(301)
وواضح أن الرواية الاولى لم تقيّد الدرهم بالفضة ، بل كل نقد سواء
كان من فضة أو من غيرها ، وكذا الأمر في الدينار. أما الرواية الثانية ففيها لفظة
المال التي هي عامة لكل مال ، سواء كان نقداً ذهباً ، أم فضة ، أم نحاساً ، أم
ورقاً ، أم شيئاً آخر من الأموال ، فان كانت الزيادة بشرط والتزام فهي الربا ، أما
إذا كانت برضا المقترض ومن دون إلزام ، فهي حلال ، كما عبّرت به بعض الروايات بأن
خير القرض ما جرّ نفعاً.
ومن الغريب أن الحديث الذي أخرجه صاحب « بلوغ المرام »
عن علي ( عليه السلام ) ، وقال عنه السيد رشيد رضا : « انه جرى على ألسنة العوام
والخواص » وهو : « كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا (1) » هو مروي من قبل رواة أهل السُنّة
وهو أحد أدلتهم على حرمة الربا ، فكيف خفي هذا على النمر ورفيقه المرسي؟!
وبعد
هذه الفتاوى على حرمة ربا القرض في الفلوس وغيرها من الأموال ، والنصوص التي
ذكرناها ، وهي غيض من فيض ، هل يستحق كلام المرسي من دراسة أو يكون مؤيداً
للنمر؟!!
3 ـ مع الدكتور محمد سيد طنطاوي
ثم انه قد طالعتنا جريدة
النور / السنة الثامنة / العدد ( 387 ) الأربعاء ( 30 ) ذوالحجة ( 1409هـ ) المصادف
(2) اغسطس ( 1989 م ) بفتويين غريبين للدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي جمهورية مصر.
وإليك كلا السؤالين وجوابهما :
1 ـ وردت رسالة للمفتي برقم ( 145 ) بتاريخ (4)
يوليو الماضي من ( ج.م ) تضمنت سؤالاً جاء فيه : « شهادات الاستثمار التي تدرّ
عائداً شهرياً محدداً ، هل
(1) راجع كتابنا « الربا فقهياً واقتصادياً » ص 192.
(302)
العائد حلال أم حرام؟ ».
2 ـ وردت رسالة للمفتي برقم ( 256 ) جاء
فيها « أن السائل كان مودعاً أمواله بأحد البنوك الاسلامية ، ونظراً لما حدث لبعض
شركات توظيف الأموال قام بسحب أمواله وأودعها في أحد البنوك الحكومية بفائدة محددة ، ويسأل عن حكم هذه الفوائد المحددة ». وقد أجاب المفتي بإجابة واحدة على السؤالين ، قال فيها : « يرى جمهور الفقهاء أن العائد من الأموال المودعة بالبنوك هو من قبيل
الشبهات أو الربا ، لأن العائد قد حدد مقدماً زمناً ومقدراً. ويرى البعض الآخر أن
هذا العائد هو من قبيل المضاربة الشرعية فهو حلال. ونحن نرى أنه لامانع من الأخذ
بالرأي الثاني رعاية لمصالح الناس ، ولأن تحديد نسبة الربح لم يرد مايمنعها في
القرآن الكريم أوالسنة الصحيحة. وهذا إذاكان الحال كما وردبالسؤال ، والله
أعلم ».
أقول : يبدو وجود محاولات حكومية تبذل حالياً لهدف الوصول الى فتاوى
بحلّيّة فوائد البنوك التي هي تابعة للدولة ، ولكن هذه المحاولات غير ذكية بل جاهلة ، حيث إن محاولة الدكتور النمر في الحلّيّة تتعارض مع محاولة السيد طنطاوي ، حيث إن
الأول حلل الربا وكان أحد أدلته « أن الربا إنما حرم من ناحية التحديد في سعر
الفائدة » بينما السيد طنطاوي يقول : « إن تحديد نسبة الربح في الأموال المودعة في
البنك لم يرد مايمنعها في القرآن الكريم أو السُنّة الصحيحة ».
أقول : نعم ، المهم هوالتحليل لما حرّم الله ، أما الدليل فليس مهماً!
الفرق بين الربا والمضاربة الشرعية :
(1) الربا هوعبارة عن
أخذ الفائدة على رأس المال النقدي في مقابل الامهال.
