(131)
الموروث عن القانون الروماني. ومذهب يغلِّب الناحية المالية ; وهو
المذهب الألماني الحديث ... وأشهر من قال بالمذهب الشخصي من فقهاء الألمان (
سافيني ) فقد كان يرى الالتزام رابطة شخصية تخضع المدين للدائن ، وهو صورة مصغَّرة
من الرق. فالسلطة التي تمنح لشخص على شخص آخر قد تستغرق حرية من يخضع لهذه السلطة
وهذا هو الرق الكامل والملكية التامة ، وقد لاتتناول السلطة إلاّ بعض هذه الحرية ، ولا تمتد إلاّ الى جزء من نشاط المدين ، فيترتب ـ من ذلك ـ حق للدائن قريب من حق
الملكية ولكنه ليس إيّاها فهو حق خاص بعمل معيَّن من أعمال المدين. وهذه النظرية
قام في وجهها فقهاء الألمان وعلى رأسهم ( جييريك ) وأبوا أن تستقر في الفقه
الألماني بعد ان عملوا على تحرير قانونهم من النظريات الرومانية وغلّبوا النظريات
الجرمانية الاصل عليها. وقد بيَّن ( جييريك ) أن الفكرة الجرمانية في الالتزام لا
تقف عند الرابطة الشخصية ، كما كان الامر في القانون الروماني ، بل تنظر الى محل
الالتزام ، وهو العنصر الاساسي ، وتجرده من الرابطة الشخصية حتى يصبح الالتزام
عنصراً مالياً اكثر منه علاقة شخصية ، فينفصل الالتزام بذلك عن شخص الدائن وعن شخص
المدين ، ويختلط بمحله فيصبح شيئاً مادياً العبرة فيه بقيمته المالية » (1). ومن
هنا دخلت فكرة الذمّة في الفقه الغربي إلاّ أنها اختلفت عن فكرة الذمّة عندنا ، فبينما الذّمة عندنا وعاء اعتباري لصيق بالانسان لا علاقة له بأمواله الخارجية ، كانت لديهم عبارة عمّا يسمى بالثروة او ( بالذمّة المالية ) وهي وعاء تستوعب كل
اموال الانسان الخارجية وغيرها ايجابية وسلبية ، ففي الذمّة المالية عندهم عنصران :
عنصر ايجابي هو الحقوق وعنصر سلبي هو التكاليف ، والذمّة تتكون من العنصرين معا ، وحاصل الفرق بين العنصرين يسمى الصافي ، وقد تكون الذمّة خالية ليس فيها
(1) الوسيط ، ج 1 ، الفقرة 7 ـ 9 ، ص 107 ـ 108.
(132)
حقوق ولا تكليفات كذمّة الوليد الذي ليس له مال (1).
الموازنة بين النظرية الاسلامية والنظرية المقابلة :
إن اول
فرق بين النظرية الاسلامية للتداين والنظرية المقابلة هو : تصور الاسلام الدين من
أول الأمر على أنه مال في ذمّة المدين ، بينما لم يصل القانون الغربي الى هذه
النتيجة إلاّ بعد تطور دام مدة طويلة. فالفرق هو عدم خضوع الفقه الاسلامي للتطور ، بل هو تشريع نازل من السماء لا يخضع لتطور الأحكام كما يخضع لها الفقه الوضعي. ومن
نافلة القول بيان خطأ من يحاول أن يسبغ على الشريعة تطوراً يؤدي بها الى الخروج عن
كونها شريعة اسلامية بحجة متطلبات الحياة ، وهو يعيش حياة رأسمالية في حكمها
الاقتصادي ، فبالاضافة الى خطأ هذا القول يكون صاحبه قد اقترف جناية كبرى بمسخ
الشريعة الاسلامية وتحويلها الى شريعة اُخرى قد تكون رأسمالية او اشتراكية ، وهو
غافل او متغافل عن ان خطأ كلا التشريعين الوضعيَّين قد اثبته الاسلام الذي ينظر الى
الانسان بوصفه كائناً فردياً له احتياجاته ، كما انه في ضمن جماعة يجب ان تحفظ
مصالحها العامة.
