(331)
منهم عذاباً اليماً ) ( النساء 160 / 161 )
( الّذينَ يأكلونَ
الرِّبا لايقومونَ إلاّ كما يقومُ الذي يتخبَّطُهُ الشيطانُ من المَسِّ ، ذلك
بأنَّهُمْ قالوا إنما البيعُ مِثلُ الرِّبا ، وأحلَّ الله البيعَ وحرَّم الرِّبا ، فمن جاءه مَوعظةٌ من ربِّه فانتهى فله ما سلف وأمرهُ إلى الله ومَنْ عادَ فأولئِكَ
أصحابُ النارهُمْ فيها خالدون * يَمحَقُ الله الرِّبا ويُرْبي الصَّدقاتِ والله
لايُحِبُّ كُلَّ كفّار أثيم ... يا أيُّها الّذينَ آمنوا اتَّقوا الله وذروا
مابقيَ مِنَ الرِّبا إن كُنتُمْ مُؤمنين * فإنْ لَمْ تَفعلوا فأذنوا بحرب من الله
ورسوله ، وإن تُبتمْ فَلكمْ رؤوسُ أموالِكُمْ لاتَظلمونَ ولاتُظلَمون ) ( البقرة /
275 و 276 و 279 ).
ومن قرأ هذه الآيات القرآنية يفهم منها الاطلاق لكل ما يسمى
ربا في زمن نزولها سواء كان « ربا جاهلياً وهو ما عُبِّر عنه بجملة : أتقضي أم
تربي؟ وهو الذي يكون أضعافاً مضاعفة » أم كان ربا في عقد القرض من أول الأمر. وهب
أن آية « أضعافاً مضاعفة » قد نزلت في ربا الجاهلية وهي « أتقضي أم تربي؟ » ولكن
قال الاصوليون « أن المورد لايخصص الوارد ».
ثم إنني أقدم النصح ( الذي يجب على
كل إنسان ) للنمر وطنطاوي ومرسي بأن يقرأوا جملة من المواعظ والدروس الأخلاقية ، فإني أرى أن القضية ليست عدم معرفة بأحكام القرآن الواضحة البيّنة ، وإنما القضية
تحتاج الى دروس في الوعظ والتذكير بالآخرة وجملة من الدروس الأخلاقية ليعرف الانسان
نفسه بأنه قد يكون أشرف من الملائكة إذا التزم ما أراده الله تعالى له ، وأنه يكون
أسوأ من الحيوان إذا لم يستوعب ما قرأ وغرّته الحياة الدنيا وزينتها و شهواتها ، فالى دراسة الأخلاق ليعرف الانسان كيف يتسلط على هذه النفس الأمّارة الشهوانية عن
زخارف الدنيا الدنيّة التي تجرّه الى المعصية ومخالفة صريح القرآن.
ومن
الروايات التي تستقبح الربا و تشينه ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في وصيته
لعلي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : « يا علي ، الرِّبا سبعون جزءاً فأيسرها
مثل أن
(332)
ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام. يا علي ، درهم ربا أعظم عند
الله من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام » (1).
وفي موثقة ابن
بكير قال : بلغ أبا عبدالله الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل كان يأكل الربا
ويسميه اللبا ، فقال ( عليه السلام ) : « لئن أمكنني الله منه لأضربن عنقه » (2).
وفي رواية عن علي ( عليه السلام ) قال : « لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
الربا وآكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه » (3).
وأخيراً : أبتهل الى الله
سبحانه وتعالى أن يهدي كل مؤمن الى الصواب وأن لايحرمنا من رحمته يوم لاينفع مال
ولابنون إلاّ مَنْ أتى الله بقلب سليم ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ونفع
المؤمنين ، والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه ، محمد و آله
الطيبين الطاهرين.
(1) وسائل الشيعة / ج 12 / باب 1 من أبواب الربا ح 12.
(2) المصدر السابق /
باب 2 / ح 1.
(3) وسائل الشيعة ج12 باب 4 من ابواب الربا ، ح 2.
(333)
(334)
(335)
1 ـ ما هي المناقصة ؟
عُرّفت المناقصة بانها : « طريقة
بمقتضاها تلتزم الادارة ( او الشخص ) باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد معها شروطاً ، سواء من الناحية المالية او من ناحية الخدمة المطلوب أداؤها » (1).
