[ دعوى الدافع الهديذة والقابض الهبة الصحيحة ] لو ادعى الدافع أنها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد والحرمة ، وادعى القابض أنها هبة صحيحة لداعي القربة أو غيرها ، احتمل تقديم الأول ، لأن الدافع أعرف بنيته ، ولأصالة الضمان في اليد إذا كانت الدعوى بعد التلف. والأقوى تقديم الثاني ، لأنه يدعي الصحة.
[ دعوى الدافع الرشوة ، والقابض الهبة الصحيحة ] ولو ادعى الدافع أنها رشوة أو اجرة على المحرم ، وادعى القابض كونها هبة صحيحة ، احتمل أنه كذلك ، لأن الأمر يدور بين الهبة الصحيحة والإجارة الفاسدة.
ويحتمل العدم ، إذ لا عقد مشترك هنا اختلفا في صحته وفساده ، فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض ، لا لصحته ، فيحلف على عدم وقوعه ، وليس هذا من مورد التداعي ، كما لا يخفى (1).
[ دعوى الدافع الرشوة ، والقابض الهديّة الفاسدة ] ولو ادعى الدافع أنها رشوة ، والقابض أنها هدية فاسدة لدفع الغرم عن نفسه ـ بناء على ما سبق من أن الهدية المحرمة لا توجب الضمان ـ ففي تقديم الأول لأصالة الضمان في اليد ، أو الآخر لأصالة عدم سبب الضمان ومنع أصالة الضمان ، وجهان :
1 ـ عبارة : وليس هذا من مورد التداعي كما لا يخفى مشطوب عليها في ف.
(252)
أقواهما الأول ، لأن عموم خبر على اليد (1) يقضي بالضمان ، إلا مع تسليط المالك مجانا ، والأصل عدم تحققه ، وهذا حاكم على أصالة عدم سبب الضمان ، فافهم.
1 ـ عوالي اللآلي 2 : 345 ، الحديث 10. ورواه عنه وعن تفسير أبي الفتوح ، العلامة النوري في مستدرك الوسائل 14 : 7 ، الباب الأول من أبواب كتاب الوديعة ، الحديث 12.
[ حرمة سبّ المؤمن ] سب المؤمنين حرام في الجملة بالأدلة الأربعة ، لأنه ظلم وإيذاء وإذلال.
[ الروايات الواردة في حرمة السبّ ] ففي رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه (1).
وفي رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة (2).
وفي رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : جاء رجل من تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : أوصني ، فكان فيما أوصاه : لا تسبوا فتكتسبوا العداوة (3).
1 ـ الوسائل 8 : 609 ، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 3.
2 ـ الوسائل 8 : 611 ، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 4.
3 ـ الوسائل 8 : 610 ، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 2 ، وفيه : فتكسبوا العداوة لهم ، وفي الكافي ( 2 : 360 ) : فتكتسبوا العداوة بينهم.
(254)
وفي رواية ابن الحجاج ، عن أبي الحسن عليه السلام في رجلين يتسابان ، قال : البادي منهما أظلم ، ووزره على صاحبه ما لم يعتذر إلى المظلوم (1).
وفي مرجع الضمائر اغتشاش ، ويمكن الخطأ من الراوي.
والمراد ـ والله أعلم ـ أن مثل وزر صاحبه عليه لإيقاعه إياه في السب ، من غير أن يخفف عن صاحبه شيء ، فإذا اعتذر إلى المظلوم عن سبه وإيقاعه إياه في السب برأ من الوزرين.
ثم إن المرجع في السب إلى العرف.
[ تفسير السبّ ] وفسره في جامع المقاصد بإسناد ما يقتضي نقصه إليه ، مثل الوضيع والناقص (2).
وفي كلام بعض آخر : أن السب والشتم بمعنى واحد (3).
وفي كلام ثالث : أن السب أن تصف الشخص بما هو إزراء ونقص ، فيدخل في النقص كل ما يوجب الأذى ، كالقذف والحقير والوضيع والكلب والكافر والمرتد ، والتعبير بشيء من بلاء الله تعالى
1 ـ الوسائل 8 : 610 ، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول ، وفيه : ووزره ووزر صاحبه عليه وعلى هذا فلا اغتشاش في الضمائر ، كما لا يخفى. وعلى فرض صحة مانقله قدس سره يمكن التخلص عما قاله من الاغتشاش بإرجاع ضمير ووزره على السب المستفاد من المقام ، نظير قوله تعالى : ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ).
2 ـ جامع المقاصد 4 : 27.