ولا ادري بماذا يجيب من يدعو الى التحرر من بعض الاحكام
القرآنية بحجة متطلبات الحياة وهو يسمع او يرى الحديث عن الإمام جعفر الصادق ( عليه
السلام ) : « حلال محمد حلال ابداً الى يوم القيامة ، وحرامه حرام أبداً الى يوم
القيامة » (2).
نعم نحن لا ننكر وجود تطور في الموضوعات التي يتبدل الحكم فيها
بتبدل
(1) راجع الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد ، للاستاذ مصطفى الزرقاء ، ج 3 ، فقرة
128 ، ص 233 ، بحسب الطبعة الخامسة.
(2) اصول الكافي ، الكليني ، ج 1 ، ص 58 ، ح 19.
وقد وردت هذه الرواية بهذا اللسان في كتب اهل السنة : « فما احل الله على لسان
نبيِّه فهو حلال الى يوم القيامة ، وما حرَّم الله على لسان نبيّه فهو حرامٌ الى يوم
القيامة » سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 115.
(133)
موضوعه وهذا شيء آخر غير تطور الحكم الشرعي الذي ننكره ونحاسب عليه.
ثم ان التصوير القديم لمعنى الدَّين في الفقه الوضعي ( بانه التزام شخصي ) ادى بهم
الى ما يلي :
1 ـ عدم تصورهم لحوالة المدين الدائن في دينه ( وهذه هي الحوالة في
فقهنا ، وهي حوالة الدَّين في الفقه الغربي ).
2 ـ عدم تصورهم لتغيير الدائن من
شخص لآخر ( وهذا هو بيع الدَّين في فقهنا او هبته ، ويسمى في الفقه الغربي بحوالة
الحق ).
3 ـ بما أن شخصية الوارث هي استمرار لشخصية المورّث ( كما يقول الفقه
الغربي ، فقد استساغت القوانين الغربية :
أ ـ إنتقال الالتزام من الدائن ( عند
موته ) الى ورثته من بعده ، ويصبح هؤلاء هم الدائنين مكانه.
ب ـ إنتقال
الالتزام من المدين ( عند موته ) الى ورثته من بعده ، ويصبح هؤلاء هم المدينين
مكانه ، وكأنهم لا يقولون بانتقال الالتزام الى شخص جديد بالموت مادام الوارث هو
استمراراً لشخصية المورث.
قال الدكتور السنهوري : « قد كانت فكرة الرابطة
الشخصية هي الفكرة السائدة في القانون الروماني ، ثم سادت بعد ذلك عصورا طويلة في
القوانين اللاتينية ، فلم يكن يمكن معها تصور انتقال الالتزام لا من دائن الى دائن
آخر ولا من مدين الى مدين آخر. على أن استعصاء الالتزام على الانتقال لم يلبث في
هذه القوانين القديمة إلاّ في انتقاله فيما بين الأحياء ، أما انتقال الالتزام الى
الوارث بسبب الموت ، فان هذه القوانين لم تلبث أن استساغته منذ عهد طويل ... .
فينتقل الالتزام من الدائن عند موته الى ورثته من بعده ، ويصبح هؤلاء هم الدائنين
مكانه ، وكذلك ينتقل الالتزام من المدين عند موته الى ورثته من بعده ، ويصبح هؤلاء
هم المدينين مكانه ... . وتعتبر شخصية الوارث انما هي استمرار لشخصية المورث ،
(134)
فكأن الالتزام لم ينتقل الى شخص جديد بموت صاحبه ، بل بقي عند صاحبه
ممثلا في شخص الوارث ... . وقد يبدو ان الالتزام يتحور في الشرائع الغربية اذا هو
انتقل من المدين الى وارثه وقبل الوارث الميراث محتفظا بحق التجريد ، فيفصل اموال
التركة عن أمواله الشخصية ولا يكون مسؤولا عن ديون التركة إلاّ في المال الذي ورثه ، فيصبح الالتزام بعد أن انتقل الى الوارث لا يمكن التنفيذ به إلاّ على اموال
التركة التي انتقلت الى هذا الوارث ، ولكن هذا التحوير ليس تحويرا حقيقيا ، فالواقع
من الامر أن الالتزام بقي ـ من ناحية المال الذي يجوز التنفيذ عليه ـ كما كان في
حياة المورّث ، فقد كان عندئذ لا يمكن التنفيذ به إلاّ على ماله فبقي كما كان.
