سورة الزخرف
مكية عدد آيها تسع وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) حم .
(2) والكتاب المبين .
(3) إنا جعلناه قرانا عربيا أقسم بالقرآن على أنه جعله قرآنا عربيا وهو من البدايع لتناسب القسم والمقسم عليه لعلكم تعقلون لكي تفهموا معانيه.
(4) وإنه في أم الكتاب في اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية وقريء أم الكتاب بالكسر لدينا لعلي رفيع الشأن حكيم ذو حكمة بالغة كذا قيل.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام هو أمير المؤمنين عليه السلام في أم الكتاب يعني الفاتحة فإنه مكتوب فيها في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم قال الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين عليه السلام ومعرفته.
والقمي ما في معناه.
(5) أفنضرب عنكم الذكر صفحا أنهملكم فنضرب عنكم الذكر أي نذوده ونبعده ونعرض عنكم إعراضا.
القمي استفهام أي ندعكم مهملين لا نحتج عليكم برسول الله صلى الله عليه وآله أو بإمام أو بحجج أن كنتم قوما مسرفين لأن كنتم وقريء إن بالكسر إخراجا للمحقق مخرج المشكوك استجهالا لهم.
(6) وكم أرسلنا من نبي في الاولين .
(7) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤن تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله عن استهزاء قومه.


(385)

(8) فأهلكنا أشد منهم بطشا أي من القوم المسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى الرسول الله صلى الله عليه وآله مخبرا عنهم.
القمي يعني من قريش ومضى مثل الاولين وسلف في القرآن قصتهم العجيبة وفيه وعد للرسول صلى الله عليه وآله ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين.
(9) ولئن سئلتهم من خلق السماوات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم يعني أقروا بعزي وعلمي وما بعده إستيناف.
(10) الذي جعل لكم الارض مهدا فتستقرون فيها وجعل لكم فيها سبلا تسلكونها لعلكم تهتدون لكي تهتدوا إلى مقاصدكم أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك.
(11) والذي نزل من السماء ماء بقدر بمقدار ينفع ولا يضر فأنشرنا به بلدة ميتا فأحيينا به أرضا لا نبات فيها كذلك تخرجون تنشرون من قبوركم.
(12) والذي خلق الازواج كلها أصناف المخلوقات وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون في البر والبحر.
(13) لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه تذكروها بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين مطيقين يعني لا طاقة لنا بالأبل ولا بالفلك ولا بالبحر لولا أن الله سخره لنا.
(14) وإنا إلى ربنا لمنقلبون أي راجعون وإتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل والنقلة العظمى هو الأنقلاب إلى الله عز وجل ولأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله.
في الكافي عن الرضا عليه السلام فان ركبت الظهر فقل الحمد لله الذي سخر لنا هذا الآية.
وعن أبيه عليهما السلام وإن خرجت برا فقل الذي قال الله عز وجل سبحان الذي سخر لنا الآية فإنه ليس من عبد يقولها عند ركوبه فيقع من بعير أو دابة فيصيبه شيء بإذن الله.


(386)

