(311)
نقول : وواضح فساد هذا الاستدلال ، لأن الشبه بالمحرم لوحده لايسوّغ لنا أن نعطي حكم المحرم للشبيه ، إلاّ أن يكون الشبه من جميع الجهات ، وهنا الشبه ليس من جميع الجهات فهل يكفي هذا لإعطاء الحرمة لربا القرض ، على أن التحرز من شبهة الربا إذا كانت حكمية ( كما فيما نحن فيه كما يدعي ) فليست بواجبة.
    وفيما أرى أن الدليل الذي ذكره السنهوري يعود الى القياس ، فقد قاسوا ربا القرض على الربا المنصوص العلة ، وهذا القياس يسمى في عرف المناطقة ( التمثيل ) وهو لايفيد الاحتمال ، نعم ، كلّما قويت وجوه الشبه قوى عندنا الاحتمال حتى يكون ظناً ، وهو في هذه الحالة لايخرج عن القيافة التي لاتغني من الحق شيئاً (1).
    2 ـ ومن أدلتهم على حرمة ربا القرض حديث سوار الذي أخرجه صاحب « بلوغ المرام » عن علي ( عليه السلام ) وهو : « كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا » ثم قالوا : اسناده ساقط. وسوار : متروك الحديث.
    وهكذا أبعدوا القرآن الكريم ( الذي هو أساس التحريم للربا القرضي الذي كان معروفاً في الجاهلية ، عن أدلة الحرمة ، ولذا نجد من يقول بحلّيته ، مثل النمر وطنطاوي وغيرهما ، وقد سبقهم الى مثل هذه الدعوى الاستاذ معروف الدواليبي في محاضراته التي ألقاها في ( مؤتمر الفقه ) بباريس ، وقد ناقشناه في كتابنا : « الربا فقهياً واقتصادياً » (2) مما لامزيد عليه. وذهب الى هذه الآراء المستشرق « مكسيم رودنسون » في كتابه : « الاسلام والرأسمالية » (3) بل ادعى أكثر من ذلك بقوله : إن الآيات التي حرمت الربا تشير الى مضاعفة الدّين إذا عجز المدين عن الوفاء به في أجله. ثم قال : « ولعل تحريم الربا كأكثر نواهي القرآن ( وفي الوقت نفسه كأكثر أحكام الأديان الاخرى ) قاعدة عارضة دعت إليها ظروف مؤقتة ». وفيما
     (1) راجع كتابنا « الربا فقهياً واقتصادياً » ص 74 ومابعدها.
     (2) ص 394 ومابعدها.
     (3) ترجمة نزيه الحكيم ص 50.

(312)
أظن أن الدكتور النمر قد تأثر أو أثر في كتابات هذا المستشرق المؤرخ الذي تطرق لقضايا العلم والفقه ، وقد ناقشنا هذا الأخير أيضاً في كتابنا المتقدم ذكره ، فراجع (1).
    وممن ذهب الى ذلك أيضاً الشيخ محمد عبده أو تلميذه السيد محمد رشيد رضا الذي كان كثيراً مايخلط كلام استاذه بكلامه (2). وغير هؤلاء من العلماء.

ربا القرض والربا الجاهلي :
    ذكر بعضهم فرقاً بين ربا القرض والربا الجاهلي فقالوا : إن الربا الجاهلي عبارة عن معاملة مخصوصة تختلف عن معاملات الربا التي كافحتها الشرائع السماوية وغيرها ومازالت مورد تعامل عند الناس ، فيقول بعض الفقهاء : ان الربا الجاهلي هو ما أشارت اليه آية : ( يا أيُّها الّذينَ آمَنوا لاتأكلوا الربا أضعافاً مُضافعةً وأتَّقوا الله لعلكم تُفلحون وأتَّقوا النار التي اُعدَّت للكافرين ) (3) وربما يستدل أو يؤيد هذا الرأي ما روي عنهم بعبارة : « أتقضي أم تربي » التي تدل على أن الزيادة تحصل الآن ، وهذا يختلف عن الربا المتعارف الذي تكون فيه الزيادة من أول الأمر عند عقد القرض ، وإليك الآثار التي تدل على هذا التمييز.
    منها : أخرج هذا الأثر جلال الدين السيوطي ، ونصه : « وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد ابن جبير في الآية قال : إن الرجل كان له على الرجل المال ، فاذا حلّ الأجل طلبه من صاحبه ، فيقول المطلوب أخّر عني وأزيدك في مالك ، فيفعلان ذلك ، فذلك الربا أضعافاً مضاعفة » (4).

