(211)
مورد تهمة وسوء ظن ، فان الدائن هنا هو المشتري وقد يتّهم في صورة شرائه لنفسه ، فيعلم ان النهي كراهتي حيث يجوز ان يكون الدائن هو المشتري لمدينه بلا إشكال.

الوسيلة الثانية ( الحوالة )
    كما إذا كان المشتري للسلم قد احتاج إلى المال فيبيع سلماً الى مابعد ذلك الاجل ، ثم يحوّل المشتري على البائع الذي باعه قبل الاجل أو قبل القبض. وكذا إذا باع سلماً مكيلاً أو موزوناً وأراد أن يتخلص من هذا الدين لأي سبب كان ، فيتمكن ان يشتري البائع سلماً مماثلاً ثم يحوّل المشتري الذي كان مديناً له على البائع الذي اشترى منه سلماً. وبما أن الحوالة ليست بيعاً ولا معاوضة ، بل هي تعيين الدين الذي في ذمة المديون بحال في ذمة فرد آخر ، وهو عقد مستقل ، فلا يشملها النهي عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه أو قبل حلول الاجل.
    ويمكن الاستدلال لجواز هذه الحوالة « مضافاً الى اقتضاء القاعدة والعمومات لذلك » بموثقة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل عليه كرّ من طعام ، فاشترى كراً من رجل آخر فقال للرجل انطلق فاستوفِ كرّك قال ( عليه السلام ) : لا بأس به » (1) فالرواية شاملة لما إذا كان الكرّ في ذمة الانسان بالشراء أو القرض ، وشاملة لما إذا كان في ذمة المحيل معوّض أو عوض ، وشاملة لكون المبيع كلياً في الذمة أو شخصيّاً ، فتكون دليلاً لما نحن فيه.
    وهنا لا اشكال على هذه الوسيلة اصلاً إذا كان المال المحال عليه أو به حالاً ومستقراً (2) ، أي بعد الاجل وقبل القبض. اما الحوالة إذا كانت بمال غير حال أو
     (1) المصدر نفسه ، باب 10 من السلف ، ح 2.
     (2) الاحالة بمال السلم كما لو أحال البائع المشتري سلماً على من له عليه قرض أو اتلف مال البائع واما الاحالة على مال السلم كما إذا احال المشتري شخصاً آخر على البائع ليأخذ مقدار السلم ، كما يمكن الاحالة بمال السلم على مال السلم.

(212)
على مال غير حال كما في الحوالة بدين السلم أو على مال السلم قبل حلول الاجل فسنتكلم عنها الآن.

الاشكال على الحوالة بدين السلم أو على دين السلم :
    وقد استشكل البعض في هذه الحوالة بثلاثة اشكالات :
    الاشكال الاول : هو أن الحوالة بيع من البيوع كما عن الامام مالك (1) وعلى هذا فلا تجوز الحوالة ببضاعة السلم قبل حلول الاجل لانها عبارة عن بيع بضاعة السلم قبل حلول الاجل وهو مورد المنع.
    الاشكال الثاني : ما نسب إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من قوله : « مَنْ أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره » (2).
    ولكن بما أن الجمهور والامامية يعتقدون بان الحوالة ليست بيعاً وانما هي عقد مستقل ـ كما هو الصحيح ـ فقد ارتفع الاشكال الاول. هذا مضافاً الى ان الحوالة حتى لو سلّمنا كونها بيعاً ، فلفظ البيع الوارد في الروايات الناهية عن البيع قبل القبض منصرف عن الحوالة الى البيع المتعارف.
    واما الرواية النبوية فقد يناقش في متنها فضلاً عن سندها ، إذ لعل المراد هو النهي عن بيعه قبل الاجل لا النهي عن الحوالة على مال السلم بحيث يتمكن من أخذه في وقته وبعد الاجل. واما من ناحية السند ، فالحديث روي بثلاثة طرق في باب السلف يحوّل وفي باب من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره ، وفي كل الاسناد عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف (3).
    الاشكال الثالث : وقد ذكر الامام مالك اشكالاً آخر في المقام ، وخلاصته :
     (1) المدونة ، 4 ، 34 ـ 35.
     (2) المغني 5/55.
     (3) نظر ترجمة عطية في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال.

