المهذب (1) ! (2).
فإن الظاهر من الجواب أن الشكوى إنما كانت من ترك الأولى الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب.
ومع ذلك كله ، فالأحوط عد هذه الصورة من الصور العشر الآتية (3) التي رخص فيها في الغيبة لغرض صحيح أقوى من مصلحة احترام المغتاب.
[ الصور التي رخّص فيها في الغيبة لمصلحة أقوى ] كما أن الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به ، وإن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها.
فيبقى من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها :
[ نصح المستشير ] منها :
نصح المستشير ، فإن النصيحة واجبة للمستشير ، فإن خيانته قد
الكامل ، أي الرجل المهذب.
1 ـ هذه العبارة وردت في شعر النابغة ، حيث قال :
حلفت لم أترك لنفسي ريبةلئن كنت قد بلغت عني خيانةفلست بمستبق أخا لا تلمه
وليس وراء الله للمرء مذهبلمبلغك الواشي أغش وأكذبعلى شعث ، أي الرجال المهذب ؟
انظر مرآة العقول 12 : 550.
2 ـ الكافي 2 : 651 ، الحديث الأول. وعنه في الوسائل 8 : 458 ، الباب 56 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول.
3 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ : المتقدمة.
(352)
تكون أقوى مفسدة من الوقوع في المغتاب.
وكذلك النصح من غير استشارة ، فإن من أراد تزويج امرأة وأنت تعلم بقبائحها التي توجب وقوع الرجل من أجلها في الغيبة (1) والفساد ، فلا ريب أن التنبيه على بعضها ـ وإن أوجب الوقيعة فيها ـ أولى من ترك نصح المؤمن ، مع ظهور عدة من الأخبار في وجوبه (2).
[ موضع الاستفتاء إذا توقّف على ذكر الظالم بالخصوص ] ومنها :
الاستفتاء ، بأن يقول للمفتي : ظلمني فلان حقي ، فكيف طريقي في الخلاص ؟ هذا إذا كان الاستفتاء موقوفا على ذكر الظالم بالخصوص ، وإلا فلا يجوز.
[ حكاية هند زوجة أبي سفيان ] ويمكن الاستدلال عليه بحكاية هند ـ زوجة أبي سفيان ـ واشتكائها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقولها : إنه رجل شحيح لايعطيني ما يكفيني وولدي (3) ، فلم يرد صلى الله عليه وآله وسلم عليها غيبة أبي سفيان.
ولو نوقش في هذا الاستدلال ـ بخروج غيبة مثل أبي سفيان عن محل الكلام ـ أمكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إن امي لا تدفع يد لامس! فقال : احبسها ، قال : قد فعلت ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : فامنع من يدخل عليها ، قال : قد فعلت ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : فقيدها ، فإنك لا تبرها بشيء أفضل من أن تمنعها
1 ـ كذا في النسخ ، ولعله تصحيف : العنت أي المشقة.
2 ـ انظر الوسائل 11 : 594 ، الباب 35 من أبواب فعل المعروف.
3 ـ مستدرك الوسائل 9 : 129 ، الباب 134 من أبوابأحكام العشرة ، الحديث 4.
(353)
عن محارم الله عزوجل ... الخبر (1).
واحتمال كونها متجاهرة ، مدفوع بالأصل.
[ قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله ] ومنها :
قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله ، فإنه أولى من ستر المنكر عليه ، فهو في الحقيقة إحسان في حقه ، مضافا إلى عموم أدلة النهي عن المنكر (2).
[ قصد حسم مادّة فساد المغتاب عن الناس ] ومنها :
قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس ، كالمبتدع الذي يخاف من إضلاله الناس. ويدل عليه ـ مضافا إلى أن مصلحة دفع فتنته عن الناس أولى من ستر المغتاب ـ : ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم ، كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ،
1 ـ الوسائل 18 : 414 ، الباب 48 من أبواب حد الزنا ، الحديث الأول.
2 ـ مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من رأى منكم منكرا فلينكر بيده إن استطاع ، فإن لم يستطعف بلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه الوسائل 11 : 407 ، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي ، الحديث 12. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله الوسائل 11 : 420 ، الباب 10 من أبواب الأمر والنهي ، الحديث 10. وقول الصادق عليه السلام : أيها الناس مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر الوسائل 11 : 399 ، الباب الأول من أبواب الأمر والنهي ، الحديث 24 ، وغير ذلك من الروايات الظاهرة في العموم.
(354)
ويحذرهم الناس ، ولا يتعلموا (1) من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات (2).