     (1) ص 402 ومابعدها.
     (2) « نظرية الربا المحرم في الشريعة الاسلامية » ابراهيم زكي الدين بدوي ص 267.
     (3) آل عمران / 130 ـ 131.
     (4) « الدر المنثور » للسيوطي ج 2 ص 71.

(313)
ومنها : المروي عن زيد ، ونصه : « إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن فيكون للرجل فضل دين ، فيأتيه إذا حلّ الأجل فيقول له تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضى ، وإلاّ حوّل الى السن التي فوق ذلك » إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة « لبون » في السنة الثانية ثم « حقه » ثم « جذعه » ثم « رباعياً » ثم هكذا الى فوق ، وفي العين ( النقد الذهبي والفضي ) يأتيه فإن لم يكن عنده ، أضعفه في العام القابل ، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضاً ، فتكون مائة فيجعلها الى قابل مائتين ، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة ، يضعفها له كل سنة أو يقضيه ، قال : فهذا قوله : « لاتأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة » (1).
    هكذا قصروا كل الآيات القرآنية على ربا الجاهلية ، بينما استدلالهم كما رأينا هو قصر آية ( أضعافاً مضاعفة ) على ربا الجاهلية. أما غيرها من الآيات فلم يرد في تفسيرها ذلك ، ولكن اشتبه الأمر عليهم فذهب قسم منهم الى أن الآيات القرآنية تحرم ربا الجاهلية فقط. وقد جرّ البحث بعضهم الى أن لفظة الربا المحلاة بالألف واللام ، هل هي للجنس أم للعهد؟ ولكن هذا لايجدي في حرمة الربا القرضي مادام الانصراف الى قسم خاص من الربا وهو ( الربا الجاهلي ) يمكن أن يُدعى في المقام.
    كما نرى من الخطأ البحث في عموم لفظة الربا ، إذ لاعموم فيها كما هو واضح المراد من العموم المستفاد من اللفظ ، فإن اللفظة إذا كان فيها شمول فمن مقدمات الحكمة ، ولذلك من الخطأ البحث في أنها عامة أو خاصة ، كما نقل ذلك عن المفسّر القرطبي في « الجامع لأحكام القرآن » والفقيه الشافعي الكياهراسي في كتابه « أحكام القرآن » وهو مخطوط في مصر ، وقد نقل عبارته السيد محمد رشيد رضا في رسالته عن الربا ص 24.

     (1) « جامع البيان » ج 4 ص 90.
(314)
تغيير خطة البحث :
    1 ـ من الأرجح تغيير خطة البحث من عموم اللفظ وجنسية الألف واللام ، الى مراجعة الآثار التي ذُكرت لنرى إن كانت تثبت فقط حرمة الربا الجاهلي ، أو أنها لاتحصر الربا المحرم بالجاهلي المتقدم ذكره وإنما تشمل معاملات اخرى كانت تسمى بربا الجاهلية؟
    2 ـ ثم بعد ذلك : نرى الآيات الاخرى التي نزلت في تلك الفترة من الزمن ، هل المقصود منها نوع خاص من المعاملات الربوية أم تشمل كل المعاملات الربوية الموجودة في ذلك الوقت؟ وأما آية : ( أضعافاً مضاعفة ) فهي تريد لفت نظر المرابين الى النتائج الفضيعة التي يسفر عنها الربا.؟