(213)
« اشتراط ان تكون الحوالة بدين حال » (1) اما الدين في بيع السلم إذا كان مؤجلاً فهو ليس بحال فلا تجوز الحوالة.
    وقد أجاب الشوكاني عن هذا الاشكال فقال : « واستقرار الدين على المحال عليه ... فلا ادري لهذا الاشتراط وجهاً ، لأن من عليه الدين إذا أحال على رجل يمتثل حوالته ويسلّم ما أحال به كان ذلك هو المطلوب لان به يحصل المطلوب بدين المحال ، ولو لم يكن في ذمة المحال عليه شيء من الدين » (2).
    وبعبارة اخرى ، الحوالة هي : « تحويل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه » (3) ، فإذا كان زيد وهو الذي احتاج إلى النقد بعد شرائه البضاعة السلمية قد باع سلماً إلى شخص آخر ، فهو قد انشغلت ذمته بمقدار معين موصوف إلى المشتري الجديد ، وبما أنه يطلب البائع الذي باعه بتلك الكمية ، فيتمكن أن يحوّل ما في ذمته الى ذمة البائع ، فإن قبل المشتري الجديد ( المستحق ) وقبل المستحق عليه وهو البائع ، فلا يوجد أي مانع من صحة هذه الحوالة وتنفذ عند الاجل والاستحقاق ، وأي مانع في أن أقول للذي يستحق عليه المال بعد مدة : ادفع ما يستحق عليك في وقته إلى فلان الذي يطلبني قدره ؟ !
    نعم : إن صحة الحوالة بعد عملية السلم الموازي أو صحة الوكالة كذلك منوطة بان لا يُفسخ احدُ عقدي السلم المنفصلين ، فإذا فسخ العقد الاول فتبطل الحوالة لان العقد هنا هو : ان يتسلم المحال له بضاعة السلم التي كنتُ قد اشتريتها سابقاً ، فإذا بطل عقد السلم الاولي فلا يستحق المشتري إلاّ ثمنه ، فلا توجد بضاعة سلم يستحقها المشتري. كما أنه لو بطل عقد السلم الثاني فتبطل الحوالة أيضاً حيث ان العقد هو : أن يتسلّم المشتري الثاني ما استحقه بعقد السلم الثاني من البائع الذي
     (1) المغني 5/55 ، وبدائع الصنائع 6/16.
     (2) السيل الجرار المتدفق على حدائق الازهار 4/242.
     (3) اللمعة الدمشقية ، ج 4/142.

(214)
يستحق عليه المشتري الاول البضاعة السليمة. وبعد ان بطل عقد السلم الثاني ، فإن المشتري الثاني لا يستحق إلا ثمنه فلا يستحق بضاعة على بائعه ، وعلى هذا فيبقى حق المحال كما هو من دون ضياع ، لان الحوالة التي هي عبارة عن براءة ذمة المحيل وانتقال المال إلى المحال له انما يكون في صورة صحة الحوالة وعدم بطلانها ، اما إذا بطلت فيبقى حق المحال بحاله على ذمة المحيل. على أنه يمكن للشخص الثالث وهو المحال اشتراط عدم براءة ذمة المحيل الا في صورة تسلمه للبضاعة ، فانه شرط صحيح لا يخالف كتاباً ولا سُنّة حيث ان براءة ذمة المحيل على القول بها هي في صورة عدم وجود شرط على خلافها في صورة معينة.
    وأما القسم الثاني (1) : بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه على البائع فقد جوزته الروايات مالم يستلزم الربا وتفصيله يذكر في امور :
    الأمر الأول : إذا باع المشتري ما اشتراه قبل القبض ( سواء كان كلياً أو شخصياً ) بجنس آخر على البائع فهو جائز بلا كلام وذلك لان الروايات المانعة من بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه وإن كانت مطلقة لكل بيع ، إلا ان الروايات التي جوزت البيع على البائع قد أحلّت هذه الصورة بشرط ان يأخذ بقدر دينه دراهم أو عروضاً ، فمن الروايات :
    1 ـ صحيحة العيص بن القاسم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : « سألته عن رجل اسلف رجلاً دراهم بحنطة حتى اذا حضر الاجل لم يكن عنده طعام ووجد عنده دواباً ومتاعاً ورقيقاً ، يحل له أن يأخذ من عروض تلك بطعامه ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم يسمي كذا وكذا بكذا وكذا صاعاً » (2).
    2 ـ رواية الحسن بن فضال قال : « كتبتُ إلى الامام ابي الحسن ( عليه السلام ) : الرجل يسلفني في الطعام فيجيء الوقت وليس عندي طعام ، أعطيه بقيمته
     (1) لقد اشرنا الى القسم الأول في الصفحة رقم ( 210 ).
     (2) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 11 من السلف ، ح 6.