3 ـ صرح به كاشف الغطاء في شرح القواعد ( مخطوط ) : 20.
(255)
كالأجذم والأبرص (1).
[ الظاهر عدم اعتبار المواجهة في صدق السبّ ] ثم الظاهر أنه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب. نعم ، يعتبر فيه قصد الإهانة والنقص ، فالنسبة بينه وبين الغيبة عموم من وجه.
والظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع ، لأن مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه ولو لا لقصد الإهانة غيبة محرمة ، والإهانة محرم آخر.
[ استثناء المتظاهر بالفسق ] ثم إنه يستثنى من المؤمن المظاهر بالفسق ، لما سيجيء في الغيبة (2) : من أنه لا حرمة له.
وهل يعتبر في جواز سبه كونه من باب النهي عن المنكر في اشترط بشروطه ، أم لا ؟ ظاهر النصوص والفتاوى ـ كما في الروضة (3) ـ الثاني ، والأحوط الأول.
[ استثناء المبتدع ] ويستثنى منه المبتدع أيضا ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا رأيتم أهل (4) البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبهم والوقيعة فيهم (5).
[ استثناء ما لو لم يتأثّر المسبوب من السبّ ] ويمكن أن يستثنى من ذلك ما إذا لم يتأثر المسبوب عرفا ، بأن لايوجب قول هذا القائل في حقه مذلة ولا نقصا ، كقول الوالد لولده
1 ـ قد وردت العبارة باختلاف يسير في مفتاح الكرامة 4 : 68 في تفسير السب من غير أن يسنده إلى أحد ، فراجع.
2 ـ يجيء في الصفحة : 343.
3 ـ الروضة البهية 9 : 175.
4 ـ في المصدر : أهل الريب والبدع.
5 ـ الوسائل 11 : 508 ، الباب 39 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ، الحديث الأول ، وفيه : وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ... الخ.
(256)
أو السيد لعبده عند مشاهدة ما يكرهه : يا حمار ، وعند غيظه : يا خبيث ، ونحو ذلك ، سواء لم يتأثر المقول فيه (1) بذلك ـ بأن لم يكرهه أصلا ـ أم تأثر به ، بناء على أن العبرة بحصول الذل والنقص فيه عرفا.
ويشكل الثاني بعموم أدلة حرمة الإيذاء (2).
نعم ، لو قال السيد ذلك في مقام التأديب جاز ، لفحوى جواز الضرب.
وأما الوالد : فيمكن استفادة الجواز في حقه مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام : أنت ومالك لأبيك (3) ، فتأمل.
مضافا إلى استمرار السيرة بذلك ، إلا أن يقال : إن استمرار السيرة إنما هو مع عدم تأثر السامع وتأذيه بذلك.
ومن هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلم للمتعلم ، فإن السيرة إنما نشأت في الأزمنة السابقة من عدم تألم المتعلم بشتم المعلم لعد نفسه أدون من عبده ، بل ربما كان يفتخر بالسب ، لدلالته على كمال لطفه. وأما زماننا هذا الذي يتألم المتعلم فيه من المعلم مما لم يتألم به من شركائه في البحث من القول والفعل ، فحل إيذائه يحتاج إلى الدليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
1 ـ كذا في ظاهر ف ومصححة ن ، وفي م ، ع و ص : القول فيه ، وشطب عليه في خ ، وموضعه بياض في ش.
2 ـ مثل قوله تعالى : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ... ) الأحزاب : 57 ، وراجع الوسائل 8 : 587 ، الباب 145 من أبواب أحكام العشرة.
3 ـ الوسائل 12 : 197 ، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به ، ضمن الحديث 8.
[ حرمة السحر ] السحر حرام في الجملة بلا خلاف ، بل هو ضروري ـ كما سيجيء ـ والأخبار به مستفيضة :
منها ـ ما تقدم من أن الساحر كالكافر (1).
[ الأخبار المستفيضة الواردة في حرمة السحر ] ومنها ـ قوله عليه السلام : من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر ، وكان آخر عهده بربه [وحده أن يقتل ] (2) إلا أن يتوب (3).
وفي رواية السكوني ، عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ساحر المسلمين يقتل ، وساحر الكفار لا يقتل. قيل : يا رسول الله لم لا يقتل ساحر الكفار ؟ قال : لأن الشرك أعظم من السحر ، ولأن السحر والشرك مقرونان (4).
وفي نبوي آخر : ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر ، ومدمن سحر ،
1 ـ تقدم في الصفحة : 205 ، في مسألة التنجيم.
2 ـ من ش و ص والمصدر.