البحث الأول :
    نقول : إن الآثار المتقدمة وغيرها لاتحصر معنى « ربا الجاهلية » بالمعنى الذي ذكر ، وإنما يذكر له معنى آخر وهو « القرض بفائدة » ، وقد ذكر الفخر الرازي موضحاً المعاملة التي كانت جارية آنذاك فقال : « إعلم ، أن الربا قسمان : ربا النسيئة وربا الفضل. أما ربا النسيئة فهو الأمر الذي كان مشهوداً متعارفاً في الجاهلية ، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدراً معيناً ، ويكون رأس المال باقياً ، ثم إذا حلّ الدين طالبوا المديون برأس المال ، فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل ، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به » (1).
    وهذا وإن كان فهماً خاصاً له ، إلاّ أنه يكشف عن معاملة ذلك الزمان بحسب رأيه في الأقل ، كما أن الآثار المتقدمة لم نستفد منها إلاّ فهمهم الخاص للربا المسمى بالجاهلي.
    وفي هذا المعنى الذي ذهب إليه الفخر الرازي ماذكره الجصاص في « أحكام
     (1) « مفاتيح الغيب » المشتهر بالتفسير الكبير ج 7 ص 91 ( طبعة مصر ـ المطبعة البهية ).


(315)
القرآن » إذ قال : « والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير الى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على مايتراضون به ، ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد ، وإذا كان متفاضلاً من جنس واحد. هذا كان المتعارف المشهور بينهم ولذلك قال الله تعالى : ( وما آتَيتُمْ مِنْ رِباً لِيَربُوَا في أموالِ الناسِ فلا يَربُوا عِندَالله ) فاخبر أن تلك الزيادة المشروطة إنما كانت ربا في المال المعيّن لأنه لاعوض لها من جهة المقرض » (1).
    إذن ، لم يكن معنى الربا الجاهلي ذلك المعنى الخاص الذي ذكر له ، وإنما له معنى آخر كما تقدم ، وربما يكون معنى « الربا الجاهلي » هوالمعنى العام الشامل للتأخير في مقابل الزيادة والقرض بفائدة من أول الأمر ، وأن كل أثر لايحصر معنى « الربا الجاهلي » بما قاله فلا مانع من المعنى العام للربا الجاهلي.
    نعم ، إن ماجاء في « أحكام القرآن » هوالحصر ، إذ يقول : « ولم يكن تعاملهم بالربا إلاّ على الوجه الذي ذكرنا من قرض دراهم أو دنانير الى أجل مع شرط الزيادة ». ولكن نقول : ان الحصر لاوجه له لما ذكر من الآثار الكثيرة الدالة على وجود ما يسمى بالربا الجاهلي المتقدم.
    ثم على فرض أن يكون للربا الجاهلي ذلك المعنى الخاص الذي ذكر فقط ( وهو التأخير في سداد الدين في مقابل الزيادة ) إلاّ أن هذا المعنى لم يكن دليلاً على استعمال لفظة الربا في ذلك المعنى فقط ، بل يمكن أن تكون لفظة الربا تستعمل في « الربا الجاهلي » وفي الربا غير الجاهلي الذي كان موجوداً في ذلك الزمان وهو « القرض بفائدة » الذي كان شائعاً قبل الاسلام وفي الديانات السماوية قبل الاسلام والذي رُدع عنه أيضاً.