[ جرح الشهود ] ومنها :
جرح الشهود ، فإن الإجماع دل على جوازه ، ولأن مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق أولى من الستر على الفاسق.
ومثله ـ بل أولى بالجواز ـ جرح الرواة ، فإن مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته.
ويلحق بذلك : الشهادة بالزنا وغيره لإقامة الحدود.
[ دفع الضرر عن المغتاب ] ومنها :
دفع الضرر عن المغتاب ، وعليه يحمل ما ورد في ذم زرارة من عدة أحاديث.
[ ما ورد عنهم (ع) في ذم زرارة ] وقد بين ذلك الإمام عليه السلام بقوله ـ في بعض ما أمر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ أبيه ـ : اقرأ مني على والدك السلام ، فقل له : إنما أعيبك دفاعا مني عنك ، فإن الناس يسارعون إلى كل من قربناه ومجدناه (3) لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه ، ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كل من عيبناه نحن ،
1 ـ في المصدر : ولا يتعلمون.
2 ـ الكافي 2 : 375 ، باب مجالسة أهل المعاصي ، الحديث 4 ، وعنه الوسائل 11 : 508 ، الباب 39 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ، الحديث الأول.
3 ـ في ف ونسخة بدل ص : حمدناه.
(355)
وإنما أعيبك ، لأ نك رجل اشتهرت بنا (1) بميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم [ عند الناس ] (2) غير محمود الأمر (3) ، لمودتك لنا وميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ، ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون ذلك منا دافع شرهم عنك ، يقول الله عزوجل : ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) (4).
هذا التنزيل من عند الله ، لا والله ! ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا تغصب (5) على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ ، والحمدلله ، فافهم المثل رحمك الله ! فإنك أحب الناس إلي وأحب أصحاب أبي إلي حيا وميتا ، وإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، وإن وراءك لملكا ظلوما غصوبا ، يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ويغصب أهلها ، فرحمة الله عليك حيا ورحمة الله عليك ميتا ... الخ (6).
[ الغيبة للتقيّة ] ويلحق بذلك الغيبة للتقية على نفس المتكلم أو ماله أو عرضه ،
1 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ ونسخة بدل ش : منا.
2 ـ من ش والمصدر.
3 ـ في ش : الأثر ( خ ل ).
4 ـ الكهف : 79.
5 ـ في ف ونسخة بدل ش والمصدر : ولا تعطب.
6 ـ رجال الكشي 1 : 349 ، الرقم 221 ، مع اختلافات كثيرة لم نتعرض لذكرها لكثرتها.
(356)
أو عن (1) ثالث ، فإن الضرورات تبيح المحظورات.
[ ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميّزة له ] ومنها :
ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة التي لا يعرف إلا بها (2) ـ كالأعمش والأعرج والأشتر والأحول ، ونحوها ـ ، وفي الحديث : جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3).
ولا بأس بذلك فيما إذا صارت الصفة في اشتهار يوصف (4) الشخص بها إلى حيث لا يكره ذلك صاحبها ، وعليه يحمل ما صدر عن الإمام عليه السلام وغيره من العلماء الأعلام.
لكن كون هذا استثناء مبني على كون مجرد ذكر العيب الظاهر من دون قصد الانتقاص غيبة ، وقد منعنا ذلك سابقا ، إذ لا وجه لكراهة المغتاب ، لعدم كونه إظهارا لعيب غير ظاهر ، والمفروض عدم قصد الذم أيضا.
اللهم إلا أن يقال : إن الصفات المشعرة بالذم كالألقاب المشعرة به ، يكره الإنسان الاتصاف بها ولو من دون قصد الذم ، فإن إشعارها بالذم كاف في الكراهة.
ومنها :
ما حكاه في كشف الريبة عن بعض : من أنه إذا علم إثنان من
1 ـ كذا في النسخ ، والمناسب : على.
2 ـ في ف ، ن ، خ ، م و ع : لا تعرف إلا به.
3 ـ الوسائل 12 : 209 ، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.
4 ـ في ن ، ش ومصححة ص : توصيف.
(357)
[ ذكر الشخص بما لا يؤثّر عند السامع شيئاً ، لكونه عالماً به ]
رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز ، لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا ، وإن كان الأولى تنزيه النفس واللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض الصحيحة ، خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك ، أو خوف اشتهارها (1) عنهما (2) ، انتهى.
أقول : إذا فرض عدم كون ذكرهما في مقام التعيير والمذمة وليس هنا هتك سترأيضا ، فلا وجه للتحريم ولا لكونها غيبة ، إلا على ظاهر بعض التعاريف المتقدمة (3).