واذا كان قد أمكن في انتقال الالتزام بسبب الموت جعل الوارث خلفاً عاما للمورّث
وتصوير هذه الخلافة العامة كأنها استمرار لشخصية المورث ففي انتقال الالتزام ما بين
الاحياء حيث الخلافة خاصة لا يمكن تصوير هذه الخلافة الخاصة حال الحياة كما أمكن
تصوير الخلافة العامة بعد الموت استمرارا لشخصية السلف ، ذلك انه اذا أمكن القول
بان المورث قد زالت شخصيته بالموت يتصور استمرارها في شخص الوارث ، فانه يتعذر
القول بأن السلف وهو لا يزال حياً تستمر شخصيته في شخصية خلفه الخاص. من اجل ذلك
لم يكن ممكنا ان ينتقل الالتزام حال الحياة في القانون الروماني من دائن الى دائن
آخر ، او من مدين الى مدين آخر عن طريق حوالة الحق او عن طريق حوالة الدَّين. ولم
يكن ممكنا اذا اريدَ تغيير شخص المدين إلاّ تجديد الالتزام بتغيير الدائن ، أو اريد
تغيير شخص المدين الاّ تجديد الالتزام بتغيير المدين ، وفي الحالتين لم يكن
الالتزام ذاته بمقوماته وخصائصه هوالذي ينتقل من شخص الى شخص آخر ، بل كان الالتزام
الاصلي ينقضي بالتجديد ، وينشأ مكانه التزام جديد بمقومات وخصائص غير المقومات
والخصائص التي كانت للالتزام الاصلي ، وفي هذا الالتزام الجديد كان يتغير شخص
الدائن او يتغير شخص المدين. على ان الرومان كانوا يلجأون الى طريقة
(135)
اخرى لتحويل الالتزام من دائن الى دائن اخر دون تدخل من المدين ، فكان الدائن الاصلي يوكل ( من يريد تحويل الالتزام إليه ) في قبض الدَّين باسمه من
المدين وكان هذا التوكيل وسيلة يستطيع بها الوكيل ان يقبض الدَّين من المدين دون
حاجة الى رضائه بتحويل الدَّين ولكن هذه الطريقة لم تكن مأمونة ; فان الدائن الأصلي
كان يستطيع ان يعزل الوكيل قبل ان يقبض الدَّين. وبقي القانون الروماني على هذه
الحال دون أن يعرف ، لا حوالة الحق ولا حوالة الدَّين ، وبقيت الحوالة مجهولة مدة
طويلة في القانون الفرنسي القديم يتحايلون عليها عن طريق التوكيل بقبض الدَّين الذي
كان القانون الروماني يلجأ اليه ، حتى أصبح هذا الطريق مألوفاً ، ومنه دخلت حوالة
الحق في القانون الفرنسي القديم ، واصبح مما في هذا القانون انه يجوز للدائن ان
يحول حقه الى دائن آخر دون حاجة الى الحصول على رضاء المدين بالحوالة ، على غرار
التوكيل بالقبض الذي أصبح مفترضادون نص ، وهذابالرغم من ان التحليل القانوني الدقيق
يستعصي على أن ينتقل الالتزام ـ وهو رابطة شخصية ـ من دائن الى دائن اخر. وساعد
على امكان انتقال الالتزام من دائن الى دائن آخر ، أن فكرة الالتزام ـ باعتباره
رابطة شخصية ـ أخذت تتطور ، وأخذ العنصر المادي في الالتزام يبرز شيئا فشيئا ، فاصبح من السهل أن نتصور أن الالتزام ( باعتباره قيمة مالية لا باعتباره رابطة
شخصية ، وبالنسبة الى موضوعه لا بالنسبة الى اطرافه ) ينتقل من دائن الى دائن آخر.