(15) وجعلوا له من عباده جزء قيل متصل بقوله ولئن سئلتهم أي وجعلوا له بعد ذلك الأعتراف من عباده ولدا فقالوا الملائكة بنات الله سماه جزء لأن الولد بضعة من والده القمي قوله وجعلوا له من عباده جزء قال قالت قريش إن الملائكة هم بنات الله سماه جزء لان الولد بضعة من والده القمي قوله وجعلوا له من عبادة جزء قال قالت قريش ان الملائكة هم بنات الله ان الانسان لكفور مبين ظاهر الكفران.
(16) ام اتخذ مما يخلق بنات واصفاكم بالبنين معنى الهمزة في ام الانكار والتعجب من شأنهم حيث لم يقنعوا بان جعلوا له جزء حتى جعلوا له من مخلوقاته أجزاء أخص مما اختير لهم وأبغض الأشياء إليهم بحيث إذا بشر بها أحدهم إشتد غمه به كما قال.
(17) وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا بما جعل لله شبها وذلك أن كل ولد من كل شيء شبهه وجنسه ظل وجهه مسودا صار وجهه أسود في الغآية لما يعتريه من الكآبة وهو كظيم مملوء قلبه من الكرب.
(18) أو من ينشؤ في الحلية أو يجعلون له من يتربى في الزينة يعني البنات وهو في الخصام في المجادلة غير مبين للحجة يقال قلما تتكلم إمرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها وقريء ينشؤ بالتشديد أي يربّى.
(19) وجعلوا الملائكة هم عباد الرحمن إناثا كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله أنقصهم رأيا وأخصهم صنفا وقريء عند الرحمن على تمثيل زلفاهم أشهدوا خلقهم أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثا فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكم بهم وقريء ءاشهدوا خلقهم بهمزة مضمومة بعد همزة الأستفهام ستكتب شهادتهم التي شهدوا بها على الملائكة ويسئلون عنها يوم القيامة.
(20) وقالوا لو شآء الرحمن ما عبدناهم مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون .
(21) أم آتيناهم كتابا من قبله من قبل القرآن ينطق على صحة ما قالوه فهم به مستمسكون


(387)

(22) بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون أي لا حجة لهم على ذلك من جهة العقل ولا من جهة النظر وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة والامة الطريقة التي تؤم.
(23) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله ودلالة على أن التقليد في نحو ذلك ضلال قديم وفي تخصيص المترفين إشعار بأن التنعم وحب البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد.
(24) قل أوَلَوْ جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم يعني أتتبعون آبائكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم وهو حكآية أمر ماض أوحي إلى النذير أو خطاب لنبينا صلى الله عليه وآله وقريء قال أي النذير قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون أي وإن كان أهدى إقناطا للنذير من أن ينظروا أو يتفكروا فيه.
(25) فانتقمنا منهم بالأستيصال فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ولا تكترث بتكذيبهم.
(26) وإذ قال إبرهيم واذكر وقت قوله هذا ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالبرهان أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بد من التقليد فإنه أشرف آبائهم لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون بريء من عبادتكم أو معبودكم مصدر نعت به.
(27) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين هدآية بعد هدآية.
(28) وجعلها أي كلمة التوحيد كلمة باقية في عقبه في ذريته ليكون فيهم أبدا من يوحد الله ويدعو إلى توحيده ويكون إماما وحجة على الخلائق لعلهم يرجعون يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحده.
وفي الأكمال عن السجاد عليه السلام قال فينا نزلت هذه الآية وجعلها كلمة باقية في عقبه والأمامة في عقب الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة.
وفي العلل عن الباقر عليه السلام وفي المعاني والمناقب والمجمع عن الصادق عليه السلام مثله.


(388)

وفي الأحتجاج عن النبي صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير معاشر الناس القرآن يعرفكم أن الأئمة عليهم السلام من بعده من ولده وعرفتكم أنهم مني وأنا منهم حيث يقول الله عز وجل وجعلها كلمة باقية في عقبه وقلت لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما.
وفي المناقب إن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن هذه الآية فقال الأمامة في عقب الحسين عليه السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة منه مهدي هذه الأمة والقمي لعلهم يرجعون يعني الأئمة عليهم السلام يرجعون إلى الدنيا.
(29) بل متعت هؤلاء وآبائهم هؤلاء المعاصرين للرسول صلى الله عليه وآله من قريش وآبائهم بالمد في العمر والنعمة فاغتروا بذلك وانهمكوا في الشهوات حتى جائهم الحق ورسول مبين .
(30) ولما جائهم الحق لينبههم عن غفلتهم قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ضموا إلى شركهم معاندة الحق والأستخفاف به.
(31) وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين من إحدى القريتين بمكة والطائف عظيم بالجاه والمال كالوليد بن مغيرة بمكة وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم ولم يعلموا إنها رتبة روحانية تستدعي عظيم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية.
(32) أهم يقسمون رحمت ربك إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم والمراد بالرحمة النبوة نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا وهم عاجزون عن تدبيرها ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات وأوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم فيحصل بينهم تألف وتضامن وينتظم بذلك نظام العالم لا لكمال في الموسع ولا لنقص في المقتر ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى من ذلك ورحمة ربك هذه يعني النبوة وما يتبعها خير مما يجمعون مما يجمعه هؤلاء من حطام الدنيا والعظيم من رزق منها لا منه.
في الأحتجاج وفي تفسير الأمام عليه السلام في سورة البقرة عن أبيه عليهما