(215)
دراهم ؟ قال : نعم » (1).
    3 ـ ما روي مرسلاً عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في الرجل يسلم الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول : « ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ منّي ثمنه ، فقال ( عليه السلام ) : لا بأس » (2).
    وبظني ان الذي ذكر لصحة هذه العملية هو : « ان يأخذ بقدر دينه دراهم أو عروضاً لا اكثر » هو لأجل ان لا يستغل المشتري البائع ويضغط عليه بأن يردده بين ان يدفع المتاع الذي لم يوجد وبين ان يدفع اكثر من قيمته ، بل تريد الرواية ان تقول ان البائع له حق في ان يعطي بدل المتاع الذي في ذمته ولا يوجد في الخارج لا أنه يجبر على ذلك بحيث يُستغل من قبل الطرف الآخر ، وعلى هذا فان اعطى البائع من متاعه اكثر من قيمة ما عليه من الدراهم أو العروض باختياره فهو معاوضة صحيحة ، يشملها ( تجارة عن تراض ). ويدل على ذلك ان السائل قد فرض ان الدفع يكون بمقدار او ما على البائع ، فاجاب الامام ( عليه السلام ) بقوله « لا بأس » ولم يقل الامام إن ذلك شرط يلزم مراعاته.
    الامر الثاني : إذا باع المشتري ما اشتراه قبل القبض بجنس ما اشتراه على البائع ، فهنا روايتان ضعيفتان (3) تجوّزان ذلك بشرط أن يكون بقدر الثمن الاولي لا اكثر. ولكن الروايات المتقدمة في الامر الاول أجازت البيع بجنس الثمن الاولي مطلقاً ( أي سواء كان بقدر الثمن الاولي أو بزيادة عنه أو نقيصة ) ولذلك فقد اختلفت اقوال العلماء. ولكن بما أن الروايتين ضعيفتان فنصير إلى روايات الجواز ،
     (1) المصدر السابق ، ح 8.
     (2) المصدر السابق ، ح 5.
     (3) إحداهما خبر علي بن جعفر قال : « سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أياخذ بقيمته دراهم ؟ قال : إذا قوّمه دراهم فسد ، لان الاصل الذي يشتري به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم ... » وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 11 من السلف ح 12.

(216)
بالاضافة إلى أن الاصل الاولي القائل بان المشتري عندما ملك ببيع السلم ، فهو حرّ في بيعه بعد بجنس الثمن الاولي أو بزيادة أو بنقيصة ، لأنه يبيع المبيع ولا يبيع الثمن حتى يشترط ان يكون بقدر دراهمه لا اكثر ، وحينذ يشمله « احلّ الله البيع » و« تجارة عن تراض ».
    الامر الثالث : إذا باع المشتري المسلم فيه بنفس جنس المسلم فيه فلا يجوز بزيادة أو نقيصة لانه ربا حيث اشترطت الروايات في بيع المتجانسين إذا كانا من المكيل أو الموزون التساوي.

آراء بقية المذاهب في بيع المكيل والموزون قبل قبضه
    وقد ذهب العلامة ابن القيّم إلى جواز بيع الطعام قبل قبضه على بائعه بدليل آخر فقال : « واما نهي النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن بيع الطعام قبل قبضه فهذا انما هو في المعين أو المتعلق به حق التوفية من كيل أو وزن فانه لا يجوز قبل قبضه ، اما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء ، وفائدته : سقوط ما في ذمته عنه لا حدوث ملك له ، فلا يقاس بالبيع الذي يتضمن شغل الذمة ، فانه إذا أخذ منه عن دين السلم عرضاً أو غيره اسقط ما في ذمته ، فكان كالمستوفي دينه لان بدله يقوم مقامه ، ولا يدخل هذا في بيع الكالىء بالكالىء بحال.
    والبيع المعروف : هو أن يملِّك المشتري ما اشتراه ، وهذا لم يملّكه شيئاً ، بل سقط الدين من ذمته ، ولهذا لو وفّاه ما في ذمته لم يقل إنه باعه دراهم بدراهم ، بل يقال : وفّاه حقه ، بخلاف ما لو باعه دراهم معينة بمثلها فانه بيع.
    ففي الاعيان : إذا عاوض عليها بجنسها أو بعين من غير جنسها يسمى بيعاً.
    وفي الدين : إذا وفّاها بجنسها لم يكن بيعاً ، فكذلك إذا وفّاها بغير جنسها لم يكن بيعاً ، بل هو ايفاء فيه معنى المعاوضة. ولو حلف ليقضينه حقه غداً ، فاعطاه عنه عرضاً برّ ، في أصح الوجهين » (1).