3 ـ الوسائل 12 : 107 ، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 7.
4 ـ الوسائل 12 : 106 ، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2.
(258)
وقاطع رحم (1).
إلى غير ذلك من الأخبار (2).
ثم إن الكلام هنا يقع في مقامين :
[ المراد من السحر ] الأول : في المراد بالسحر.
[ كلمات اللغويين ] وهو لغة ـ على ما عن بعض أهل اللغة هو (3) ـ : ما لطف مأخذه ودق (4).
وعن بعضهم : أنه صرف الشيء عن وجهه (5).
وعن ثالث : أنه الخدع (6).
وعن رابع : أنه إخراج الباطل في صورة الحق (7).
وقد اختلفت عبارات الأصحاب في بيانه :
[ كلمات الفقهاء ] فقال العلامة رحمه الله ـ في القواعد والتحرير ـ : إنه كلام يتكلم به أو يكتبه ، أو رقية ، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه
1 ـ الوسائل 12 : 107 ، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.
2 ـ راجع الوسائل 12 : 103 ، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 7 ، وأحاديث اخر غير النبويين المذكورين من الباب 25.
3 ـ كذا في النسخ ، والظاهر زيادة هو.
4 ـ الصحاح 2 : 679 ، مادة سحر.
5 ـ النهاية لابن الأثير 2 : 346 ، مادة سحر.
6 ـ الصحاح 2 : 679.
7 ـ نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 69 عن ابن فارس في مجمله.
(259)
أو عقله من غير مباشرة (1).
وزاد في المنتهى : أو عقد (2).
[ اعتبار الإضرار في السحر عند بعض ] وزاد في المسالك : أو أقسام أو عزائم يحدث بسببها ضرر على الغير (3).
وزاد في الدروس : الدخنة والتصوير والنفث وتصفية النفس (4).
ويمكن أن يدخل جميع ذلك في قوله في القواعد : أو يعمل شيئا.
نعم ظاهر المسالك ومحكي (5) الدروس : أن المعتبر في السحر الإضرار.
فإن اريد من التأثير ـ في عبارة القواعد وغيرها ـ خصوص الإضرار بالمسحور فهو ، وإلا كان أعم.
ثم إن الشهيدين رحمهما الله عدا من السحر : استخدام الملائكة ، واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب ، واستحضارهم
1 ـ القواعد 1 : 121 ، التحرير 1 : 161.
2 ـ المنتهى 2 : 1014.
3 ـ المسالك 3 : 128.
4 ـ الدروس 3 : 163.
5 ـ كذا في النسخ ، ولعل الأصح : وصريح الدروس ، حيث إنه قدس سره نقل آنفا عن الدروس بلا واسطة ، فلا وجه لإسناده هنا إلى الحكاية ، مع أن عبارة الدروس صريحة في اعتبار الإضرار. إلا أن عبارة المسالك أيضا صريحة في ذلك ، فراجع.
(260)
وتلبيسهم (1) ببدن صبي أو امرأة ، وكشف الغائبات على (2) لسانه (3).
والظاهر أن المسحور في ما ذكراه هي الملائكة والجن والشياطين ، والإضرار بهم يحصل بتسخيرهم وتعجيزهم من المخالفة له (4) وإلجائهم إلى الخدمة.
وقال في الإيضاح : إنه استحداث الخوارق ، إما بمجرد التأثيرات النفسانية ، وهو السحر ، أو بالاستعانة بالفلكيات فقط ، وهو دعوة الكواكب ، أو بتمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية ، وهي الطلسمات ، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة ، وهي العزائم ، ويدخل فيه النيرنجات ، والكل حرام في شريعة الإسلام ، ومستحله كافر (5) ، انتهى.
وتبعه على هذا التفسير في محكي التنقيح (6) وفسر النيرنجات في الدروس بإظهار غرائب خواص الامتزاجات وأسرار النيرين (7).
وفي الإيضاح : أما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الأجسام السفلية فهو علم الخواص ، أو الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم
1 ـ في ص : تلبسهم ، تلبيسهم ( خ ل ) ، وفي م : تلبيهم.
2 ـ في ش والدروس : عن لسانه.
3 ـ انظر المصدرين المتقدمين.
4 ـ لم ترد له في ف ، وفي م ، خ ، ع و ص : به.
5 ـ انظر إيضاح الفوائد 1 : 405 ، والعبارة المنقولة هنا هي عبارة التنقيح باختلاف يسير ، وتغيير بعض الضمائر.
6 ـ التنقيح 2 : 12.
7 ـ الدروس 3 : 164.