(161)
خصائص الذمّة :
    وعلى ما تقدم من معنى الذمّة عند فقهاء الشيعة ، فللذمّة خصائص هى :
    1 ـ لا ذمّة للحيوانات ، حيث إن العقلاء اعتبروا الذمّة وعاءً في الانسان لما يجب عليه من حقوق مالية كلية. والحيوان لا يجب عليه حق مالي. نعم اذ اتلف الحيوان مال انسان ، فيجب على مالكه الضمان ، فتنشغل ذمته بالمال.
    2 ـ العبد له ذمّة ، يتبع بعد عتقه ، فيستطيع ان يستدين بشرط ان يكون الدَّين متعلقا بذمته يتبع بها بعد عتقه ، لان العبد وما يملك لمولاه ، ويمكن أن يُضمن ما في ذمّة العبد ويبرأ ويتبرع عنه متبرع.
    3 ـ الجنين لا ذمَّة له وان كان يمكن ان يوهب له او يوصى إلاّ ان هذا حق له في ذمّة غيره ، وليس هو حقاً عليه.
    4 ـ الذمّة من لوازم الشخصية ، فالوليد هو شخص له صلاحية ان تكون عليه حقوق يكون محلها الذمّة ، كما لو فرضنا ان انسانا وليدا قد زوَّجه وليّه لمصلحة فتجب عليه النفقة للزوجة ، فلو فرضنا انه لم ينفق عليها الولي ، فيثبت في ذمّة الزوج ( مقدار النفقة على الزوجة ) ، ولكن لا يجب على الوليد الاداء لعدم تكليفه باداء المال. فعلى هذا يكون المولود له ذمّة ، وكذلك اذا اتلف الوليد الجديد مال غيره بحيث استند الاتلاف إليه فيثبت في ذمّته مثل ما تلف او قيمته.
    5 ـ ليس لسعة الذمّة حدحيث انهاامراعتباري ، تتسع لكل مايتصورمن حقوق.
    6 ـ الشخص الواحد ليس له إلاّ ذمّة واحدة.
    7 ـ لا اشتراك في للذمّة ، اي : لا يكون للذمّة الواحدة اكثر من صاحب واحد ولذا اذا كان المورّث مدينا فلا يكون الوارث مسؤولا عنه ، وانما المسؤول عن الدين هو المورِّث ، فان كفت التركة اُعطي الدائن فيها ، وان لم تفِ فيكون الدائن يطلب الميت ، وذمّة الميت مشغولة بالدَّين الى ان تفرغ بأحد المفرّغات


