المكاسب ـ جلد الأول ::: 271 ـ 280
(271)
ولا يسحروهم ، ( فلا تكفر ) (1) باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنك تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلا الله عزوجل ، فإن ذلك كفر ـ إلى أن قال ـ : ( ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ) ، لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا به ، فقد تعلموا ما يضر بدينهم ولا ينفعهم (2)... الحديث (3).
    وفي رواية [ علي بن ] (4) محمد بن الجهم ، عن مولانا الرضا عليه السلام ـ في حديث ـ قال : وأما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به عن سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم ، وما علما أحدا من ذلك شيئا حتى (5) قالا : إنما نحن فتنة فلا تكفر ، فكفر قوم باستعمالهم لما امروا [ بالاحتراز منه ] (6) وجعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء وزوجه ، قال الله تعالى : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) يعني بعلمه (7).
1 ـ في ش : ولا تسحروهم فلا تكفر ، وفي خ ، م و ع : ولا تسحروهم فلا تكفروا ، وفي ف : ولا يسحروهم فلا يكفروا ، وفي ن : ولا تسحروهم فتكفروا ، وما أثبتناه من المصدر ومصححة ص.
2 ـ في ش زيادة : فيه.
3 ـ الوسائل 12 : 106 ، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 4 ، مع اختلافات اخرى غير ما أشرنا إليها.
4 ـ ساقط من جميع النسخ ، أثبتناه من المصدر والكتب الرجالية.
5 ـ في بعض النسخ : إلا ( خ ل ).
6 ـ ساقط من أكثر النسخ ، إلا أنه استدرك في بعضها.
7 ـ الوسائل 12 : 107 ، الباب 25 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5 ، والآية من سورة البقرة : 102.


(272)
    هذا كله ، مضافا إلى أن ظاهر أخبار الساحر إرادة من (1) يخشى ضرره ، كما اعترف به بعض الأساطين (2) واستقرب لذلك جواز الحل به بعد أن نسبه إلى كثير من أصحابنا.

    [ منع جمع من الأعلام من حلّ السحر بالسحر ]
    لكنه مع ذلك كله ، فقد منع العلامة في غير واحد من كتبه (3) والشهيد رحمه الله في الدروس (4) والفاضل الميسي (5) والشهيد الثاني رحمه الله (6) من حل السحر به ، ولعلهم حملوا ما دل على الجواز ـ مع اعتبار سنده ـ على حالة الضرورة وانحصار سبب الحل فيه ، لا مجرد دفع الضرر مع إمكانه بغيره من الأدعية والتعويذات (7) ، ولذا ذهب جماعة ـ منهم الشهيدان والميسي (8) وغيرهم (9) ـ إلى جواز تعلمه ليتوقى به من السحر ويدفع به دعوى المتنبي.
    وربما حمل أخبار الجواز ـ الحاكية لقصة هاروت وماروت ـ على
1 ـ في ف : إرادة أن.
2 ـ هو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد ( مخطوط ) : 23.
3 ـ كالمنتهى 2 : 1014 ، والقواعد 1 : 121 ، والتذكرة 1 : 582.
4 ـ الدروس 3 : 164.
5 ـ لا يوجد لدينا كتابه : الميسية.
6 ـ لم يصرح بالمنع ، ولعله يستفاد من مفهوم كلامه ، انظر المسالك 3 : 128.
7 ـ في هامش ن ما يلي : إذ إبطال السحر رفع مسببه ، كما يشهد به التعبير بالحل ، مثلا إطفاء النار التي سحر الساحر بدخنتها ، أو حل الخيط المعقود سحرا ، أو محو المكتوب ، أو إظهار المدفون كذلك ليس إبطالا للسحر ، صح.
8 ـ تقدمت الإشارة إلى موارد كلامهم آنفا.
9 ـ مثل المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8 : 79 ، والمحدث الكاشاني في المفاتيح 2 : 24.


(273)
جواز ذلك في الشريعة السابقة (1) ، وفيه نظر.