(389)

السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش وساق الحديث كما سبق ذكره في سورة بني اسرائيل إلى أن قال قال له عبد الله بن أبي امية لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من في ما بيننا مالا وأحسنه حالا فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف ثم ذكر شيئا إلى أن قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وأما قولك لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بالطائف فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء وليس قسمة الله إليك بل الله القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه وليس هو عز وجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لما له وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع فيخصه بالنبوة لذلك ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب أنت فتقدم من لا يستحق التقديم وإنما معاملته بالعدل فلا يؤثر لأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الأفضل في طاعته والأجل في خدمته وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تبطأ عن طاعته وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمة ألا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحداً أو قبح صورته وكيف حسن صورة واحد وأفقره وكيف شرف واحدا وأفقره وكيف أغنى واحدا ووضعه ثم ليس لهذا الغني أن يقول هلا اضيف إلى يساري جمال فلان ولا للجميل أن يقول هلا اضيف إلى جمالي مال فلان ولا للشريف أن يقول هلا اضيف إلى شرفي مال فلان ولا للوضيع أن يقول هلا اضيف إلى ضعتي شرف فلان ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم قال الله تعالى أهم يقسمون رحمه ربك يا محمد نحن قسمنا بينهم


(390)

معيشتهم في الحياة الدنيا فأحوجنا بعضا إلى بعض أحوج هذا إلى مال ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب إما سلعة معه ليست معه وإما خدمة يصلح لما لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من ذلك الفقير فهذا الفقير محتاج إلى مال ذلك الملك الغني وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ثم ليس للملك أن يقول هلا إجتمع إلى مالي علم هذا الفقير ولا للفقير أن يقول هلا إجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني.
(33) ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج ومصاعد عليها يظهرون يعلون السطوح وقريء سقفا مفردا.
(34) ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤن أي أبوابا وسررا من فضة.
(35) وزخرفا وزينة القمي أمة واحدة أي على مذهب واحد وزخرفا قال البيت المزخرف بالذهب.
وعن الصادق عليه السلام لو فعل الله ذلك بهم لما آمن أحد ولكنه جعل في المؤمنين أغنياء وفي الكافرين فقراء وجعل في المؤمنين فقراء وفي الكافرين أغنياء ثم امتحنهم بالأمر والنهي والصبر والرضا.
وفي الكافي والعلل عن السجاد عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال عني بذلك امة محمد صلى الله عليه وآله أن يكونوا على دين واحد كفارا كلهم ولو فعل الله ذلك بامة محمد صلى الله عليه وآله لحزن المؤمنون وغمهم ذلك ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم.
وفي العلل عن الصادق عليه السلام قال قال الله عز وجل لولا أن يجد عبدي المؤمن في نفسه لعصبت الكافر بعصابة من ذهب وإن وإنه كل ذلك لما متاع الحياة


(391)