البحث الثاني :
    وهو : هل المقصود من الآيات القرآنية هو « الربا الجاهلي »
     (1) ج 1 ص 465.
(316)
الذي هو بمعنى الزيادة في مقابل تأجيل الدين الى الأجل الثاني؟
    نقول : إنما نقبل هذه الدعوى إذا صرح بالنصوص الواردة في تفسير آيات الربا كلها بأن المراد ذلك المعنى من « ربا الجاهلية ». أو أن يكون استعمال هذا المعنى من الربا الجاهلي بصورة كثيرة بحيث نُقِل المعنى العام للربا الى هذا المعنى الجديد ، باعتبار أن كثرة استعمال اللفظ وارادة معنى خاص منه يوجب أن يكون هذا الاستعمال الثاني هو المراد دائماً ويُنسى المعنى الأول ، وحينئذ إذا جاءت لفظة الربا مطلقة فلا يمكن ارادة المعنى الأول منها ، لأن اللفظة إنما يصار الى اطلاقها إذا لم تكن هناك قرينة على القيد ، وهذا المعنى الذي ذكرناه ، أو في الأقل الفرق الخاص بين اللفظة وارادة معنى معين بكثرة هو قرينة على القيد.
    ثم بعد هذه المقدمة نقول :
    أما التصريح بأن المراد من كل الآيات القرآنية حصة خاصة من الربا ، فلم يرد ذلك أصلا. نعم ، وردت الآثار في خصوص تفسير قوله تعالى : ( أضعافاً مضاعفة ) بأن المراد منه الربا الجاهلي ، وقد تقدم أيضاً بأن الآثار عن معنى الربا الجاهلي مختلفة ويمكن أن يراد جميعها.
    ثم إن آية ( اضعافاً مضاعفة ) تريد لفت نظر المرابين الى النتائج الفضيعة التي قد يسفر عنها الربا ، إذ يصبح المدين مثقلاً بأضعاف ما استقرضه لتراكم فوائد الربا ، ولذا نجد القرآن الكريم في آية اخرى يقول : ( وإنْ تُبتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أموالِكُمْ لاتَظلِمُونَ ولاتُظلَمُونَ ) ، إذن المسألة ليست مسألة حرب مع نوع خاص من الربا الجاهلي وهو الذي يضاعف الدين أضعافاً مضاعفة في بعض الأحيان ، وإنما هي مسألة مذهب اقتصادي له نظرته الخاصة الى رأس المال النقدي الذي تحدد له مسوغات نموه و تشجب كل زيادة له منفصلة عن تلك المسوغات مهما كانت ضئيلة ، كما يقرره الزام الدائن بالاكتفاء برأس ماله لايظلم ولايُظلم. وهذا سوف نوضحه في الأبحاث القادمة إن شاء الله تعالى.


(317)
أما الاستعمال ، فإن لفظ الربا لاإشكال في استعماله في ذلك الزمان في الزيادة في القرض والزيادة عند حلول الأجل الذي هو « الربا الجاهلي » بالمعنى الأخص ، ولم يكن أحد الاستعمالين شائعاً بحيث يُشكِّل قرينة على الانصراف.
    وعلى هذا الأساس ، تكون الآيات القرآنية غير خاصة بالربا الجاهلي بالمعنى الأخص ، سواء كانت الألف واللام للجنس أو للعهد ، وبهذا تبطل دعوى من يقول إن النهي القرآني لايشمل القرض بفائدة ، وهذه النتيجة التي وصلنا إليها بطريقتنا هذه هي مورد قبول قسم من علماء أهل السُنّة ، وان كانت طريقتهم إليها لاتخلو من ضعف ، كما تقدم ذلك.

فقهاء الامامية :
    أما فقهاء الإمامية ( رحمهم الله ) فإن حجّتهم على حرمة ربا القرض لاتكاد أن يفكر في ردها ، ولذا لم يرد صوت واحد منهم يدعو الى دراسة فكرة تحليل ربا القرض على مدى العصور إذ أنهم يرون أن الأدلة القرآنية شاملة لربا القرض كما أنها تشمل كل ربا الجاهلية لأنها صريحة في كل زيادة بلا مسوغ من قبل الشارع الذي رسم لنا دواعي الكسب ونمو المال ، وليس منها الربا الذي نهي عنه بصورة بشعة وحاسمة. وسوف نعرض قسماً منها هنا.