(1) انما قلنا المضاربة الشرعية ، لأنه يوجد اصطلاح للمضاربة في الاقتصاد
الحديث. ومعناها في الاقتصاد الحديث : « رغبة بعض الأفراد في تحقيق الأرباح عن
طريق الاستفادة من تقلبات معدلات الفائدة الناجمة من تغيرات أسعار السندات » «
الدخل القومي والاستثمار » ص 173.
(303)
وهذا قد وقفت منه النصوص الشرعية ، قرآنية وروائية ، موقفاً حاسماً.
فمن الآيات القرآنية قوله تعالى : ( الّذينَ يأكلونَ الرِّبا لايقومونَ إلاّ كما
يقومُ الذي يتخبَّطُهُ الشيطان من المسِّ ، ذلك بأنَّهم قالوا إنّما البيعُ مثلُ
الرِّبا وأحلَّ الله البيعَ وحرّمَ الربا ، فمن جاءه موعظةٌ من ربِّه فانتهى فلهُ
ماسلف وأمره الى الله ومَنْ عادَ فاولئك أصحابُ النارهُم فيها خالدون * يمحقُ الله
الرِّبا ويُربي الصَّدقاتِ والله لايُحبُّ كُلَّ كفار أثيم ... يا أيُّها الّذينَ
آمنوا اتَّقوا الله وذروا مابقي مِنَ الرِّبا إن كُنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا
فأذنوا بِحرب من الله وروسوله وإن تُبتم فلكُمْ رؤوسُ أموالكم لاتَظلِمونَ
ولاتُظلَمون ) (1).
وأما الروايات المانعة فهي كثيرة سوف نعرض قسماً منها فيما
بعد.
إذن ، الاسلام لم يوافق على أن يكون رأس المال مكسباً على نحو اجارة الدور
أو الآلات التي تدخل في الانتاج وتُؤخذ الأجرة عليها.
ولسائل أن يسأل : إذن كيف
يتمكن المالك لرأس مال نقدي أن ينميه؟
الجواب : إن رأس المال النقدي قد جعل له
الاسلام طريقاً للتنمية ، وذلك بدخوله في التجارة « إما أن يتاجر فيه صاحبه ، وإما
أن يعطيه لمن يتاجر به ، على أن تكون نسبة مئوية لصاحب المال ونسبة مئوية أيضاً
للعامل » وإذا خسر المشروع فلا يجوز أن يجبر العامل على تحمل الخسارة ، وإنما حدد
الشرع الخسارة على صاحب المال النقدي ، أما العامل فقد خسر عمله ، وهذه العملية هي
التي تسمى بالمضاربة أو القراض ، وهي عقد شرعي قد أجازه الشارع لتنمية رأس المال
النقدي. وهذا المعنى للمضاربة الذي أحلّه الشارع هو المعنى اللغوي للكلمة ، ومعنى
المضاربة في اللغة هو « اتجار انسان بمال غيره (2) ». وفي مجمع البحرين : «
المضاربة : مفاعلة ، من الضرب في الأرض والسير فيها للتجارة (3) » ، ومن أراد
(1) البقرة / 275 إلى 279.
(2) المؤتمر الثاني لجمع البحوث الاسلامية / د.
محمد العربي ، ص 83.
(3) ج 2 باب ضرب ، ص 107.
(304)
التوسع فعليه مراجعة كتابنا : « الربا فقهياً واقتصادياً » لمعرفة
شروط المضاربة بتفاصيلها وعناصرها المهمة الدخيلة في تكوينها (1).
