(81)
بعينه ، له أن يأخذه اذا حق له؟ فقال ( عليه السلام ) : ان كان عليه دين وترك نحواً مما عليه فليأخذه إن حقّ له فان ذلك حلال له ، ولو لم يترك نحواً من دينه فان صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شيء ، يأخذ بحصّته ولا سبيل له على المتاع » (1).
    وقد يكون الفرق بين الصورتين ( بالاضافة الى الروايات ) هو عدم تضرر الغرماء في صورة الفلس اذا قدمنا صاحب العين على الغرماء ، وتضرر الغرماء في صورة موت المدين اذا قدمنا صاحب العين على الغرماء ولم تف التركة بالدين.
    وتوضيح ذلك :
    نقول : بالنسبة للمفلس ( الحي ) ـ الذي حكم عليه الحاكم الشرعي بالحجر ـ فان ذمته باقية ، وحينئذ اذا تقدم صاحب العين وأخذ عين ماله فهو بعمله هذا لا يضرر اي واحد من الغرماء حتى اذا لم يكن عند المفلس ما يكفي لسداد دينه ، وذلك لأنَّ الديان انما أقدموا على أن تكون ذمة هذا الانسان مشغولة لهم ، وها هي الذمة باقية ، وهي مشغولة لهم فلا ضرر عليهم اكثر من الضرر الذي هم قد أقدموا عليه. اما اذا مات المدين فقد زالت الذمة التي كانت مشغولة للغير ، وهي إذا جاء صاحب السلعة ووجد سلعته بعينها ، فلو أخذها مقدّماً على الغرماء فقد ضرر الغرماء وهو عمل غير جائز للحديث المشهور : « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ».
    نعم : اذا كانت تركة الميت كافية لسداد الديون فهنا يجوز لصاحب العين أن يأخذ عينه لان هذا العمل هنا لا يضرر الغرماء ، ولذا قالت الرواية بجواز أن يختص صاحب السلعة بها اذا كانت تركة الميت كافية لسداد الديون.

اذا كان الدين على شخص موثقاً ( برهن أو غيره ) فهل يحل الدين بالموت ؟
    ذهب بعض الى أن الدين اذا كان موثقاً بما يضمن حق الدائن ، فحتى اذا مات
     (1) بنفس المصدر ، ح 3.
(82)
المدين فلا تحل الديون التي عليه ، بل يبقى الاجل على حاله (1) ، ولعل صاحب هذا الرأي ينظر الى الديون التي تدفعها البنوك لاصحاب الاعمال ، والتي يستوفيها البنك مقسطة ، فان البنك لا يقدم على أخذ كل ديونه اذا مات المدين ، بل يبقى يأخذ أقساطه في موعدها ، لان دينه على الشخص الذي مات قد وثق برهن المعمل او البيت او شيء اخر عند البنك ، فلا يضيع حق البنك بموت المدين حتى اذا كانت تركته لا تفي بسداد كل الديون.
    نقول : إن الرهان عقد تابع لعقد الدين ، والرهانة لا تختلف في حالتي موت الراهن وعدمه او موت المرتهن وعدمه ، فان الرهانة توثيق للدين ، فقد يؤخذ الرهن حتى في حالة كون الدين حالاّ ، ولا يوجد أي ارتباط بين الرهن ( الذي هو وثيقة للدين ) وبين الرواية الصحيحة للحسين بن سعيد القائلة « اذا مات ( المديون ) فقد حل مال القارض » (2) فهي مطلقة لما اذا كان الدين قد أخذ عليه وثيقة بما يضمن حق الدائن او لم يؤخذ عليه وثيقة.
    نعم ذكر الفقهاء ان موت الراهن ( وهو المدين الذي أعطى وثيقة على الدين ) يجعل الحق للورثة في الامتناع من ابقاء الرهن في يد المرتهن ، لان المرتهن في قبض الرهن هو بمنزلة الوكيل ، وتبطل وكالته بموت الموكل وان كانت الوكالة لازمة ، كما اذا اشترطت بعقد لازم. واذا بطلت الوكالة في القبض الحقيقي فلا تبطل الرهانة ، لأنَّ الرهانة تابعة للدين.
    نعم يمكن أن يشترط المرتهن ( استمرار وضع الرهن عند ورثته بعد موته حتى سداد الدين ) فحينئذ اذا مات المرتهن يكون الورثة بمنزلة الوصي في حفظ الرهن مادام الدين باقيا. كما يمكننا القول بان الرهانة ليست في الحقيقة هي وكالة
     (1) ذكر هذا الرأي الدكتور علي السالوس في بحثه ( البيع بالتقسيط ) ص 19 وقد ذكره بدون دليل شرعي.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 12 من ابواب الدين ، ح 2.