ربا القرض عند الامامية :
    القرض معروف عند العرف وهو : عبارة عن طلب المال من شخص أو جهة على أن يرجعه في مدة معينة أو عند الاستطاعة ، وهو عند الفقهاء : تمليك المال على وجه الضمان ، ولا فرق فيه بين أن يكون بصيغة عقد أولا ، كالقرض المعاطاتي.
    والزيادة في القرض لها صورتان :
    الأولى : أن تكون في مقابل التأجيل : فهي زيادة حقيقية في الشيء نفسه لأنها زيادة على ما كان في الذمة.


(318)
الثانية : زيادة في عقد القرض نفسه ابتداءً ، فهي زيادة بالمسامحة العرفية وإنما تكون ربا حراماً في صورة مالو شرط النفع في عقد القرض فحصلت الزيادة ، وهذا لايختص بالمكيل والموزون ، بل يعم المعدود والمشاهد.

الأدلة على حرمته :
    استدلوا على حرمة ربا القرض بأدلة كثيرة تصل الى حدّ التواتر ، منها :
    1 ـ قوله تعالى : ( وأحَلَّ الله البَيْعز وحَرَّمَ الرِّبا ) وأمثالها من الآيات الناهية ، عن التعامل بالربا وتصوره بصورة بشعة تحذر من الاقتراب منه ، فإن الحرمة هنا مطلقة لكل زيادة تؤخذ بلا عوض في بيع المتجانسين (1) ، أو في عقد القرض ، فهنا أيضاً الزيادة المشترطة قد اخذت بلا عوض في عقد القرض ، وهذا هو الربا الحقيقي.
    2 ـ معتبرة اسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : « سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضاً فيعطيه الشيء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه ، فيأخذ ماله ، من غير أن يكون شرط عليه ، قال ( عليه السلام ) : لابأس بذلك مالم يكن شرطاً » (2). ومفهوم هذه الرواية أن اعطاء شيء من الربح بعقد القرض إذا كان بشرط فهو حرام وفيه البأس ، ولذا نرى أن الراوي لم يسأل عن هذه الصورة لوضوح حكمها عندهم ، وإنما سأل عن اعطاء شيء من الربح من دون شرط في عقد القرض حيث شك في حلّيته.
    3 ـ معتبرة اسحاق بن عمار الثانية ، قال : « قلت لأبي ابراهيم الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) الرجل يكون له عند الرجل المال قرضاً فيطول مكثه عند الرجل لايدخل على صاحبه منفعة ، فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية أن
     (1) هنا النهي الوراد من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) قَبِله الأصحاب تبعداً ، ولكن في ربا القرض علة الحرمة واضحة.
     (2) وسائل الشيعة / ج 14 باب 19 من أبواب الدين / ح 3 و 13 ص 104 ـ 106.

(319)
يأخذ ماله حيث لايصيب منه منفعة ، أيحل ذلك؟ قال : لابأس إذا لم يكن شرطاً » (1) ، ومثل هذه الرواية توجد روايات صحيحة.
    4 ـ صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر الامام الباقر ( عليه السلام ) « في الرجل يكون عليه دين الى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول : انقدني من الذي لي كذا وكذا وأضع لك بقيته ، أو يقول انقدني بعضاً وأمدّ لك في الأجل فيما بقي. فقال : لاأرى به بأساً مالم يزد على رأس ماله شيئاً ، يقول الله عزّوجلّ : ( فَلَكُمْ رُؤوسُ أموالكُمْ لاتَظلِمونَ ولاتُظلَمون ) (2). فهذه الرواية تدل على أن الزيادة في القرض ( سواء كانت في عقد القرض أو في مقابل الامهال ) فيها بأس.
    5 ـ صحيحة علي بن جعفر ( في قرب الاسناد ) ، قال : « سألت أخي موسى بن جعفر ( عليه السلام ) عن رجل أعطى رجلاً مئة درهم يعمل بها على أن يعطيه خمسة دراهم وأقل أو أكثر هل يحل ذلك؟ فقال : هذا الربا محضاً » (3).
    6 ـ معتبرة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر الامام الباقر ( عليه السلام ) قال : « من أقرض رجلاً ورِقاً فلا يشترط إلاّ مثلها فإن جوزي أجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورِقه » (4).
    وهذه الرواية تدل على منع اشتراط الورِق ( وهو الفضة ) الزائدة أو غير ذلك من الشروط ، كاشتراط ركوب الدابة أو العارية من الزيادات التي تسمى حكمية.
    والى هنا نكتفي بسرد هذه الأدلة القاطعة على حرمة ربا القرض ، ونود التنبيه على ان هذه الروايات هي عن الأئمة ( المعصومين ( عليهم السلام ) ) حسب عقيدتنا
     (1) المصدر نفسه.
     (2) المصدر نفسه/ باب 32 من أبواب الدين. ح 1 ص 120.
     (3) المصدر نفسه / ج 12 / باب 7 من أبواب الربا / ح 7 ص 437.
     (4) المصدر نفسه / ج 13 / باب 19 من أبواب الدين ح 11 / ص 106.

(320)
الإمامية الاثني عشرية ، فهي حجّة نحتج بها على غيرنا ، وهي حجة عليه حتى وإن لم يعتقد بعصمة الأئمة ( عليهم السلام ) ، وذلك لأن هؤلاء الأئمة ( عليهم السلام ) أكدوا في أحاديثهم أنها عن آبائهم ، عن رسول الله ، عن جبرائيل ، عن الله تعالى. وبما أن هؤلاء الأئمة ( عليهم السلام ) هم أفضل أهل زمانهم علماً وتقى وهدى وجهاداً وفضلاً ، فيجب على من يرى أن سلسلة السند كلهم من الثقات حتى الأئمة فيلزمه الأخذ بأقوالهم ، لأنها أقوال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وليس الأئمة هم بمجتهدين في الأحكام حتى يكون رأيهم كرأي غيرهم لايمكن الاعتماد عليه بحسب رأي الآخرين في صورة المخالفة.
    ومن الروايات المتواترة اجمالاً على ما ادعيناه ما رواه سماعة ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : قلت له : « كل شيء تقول به في كتاب الله وسنّته أو تقولون فيه برأيكم؟ قال : بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنة نبيّه » (1). ومنها ماورد عن جابر قال : قلت لأبي جعفر الامام الباقر ( عليه السلام ) : « إذا حدثتني بحديث فاسنده لي. فقال : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن جبرئيل عن الله تبارك وتعالى ، وكلما احدثك بهذا الاسناد » (2).
    والى هنا يكفي ما أردنا أن نثبته للنمر وطنطاوي ومرسي ، من أن الأدلة كافية وقاطعة على حرمة ربا القرض ، وينبغي للاستاذ العالم أن لايكتفي بما ورد من طريقه كدليل على الحكم الشرعي ، ويقلِّد مَنْ سبقه في الأقوال ، بل يجب عليه أن ينظر في أدلة الفرق الاخرى ومنها الفرقة الامامية التي اتخذت على عاتقها أن لا تتخطى القرآن والسنة في الاستدلال على الأحكام الشرعية باضافة حكم العقل ، فاذا نظر هؤلاء الأساتذة الثلاثة الى ماذكرناه يحصل لهم القطع بالحرمة ، فلا تنبعث
     (1) بصائر الدرجات / ص 301.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 18 / باب 8 من أبواب صفات القاضي / ح 67 وغيره. وأمالي الشيخ المفيد ، ص 26. ويراجع كتابنا في الحلال والحرام فإن فيه بحثاً مفصلا عن هذه الحقيقة.