لكن التطور في القوانين اللاتينية وقف عند هذا الحد ، ولم يصل القانون الفرنسي ـ
حتى اليوم ـ الى تنظيم حوالة الدَّين ( أي انتقال الالتزام من مدين الى مدين اخر )
وليس هناك سبيل الى تغيير المدين في الالتزام إلاّ عن طريق التجديد أو الإنابة في
الوفاء ، ذلك ان شخصية المدين في الالتزام اكبر خطرا من شخصية الدائن ، فعلى شخصية
المدين ومقدار يساره وحسن استعداده للوفاء بدينه تتوقف قيمة الدَّين ، فلم يكن من
السهل التسليم بتحويل الالتزام من مدين الى مدين آخر دون ان يكون الدائن طرفا في
هذا
(136)
التحويل عن طريق التجديد ، لان الدائن يأبى ان يتغير عليه المدين من
دون رضائه ، ويعنيه من تغيير مدينه ما لا يعني المدين من تغيير دائنه ، فبقيت
القوانين اللاتينية عند هذه المرحلة من التطور ، ولم تستكمله الى غايته ، وذلك مع
استثناء التقنين المدني الايطالي الجديد ، فقد أقرَّ حوالة الدَّين عند الكلام في
الإنابة في الوفاء.
أما التقنينات الجرمانية فقد سارت في التطور الى نهاية
الطريق ، ومادامت فكرة الالتزام قد تطورت فاصبح الالتزام قيمة مادية اكثر منه رابطة
شخصية ، ومادام قد أمكن تصور انتقال الالتزام من دائن الى دائن اخر ، فما الذي يحول
دون التسليم بانتقاله من مدين الى مدين آخر ، ومن ثم يعرف كل من التقنين المدني
الايطالي ( 1414 ـ 1419 ) وتقنين الالتزامات السويسري ( المواد 157 ـ 183 ) الى
جانب حوالة الحق حوالة الدَّين » (1).
وبعد نقل كلام الدكتور السنهوري لمعرفة
النقاط الثلاث التي ذكرناها ، نعرف الموازنة بين النظرية الاسلامية للدّين ، والنظرية المقابلة ، فان الاسلام ـ كما تقدم ـ قد عرف حوالة الدَّين وحوالة الحق
مباشرة وأقرهما من دون أن يتطور في معرفتهما كما حصل ذلك في القوانين البشرية ، والاسلام في نفس الوقت الذي عرف فيه كلتا الحوالتين لم يعترف بانتقال ديون الميت
الى الوارث ، لكنه اعترف بانتقال الحق اليه ، وهذا كله تقدم ، وتقدم بيانه ومعرفة
حكمته وعلَّته.
2 ـ التداين ونظرة الاسلام اليه من الناحية الاخلاقية
ومن
أجل تكميل البحث ، ولأنَّ الاسلام هو نظرة الى الحياة شاملة للنواحي الاقتصادية
والاخلاقية وغيرها من نواحي الحياة ، رأينا من المناسب ان نتطرق الى نظرة الاسلام
الى التداين من الناحية الاخلاقية ، ومقارنتها مع النظرية المقابلة ،
(1) الوسيط ، ج 3 ، فقرة 237 ـ 239 ، ص 414 ـ 419.
(137)
لنعرف مدى اهتمام الاسلام بالمجتمع المتجانس والمتآخي ، ومدى وصول
المجتمعات البعيدة عن الاسلام الى الاثرة وحب الذات والنفرة بين الافراد.