(83)
عقدية في حفظ الرهن ، بل إن قبض المرتهن الرهن صحيح بالحديث الصحيح « المسلمون عند شروطهم » فهو مصداق للوكالة ، وإن لم يكن وكالة عقدية ، فيكون المرتهن نائبا في الحفظ. وعلى هذا يتمكن ان يشترط النيابة في الحفظ لوارثه او للاجنبي. وبهذا لا تبطل الرهانة عند موت المرتهن اذا اشترط ان تكون لوارثه او للاجنبي عند موته ، فانه على هذا التقريب خرجت عن كونها وكالة عقدية تبطل بموت الموكل. ثم إن ما نراه من ان الدين اذا كان موثقاً ومضموناً ( برهن أو غيره ) (1) ، فلا يتقدم الدائن الى ورثة المدين للمطالبة بكل الدين في صورة موت المدين ، فليس معناه انه لا حق للدائن في المطالبة ، بل هو من باب أن الامر الجائز ( وهو مطالبة الدائن للمدين بكل الدين ) وهو حق للدائن يجوز التنازل عنه ، ونحن لم ندع سابقا ولم يكن معنى صحيحة الحسين بن سعيد المتقدمة هو وجوب المطالبة حتى يكون عدم المطالبة دليلا أو شاهدا على عدم الوجوب ، بل قلنا ان لصاحب الدين الحق في المطالبة ورثة المدين بكل الدين اذا مات المدين ، لان الدين الذي كان مؤجلا قد حل ، اما عدم المطالبة فهو قد يحصل حتى في صورة عدم كون الدين موثقاً فهو عبارة عن عدم تقدم صاحب الحق لاستيفاء حقه ، وهذا غير عدم الحق للدائن ، اذا كان الدين موثقا.
* * *

     (1) كما اذا قال انسان لآخر ، اعط فلانا كذا من الدين ، فان لم يعطك فلان الدين ( او ورثته ) فانا اعطيك الدين ، وكان هذا القائل بمنزلة ان كلامه هذا هو ضمان للدائن عند عدم وفاء المدين.
(84)
خصم الأوراق التجارية


(85)

(86)

(87)
إن الأوراق التجارية التي يكون لشخص ماحق فيها اذا كانت مؤجلة ( وهي بطبيعة الحال صادرة من شخص آخر نتيجة وفاء دين او ثمن لبضاعة مثلا ، او نتيجة استيثاق للدين باعتبار أن القانون يوجب على من اصدرها تسديد قيمتها عند الحلول ) ففي هذه الحالات واشباهها قد يتقدم ( المستفيد من هذه الورقة التجارية ذات الاجل المحدد ) قبل حلول موعد الوفاء الى بنك معين ليحصل على قيمتها ، وهنا يدفع له البنك بدوره قيمة هذه الورقة بشروط :
    1 ـ بعد أن يستنزل مبلغاً معيناً يتكون من فائدة المبلغ المذكور في الورقة التجارية من يوم الدفع حتى يوم الاستحقاق.
    2 ـ يأخذ البنك عمولة خاصة لقاء خدمته ، وهذا يستنزل ايضا من قيمة الورقة التجارية.
    3 ـ يستنزل البنك ايضا مصاريف تحصيل الورقة التجارية اذا كانت هناك مصاريف تذكر ، كما اذا كانت الورقة التجارية تدفع في مكان غير المكان الموجود به البنك الذي يدفع قيمة الورقة. فلنفرض أن قيمة الورقة التجارية الف دينار ، ومقدار ما يستنزله البنك للموارد الثلاثة المتقدمة هو مائة دينار ، فالبنك يصرف تسعمائة دينار للمستفيد من هذه الورقة التجارية ، ثم حين حلول موعد الوفاء ، يطالب البنك محرر هذه الورقة التجارية ( وهو من صدرت منه وبتوقيعه ) بقيمتها ، فاذا حصل البنك على القيمة أخذها. ولكن هناك حالات قد تحدث مثلاً :


(88)
    1 ـ قد يتخلف محرر الورقة عن دفع قيمتها المستحقة عليه ، فما هي وظيفة البنك حينئذ ؟
    والجواب : ان المسؤول عن دفع قيمة هذه الورقة هو الشخص الذي خصم هذه الورقة لدى البنك.
    2 ـ اذا تأخر محرر الورقة عن دفع المبلغ بعد حلول الموعد ، فهنا يحتسب البنك فوائد على مدة التأخير حسب سعر الفائدة العام ، ويأخذ هذه الفوائد من محرر الورقة التجارية.
    هذا هو الواقع الفعلي لخصم الاوراق التجارية.
    والآن وبعد أن عرفنا الواقع الفعلي لخصم الاوراق التجارية لابد لنا من أن نحلل هذه العمليات التجارية لنراها متكونة من اي شيء مع أخذ اعتبار أن يكون التحليل متفقاً مع الواقع الخارجي ، مع قلة الاشكالات الشرعية عليه.

تحليل الواقع الخارجي :
    ان هذه العملية ( خصم الاوراق التجارية ) هي في الواقع عبارة عن ثلاثة امور :
    1 ـ البنك يقدم قرضاً لمن كانت هذه الورقة. قد صدرت لصالحه ، وهو المستفيد من هذه الورقة.
    2 ـ المستفيد ( يوكل ) البنك الدائن في تحصيل قيمة الورقة التجارية من محررها ، ليستوفي دينه منها.
    3 ـ يتعهد المستفيد ( الذي خصم الورقة التجارية لدى البنك ) بوفاء محرر الورقة عند حلول الأجل.
    اذن ، بحكم الامر الاول : أصبح المستفيد مالكاً للمبلغ الذي تسلمه وهو تسعمائة دينار في المثال ، وهذا المبلغ قد استقرضه من البنك ، وحينئذ يكون البنك دائناً للمستفيد.