(162)
المتقدمة من تبرُّع عنه او ابراء او ضمان.
    8 ـ الذّمة اذا كانت مشغولة لا تمنع المدين من التصرف في امواله الخارجية أو يضيف الى ذمّته أشياء اُخرى مالية.
    9 ـ التحجير من قبل الحاكم الشرعي في صورة ثبوت إفلاسه او سفهه او صغره ، لا يخرّب الذمّة. نعم ، التحجير يمنع المحجر عليه من التصرف في اعيان أمواله كما يمنعه من أن يضيف الى ذمّته ديونا اُخرى بحيث يشترك الدائن الجديد مع الدُيّان القدماء. اما اذا انشغلت ذمّته باتلاف مال غيره فيكون للمتلَف مالُه الحق في ذمَّة المتلِف يتبعه بعد فراغ ذمّته من الديون السابقة على دينه ، كما يمكن ـ المحجر عليه ـ ان يستدين على ان يدفع المال الكلي للدائن بعد فراغ ذمّته من الديون السابقة. وهذا معناه ان ذمّته باقية رغم التحجير عليه.
    10 ـ قد تقدم منّا أن الذمة لا تخرب بالموت ، وانما اذا كانت ديون الميت تستغرق للتركة فتوثق الديون بتعلقها بماله اضافة الى ذمّته ، فتكون حقوقهم في هذه الحالة شبه عينية.
    اما اذا مرض الانسان مرض الموت فبالاولى ان لا تسقط ذمّته ولا تخرب.
    فما ذهب اليه بعض الحنابلة (1) : « من ان الذمّة تتهدم بمجرد الموت ، لان الذمّة من خصائص الشخص الحي ، وثمرتها صحة مطالبة صاحبها بتفريغها من الدين الشاغل لها ، واما اذا مات فقد خرج الانسان عن صلاحية المطالبة فتنهدم الذمة ، وعلى هذا اذا مات الانسان دون أن يترك مالا فمصير ديونه السقوط ، وان ترك مالا تعلقت الديون بماله » ضعيف وذلك : فان ثمرة الذمّة ليست هي فقط مطالبة صاحبها بتفريغها من الدَّين الشاغل لها ، وقد تقدمت منّا فوائد الذمّة. على أن تفريغ الذمّة ليس هو فقط باداء صاحب الذمّة ما عليه ، فقد عرفنا ـ سابقا ان ـ
     (1) القواعد ، لابن رجب ، ص 193 ، عن الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد ، ج 3 ، ص 8.
(163)
المتبرع يتمكن ان يفرّغ الذمّة المشغولة ، كما ان الابراء ـ ايضا ـ كذلك ، وكذا الضمان. ثم اننا لاندري ماهوالدليل على أن صاحب الذمّة المشغولة ان لم يترك مالا عند موته تسقط ديونه؟!!نعم ، الميت غيرمكلف باداءالدَّين بعدموته ، لانه خرج عن كونه مكلفا ، اما أن ذمته مشغولة فهو شيء آخر غير العهدة ، وهذا لا يزول ولا يسقط بالموت.
    اذن ، الصحيح ما قلناه ـ سابقا ـ من ان الذمّة تبقى بعد الموت صحيحة الى أن توفى الديون او يبرأ من قبل الدائنين او يتبرع عنه متبرع ، او يضمن من قبل شخص حيويقبل الدائن.والدليل على ذلك بالاضافة الى ماتقدم ـ من ان الذمّة وعاء اعتباري يعتبره العقلاء ، والاعتبارسهل المؤونة ، فيكون بعد الموت ايضا ـ ما ورد في الحديث النبوي الشريف : « إن ذمّة الميت مرتهنة بدَينه حتى يقض عنه » (1).
    نعم ، بالموت يخرج الانسان عن صلاحية المطالبة في الدنيا ، كما لا يجب عليه الاداء لعدم تكليفه ، لكن هذا لا يوجب عدم بقاء الذمة وصلاحيتها لان تشتغل بالدَّين وقد وردت صحة أن تشغل ذمّة الميت بدين جديد متفرع عن سبب سابق ، كما لو باع شخص شيئا وتوفى وردّ بعد الموت بعيب فيه ، فان ذمّة البائع تشتغل بثمنه الواجب الرد ، وكذا لو باشر في حياته سببا من اسباب الضمان كمن حفر حفرة في الطريق العام ثم مات فتردّى حيوان في الحفرة بعد موته ، فان ذمة الحافر تشتغل بضمان قيمة الحيوان فتؤخذ من تركته.
    والى هذاالرأي ذهب الشافعية (2) ، وهورأي المالكيةوفريق من الحنابلة ايضا (3).
    ومما تقدم ـ ايضا ـ يبطل القول الحنفي القائل : إن الذمّة تضعف بالموت ولكن لا تنهدم ، اي يبقى للذمة ما تقتضيه الضرورة ، وهذا الضعف يبدأ من مرض الموت ،
     (1) الحديث اخذ عن كتاب الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد ، ج 3 ، ص 228. والظاهر انه لم يرد في كتب الشيعة مثل هذا النص ، الا انه موافق لنصوص كثيرة تؤيد هذا المعنى.
     (2) حاشية الرملي على اسناد المطالب ، ج 1 ، ص 235 عن الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد ، ج 3 ، ص 229.
     (3) الفقه الاسلامي في ثوبه الحديد ، ج 3 ، ص 229.

(164)
لذا توثق الديون التي على الميت بتعلقها بماله تقويةً لذمّته.
    ودليل بطلان هذا القول هو : ان تعلق الديون التي على الميت باموال الميت الخارجية ، ليس معناه خراب الذمّة ، حيث إن هذا حكم مستقل دلَّت عليه الروايات القائلة اذا مات المدين حلّت جميع ديونه ، وبما أنه لا تركة الاّ بعد سداد الديون (1) ، فحينئذ تباع التركة وتسدد الديون ، وهذا كما ترى لا ارتباط له بفساد ذمّة الميت.
    نعم ، ذمّة الميت لا يمكن ان تشغل بحق مالي كلي جديد ، لان الانسان هو الذي يشغل ذمته بنفسه لانه هو المالك لها على حد ملكيته لنفسه ولأعماله ، وبما أنه قد مات فلا يتمكن اي شخص من اشغال ذمته بعد الموت ، وهذا ـ ايضا ـ لا ارتباط له بخراب الذّمة ، اذ عدم امكان اشغال الذمّة في حال معين ليس معناه انه لا ذمّة او أنها قد خربت.