الدنيا وقريء لما بالتشديد بمعنى إلاّ فتكون إن نافية والاخرة عند ربك للمتقين .
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن الله جل ثناؤه ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في الدنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه فيقول وعزتي ما أحوجتك في الدنيا من هوان بك عليّ فارفع هذا السجف فانظر إلى ما عوّضتك في الدنيا قال فيرفع فيقول ما ضرني ما منعتني مع ما عوّضتني.
أقول : السجف بالمهملة والجيم الستر.
وعنه عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله يا معشر المساكين طيبوا نفسا واعطوا الله الرضا من قلوبكم يثيبكم الله عز وجل على فقركم فإن لم تفعلوا فلا ثواب لكم.
وعنه عليه السلام قال ما كان من ولد آدم عليه السلام مؤمن إلا فقيرا ولا كافر إلا غنيا حتى جاء ابراهيم عليه السلام فقال ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فصير الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة.
(36) ومن يعش عن ذكر الرحمن يتعامى ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات نقيّض نسبب ونقدر له شيطانا فهو له قرين يوسوسه ويغويه دائما وقريء يقيض بالياء.
في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام من تصدى بالأثم أعشى عن ذكر الله تعالى ومن ترك الأخذ عمن أمره الله بطاعته قيض له شيطان فهو له قرين.
(37) وإنهم ليصدونهم عن السبيل وإن الشياطين ليصدون العاشين عن الطريق الذي من حقه أن يسبل ويحسبون أي العاشون أنهم مهتدون .
(38) حتى إذا جائنا أي العاشي وقرء جائانا على التثنية أي العاشي والشيطان قال أي العاشي للشيطان يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين بعد المشرق من المغرب فبئس القرين أنت.


(392)

(39) ولن ينفعكم اليوم ما أنتم عليه من التمني إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون .
القمي عن الباقر عليه السلام نزلت هاتان الآيتان هكذا حتى إذا جائانا يعني فلانا وفلانا يقول أحدهما لصاحبه حين يراه يا ليت بينى وبينك بعد المشرقين فبئس القرين فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله قل لفلان وفلان وأتباعهما لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم آل محمد صلوات الله عليهم حقهم أنكم في العذاب مشتركون.
(40) أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمى إنكار تعجب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال بحيث صار عشاهم عمى مقرونا بالصمم ومن كان في ضلال مبين عطف على العمى باعتبار تغاير الوصفين وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى.
(41) فإما نذهبن بك أي فإن قبضناك قبل أن ينصرك بعذابهم وما مزيدة للتأكيد فإنا منهم منتقمون بعدك.
(42) أو نرينك الذي وعدناهم أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب فإنا عليهم مقتدرون لا يفوتوننا.
في المجمع روي أنه صلى الله عليه وآله اري ما يلقى ذريتهمن أمّته بعده فما زال منقبضا ولم ينبسط ضاحكا حتى لقي الله تعالى قال :
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري قال إني لأدناهم من رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بمنى حتى قال لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربكم ثم التفت إلى خلفه فقال أوعليّ ثلاث مرات فرأينا أن جبرئيل غمزه فأنزل الله على أثر ذلك فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون بعلي بن أبي طالب.
أقول : إنما يكون ذلك في الرجعة.
والقمي عن الصادق عليه السلام قال فإما نذهبن بك يا محمد من مكة إلى


(393)

المدينة فإنا رادوك إليها ومنتقمون منهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد سبق في هذا المعنى أخبار اخر في سورة المؤمنين.
(43) فاستمسك بالذي أوحِي إليك إنك على صراط مستقيم .
القمي عن الباقر عليه السلام إنك على ولآية عليّ عليه السلام وعليّ هو الصراط المستقيم.
(44) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون .
في الكافي عن الباقر عليه السلام نحن قومه ونحن المسؤولون.
وعن الصادق عليه السلام إيانا عني ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.
وعنه عليه السلام الذكر القرآن ونحن قومه ونحن المسؤولون.
وفي البصائر عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته أهل الذكر وهم المسؤولون.
(45) واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون هل حكمنا بعبادة الأوثان وهل جاءت في ملة من مللهم.
في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية من ذا الذي سأله محمد صلى الله عليه وآله وكان بينه وبين عيسى خمسمأة سنة فتلا هذه الآية سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا قال فكان من الآيات التي أراها الله محمدا صلى الله عليه وآله حين أسرى به إلى البيت المقدس أن حشر الله له الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم أمر جبرئيل فأذن شفعا وأقام شفعا ثم قال في إقامته حي على خير العمل ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله فصلى بالقوم فأنزل الله عليه واسأل من أرسلنا الآية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله على ما تشهدون وما كنتم تعبدون فقالوا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله (ص) أخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا.
وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وأما قوله واسئل من


