إن المحرم هو الغش والمبيع عين مملوكة ينتفع بها ، ومن أن المقصود بالبيع هو اللبن ، والجاري عليه العقد هو المشوب.
ثم قال : وفي الذكرى ـ في باب الجماعة ـ ما حاصله ، أنه لو نوى الاقتداء بإمام معين على أنه زيد فبان عمروا ، أن في الحكم نظرا ، ومثله ما لو قال : بعتك هذا الفرس ، فإذا هو حمار (1) وجعل منشأ التردد تغليب الإشارة أو الوصف (2) ، انتهى.
[ نقد ما ذكره المحقّق الثاني ] وما ذكره من وجهي الصحة والفساد جار في مطلق العيب ، لأن المقصود هو الصحيح ، والجاري عليه العقد هو المعيب ، وجعله من باب تعارض الإشارة والوصف مبني على إرادة الصحيح من عنوان المبيع ، فيكون قوله : بعتك هذا العبد بعدتبين كونه أعمى بمنزلة قوله : بعتك هذا البصير.
وأنت خبير بأنه ليس الأمر كذلك ـ كما سيجيء في باب العيب ـ ، بل وصف الصحة ملحوظ على وجه الشرطية وعدم كونه مقوما للمبيع ، كما يشهد به العرف والشرع.
ثم لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح ، لم يكن إشكال في تقديم العنوان على الإشارة بعد ما فرض رحمه الله أن المقصود بالبيع هو اللبن والجاري عليه العقد هو المشوب ، لأن ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد ، ولذا اتفقوا على بطلان الصرف فيما إذا تبين أحد العوضين معيبا من غير الجنس.
1 ـ الذكرى : 271.
2 ـ جامع المقاصد 4 : 25.
(282)
وأما التردد في مسألة تعارض الإشارة والعنوان ، فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات بحسب الدلالة اللفظية ، فإنها مرددة بين كون متعلق القصد (1) أولا وبالذات هو العين الحاضرة ويكون اتصافه بالعنوان مبنيا على الاعتقاد ، وكون متعلقه هو العنوان والإشارة إليه باعتبار حضوره.
أما على تقدير العلم بما هو المقصود بالذات ومغايرته للموجود الخارجي ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا يتردد أحد في البطلان.
[ توجيه ما عن الذكرى في مسألة الاقتداء ] وأما وجه تشبيه مسألة الاقتداء في الذكرى بتعارض الإشارة والوصف في الكلام مع عدم الإجمال في النية ، فباعتبار عروض الاشتباه للناوي بعد ذلك في ما نواه ، إذ كثيرا ما يشتبه على الناوي أنه حضر في ذهنه العنوان ونوى الاقتداء به معتقدا لحضوره المعتبر في إمام الجماعة ، فيكون الإمام هو المعنون بذلك العنوان وإنما أشار إليه معتقدا لحضوره ، أو (2) أنه نوى الاقتداء بالحاضر وعنونه بذلك العنوان لإحراز معرفته بالعدالة ، أو تعنون به بمقتضى الاعتقاد من دون اختيار.
[ الاستدلال على فساد بيع المغشوش بورود النهي عنه ] هذا ، ثم إنه قد يستدل على الفساد ـ كما نسب إلى المحقق الأردبيلي رحمه الله (3) ـ بورود النهي عن هذا البيع ، فيكون المغشوش منهيا عن بيعه ، كما اشير إليه في رواية قطع الدينار والأمر بإلقائه
1 ـ في ف و خ ونسخة بدل سائر النسخ : العقد.
2 ـ في ص ، ن ، خ و م : وأنه.
3 ـ مجمع الفائدة 8 : 83.
(283)
في البالوعة ، معللا بقوله : حتى لا يباع بشيء (1) ولأن نفس البيع غش منهي عنه.
[ المناقشة في هذا الاستدلال ] وفيه نظر ، فإن النهي عن البيع ـ لكونه مصداقا لمحرم هو الغش ـ لا يوجب فساده ، كما تقدم في بيع العنب على من (2) يعمله خمرا (3).
وأما النهي عن بيع المغشوش لنفسه فلم يوجد في خبر.
وأما خبر الدينار ، فلو عمل به خرجت (4) المسألة عن مسألة الغش ، لأنه إذا وجب إتلاف الدينار وإلقاؤه في البالوعة كان داخلا في ما يكون المقصود منه حراما ، نظير آلات اللهو والقمار ، وقد ذكرنا ذلك في ما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرما (5) ، فيحمل الدينار على المضروب من غير جنس النقدين أو من غير الخالص منهما لأجل التلبيس على الناس ، ومعلوم أن مثله بهيئته لا يقصد منه إلا التلبيس ، فهو آلة الفساد لكل من دفع إليه ، وأين هو من اللبن الممزوج بالماء وشبهه ؟
1 ـ تقدمت الرواية في الصفحة : 277.
2 ـ في ش : ممن ، ( خ ل ).