* * *

     (1) هذه القاعدة مستفادة من الآية القائلة : ( من بعد وصية يوصي بها او دين ) .
(165)
ضابط الاعسار الذي يوجب الانظار


(166)

(167)
إن الاعسار اذا حدث للمدين فهو يوجب الانظار من قبل الدائن ( وهذا شيء واضح لا خلاف فيه ) وتدل عليه الآية القرآنية ( وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة ) (1) وحينئذ فاذا أراد الدائن مضايقة مدينه في اداء الدين وهو معسر فيكون قد ارتكب محرّماً ، اذ كما تحرم على المدين مماطلة الدائن وتأخيره دفع الدين عن موعده في صورة اليسار ، تحرم على الدائن مطالبة المدين اذا كان معسرا ، وعلى هذا فتوى مراجع التقليد المعاصرين وغيرهم ، فقد ذكر السيد الإمام الخمينى ( رحمه الله ) في تحرير الوسيلة : « كما لا يجب على المعسر الاداء يحرم على الدائن اعساره بالمطالبة والاقتضاء ، بل يجب أن ينظره الى اليسار » (2). وذكر السيد الإمام الخوئي ( رحمه الله ) : « تحرم على الدائن مطالبة المدين اذا كان معسرا ، بل عليه الصبر والنظرة الى الميسرة » (3).
    وتدل على هذا الرأي ـ مضافا الى الآية ـ الروايات الكثيرة ، منها ما ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في وصية طويلة كتبها الى أصحابه فقال : « واياكم واعسار أحد من اخوانكم المسلمين ، أن تعسروه بشيء يكون لكم قِبله وهو معسر ، فإنَّ أبانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : ليس لمسلم أن يعسر مسلماً ، ومن أنظر
     (1) البقرة ، 280.
     (2) ج 1 ، ص 651 ، مسألة 16 من كتاب الدين والقرض.
     (3) منهاج الصالحين وتكملة المنهاج ، ج 2 ، ص 191 ، مسألة 810.

(168)
معسراً أظلّه الله يوم القيامة بظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه » (1). وعن عبدالله بن سنان قال : « قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) الف درهم أقرضها مرتين أحب اليّ من أن أتصدق بها مرة ، وكما لا يحل لغريمك أن يمطلك وهو موسر ، فكذلك لا يحل لك ان تعسره اذا علمت أنه معسر » (2).

العسر لغة :
    العسر لغة : ضد اليسر وهو الضيق والشدة والصعوبة (3).
    قال الله تعالى ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ).
    وقال : ( فإنَّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسراً ).
    وقال : ( فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ).
    وحينئذ فان كان الانسان معسرا ، فمعناه انه في ضيق وشدة وصعوبة بحيث لا يمكنه سداد دينه الذي في ذمته ، فيكون معناه ضد اليسر الذي هو عبارة عن الرفاه والسهولة.

روايات الاعسار :
    وقد جاءت الروايات عن اهل بيت العصمة تحدد الشدة التي توجب الانظار ، وخلاصة ما يستفاد من الروايات أن عدم القدرة على سداد الدَّين معناه : « أن لا تكون عند الانسان المدين زيادة على ما يحتاج إليه مما يناسب شأنه ولا يمكنه تركه » ، فقد ذكرت الروايات :
    1 ـ إن وجود دار للانسان ـ مناسبة لشأنه ، وحتى وجود دارين إذا كان مما
     (1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 25 من ابواب الدين ، ح 1.
     (2) المصدر السابق ح 2.
     (3) لسان العرب ، مادة عسر.