وفي الحقيقة :
إن المضارب عامل يعمل بأموال غيره ، فعندما يحولها الى أعيان بالشراء ويبيعها ، فكل
الربح يكون لصاحب المال حيث إن ماله قد تحول الى مال آخر ، فيستحق كل الربح ، وبما
أنه قد تعهد أن يعطي للعامل نسبة من الربح ، فهو في الحقيقة قد تنازل عن شيء من
أمواله التي يملكها لهذا العامل حسب الاتفاق السابق في العقد ، كما أن للعامل أن
لايوافق على عقد المضاربة ، بل يتفق مع صاحب المال على العمل في التجارة بأموال
صاحب المال لقاء أجر ثابت ، وبذلك يدفع عن نفسه احتمال الخسارة في عمله ، وقد أجاز
الشارع المقدس لعمل العامل كلا الطريقين ، ولكن يمتاز طريق الأجر بعنصر الضمان على
أجره بقطع النظر عن نتائج العمل وما يسفر عنه الانتاج من مكاسب أو خسائر. وأما
طريق المشاركة في الأرباح بنسبة مئوية ، بأمل الحصول على مكافأة أكبر ، فحقيقته أن
العامل قد ربط مصيره بالعملية التي يمارسها وفقد بذلك الضمان ، اذ إنه من المحتمل
أن لايحصل على شيء إذا لم يربح المشروع التجاري ، ولكنه في مقابل تنازله عن الضمان
يفوز بمكافأة منفتحة ، غير محددة ، تفوق الأجر المحدد في أكثر الأحيان. وهذا
الأسلوب الثاني نظم الاسلام أحكامه عن طريق عقد المضاربة ، ومثلها المزارعة
والمساقاة والجُعالة. والذي يهمنا هنا هوالمضاربة ، فمن الأدلة على جوازها شرعاً
صحيحة الحلبي ، عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : « المال الذي يعمل به مضاربة له
من الربح وليس عليه من الوضيعة شيء إلاّ أن يخالف أمر صاحب المال (2) » وصحيحة
الحلبي الثانية عن الامام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : « في المال الذي يعمل به
مضاربة له من الربح وليس عليه من الوضيعة شيء ، إلاّ أن يخالف أمر صاحب المال ،
(1) ص 435.
(2) وسائل الشيعة / ج 13 / باب (1) من أبواب المضاربة / ح 4 ص
181.
(305)
فإن العباس كان كثيرالمال ، وكان يعطي الرجال يعملون به مضاربة ، ويشترط عليهم أن لاينزلوا بطن واد ، ولايشتروا ذا كبد رطبة ، فإن خالفت شيئاً مما
أمرتك به فأنت ضامن المال (1) ».
ثم إن من نافلة القول تأكيد أن عقد المضاربة
إنما يصح في التجارة بالمال ، فالمال من فرد والعمل من آخر ، أو المال من جماعة
والعمل من جماعة ثانية ، والربح نسبة محددة والخسارة على ربّ المال ، والعمال خسروا
العمل ، ولايصح تضمين العمال للخسارة ، فان كل هذه الشروط هي في باب المضاربة التي
يذكرها علماء الاسلام ، ولسنا الآن بصددها.
ولكن نقول : للمفتي ( طنطاوي ) كيف
رجّحت القول القائل بأن الأموال المودعة في البنك وتدر عائداً شهرياً محدداً ( كما
في السؤال الأول والثاني ) بأنها مضاربة شرعية ، فأين شرط المضاربة من كونها في
التجارة وأن الربح نسبة مئوية ، والخسارة إن حصلت فهي على صاحب المال؟ فأين هذه
الشروط ممن يودع ماله في البنك نتيجة العائد المحدود الذي هو ربا واضح؟!!
وإذا
كان هذا مضاربة ، فأين يوجد الربا القرضي؟
ثم إنه لماذا تقول إن جمهور الفقهاء
يرون أن العائد من الأموال المودعة بالبنوك هو من قبيل الشبهات أو الربا ، فأين
الشبهة يا استاذ؟ أليس أن القرآن الكريم والسُنّة النبوية قد حرمت الربا بصورة
قاطعة ، فأين الشبهة؟!
ثم هل يجوز الأخذ بصالح الناس ـ حسب قولك ـ إذا كان يخالف
القرآن والسنة؟ وهل الصالح هو بتحليل الحرام ، أو بتحريم الحلال؟ وإليك يا مفتي مصر
العربية ، يا من تتجه إليه الأسئلة الدينية ، هذا الكلام الاقتصادي لتعرف إن كانت
مصلحة الناس في تحريم الربا أو في تحليله!
(1) المصدر نفسه / ح 7..