    [ الظاهر أنّ التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر ]
    ثم الظاهر أن التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر على جميع تعاريفه ، وقد عرفت أن الشهيدين مع أخذ الإضرار في تعريف السحر ذكرا أن استخدام الملائكة والجن من السحر (2) ، ولعل وجه دخوله تضرر المسخر بتسخيره.
    وأما سائر التعاريف ، فالظاهر شمولها لها ، وظاهر عبارة الإيضاح (3) أيضا دخول هذه في معقد دعواه الضرورة على التحريم ، لأن الظاهر دخولها في الأقسام والعزائم والنفث. ويدخل في ذلك تسخير الحيوانات ـ من الهوام والسباع والوحوش وغير ذلك ـ خصوصا الإنسان.

    [ عمل السيميا ملحق بالسحر اسماً وحكماً ]
    وعمل السيميا ملحق بالسحر اسما أو حكما ، وقد صرح بحرمته الشهيد في الدروس (4). والمراد به ـ على ما قيل (5) ـ : إحداث خيالات لا وجود لها في الحس يوجب تأثيرا في شيء آخر.
1 ـ قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 73.
2 ـ راجع الصفحة : 259.
3 ـ تقدمت في الصفحة : 260.
4 ـ الدروس 3 : 164.
5 ـ لم نقف على القائل ، راجع الصفحة 263 ، الهامش 4.


(274)
المسألة الحادية عشرة
    [ حرمة الشعبذة ]
    الشعبذة حرام بلا خلاف.

    [ تعريف الشعبذة ]
    وهي الحركة السريعة بحيث يوجب على الحس الانتقال من الشيء إلى شبهه ، كما ترى النار المتحركة على الاستدارة دائرة متصلة ، لعدم إدراك السكونات المتخللة بين الحركات. ويدل على الحرمة ـ بعد الإجماع ، مضافا إلى أنه من الباطل واللهو ـ : دخوله في السحر في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج (1) ، المنجبر وهنها بالإجماع المحكي (2). وفي بعض التعاريف المتقدمة (3) للسحر ما يشملها.
1 ـ تقدمت في الصفحة : 263 ـ 264.
2 ـ صرح العلامة في المنتهى ( 2 : 1014 ) بعدم الخلاف ، وهكذا المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ( 8 : 81 ) ، وفي الجواهر ( 22 : 94 ) دعوى الإجماع المحكي والمحصل.
3 ـ مثل ما تقدم عن البحار في تعريف ما جعله قسما رابعا لأقسام السحر ، راجع الصفحة : 262.


(275)
المسألة الثانية عشرة
    [ حرمة الغشّ ]
    الغش حرام بلا خلاف ، والأخبار به متواترة ، نذكر بعضها تيمنا :

    [ الروايات الدالّة على الحرمة ]
    فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسانيد متعددة : ليس من المسلمين من غشهم (1).
    وفي رواية العيون [ بأسانيد ] (2) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ليس منا من غش مسلما ، أو ضره ، أو ماكره (3).
    وفي عقاب الأعمال ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من غش مسلما في بيع أو شراء فليس منا ، ويحشر مع اليهود يوم القيامة ، لأنه من غش الناس فليس بمسلم ـ إلى أن قال ـ : ومن غشنا فليس منا ـ قالها
1 ـ الوسائل 12 : 208 ، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2.
2 ـ من ش ، ولم ترد في ف ، ووردت في أكثر النسخ بعد قوله : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 29 ، الحديث 26 ، ورواه عنه في الوسائل 12 : 211 ، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 12.