3 ـ راجع المسألة الثالثة ، في حرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله ، في الصفحة : 129 وما بعدها.
4 ـ في النسخ : خرج.
5 ـ راجع البحث حول ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة ، في الصفحة : 121 وما بعدها.
(284)
[ الأقوى صحّة البيع في جميع أقسام المغشوش ، إلاّ في صورةٍ واحدة ] فالأقوى حينئذ في المسألة : صحة البيع في غير القسم الرابع ، ثم العمل على ما تقتضيه القاعدة عند تبين الغش. فإن كان قد غش في إظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس ، وإن كان من قبيل شوب اللبن بالماء ، فالظاهر هنا خيار العيب ، لعدم خروجه بالمزج عن مسمى اللبن ، فهو لبن معيوب. وإن كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة ، كان له حكم تبعض الصفقة ، ونقص الثمن بمقدار التراب الزائد ، لأنه غير متمول ، ولو كان شيئا متمولا بطل البيع في مقابله.
[ حرمة الغناء ] الغناء ، لا خلاف في حرمته في الجملة ، والأخبار بها مستفيضة ، وادعى في الإيضاح تواترها (1).
[ الأخبار المستفيضة الدالّة على الحرمة ] منها : ما ورد مستفيضا في تفسير قول الزور في قوله تعالى : ( واجتنبوا قول الزور ) (2) ففي صحيحة الشحام (3) ومرسلة ابن أبي عمير (4) وموثقة أبي بصير (5) المرويات عن الكافي ، ورواية عبد الأعلى المحكية
1 ـ إيضاح الفوائد 1 : 405.
2 ـ الحج : 30.
3 ـ الكافي 6 : 435 ، باب النرد والشطرنج ، الحديث 2 ، وعنه في الوسائل 12 : 225 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2.
4 ـ الكافي 6 : 436 ، باب النرد والشطرنج ، الحديث 7 ، وعنه في الوسائل 12 : 227 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 8.
5 ـ الكافي 6 : 431 ، باب الغناء ، الحديث الأول ، وعنه في الوسائل 12 : 227 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 9.
عن معاني الأخبار (1) وحسنة هشام المحكية عن تفسير القمي رحمه الله (2) : تفسير قول الزور بالغناء.
ومنها : ما ورد مستفيضا في تفسير لهو الحديث (3) ، كما في صحيحة ابن مسلم (4) ورواية مهران بن محمد (5) ورواية الوشاء (6) ورواية الحسن ابن هارون (7) ورواية عبد الأعلى السابقة (8).
ومنها : ما ورد في تفسير الزور في قوله تعالى : ( والذين لا يشهدون الزور ) (9) كما في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام تارة بلا واسطة واخرى بواسطة أبي الصباح الكناني (10).
وقد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الاولى
1 ـ معاني الأخبار : 349 ، وعنه في الوسائل 12 : 229 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 20.
2 ـ راجع تفسير القمي 2 : 84 ، والوسائل 12 : 230 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 26.
3 ـ في قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) لقمان : 6.
4 ـ الوسائل 12 : 226 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.
5 ـ نفس المصدر ، الحديث 7.
6 ـ الوسائل 12 : 227 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 11.
7 ـ الوسائل 12 : 228 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 16.
8 ـ المتقدمة آنفا.
9 ـ الفرقان : 72.
10 ـ الوسائل 12 : 226 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5 و 3.
(287)
بل الثانية في أن الغناء من مقولة الكلام ، لتفسير قول الزور به.
[ المناقشة في دلالة الروايات على حرمة الكيفيّة ] ويؤيده ما في بعض الأخبار ، من أن من قول الزور أن تقول للذي يغني : أحسنت (1). ويشهد له قول علي بن الحسين عليهما السلام في مرسلة الفقيه الآتية في الجارية التي لها صوت : لا بأس (2) لو اشتريتها فذكرتك الجنة ، يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء (3) ، ولو جعل التفسير من الصدوق دل على الاستعمال أيضا.
وكذا لهو الحديث بناء على أنه من إضافة الصفة إلى الموصوف ، فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل ، فلا تدل على حرمة نفس الكيفية ولو لم يكن في كلام باطل.
ومنه تظهر الخدشة في الطائفة الثالثة ، حيث إن مشاهد الزور التي مدح الله تعالى من لا يشهدها ، هي مجالس التغني بالأباطيل من الكلام.
[ اشعار بعض النصوص بكون اللّهو على إطلاقه مبغوضاً لله تعالى ] فالإنصاف ، أنها لا تدل على حرمة نفس الكيفية إلا من حيث إشعار لهو الحديث بكون اللهو على إطلاقه مبغوضا لله تعالى.
1 ـ الوسائل 12 ، 229 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 21 ، وإليك نصه : قال : سألته عن قول الزور ، قال : منه قول الرجل للذي يغني : أحسنت.
2 ـ في المصدر : ما عليك.