(306)
هل ينمو الانتاج بأخذ الفائدة ؟
ذكر الاقتصاديون : أن
ارتفاع سعر الفائدة يؤدي الى انخفاض حجم الاستثمار ، وانخفاض سعر الفائدة يؤدي الى
ارتفاع حجم الاستثمار. وبطبيعة الحال إن انخفاظ الفائدة يؤدي ( اضافة الى ماذكرنا
) الى ارتفاع الدخل القومي ، وبالتالي الى ارتفاع الاستهلاك والادخار. كما أن
ارتفاع الفائدة يؤدي ( اضافة الى ماذكرناه ) الى تخفيض الدخل القومي ، وبالتالي الى
خفض الاستهلاك والادخار ، فاذا منعنا الادخار فيتعيّن الجانب الآخر ، وقد نهى
الاسلام من الادخار بالآية القرآنية الواضحة : ( والّذين يكنزونَ الذهب والفضة
ولايُنفقونها في سبيل الله فَبشِّرهم بعذاب أليم * يَومَ يُحمى عليها في نارجهنم
فَتُكوى بها جِباهُهُمْ وجنوبُهُمْ وظهورُهُمْ هذا ما كنزتم لأنفُسِكُمْ فذوقوا
ماكنتم تكنزون ) (1).
ولما كانت النتيجة واضحة ( وهي أن ارتفاع سرع الفائدة يؤدي
الى انخفاض حجم الاستثمار والى قلة الدخل القومي والعكس صحيح ) فلماذا إذن لاتحظر
الفائدة اقتصادياً؟ ، فإن في منعها أو تحريمها اقتصادياً أو شرعاً فوائد اقتصادية
هي ارتفاع حجم الاستثمار وارتفاع الدخل القومي ، وفي اباحتها تأخير للاستثمار
وتقليل للدخل القومي. وإذا سارالاقتصاد العالمي في طريق مع الفائدة أو تحريمها فلا
حاجة إذن للادخار ، إذ أنَّ الادخار أساس الاقراض بالفائدة ، وكما قلنا سابقاً إن
الأموال إذا لم تدخر لابُدَّ لها من أن تصرف في وجوه البر والخير والصلاح والمصالح
العامة ، أو أن تستثمر في التجارة والصناعة على أساس المشاركة والمضاربة حسب اختلاف
الأفراد. وبهذه الطريقة تكون النتيجة واضحة وفي صالح الدولة كما هو واضح.
(1) التوبة / 34 ـ 35.
(307)
وهنا يدور في خاطرنا سؤال نعرضه على الاقتصاديين وهو : لماذا لايحظر
الاقتصاديون الفائدة إذا كان في منعها زيادة لدخل الفرد ولحجم الاستثمار؟
إنّ
هذا السؤال يحتاج الى جواب ليس هذا محله ، فللأوضاع السياسية ولأرباب البنوك دخل في
ذلك ، إذ ليس السياسيون يريدون صلاح المجتمعات ككل ، بل يريدون صلاح دنياهم ولو
كانت على جماجم الآلاف من المستضعفين. لذا نراهم يسلكون ما فيه اشباع لشهواتهم
الحيوانية ، وإن أدى الى ظلم المجتمعات الكبيرة ، كالحيوان الذي لايرى إلاّ شهوته
وهي مقدمة على كل الناس.
ويجدر بنا هنا أن نعرض أشكالاً بيانية من الاقتصاديين
ليلتفت الاستاذ الى أن تحريم الفائدة هوالمصلحة للناس ، لا تحليلها.
الشكل رقم ( أ ) (1) فالشكل رقم ( أ ) يشير الى تحديد سعر
الفائدة بالكمية النقدية وبتفضيل السيولة ، فلو انخفض معدل الفائدة الى الصفر تكون
كمية النقود المبذولة للاستثمار أكثر من أي وقت ، وإذا ارتفعت الفائدة انخفضت كميات
النقود المبذولة للاستثمار.
(1) « الاقتصاد السياسي » د. رفعة المحجوب ، ج 2 شكل 45 ص 289.
(308)
الشكل رقم ( ب) (1)
وهنا في شكل ( ب ) نرى أن انخفاض معدل الفائدة يزيد من الادخار
والاستثمار ، والعكس صحيح ، وإذا منعنا الادخار وخفضنا الفائدة تجمعت الأموال
للاستثمار.
الشكل رقم ( ج) (2)
(1) « الدخل القومي والاستثمار » شكل رقم ( 2 ) ص 166.
(2) المصدر نفسه شكل
رقم ( 5 ) ص 181.