(276)
ثلاثا ـ ، ومن غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه ، وأفسد (1) عليه معيشته ، ووكله إلى نفسه (2).
    وفي مرسلة هشام (3) عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال لرجل يبيع الدقيق : إياك والغش! فإنه (4) من غش غش في ماله ، فإن لم يكن له مال غش في أهله (5).
    وفي رواية سعد الإسكاف ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سوق المدينة بطعام ، فقال لصاحبه : ما أرى طعامك إلا طيبا (6) فأوحى الله عزوجل إليه : أن يدس يده في الطعام ففعل ، فأخرج طعاما رديا ، فقال لصاحبه : ما أراك إلا وقد جمعت خيانة وغشا للمسلمين (7).
1 ـ كذا في ش والمصدر ، وفي سائر النسخ : وسد.
2 ـ عقاب الأعمال : 334 ـ 337 ، باب يجمع عقوبات الأعمال ، الحديث الأول ، ورواه عنه في الوسائل 12 : 210 ، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 11.
3 ـ كذا في النسخ ، والصواب : عبيس بن هشام كما في الوسائل ، والتهذيب ( 7 : 12 ، الحديث 51 ) ، هذا وقال المحدث العاملي في ذيل هذا الحديث : ورواه الشيخ بإسناده عن عبيس عيسى ( خ ل ) بن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام.
4 ـ كذا في ف والمصدر ، وفي سائر النسخ : فإن.
5 ـ الوسائل 12 : 209 ، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 7.
6 ـ في المصدر زيادة : وسأله عن سعره.
7 ـ الوسائل 12 : 209 ، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 8.


(277)
    ورواية موسى بن بكر (1) عن أبي الحسن عليه السلام : أنه أخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه ثم قطعه بنصفين (2) ثم قال لي (3) : ألقه في البالوعة حتى لا يباع بشيء (4) فيه غش ... الخبر (5) (6).
    وقوله : فيه غش جملة ابتدائية ، والضمير في لا يباع راجع إلى الدينار.
    وفي رواية هشام بن الحكم ، قال : كنت أبيع السابري في الظلال ، فمر بي أبو الحسن عليه السلام فقال : يا هشام إن البيع في الظلال غش ، والغش لا يحل (7).
    وفي رواية الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري طعاما فيكون أحسن له وأنفق له أن يبله من غير أن يلتمس زيادته (8). فقال : إن كان بيعا لا يصلحه إلا ذلك ولا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة ، فلا بأس ، وإن كان إنما يغش به المسلمين فلا يصلح (9).
1 ـ في النسخ : موسى بن بكير ، والصواب ما أثبتناه من المصدر وكتب الرجال.
2 ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : فقطعها نصفين.
3 ـ ليس في ف ، ن ، خ ، م و ع : لي.
4 ـ في الوسائل : شئ.
5 ـ كذا في أكثر النسخ والظاهر زيادة : الخبر ، إذ الحديث مذكور بتمامه.
6 ـ الوسائل 12 : 209 ، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5.
7 ـ الوسائل 12 : 208 ، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 3.
8 ـ في أكثر النسخ : زيادة.
9 ـ الوسائل 12 : 421 ، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب ، الحديث 3.


(278)
    وروايته الاخرى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام (1) سعرهما بشيء (2) ، وأحدهما أجود من الآخر ، فيخلطهما جميعا ثم يبيعهما بسعر واحد ؟ فقال : لا يصلح له أن يغش المسلمين حتى يبينه (3).
    ورواية داودبن سرحان ، قال : كان معي جرابان من مسك ، أحدهما رطب والآخر يابس ، فبدأت بالرطب فبعته ، ثم أخذت اليابس أبيعه ، فإذا أنا لا اعطى باليابس الثمن الذي يسوى ، ولا يزيدوني على ثمن الرطب ، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك : أيصلح لي أن انديه ؟ قال : لا ، إلا أن تعلمهم ، قال : فنديته ثم أعلمتهم ، قال : لا بأس (4).