(169)
يحتاجهما ـ لا يخرجه عن حدّ الاعسار الى اليسار ان لم يكن عنده اكثر من ذلك.
    2 ـ إن وجود ثياب تجمُّل متعددة لائقة بحال الانسان المدين ، لا يخرجه ايضا عن حدّ الاعسار بالقيد المتقدم.
    3 ـ وجود خادم او خادمة او خدم ـ اذا كان المدين مما يحتاج اليهم ـ لا يخرجه عن حدّ الاعسار كذلك.
    4 ـ وجود دابة أوأكثراذاكان ممايحتاج اليها ، لايخرجه عن حدالاعساركذلك.
    واليك تلك الروايات :
    1 ـ صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لا تباع الدار ولا الجارية في الدَّين ، ذلك أنه لابدّ للرجل من ظل يسكنه وخادم يخدمه » (1).
    2 ـ صحيحة الصدوق باسناد عن ابراهيم بن هاشم قال : « إن محمد بن أبي عمير ( رضي الله عنه ) كان رجلا بزازا فذهب ماله وافتقر وكان له على رجل عشرة آلاف درهم ، فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم ، وحمل المال الى بابه فخرج اليه محمد بن أبي عميرفقال : ما هذا ؟ فقال : هذا مالك الذي لك عليَّ.
    قال : ورثته ؟ قال : لا ، قال : وُهِب لك ؟ قال : لا ، فقال : هو من ثمن ضيعة بعتَها ؟ فقال : لا ، فقال : ما هو ؟
    فقال : بعتُ داري التي اسكنها لأقضي ديني.
    فقال محمد بن أبي عمير حدثني ذريح المحاربي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدَّين. إرفعها فلا حاجة لي فيها ، والله وإني لمحتاج في وقتي هذا الى درهم واحد ، وما يدخل ملكي منها درهم واحد » (2).

     (1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 11 من ابواب الدين ، ح 1.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 13 ، ح 5 ، ص 95 ومن الواضح ان جملة ( ارفعه فلا حاجة لي فيها ... الخ ) هو فهم خاص لمحمد بن أبي عمير ، ولكنه فهم خاطىء لما سيجيء من أن صاحب الدين اذا باع داره من دون اجبار من قبل الدائن وأراد سداد دينه فيجوز الأخذ ، من قبل المدين ، ولعل ابن أبي عمير فهم كراهة أخذه في هذه الصورة لانه صار سببا في البيع ، وسيأتي انه يكره للدائن ان يصير سببا في بيع المدين داره وان يرضى بذلك.



(170)
3 ـ وعن مسعدة بن صدقة قال : سمعت الإمام الصادق ( عليه السلام ) وسئل عن رجل عليه دين وله نصيب في دار وهي تغل غلة ، فربما بلغت غلتها قوته وربما لم تبلغ حتى يستدين ، فان هو باع الدار وقضى دينه بقي لا دار له. فقال : « ان كان في داره ما يقضي به دينه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار وإلاّ فلا » (1).
    ومعنى الحديث ان الانسان اذا كانت عنده دار واسعة يكتفي ببعضها فعليه أن يسكن منها ما يحتاج ويقضي ببقيتها دينه ، وكذا الامر ان كفته دار بدون ثمنها باعها واشترى بثمنها داراً ليسكنها ويقضي دينه بالثمن ، وكذا الامر ان كان يكفيه ومن شأنه ان يسكن داراً مستأجرة ، باع داره وقضى دينه ، فان كانت هذه المصاديق الثلاثة يصدق عليها « ان كان في داره ما يقضي به دينه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار ».

تنبيهان :
    الأول : إن معنى كون الدار من المستثنيات في الدَّين واشباهها هو : أننا لانجبر المدين على بيعها لأجل أداء الدَّين ولا يجب عليه ذلك ، ولكن ذا رضي المدين ببيعها لقضاء دَينه جازله ذلك ويجوزللدائن أخذالمال. نعم ينبغي للدائن ان لايرضى ببيع مسكن المدين وأن لا يصير سبباً في البيع وان رضي المدين ، ففي خبر عثمان بن زياد قال : « قلت للإمام الصادق ( عليه السلام ) : إن لي على رجل دَيناً وقد أراد أن يبيع داره فيقضيني ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه » (2).

     (1) المصدر السابق ح 7 ص 96.
     (2) الوسائل ، ج 13 ، باب 11 من ابواب الدين ، ح 3 ، ص 94.