فنقول
: مرة يكون التداين قد صدر من الدائن ( فهو حق له في ذمّة الغير ) ، ومرة يكون قد
صدر من المدين ( فهو حق عليه في ذمّته للغير ) ، ولابد من معرفة نظرة الاسلام من
البحث في كلا الامرين :
أ ـ الدَّين بما أنه قد صدر من المدين :
اولاً : اذا كان
المدين غير محتاج الى الدَّين :
في هذه الحالة يستدين المرء لتوسيع نطاق تجارته
مثلا ، فان الاسلام يرى كراهة هذا العمل ، والدليل على ذلك الروايات الكثيرة ، منها
:
1 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : «
تعوَّذوا بالله من غلبة الدَّين ، وغلبة الرجال ، وبوار الأيّم » (1).
2 ـ موثقة
السكوني عن جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « ايَّاكم والدَّين فانه شين الدِّين ».
3 ـ
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن علي ( عليه السلام ) أنه قال : « إيَّاكم
والدَّين ، فانه همٌّ بالليل ، وذل بالنهار » (2). وقد ورد عن علي بلفظ آخر أنه قال
: « إياكم والدَّين فانه مذلة بالنهار ، ومهمّة بالليل ، وقضاء في الدنيا وقضاء في
الآخرة » (3).
4 ـ وقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انه قال : « من
أراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء ، وليجود الحذاء ، وليخفف الرداء ، وليقل مجامعة
النساء. قيل : وما خفة
(1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 1 من ابواب الدين ، ح 1 ، ص 76.
(2) المصدر
السابق ، ح 3.
(3) المصدر السابق ، ح 4.
(138)
الرداء ؟ قال : قلة الدَّين » (1).
5 ـ وعن أبي سعيد الخدري قال
سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : « أعوذ بالله من الكفر والدَّين ».
قيل : يا رسول الله أتعدل الدَّين بالكفر ؟ قال نعم » (2).
6 ـ وعن النبي ( صلى
الله عليه وآله ) قال : « لا تزال نفس المؤمن معلّقة ما كان عليه دَين » (3).
7 ـ
وعن جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) ان رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) : قال :« الدَّين راية الله ـ عزّوجل ـ في الأرضين ، فاذا أراد أن
يذل عبداً وضعه في عنقه » (4).
وهذه الروايات وإن كانت مطلقة في ذم الدَّين
وكراهته إلاّ أنها تقيد بالروايات الآتية التي تجوزه عند الحاجة كما ستأتي الاشارة
إليها.
ثانياً : جواز الاستدانة مع الحاجة اليها :
وقد وردت الروايات بجواز
الاستدانة مع الحاجة اليها ، وبهذا تقيد الروايات الذامة للدَّين بغير هذه الصورة ، فمن الروايات الدالة على الجواز مع الحاجة :
1 ـ صحيحة معاوية بن وهب قال : قلت
للإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إنه ذُكِرَ لنا أن رجلا من الانصار مات وعليه
ديناران ديناً ، فلم يصلّ عليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : صلُّوا على صاحبكم
حتى ضمنهما عنه بعض قرابته ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ذلك الحق ، ثم قال
: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انما فعل ذلك ليتعاطوا وليرد بعضهم على بعض ، ولئلا يستخفوا بالدَّين ، وقد مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليه دَين ، وقتل
أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) وعليه دَين ، ومات الحسن ( عليه السلام ) وعليه دَين
(1) المصدر السابق ، ح 5.
(2) المصدر السابق ، ح 6.
(3) المصدر السابق ، ح
7.
(4) المصدر السابق ، ح 10.
(139)
وقتل الحسين ( عليه السلام ) وعليه دَين » (1).
2 ـ موثقة موسى بن
بكر قال : قال لي ابوالحسن ( عليه السلام ) « من طلب هذا الرزق من حلِّه ليعود به على
نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله ، فان غلب عليه فليستدن على الله وعلى رسوله
( صلى الله عليه وآله ) ما يقوت به عياله » (2).