(394)

أرسلنا من قبلك من رسلنا فهذا من براهين نبينا التي أتاه الله إياها وأوجب به الحجة على ساير خلقه لأنه لما ختم به الأنبياء وجعله الله رسولا إلى جميع الأمم وساير الملل خصه بالأرتقاء إلى السماء عند المعراج وجمع له يومئذ الأنبياء فعلم منهم ما ارسلوا به وحملوه من عزائم الله وآياته وبراهينه فأقروا أجمعين بفضله وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده وفضل شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم ولم يستكبروا عن أمرهم وعرف من أطاعهم وعصاهم من اممهم وسائر من مضى ومن غبر أو تقدم أو تأخر وقد سبق نظير هذين الخبرين في سورة يونس عليه السلام.
(46) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إنّي رسول رب العالمين .
(47) فلما جائهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون إستهزؤا بها أول ما رأوها ولم يتأملوا فيها.
(48) وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب كالسنين والطوفان والجراد لعلهم يرجعون .
(49) وقالوا يا ايها الساحر قيل نادوه بذلك في تلك الحال لشدة شكيمتهم وفرط حماقتهم أو لأنهم كانوا يسمّون العالم الباهر ساحرا والقمي أي يا أيها العالم ادع لنا ربك بما عهد عندك أن يكشف عنا العذاب إننا لمهتدون .
(50) فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون عهدهم بالأهتداء.
(51) ونادى فرعون في قومه في مجمعهم وفيما بينهم بعد كشف العذاب عنهم مخافة أن يؤمن بعضهم قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الانهار النيل وكان معظمهم أربعة تجري من تحتي أفلا تبصرون ذلك.
(52) أم أنا خير مع هذه المسلكة والبسطة من هذا الذي هو مهين ضعيف حقير لا يستعد للرياسة ولا يكاد يبين الكلام لما به من الرتّة (1) فكيف يصلح للرسالة وأم إما منقطعة
____________
(1) الرّتة بالضم العجمة.


(395)

والهمزة فيها للتقرير أو متصلة والمعنى أفلا تبصرون فتعلمون أني خير منه.
(53) فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب أي فهلا القي إليه مقاليد الملك إن كان صادقا إذ كانوا إذ سودوا رجلا سوروه وطوقوه بطوق من ذهب وأساورة جمع أسوار بمعنى السوار وقريء اسورة أو جاء معه الملائكة مقترنين مقارنين يعينونه أو يصدقونه.
(54) فاستخف قومه استخف احلامهم أو طلب منهم الخفة في مطاوعته ودعاهم فأطاعوه فيما أمرهم به إنهم كانوا قوما فاسقين اطاعوا ذلك الفاسق في نهج البلاغة ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هرون على فرعون وعليهما مدارع الصوف وبأيديهما العصا فشرطا له إن أسلم فلذلك بقاء ملكه ودوام عزه فقال ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك وهما بما ترون من حال الفقر والذل فهلا ألقي عليهما أساور من ذهب إعظاما للذهب وجمعه إحتقارا للصوف ولبسه ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ومعادن العقيان ومغارس الجنان وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرضين لفعل ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء واضمحل الأنباء ولما وجب للقائلين اجور المبتلين ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين ولا لزمت الأسماء معانيها ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قّوة في عزائمهم وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام وملك تمد نحوه أعناق الرجال وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الأعتبار وأبعد لهم من الأستكبار ولأمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مايلة بهم وكانت السيئات مشتركة والحسنات مقتسمة ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الأتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والأستكانة لأمره والأستسلام لطاعته امورا له خاصة لا يشوبها من غيرها شائبة وكلما كانت البلوى والأختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل.
(55) فلما اسفونا أغضبونا بالأفراط في العناد والعصيان انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين في اليم.