[ ردّ من ادّعى نسباً ليس له ] ومنها :
رد من ادعى نسبا ليس له ، فإن مصلحة حفظ الأنساب أولى من مراعاة حرمة المغتاب.
[ القدح في مقالةٍ باطلة ] ومنها :
القدح في مقالة باطلة وإن دل على نقصان قائلها ، إذا توقف حفظ الحقو إضاعة الباطل عليه.
وأما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول ، فلم يعرف له وجه ، مع شيوعه بينهم من قديم الأيام !
ثم إنهم ذكروا موارد للاستثناء لا حاجة إلى ذكرها بعد
1 ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : اشتهاره.
2 ـ كشف الريبة : 80.
3 ـ مثل ما تقدم في الصفحة : 321 ، عن المصباح ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : إنها ذكرك أخاك بمايكرهه.
(358)
[ الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة الهتك ]
ما قدمنا (1) أن الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتك احترام (2) المؤمن ، وهذا يختلف باختلاف تلك المصالح ومراتب مفسدة هتك المؤمن ، فإنها متدرجة في القوة والضعف ، فرب مؤمن لا يساوي عرضه شيء ، فالواجب التحري في الترجيح بين المصلحة والمفسدة.
1 ـ في الصفحة : 351.
2 ـ في ف : على مصلحة احترام.
[ حرمة استماع الغيبة ] يحرم استماع الغيبة بلا خلاف ، فقد ورد : أن السامع للغيبة أحد المغتابين (1).
والأخبار في حرمته كثيرة (2) إلا أن ما يدل على كونه من الكبائر ـ كالرواية المذكورة ونحوها (3) ـ ضعيفة السند.
ثم المحرم سماع الغيبة المحرمة ، دون ما علم حليتها.
[ حكم ما إذا كان الشخص متجاهراً عند المغتاب ، مستوراً عند المستمع ] ولو كان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع وقلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم ، فالمحكي جواز الاستماع مع احتمال كونه متجاهرا ، لا مع (4) العلم بعدمه.
قال في كشف الريبة : إذا سمع أحد مغتابا لآخر وهو لا يعلم المغتاب مستحق اللغيبة ولا عدمه ، قيل : لا يجب نهي القائل ، لإمكان الاستحقاق ، فيحمل فعل القائل على الصحة ما لم يعلم فساده ، ولأن (5)1 ـ أورده في كشف الريبة : 64 ، مرسلا عن علي عليه السلام.
2 ـ انظر الوسائل 8 : 606 ، الباب 156 من أبواب أحكام العشرة ، ومستدرك الوسائل 9 : 131 ، الباب 136 من أبواب أحكام العشرة.
3 ـ مثل ما رواه في كشف الريبة : 64 مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بلفظ : المستمع أحد المغتابين.
4 ـ في ن ، خ ، م و ع : إلا مع.
5 ـ كذا في ش ، وفي غيره : لأن.
(360)
[ ما أفاده الشهيد الثاني في كشف الريبة ]
ردعه يستلزم انتهاك حرمته ، وهو أحد المحرمين. ثم قال : والأولى التنزه عن ذلك (1) حتى يتحقق المخرج منه ، لعموم الأدلة وترك الاستفصال فيها ، وهو دليل إرادة العموم حذرا من الإغراء بالجهل ، ولأن ذلك لو تم لتمشى فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع مع احتمال اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته ، وهو هدم قاعدة النهي عن الغيبة (2) ، انتهى.
أقول : والمحكي بقوله : قيل لا دلالة فيه على جواز الاستماع ، وإنما يدل على عدم وجوب النهي عنه.
ويمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل ، لأن السامع أحد المغتابين ، فكما أن المغتاب تحرم عليه الغيبة إلا إذا علم التجاهر المسوغ ، فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلا إذا علم التجاهر ، وأما نهي القائل فغير لازم مع دعوى القائل العذر المسوغ ، بل مع احتماله في حقه وإن اعتقد الناهي عدم التجاهر.
نعم ، لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه.
[ مختار المؤلّف ] هذا ، ولكن الأقوى جواز الاستماع إذا جاز للقائل ، لأنه قول غير منكر ، فلا يحرم الإصغاء إليه ، للأصل.
1 ـ كذا في النسخ ، وفي المصدر : والأولى التنبيه على ذلك ، إلا أن في نسخة ف كتب أولا مثل ما في المصدر ، ثم شطب عليه واثبت مثل ما في سائر النسخ.
2 ـ كشف الريبة : 81.