(309)
وهذا الشكل أيضاً يدل على أن انخفاض سعر الفائدة يجعل حجم الاستثمار
كبيراً ، فاذا انعدمت الفائدة كان حجم الاستثمار أكبر بالاضافة الى زيادة الدخل
القومي لزيادة حجم الاستثمار ، أي أنه ( إذا كانت الكفاية الحدّية لرأس المال ثابتة
فان حجم الاستثمارات يزداد كلما كان معدل الفائدة منخفضاً ، والعكس صحيح ).
وقد
يرد بعض الاقتصاديين على هذه الحقيقة بقولهم : إن أيام الأزمة أو أيام الكساد مثلاً
سنة ( 1931 ) كانت الأسواق مملوءة بالسلع والطلب كان قليلاً ، فحتى لو خفّضت
الحكومة معدل الفائدة الى أقل سعر ممكن أو الى الصفر ، فإن طلب أموال لأجل
الاستثمارات لن يزيد ، إذن حجم الاستثمار يعتمد على الأرباح التي سوف يتوقع المنظم
الحصول عليها من بيع السلع بالدرجة الاولى ، وبعد ذلك يعتمد على معدل الفائدة.
ولكن يجاب بأن أزمة سنة ( 1931 ) شاذة عن القاعدة ، ونادرة الوقوع وكان
الأفراد قليلي الدخل. وقد يكون لها أسباب اخرى ليس هنا محل ذكرها.
وماذا بعد تحريم الفائدة يا مفتي الجمهورية المصرية ؟
نقول
: إن المفاسد المترتبة على اباحة الربا ( قلة الدخل ، وقلة حجم الاستثمار ) سوف
تزول وتستبدل بها صور نافعة ، أما حلّية الفائدة فهي تحرّض الانسان على انفاق أقل
مايمكن على نفسه وادخار أكثر ما يستطيع ، وتوعد الدولة من لم يدخر بأن ليس في
المجتمع من يأخذ بيده عند الطوارىٌ والكوارث الى شاطئ الرحمة والرأفة. وقد رأينا
سابقاً مايترتب على ارتفاع سعر الفائدة أو حلّيتها من قلة الدخل ، وانتشار البطالة ، وقلّة حجم الاستثمار ، وما الى ذلك.
(310)
لماذا خلاف القرآن الصريح بين الحين والآخر ؟
نقول : ان
الذي جرّأ بعض الأستاتذة في الفقه على القول بحلّية ربا القرض ، هوالمسلك الذي سار
عليه بعض فقهاء السلطة في ذكر الأدلة الدالة على تحريمه ، مدعين ان الآيات القرآنية
نزلت في ربا الجاهلية ، وهو يختلف عن ربا القرض ، فالنتيجة : أن ربا القرض لم تكن
له أهمية كبيرة عند بعضهم ، ولذا فقد أهمله بعض منهم وشك في حرمته آخرون (1) ، ولهذا
تسمع بين الحين والآخر أصواتاً تدعو لحلّيته ، ونرى المخلصين منهم يردون بحماسة
بالغة ولكن من دون تقديم الأدلة الرادعة على ذلك سوى قولهم : ان المؤتمرات حرّمت
ربا القرض ، « وكذلك الفتاوى الجماعية التي صدرت عن المجامع الفقهية والمؤتمرات
العلمية المتخصصة » (2).
ولكن الذي أراه أن هذا غير كاف لردع الأصوات التي تنادي
بحلّيته ، لأنها تحتاج الى دليل فقهي يقنعهم بالحرمة ، ونحن نذكر أدلتهم على حرمة
ربا القرض لأجل أن نوضح السير الضعيف لهذه الأدلة ، ثم نذكر الأدلة التي ذكرها
علماء الإمامية على الحرمة ( وهي أدلة قرآنية وروائية ) مقنعة وصريحة وكثيرة تصل الى
حدّ التواتر الموجب لحصول القطع على حرمة ربا القرض.
الأدلة المذكورة على حرمة ربا القرض :
1 ـ فمن الأدلة
ماذكره السنهوري وغيره بقوله : « لأن الزيادة تشبه الربا لأنها فضل لايقابله عوض
والتحرز عن حقيقة الربا وعن شبهة الربا واجب » (3).
(1) راجع « نظرية الربا المحرم في الشرعة الإسلامية » د. زكي ابراهيم بدوي / ص
32.
(2) جريدة النور / فوائد البنوك ربا محرم / د. علي السالوس.v ( 3 )
السنهوري / مصادر الحق / ج 3 ص 238.