3 ـ عن جعفر بن محمد الصادق ( عليه
السلام ) عن آبائه ( عليه السلام ) قال : « لقد قُبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وانَّ درعه لمرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً من شعير استلفها نفقة
لاهله » (3).
4 ـ وعن ابراهيم بن محمد الاشعري بإسناده عن الإمام الباقر ( عليه
السلام ) قال : « قُبض علي ( عليه السلام ) وعليه دين ثمانمائة الف درهم ، فباع الحسن
( عليه السلام ) ضيعة له بخمسمائة الف فقضاها عنه ، وباع ضيعة له بثلثمائة الف فقضاها
عنه ... » (4).
ثالثاً : جواز الاستدانة لعمل الطاعات :
وقد وردت
الروايات بجواز الاستدانة للطاعة ، وبذلك تقيد الروايات الذامة للاستدانة بغير هذه
الصورة ايضا ، فمن الروايات الدالة على جواز الاستدانة لأجل الطاعة :
1 ـ ما
رواه الصدوق باسناده عن الميثمي عن أبي موسى قال : « قلت للإمام الصادق ( عليه
السلام ) : جعلت فداك يستقرض الرجل ويحج ؟ قال : نعم ، قلت : يستقرض ويتزوج ؟ قال : نعم ، انه ينتظر رزق الله غدوة وعشية » (5). ثم إن الجامع بين الزواج والحج هو الطاعة ، إذن تجوز الاستدانة لأجل الطاعة ، فتكون الاستدانة
(1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 2 من ابواب الدين ، ح 1.
(2) المصدر السابق ، ح
2.
(3) المصدر السابق ، ح 9.
(4) المصدر السابق ، ح 11.
(5) المصدر
السابق ، باب 3 ، من ابواب الدين ، ح 1.
(140)
للعمل العبادي جائزة كما هو المستفاد من الرواية ، وان كان انتظار
رزق الله غدوة وعشية هو مستحب ، إلاّ أنه شيء آخر غير الاستدانة ، بل يكون مسبباً
عنها.
رابعاً : وجوب الاستدانة أحياناً ، ثم اننا نقول : إن الدَّين قد يكون
واجباً ، كما اذا توقفت نجاة المؤمن عليه ، وبما ان نجاة المؤمن اذا كنت قادرا
عليها او على سببها فهي واجبة ، فحينئذ يكون السبب اليها اذا كان منحصرا واجبا ، وهذا واضح كما قرره علماء الاصول في مسألة مقدمة الواجب.
ب ـ الدَّين اذا صدر من الدائن :
إن الدَّين اذا صدر من
الدائن يكون إيثاراً للمدين في أغلب الحالات ، حيث قدم صاحب المال غيره على
الاستفادة من السيولة النقدية والتمتع بالمال الناض ، وقد كان بمقدور صاحب المال أن
لا يمنح فرصة الاستفادة لغيره ، ولكن قد يجنح الدائن الى ايثار غيره بالمال رغبة في
ثواب الله سبحانه وقد تكون هناك غاية عاطفية أو انسانية اخرى تدعو الدائن أن يقدم
غيره على نفسه للاستفادة من النقد ، في مقابل ان يردّمثله بعدمدة يتفقان عليها.وهذا
العمل اذا صدر من الدائن بقصد التقرب الى الله تعالى ـ الذي يحب الخير والمساعدة
على البر والعمل الصالح يحصل الدائن على الثواب الذيوعد الله سبحانه به عباده
الصالحين ( والله لا يخلف الميعاد ). واما اذا لم يكن الدَّين قد قصد فيه القربة
ورضاء الله سبحانه ، فلا يحصل الدائن على الثواب الموعود به ، واليك الروايات الدالة
على تحبيذ القرض من قبل القارض :
1 ـ ما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) انه
قال : « لأن أقرض قرضا احب الي من أن أتصدق بمثله » (1).
2 ـ عن جابر عن الإمام
الصادق ( عليه السلام ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « من أقرض مؤمناً قرضاً
ينشر به ميسوره كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من
(1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 6 من ابواب الدين ، ح 1.