3 ـ الفقيه 4 : 60 ، الحديث 5097 ، وعنه في الوسائل 12 : 86 ، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2.
(288)
وكذا الزور بمعنى الباطل ، وإن تحققا (1) في كيفية الكلام ، لا في نفسه ، كما إذا تغني في كلام حق ، من قرآن أو دعاء أو مرثية. وبالجملة ، فكل صوت يعد في نفسه ـ مع (2) قطع النظر عن الكلام المتصوت به ـ لهوا وباطلا فهو حرام.
[ الروايات الدالّة على حرمة الغناء من حيث كونه لهواً وباطلاً ولغواً ] ومما يدل على حرمة الغناء من حيث كونه لهوا وباطلا ولغوا : رواية عبد الأعلى ـ وفيها ابن فضال ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء ، وقلت : إنهم يزعمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في أن يقال : جئناكم جئناكم ، حيونا حيونا نحيكم ، فقال : كذبوا ، إن الله تعالى يقول : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * لوأردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ) (3) ، ثم قال : ويل لفلان مما يصف ! ـ رجل لم يحضر المجلس ـ ... الخبر (4)(5).
فإن الكلام المذكور ـ المرخص فيه بزعمهم ـ ليس بالباطل واللهو اللذين يكذب الإمام عليه السلام رخصة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ، فليس الإنكار الشديد المذكور وجعل ما زعموا الرخصة فيه من الله والباطل
1 ـ كذا في النسخ ، وعلى فرض مطابقتها لما صدر من قلم المؤلف قدس سره ، فمرجع ضمير التثنية هو اللهو و الزور.
2 ـ في ف ، ن و خ : ومع.
3 ـ الأنبياء : 16 ـ 17 ـ 18.
4 ـ كذا في النسخ والظاهر زيادة : الخبر ، لأن الخبر مذكور بتمامه.
5 ـ الوسائل 12 : 228 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 15.
(289)
إلا من جهة التغني به.
ورواية يونس ، قال : سألت الخراساني عليه السلام عن الغناء ، وقلت : إن العباسي زعم أنك (1) ترخص في الغناء ، فقال : كذب الزنديق! ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت له : إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء فقال له : إذا (2) ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت (3).
ورواية محمد بن أبي عباد ـ وكان مستهترا (4) بالسماع ، ويشرب (5) النبيذ ـ قال : سألت الرضا عليه السلام عن السماع ، قال : لأهل الحجاز (6) فيه رأي ، وهو في حيز الباطل واللهو ، أما سمعت الله عزوجل يقول : ( وإذا مرواباللغو مروا كراما ) (7).
والغناء من السماع ، كما نص عليه في الصحاح (8) ، وقال أيضا :
1 ـ في المصدر : إن العباسي ذكر عنك أنك.
2 ـ في المصدر : يا فلان إذا ... .
3 ـ الوسائل 12 : 227 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 13.
4 ـ في العيون : مشتهرا.
5 ـ في ش ، ف ، ن والعيون : بشرب.
6 ـ في الوسائل زيادة : العراق ( خ ل ).
7 ـ الوسائل 12 : 229 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 19 ، والآية منسورة الفرقان : 72. وانظر عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 128 ، الحديث 5.
8 ـ الصحاح 6 : 2449 ، مادة غنى.
(290)
جارية مسمعة ، أي مغنية (1).
وفي رواية الأعمش ـ الواردة في تعداد الكبائر ـ قوله : والملاهي التي تصد عن ذكر الله (2) كالغناء وضرب الأوتار (3).
وقوله عليه السلام ـ وقد سئل عن الجارية المغنية ـ : قد يكون للرجل جارية تلهيه ، وما ثمنها إلا كثمن الكلب (4).
وظاهر هذه الأخبار بأسرها حرمة الغناء من حيث اللهو والباطل ، فالغناء ـ وهي من مقولة الكيفية للأصوات ، كما سيجيء ـ ، إن كان مساويا للصوت اللهوي والباطل ـ كما هو الأقوى ، وسيجيء ـ فهو ، وإن كان أعم وجب تقييده بما كان من هذا العنوان ، كما أنه لو كان أخص وجب التعدي عنه إلى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو.
[ المحرّم هو ما كان من لحون أهل الفسوق والمعاصي ] وبالجملة ، فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق والمعاصي التي (5) ورد النهي عن قراءة القرآن بها (6) سواء كان مساويا للغناء
1 ـ الصحاح 3 : 1232 ، مادة سمع.
2 ـ في المصدر زيادة : مكروهة.
3 ـ الخصال : 610 ، أبواب المائة فما فوقه ، ذيل الحديث 9 ، وعنه الوسائل 11 : 262 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 36.
4 ـ الوسائل 12 : 88 ، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6 ، وإليك نصه : سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنية ، قال : قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلا ثمن كلب ... الحديث.
5 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : الذي.
6 ـ الوسائل 4 : 858 ، الباب 24 من أبواب قراءة القرآن ، الحديث الأول.