ويرى
البعض (2) ان التعريف الاصح هو : ان المناقصة طريقة يلتزم باختيار افضل من يتقدمون
للتعاقد معها من الناحية المالية فقط حيث يفترض ان الداخلين في المناقصة متساوون من
النحاية الفنية ( مطابقة الشروط والمواصفات من حيث تحقيق الغرض الفني ).
وأما
التعريف الاول : فهو يسمح بالتحايل والتلاعب بإرساء المناقصة على غير الارخص بدعوى
افضليته في المواصفات الفنية.
ونرى ان هذا التعريف شامل للمزايدة ايضاً ، باعتبار أن المناقصة والمزايدة معاً من عقود المنافسة النزيهة والتي تساوي بين
المتنافسين ، وعلى هذا سوف يكون شراء الحاجات وتنفيذ الاعمال من خصوصيات عقد
المناقصة ، كما أنّ بيع
(1) مصطلحات قانونية ، اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية ، مطبوعات المجمع
العلمي العراقي 1394 هـ ق 1974 م ، ص 178.
(2) د. رفيق يونس المصري في بحثه
مناقصات العقود الادارية ، ص 4.
(336)
الحاجات والمباني الحكومية او التابعة للأشخاص من خصوصيات عقد
المزايدة.
وهذا التعريف وان لم يكن تعريفاً حقيقياً للمناقصات ، بل هو شرح
الاسم ، إلاّ أنه قد تعرض لالتزام أحد الاطراف بالتعاقد ، ولم يتعرض لالتزام
المتعاقد الآخر ، ولكن من مجمل عملية المناقصة الحديثة نفهم أن المناقص ملزَم بما
تقدم به من عرض لبيع سلعته او تقديم خدماته لحين رسوّ عملية المناقصة ، ولذا من
الأفضل اضافة هذه الجملة الى التعريف السابق وهي : « ويلتزم الطرف الآخر بما عرضه
لحين رسّو العملية ». ولذا يمكننا ان نعرّف المناقصات بأنها : « طريقة بمقتضاها
تلتزم الاطراف باختيار افضل من يتقدم للتعاقد شروطاً ».
وقد يقال : إن التزام
الداعي الى المناقصة هو التزام إبتدائي ليس في ضمن عقد فيكون وعداً لا يجب الوفاء
به وهو معنى عدم كونه ملزِماً.
ونجيب على ذلك : بأن الالتزام اذا كان قد وصل
الى حدّ التعهد الى الغير بحيث رتب الغير عليه الآثار ، فصار عهداً « عقداً »
مستقلاً يجب الوفاء به خصوصاً اذا قابله التزام من الطرف الآخر (1).
هذا
بالاضافة الى ما سيأتي من إمكان أن يكون الزام الداعي الى المناقصة باختيار أحسن
العروض والزام المتناقصين بالبقاء على إلتزاماتهم لحين رسوّ المناقصة ، قد شرط في
ضمن عقد بيع المعلومات التي تشترط للدخول في المناقصة ، فيحصل الالتزام في ضمن عقد
فيكون ملزِماً بالاتفاق.
وقد يستشكل في صحة التزام الداعي الى المناقصة باختيار
افضل مَن يتقدمون للتعاقد معه ، سواء قلنا أنّ هذا الالتزام قد وصل الى مرحلة
التعهد والعقد او كان شرطاً في ضمن عقد بيع المعلومات ، وقد يستشكل باشكال آخر ،
(1) هذا الرأي يخالف ما ذهب اليه علماء الامامية من أن التعهد الابتدائي لا يجب
الوفاء به ، ولكن رأينا أن الادلة الروائية والقرآنية الدالة على وجوب الوفاء
بالعهد حتى الابتدائي كافية ، لذا ارتأينا هذا الرأي خلافاً للمعظم من علماء
الامامية.
(337)
وخلاصته تكمن في غررية هذا الالتزام ، لان الداعي الى المناقصة قد
التزم باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد معه ، مع أنه لا يعلم المقدار الذي يقع عليه
التعاقد في الخارج الآن ، فهو التزام غرري.
والجواب ذلك :
1 ـ إن الغرر الذي
منعه الشارع المقدس ليس هو الجهالة ، بل الغرر : عبارة عن عدم معرفة حصول الشيء من
عدمه ، كالطير في الهواء والسمك في الماء ، وهذا يختلف عن المجهول الذي معناه : «
ما علم حصوله مع جهالة صفته ».