    [ ظاهر الأخبار كون الغشّ بما يخفى ]
    ثم إن ظاهر الأخبار هو كون الغش بما يخفى ، كمزج اللبن بالماء ، وخلط الجيد بالردئ في مثل الدهن ، ومنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا ، ونحو ذلك.
1 ـ في المصدر : من طعام واحد.
2 ـ كذا في ن ، وفي ش : سعرهما شتى ، وفي ف ، خ ، م و ع : سعرهما شيء ، فالأول مطابق للفقيه والوسائل ، والثاني للتهذيب ، والثالث للكافي. انظر الفقيه 3 : 207 ، الحديث 3774 ، والتهذيب 7 : 34 ، الحديث 140 ، والكافي 5 : 183 ، الحديث 2.
3 ـ الوسائل 12 : 420 ، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب ، الحديث 2.
4 ـ الوسائل 12 : 421 ، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب ، الحديث 4 ، وفي آخره : فقال : لا بأس به إذا أعلمتهم.


(279)
    [ جواز المزج بما لا يخفى ]
    وأما المزج والخلط بما لا يخفى فلا يحرم ، لعدم انصراف الغش إليه ، ويدل عليه ـ مضافا إلى بعض الأخبار المتقدمة ـ : صحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام : أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض ، وبعضه أجود من بعض ، قال : إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردئ (1).
    ومقتضى هذه الرواية ـ بل رواية الحلبي الثانية (2) ، ورواية سعد الإسكاف (3) ـ أنه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف إلا منقبل البائع ، فيجب الإعلام بالعيب غير الخفي ، إلا أن تنزل الحرمة ـ في موارد الروايات الثلاث ـ على ما إذا تعمد الغش برجاء التلبس (4) على المشتري وعدم التفطنله وإن كان من شأن ذلك العيب أن يتفطن له ، فلا تدل الروايات على وجوب الإعلام إذا كان العيب من شأنه التفطن له ، فقصر المشتري وسامح في الملاحظة.

    [ وجوب الإعلام بالعيب الخفّي لو حصل الغشّ ]
    ثم إن غش المسلم إنما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله ، فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله أو بغيره ، فلو حصل اتفاقا أو لغرض فيجب الإعلام بالعيب الخفي.
    ويمكن أن يمنع صدق الأخبار المذكورة إلا على ما إذا قصد التلبيس ، وأما ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب عليه الإعلام.
1 ـ الوسائل 12 : 420 ، الباب 9 من أبواب أحكام العيوب ، الحديث الأول.
2 ـ المتقدمة في الصفحة السابقة.
3 ـ المتقدمة في الصفحة : 276.
4 ـ في ش : التلبيس.


(280)
    نعم ، يحرم عليه إظهار ما يدل على سلامته من ذلك ، فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الأمر على المشتري ، سواء كان العيب خفيا أم جليا ـ كما تقدم ـ لا بكتمان العيب مطلقا ، أو خصوص الخفي وإن لم يقصد التلبيس. ومن هنا منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا مع عدم الإعلام بالعيب غشا (1).
    وفي التفصيل المذكور في رواية الحلبي (2) إشارة إلى هذا المعنى ، حيث إنه عليه السلام جوز بل الطعام بدون قيد الإعلام إذا لم يقصد به الزيادة وإن حصلت به ، وحرمه مع قصد الغش.
    نعم ، يمكن أن يقال في صورة تعيب المبيع بخروجه عن مقتضى خلقته الأصلية بعيب خفي أو جلي : إن التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش للمشتري ، كما لو صرح باشتراط السلامة ، فإن العرف يحكمون على البائع بهذا الشرط ـ مع علمه بالعيب ـ أنه غاش.

    [ أقسام الغشّ ]
    ثم إن الغش يكون بإخفاء الأدنى في الأعلى كمزج الجيد بالردئ ، أو غير المراد في المراد كإدخال الماء في اللبن ، وبإظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا ، وهو التدليس ، أو بإظهار الشيء على خلاف جنسه كبيع المموه على أنه ذهب أو فضة.

    [ ما أفاده المحقّق الثاني في صحّة المعاملة وفسادها ]
    ثم إن في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفى ـ بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء ـ وجهين في صحة المعاملة وفسادها ، من حيث
1 ـ التذكرة 1 : 538.
2 ـ المتقدمة في الصفحة : 277.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس