكور للمطيعين.
(35) الذي أحلنا دار المقامة دار الأقامة من فضله من إنعامه وتفضله لا يمسنا فيها نصب تعب ولا يمسنا فيها لغوب كلال إذ لا تكليف فيها ولا كد أتبع نفي النصب نفي ما يتبعه مبالغة القمي قال النصب العناء واللغوب الكسل والضجر ودار المقامة دار البقاء.
في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل المؤمن منازله في الجنة وضع على رأسه تاج الملك والكرامة والبس حلل الذهب والفضة والدر والياقوت منظوما في الأكليل تحت التاج والبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر وذلك قوله
____________
(1) من مصنفات الزاهد السيد جمال العارفين ابي القاسم علي بن موسى الطاووس الحسني.


(241)

تعالى يحلون فها من اساور الآية قال فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة وحولها وصفاؤها عليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد صبغن بالمسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وفي رجلها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت واللؤلؤ شراكهما ياقوت احمر فإذا دنت من ولي الله وهم ان يقوم إليها شوقا تقول له يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب ولا تقم انا لك وانت لي فيغشيها مقدار خمسمأة عام من اعوام الدنيا لا يملها ولا تمله قال فينظر الى عنقها فإذا عليها قلادة من قصب ياقوت احمر وسطها لوح مكتوب انت يا ولي الله حبيبي وانا الحوراء حبيبتك اليك تناهت نفسي واليّ تناهت نفسك ثم يبعث الله إليه الف ملك يهنونه بالجنة ويزوجونه الحوراء الحديث وقد مر تمامه في سورة الرعد.
وفي سعد السعود عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث يذكر فيه ما اعد الله لمحبي علي عليه السلام يوم القيامة قال فإذا دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنونهم بكرامة ربهم حتى إذا استقروا قرارهم قيل لهم هل وجدتهم ما وعد ربك حقا قالوا نعم ربنا رضينا فارض عنا قال برضاي عنكم وبحبّكم اهل بيت نبيي حللتم داري وصافحتم الملائكة فهنيئا عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص فعندما قالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن الآية.
(36) والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم لا يحكم عليهم بموت ثان فيموتوا أو يستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها بل كلما خبت زيدوا سعيرا كذلك نجزي كل كفور وقريء يجزى على بناء المفعول.
(37) وهم يصطرخون فيها يستغيثون بالصراخ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل باضمار القول اولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجآئكم النذير جواب من الله وتوبيخ لهم وما يتذكر فيه يتناول كل عمر يمكن فيه من التذكر.
وفي الفقيه والخصال والمجمع عن الصادق عليه السلام وهو توبيخ لابن ثماني عشرة سنة. وفي نهج البلاغة العمر الذي اعذر الله فيه الى ابن آدم ستون سنة.
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله مرفوعا من عمّره الله ستين سنة فقد


(242)

أعذر عليه فذوقوا فما للظالمين من نصير يدفع العذاب عنهم.
(38) إن الله عالم غيب السماوات والارض لا يخفى عليه خافية فلا يخفى عليه احوالهم إنه عليم بذات الصدور .
(39) هو الذي جعلكم خلائف في الارض القمي اليكم مقاليد التصرف فيها أو جعلكم خلفا بعد خلف فمن كفر فعليه كفره جزاء كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلاّ مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا بيان له والتكرير للدلالة على ان اقتضاء الكفر لكل واحد من الامرين مستقل باقتضاء قبحة ووجوب التجنب عنه والمراد بالمقت وهو اشد البغض مقت الله والخسار خسار الاخرة.
(40) قل أرأيتم شركائكم اخبروني عن هؤلاء الشركاء الذين تدعون من دون الله يعني آلهتهم والاضافة إليهم لانهم جعلوهم شركاء لله أو لانفسهم فيما يملكونه أروني ماذا خلقوا من الارض بدل من أرأيتم أم لهم شرك في السماوات شركة مع الله في خلقها فاستحقوا بذلك شركة في الالوهية ذاتية ام اتيناهم اي الشركاء أو المشركين كتابا ينطق على انا اتخذنا شركاء فهم على بينة منه على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية وقريء على بينات اشارة الى انه لا بدّ في مثله من تعاضد الدلائل بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا بأنهم شفعاؤهم عند الله يشفعون لهم بالتقرب إليهم.
(41) ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده من بعد الله أو من بعد الزوال إنه كان حليما غفورا حيث امسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هدا كما قال عز وجل تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض.
في الكافي عن امير المؤمنين عليه السلام انه سئل عن الله عز وجل يحمل العرش ام العرش يحمله فقال عليه السلام الله عزّ وجلّ حامل العرش والسماوات والارض وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله تعالى ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا الآية.


(243)

وفي الاكمال عن الرضا عليه السلام في حديث بنا يمسك الله السماوات والارض ان تزولا وعنهم عليهم السلام لولا ما في الارض منا لساخت بأهلها.
(42) واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جائهم نذير ليكونن اهدى من احدى الامم قيل وذلك ان قريشا لما بلغهم ان أهل الكتاب كذبوا رسولهم قالوا لعن الله اليهود والنصارى لو اتانا رسول لنكونن أهدى من احدى الامم ويأتي في هذا المعنى حديث في سورة ص ان شاء الله فلما جائهم نذير يعني محمد صلى الله عليه وآله ما زادهم اي النذير أو مجيئه الا نفورا تباعدا عن الحق.
(43) استكبارا في الارض ومكر السيء ولا يحيق ولا يحيط المكر السيء الا باهله وهو الماكر قيل وقد حاق بهم يوم بدر فهل ينظرون ينتظرون الا سنة الاولين سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا إذ لا يبدلها بجعل التعذيب غيره ولا يحولها بنقله الى غيرهم.
(44) اولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم قيل استشهاد عليهم بما يشاهدونه في مسايرهم الى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين والقمي قال أولهم ينظروا في القرآن وفي أخبار الامم الهالكة وكانوا اشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء ليسبقه ويفوته في السماوات ولا في الأرض انه كان عليما بالاشياء كلها قديرا عليها.
(45) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا من المعاصي ما ترك على ظهرها ظهر الارض من دابة تدب عليها بشؤم معاصيهم ولكن يؤخرهم الى اجل مسمى فإذا جاء أجلهم فان الله كان بعباده بصيرا فيجازيهم على اعمالهم قد سبق ثواب قراءتها في آخر سؤرة سبأ.