2 ـ ولو قلنا كما قال الفقهاء : بانَّ الغرر
يشمل الجهالة أيضاً ، فان الغرر المنهي عنه هو الغرر الذي يؤدي الى منازعة بين
المتبايعين ، اما ما كان لا يؤدي الى المنازعة فهو لا بأس به ، وقد ذكرت الروايات
الامثلة الكثيرة الدالة على عدم الضرر في وجود غرر ( جهالة ) لا تؤدي الى المنازعة
كما في بيع شيء من الحليب في الاسكرجة مع ما في الضرع ، وبيع السمك في الأجمة مع
القصب الظاهر ، وامثال ذلك من البيوع التي فيها جهالة واضحة إلا أنها لا تؤدي الى
منازعة بين المتخاصمين.
3 ـ ولو تنزلنا وقلنا ان الغرر يشمل كل جهالة ، فهو
إنما يضر اذا كانت الجهالة في العقد ، أما هنا فان الجهالة في الشرط وليست في العقد. (1).
ولا حاجة الى التنبيه الى أن هذه العقود لا يجوز فيها التفرير والخداع من
المتناقصين أو المتزايدين او واحد منهم أو أطراف خارجية ، وذلك لأجل تحقيق المنافسة
النزيهة التي هي اساس المناقصة الحرة. كما هي عقود يطلب فيها المشتري او البائع
الاحتياط لنفسه ودفع التهمة عنه فيما اذا كان وكيلاً او ولياً.
(1) وقد يكون أقوى شاهد على عدم وجود الغرر فى هذه المعاملة هو النصّ الوارد في
بيع مَنْ يزيد ، فإنَّ البيع صحيح ، ومعنى ذلك عدم وجود الغرر المضرِّ مع ان البائع
حينما عرض سلعته للبيع لا يدري بكم يكون الثمن ، فهنا يكون الامر كذلك حيث إن
المشتري يريد الشراء ولا يعلم الثمن وحينئذ يكون الالتزام بمثل هذه المعاملة صحيحاً
لأنَّ الالتزام بالصحيح صحيح وهذا واضح.
(338)
العلاقة بين المزايدة والمناقصة :
وبهذا يتضح ان العلاقة
بين المزايدة والمناقصة هي علاقة تضاد من الناحية اللغوية والموضوعية ، فالزيادة
ضدّ النقص ، ولهذا وردت التفرقة بينهما في العقود :
فالمناقصة : تستهدف اختيار
من يتقدم بأقل عطاء ، ويكون ذلك عادة اذا أرادت الادارة القيام باعمال معينة
كالاشغال العامة مثل بناء العمارات او اقامة الجسور او تبليط الطرقات وما شابه ذلك.
اما المزايدة : فترمي الى التعاقد مع الشخص الذي يقدم أعلى عطاء ، وذلك اذا
أرادت الادارة ان تبيع او تؤجر شيئاً من املاكها مثلاً (1).
وعلى هذا نتمكن ان
نقول : ان العلاقة بين المزايدة والمناقصة هي علاقة تضاد في اللفظ والموضوع كما هو
واضح من اختلاف طبيعة كل منهما ، ولكن يشتركان في الاجراءات والتنظيمات في الجملة
كما هو واضح من اشتراكهما في التعريف ( اختيار أفضل من يتقدم للتعاقد ) ، فالاجراءات المتبعة في عقد المناقصة هي بنفسها متبعة في عقد المزايدة ، فمثلاً :
بعد الاعلان عن المزايدة او المناقصة في وسائل الاعلام وتتم الاجراءات الكتابية
والمناداة العلنية تأتي هذه المراحل الثلاث :
1 ـ التقدم بالعطاءات من قبل
الافراد او المؤسسات.
2 ـ فحص العطاءات وارساء المزايدة او المناقصة.
3 ـ
ابرام العقد.
النجش :
ويأتي في بيع المناقصة النجش الذي يذكر في بيع من
يزيد ويعرّف : « بانه
(1) الاسس العامة للعقود الادارية ( دراسة مقارنة ) ، السيد محمد الطحاوي ، الطبعة الرابعة مصر ، 1984 ، ص 213 ومصطلحات قانونية ، ص 178.