     (1) عن القره داغي ، تطبيقات شرعية لاقامة السوق الاسلامية المشتركة ، ص 66.
(217)
وقد ارتأى هذا الرأي الامام مالك أيضاً فقد جاء في المدونة : « قلت فان كنتُ اسلفت في شعير فلما حلّ الاجل أخذت سمراء أو عمولة ؟ قال : لا بأس بذلك وهو قول مالك ... ثم ذكر أن هذا انما يجوز بعد محل الاجل أن يبيعه من صاحبه الذي عليه السلف ولا يجوز أن يبيعه من غير صاحبه الذي عليه السلم. حتى يقبضه من الذي عليه السلف ... » (1)
    وكذا ذهب إلى هذا القول الامام أحمد ، فقد جاء في مجموع الفتاوي : « سئل ( رحمه الله ) عن رجل أسلف خمسين درهماً في رطل من حرير إلى أجل معلوم ، ثم جاء الأجل فتعذر الحرير ، فهل يجوز أن يأخذ قيمة الحرير ؟ أو يأخذ عوضه أو أي شيء كان ؟ فأجاب : هذه المسألة فيها روايتان عن الامام أحمد : أحدهما لا يجوز الاعتياض عن دين السلم بغيره كقول الشافعي. والقول الثاني : يجوز ذلك كما يجوز في غير دين السلم وفي المبيع من الاعيان ... » (2)
    وقد استدل على ما نحن فيه بالحديث الذي يرويه ابن عمر ( رضي الله عنه ) قال : « كنت أبيع الابل بالنقيع ( بالنون سوق بالمدينة ، وبالباء مقبرتها ) فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو في بيت حفصة ، فقلت : يا رسول الله رويدك ، أسألك إني أبيع الابل بالنقيع فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير ، آخذ هذه من هذه ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا بأس ان يأخذها بسعر يومها مالم تتفرقا وبينكما شيء » (3).
    وهذا الحديث وإن كان في جواز الاعتياض عن الثمن بغيره مع أن الثمن مضمون على المشتري لم ينقل إلى ضمان البائع ، الا أنه استدُل به على جواز بيع المثمن الذي هو بيد البائع بغيره مع أنه مضمون على البائع لم ينقل إلى
     (1) ج 4/34 ـ 35.
     (2) مجموع الفتاوى ج 19/503 ـ 518.
     (3) رواه أحمد في مسنده ، ج 2 ، 82 ـ 154.

(218)
ضمان المشتري (1).
    ثم إن ابن عباس الذي لم يجوّز بيع المبيع قبل قبضه مطلقاً ، أجاز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح حتى أنه لم يفرق بين الطعام وغيره ، ولا بين المكيل والموزون وغيرهما ، وقد وجّه بقولهم : « لأنَّ البيع هنا من البائع الذي هو عليه وهو الذي يقبضه من نفسه لنفسه ، بل ليس هنا قبض ، لكن يسقط عنه ما في ذمته فلا فائدة في اخذه منه ثم إعادته إليه ... » (2)
خلاصة القسم الثاني :
    هو جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه على بائعه وبهذا يكون التفصيل المتقدم متّجهاً وهو :
    1 ـ بيع المكيل والموزون قبل قبضه على شخص ثالث فهو لا يجوز ( وهذا نتيجة البحث الاول ).
    2 ـ بيع المكيل والموزون قبل قبضه على البائع فهو جائز ( وهذا نتيجة البحث الثاني ).
    ولكن الشيخ صاحب الجواهر ( قدس سره ) ذكر عن الرياض انه لا قائل ( من الطائفة الامامية ) بالفرق بين البيع على شخص ثالث أو على البائع (3). وحينئذ إن تم هذا فيكون بيع المكيل والموزون قبل قبضه ( على بائعه أو على شخص ثالث ) قد نهي عنه حسب روايات البحث الاول ، وقد جوّز حسب روايات البحث الثاني ، وحينئذ فتطبق القاعدة القائلة بان الروايات المجوزة هي صريحة في الجواز ، اما الروايات الناهية فهي ظاهرة في البطلان أو الحرمة فنحملها على الكراهة أو الارشاد ، إلاّ أن البيع قبل القبض قد تحدث منه خلافات يكون الاولى تجنبها.
    ويؤيد هذه النتيجة :

     (1) راجع مجموع الفتاوى ج 29/510.
     (2) مجموع الفتاوى ج 29/514.
     (3) راجع جواهر الكلام ، ج 24/321.