(89)
وبحكم الامر الثاني : اصبح ( البنك الدائن ) وكيلا في تحصيل المبلغ من محرر الورقة التجارية وأن يستوفي دينه منها.
    وبحكم الامر الثالث : ـ وهو التعهد ـ : يحق للبنك أن يطالب المستفيد ( وهو المدين له ) بتسديد قيمة الورقة التجارية اذا تخلف محررها عن ذلك عند حلول الأجل ، وبما أن محرر الورقة التجارية هو المدين للمستفيد ، فإن تأخر في دفع المبلغ ، فيكون للمستفيد الحق ( بحكم القانون الربوي الوضعي ) أن يأخذ من المحرر الفائدة على التأخير ، وبما أن المستفيد هو مدين للبنك وقد تأخر عن دفع المبلغ الى البنك تبعا لتأخر محرر الورقة ، فيكون للبنك الحق أن يأخذ من المستفيد الفائدة على التأخير ، وبهذا ستكون الفائدة على التأخير قد استقرت على محرر الورقة التجارية بواسطة توكيل البنك على محرر الورقة في قيمة الفوائد.
    اذن على هذا التحليل : يكون ما أخذه ( البنك الخاصم للورقة التجارية ) في مقابل الاجل ( وهو الشرط الاول ) هو الفائدة المحرمة ، لأنه قد أخذها نتيجة الأجل الباقي لموعد حلول الدفع ، وهذا هو الربا بعينه ، وكذا يكون ما أخذه البنك من فوائد التأخير ( عند تأخر المحرر عن الدفع ) هو ربا ايضا لنفس السبب المذكور.
    نعم : ما يقتطعه البنك ( حسب الشرطين الثاني والثالث ) أي ما يأخذه كعمولة على خدمته ، او لقاء تحصيل المبلغ اذا كان يدفع في مكان آخر ، فهو امر جائز وذلك :
    لأن الاول : هو عمولة لقاء عمل من البنك ، فهو جائز لا إشكال فيه.
    وأما الثاني : وهو ما يقتطعه البنك لقاء تحصيل المبلغ اذا كان يدفع في مكان آخر ، فجوازه يحتاج الى توضيح فنقول : إن البنك اذا خصم الكمبيالة فقد أصبح البنك دائنا لمن خُصمت له الورقة ، ولكن بعد أن وكل المستفيد البنك في استحصال


(90)
قيمة الورقة من محرر الورقة التجارية ويستوفي دينه منه ، فهنا من حق الدائن ان يطالب بالوفاء في نفس المكان الذي تحقق فيه الدين ، ولأجل أن يقبل البنك استيفاء دينه في مكان آخر وهو مكان محرر الورقة التجارية ، يجوز أن يجعل المقترض للبنك جعالة في قبال أن يسقط شرط الوفاء في مكان تحقق الدين ويقبل الوفاء في مكان آخر وهو مكان محرر الكمبيالة ، وهذا هو عبارة عن أخذ البنك قيمة مصاريف تحصيل الورقة التجارية اذا كانت في مكان آخر. كما يمكن للبنك ان يقبل الوكالة في مطالبة محرر الورقة في مكان غير مكان دينه للمستفيد في مقابل جعل أو أجر.
    وبعد أن عرفنا تحليل عملية خصم الاوراق التجارية ، وعرفنا ان استنزال البنك الفوائد للمبلغ المذكور من حين الدفع الى يوم الاستحقاق هو عملية ربوية ، وكذا أخذ الفوائد على تقدير التأخير في الدفع ، فهل يوجد لنا طريق للتخلص من الفائدة المحرمة في خصم الاوراق التجارية ؟
    نقول : يوجد هنا طريقان :
    الطريق الاول : وهو ما ذكره السيد الشهيد الصدر في كتابه البنك اللاربوي في الإسلام (1) كطريق للتخلص من الفائدة المحرمة هنا ، وقد عبّر عنه : « باشتراط القرض المماثل مع التشجيع على تحويله الى حبوة » وتوضح ذلك : ان يشترط البنك على كل مقترض منه أن يقرض البنك لدى الوفاء مقدارا من المال ( يساوي ما يأخذه البنك لقاء الاجل ) لمدة خمس سنوات مثلا ، وهذا الاشتراط ليس به بأس شرعي ، لانه ليس من الربا ، وبعد أن اقترض البنك هذه الكمية من النقود يمكنه أن يودعها عند بنك يسوغ لنفسه اخذ الفائدة منه ( كالبنوك التي تكون للكفار ) وهنا يتقاضى البنك الدائن الفوائد عليها ، وعندما يحل الأجل المحدد يسحب البنك هذا
     (1) راجع ، ص 71 وما بعدها ، طبعة المطبعة العصرية في الكويت.