(339)
تواطؤ صاحب السلعة مع مزايد صوري يدفعه للمزايدة في السلعة حتى يُعلي
ثمنها ، ولا يقصد شرائها ، وانما اراد خدمة صاحبها » وذكر الفقهاء حرمته في صورة
كون الناجش قد رفع الثمن عن القيمة الحقيقية تضليلاً للمزايدين ، وذلك لوجود العلة
التي حرمته وهي الاحتيال والاضرار بالأخ المسلم ظلماً ، المستنبطة من نهي النبي
( صلى الله عليه وآله ) عن النجش. وعلى هذا فلو تواطأ المريد للسلعة الموصوفة باوصاف
معينة مع احد الافراد المشتركين في المناقصة بان يعرض بثمن أقل من الثمن السوقي ولا
يقصد البيع حقيقة خدمة لمن طلبها فسوف يكون هذا حراماً ، للعلة التي حرم النبي ( صلى
الله عليه وآله ) فيها النجش وهي الاحتيال والخديعة والاضرار بالاخ المسلم ظلماً ، ويشتركان في الاثم.
وكذا يحرم فيما اذا اتفق البائع مع مَنْ ينافسه في بيع
السلعة الكلية على عدم المنافسة له في العرض ، او اتفق معهم على عدم عرض السلعة
بثمن أقل من كذا ، فهو من الاحتيال والغش « حيث ان اتفاق الاطراف كلها كان قد بني
على المنافسة النزيهة فيكون اتفاق البعض على عدمها غشاً واحتيالاً » فان كان فيه
اضرار بالمشتري ( كأن اشترى السلعة باكثر من الثمن السوقي مع عدم علمه بذلك )
فالعمل يكون حراماً لوجود علة حرمة النجش ويثبت للمشتري الخيار في امضاء الصفقة او
فسخها.
وإن حصل التنقيص في الثمن ممن لا يريد شرائها بغير تواطؤ مع المشتري
ليضرّ الغير ويخدعه ، فان الحرمة تختص بالمنقص.
اختلاف الموجب بين المزايدة والمناقصة في البيع :
قالوا (1)
: إن الموجب هو من يتقدم بعطاء ، الا أنه في المزايدة يكون الموجب
(1) مصادر الحق في الفقه الاسلامي ، ج 2 ، ص 66.
(340)
هو المشتري ، بينما في المناقصة يكون الموجب هو البائع ، كما يكون
ارساء المناقصة باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد هو القبول.
ولكن يمكن المناقشة
في جعل الموجب في المزايدة هو مَنْ يتقدم بعطاء ، باعتبار انه يتملّك بثمن معين (
وانما يملّك ثمنه للغير تباعاً لتمليك الغير سلعته اياه ، فهو تمليك تبعي ) فيكون
قابلاً ، وقدّم قبوله بلفظ اشتريت او ابتعت او تملكت واشباهها ، واما الموجب فهو
الذي يملِّك السلعة وإن تأخر عن القبول ، وعلى هذا لا يشترط تقديم الايجاب على
القبول لظهور كونه عقداً يجب الوفاء به ، أما الرضا فهو موجود في تقديم القبول على
الايجاب وتقديم الايجاب على القبول نعم يكون المتقدم بالعطاء في المناقصة موجباً ، لأنه يملَّك ماله بثمن معين وهو معنى الايجاب ، ثم إننا وإن قبلنا ( قياساً على
المزايدة ) بأن الذي تقدم بعرض سلعته بثمن معين هو الموجب ، فان بذل آخر عمله او
سلعته بأقل من الأول فقد سقط الإيجاب الأول ووجد ايجاب ثاني ( وهو البذل الثاني )
استناداً الى التعريف الذي تقدم للمناقصات القائل بأنه باختيار أفضل من يتقدمون
للتعاقد ، وحينئذ يكون البذل بالأقل هو أفضل من الأول للتعاقد ، وقد التزم الداعي
الى المناقصة باختياره فيكون ملزَماً به ومعرِضاً عن البذل الأول فيسقط الأول ، فاننا وإن قبلنا كل ذلك الا أننا لا نقبل ذلك فيما إذا كان البذل الثاني قد صدر من
القاصر أو المحجور عليه (1) ، لان هذا البذل الأخير ليس ملزِماً للداعي الى المناقصة
وإن تصوره ملزِماً. وعلى هذا يمكن القول بعدم وجود بذل ثاني أفضل من الأول في هذه
الصورة الأخيرة.
علاقة المناقصة بالتوريد :
ان التوريد ( كما ذكره البعض
) (2) : هو عقد بيع يتأجل فيه البدلان ( المبيع
(1) مصادر الحق في الفقه الإسلامي ج 2 ، ص 66.
(2) د. رفيق المصري ، في
بحثه في المناقصات المقدم للدورة التاسعة لمجمع الفقه الاسلامي ، ص 18.