(219)
    1 ـ عدم وجودعلة أو حكمة لمنع بيع المكيل والموزون قبل قبضه وجواز بيع غيرهما قبل القبض.
    2 ـ الوسيلتان اللتان ذكرتهما الروايات للوصول إلى نفس نتيجة بيع المكيل والموزون قبل قبضه ، إذ لا معنى للمنع من بيع المكيل والموزون قبل قبضه وتجويزه بطريقة ملتوية عن طريق الحوالة أو الوكالة ، فانّ الفهم العرفي يرى التنافي في هذه الطريقة.
    3 ـ تعبير بعض الروايات بان البيع للمكيل أو الموزون قبل قبضه بلفظ « لا يعجبني » (1).
    ولكن الحق : ان الادلة دلّت على التفصيل بين بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه على بائعه فأجازته ، وعلى غير بائعه فلم تجزه إلاّ تولية أو أن يشاركه معه غيره ، واما ما ذكر من عدم الفرق بين علماء الامامية فهو لم يثبت ، فيكون التفصيل متّجهاً.

النتيجة من البحث السابق :
    1 ـ إذا اشترى مكيلاً أو موزوناً سلماً وحلّ الاجل ، فلا يتمكن ان يبيعه على شخص ثالث قبل القبض ، اما بيعه على البائع بجنس آخر غير ثمن السلم أو بجنس ثمن السلم حتى بزيادة عليه أو نقيصة فهو أمر جائز
    2 ـ إذا أراد بيع المال المسلم فيه بجنسه فلا يجوز أن يبيعه بزيادة أو نقيصة لانه ربا.
    3 ـ بيع المسلم فيه إذا لم يكن مكيلاً أو موزوناً قبل قبضه امر جائز ، للعمومات الدالة على صحة البيع ، مثل « أحلّ الله البيع » و« تجارة عن تراض » والروايات الخاصة المصرحة بذلك وقد تقدمت.

     (1) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 16 من أحكام العقود ، ح 16.


(220)
    4 ـ بيع المسلم فيه قبل حلول الاجل غير جائز.
    ملاحظة : إن ما يجري في البورصات العالمية من شراء الرصاص أؤ الذهب أو المتاع أو غيرها التي يكون القصد فيها ليس هو البيع والشراء الحقيقي ، بل الانتفاع من تقلبات الاسعار للحصول على ربح ، لا يمكن ان نطبق عليها حصيلة البحث السابق ، لعدم وجود قصد حقيقي للحصول على السلعة عند البائع والمشتري ، بل إن المقصود هو المقامرة والاستفادة من تقلبات الاسعار ، ويكون لفظ المتاع والشراء غطاءاً لذلك.

ماذا يقوم مقام القبض ؟
    هل التحقق من قدرة البائع في بيع السلم على توفير السلعة عند المطالبة يغني عن القبض ؟ (1)
    وهل التأمين على السلعة المسلم فيها أو وجودها في مخازن عمومية منظمة يغني عن القبض ؟
    نقول : إذا انتهينا إلى هذه النتيجة وهي ( اشتراط قبض المكيل أو الموزون قبل بيعه على غير بائعه ، وعدم جواز بيع بضاعة السلم قبل حلول أجلها ). فيأتي هذان التساؤلان المتقدمان ، وللجواب عن ذلك نقول :
    1 ـ ان القبض مفهوم يختلف عن مفهوم التأكد من قدرة البائع في السلم على توفير السلعة ، إذ القبض مفهوم محسوس يتحقق في الخارج حسب نوع البضاعة التي يراد قبضها ، اما المفهوم الثاني فهو مفهوم يقع في صقع النفس ، قد لا يكون له تحقق في الوجود الخارجي ، وانما هو افتراض الوجود الخارجي عند المطالبة ، فبين المفهومين تباين وتضاد ، كالتباين بين الحقيقة والافتراض. وقد جعل الشارع
     (1) القبض معنى عرفي يكون في بعض الموارد عبارة عن التخلية كما في الدار والبستان ، ويكون في بعض آخر بالتسليم والتسلم.