(341)
والثمن ) اي انه عقد على توريد سلع او مواد محددة الاوصاف في تواريخ معينة لقاء ثمن معين يدفع على اقساط.
    فالتوريد يختلف عن السلم في كون دفع الثمن اقساطاً ، وهو يشبه السلم من ناحية أنَّ المثمن له أجال معلومة ، اذن يمكن القول بان التوريد اشبه شيء بعقد الاستصناع ( المعروف عند الحنفية ) لأنهم اجازوا فيه عدم تعجيل الثمن. لكنه يختلف عن الاستصناع حيث إن الاستصناع يقدم فيه المقاول العمل والمواد معاً ، بينما عقد التوريد قد يقدم فيه المورِّد السلع او المواد فقط من دون عمل.
    ومن هنا نفهم ان علاقة المناقصة بالتوريد هي عبارة عن العموم والخصوص من وجه حيث يجتمعان ، كما اذا كانت المناقصة هي عبارة عن توريد سلع او مواد معينة ، وقد يفترقان كما اذا كانت المناقصة عبارة عن مقاولة عمل ، كما قد يوجد عقد توريد بلا مناقصة كما اذا كان العقد بين فردين على نحو المباشرة.
    المهم هنا هل يصح عقد التوريد ؟
    الجواب إن المانع هنا هو صدق بيع الدين بالدين ( الكالي بالكالي ) الذي ورد فيه النهي ولكن هذا الحديث ليس بسليم السند كما ذكر ذلك جماعة منهم الامام احمد حيث قال : « ليس في هذا حديث يصح » (1) كما أن دلالته لا تشمل : « لما صار ديناً في العقد بل المراد منه ما كان ديناً قبله والمسلّم فيه ( هو المورّد ) من الاول لا الثّاني الذي هو كبيع ماله في ذمة زيد بمال آخر في ذمة عمرو ونحوه مما كان ديناً قبل العقد » (2) وحينئذ يكون دليل المنع عن بيع الدين بالدين هو الاجماع ويقتصر فيه على مورد الاتفاق وليس هذا من مورد الاتفاق. وحينئذ اذا لم يدخل تحت المنع ولم يكن فيه ربا بالضرورة لأن عقد التوريد : مبادلة سلعة بنقد ، فالبدلان مختلفان لا يدخلهما الربا. ويسمى بيعاً عرفاً شملته العمومات
     (1) نيل الاوطار ، ج 5 ، ص 177.
     (2) جواهرالكلام ، ج 24 ، ص 293.

(342)
فيكون صحيحاً.
    نعم يكون المتقدم بالعطاء في المناقصة موجباً ، لانه يملَّك ماله بثمن معين وهو معنى الايجاب ، ثم إننا وإن قبلنا ( قياساً على المزايدة ) بأن الذي تقدم بعرض سلعته بثمن معين هو الموجب ، فان بذل آخر عمله او سلعته بأقل من الأول فقد سقط الايجاب الاول ووجد ايجاب ثاني ( وهو البذل الثاني ) استناداً الى التعريف الذي تقدم للمناقصات القائل بأنه : باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد. وحينئذ يكون البذل بالأقل هو أفضل من الاول للتعاقد ، وقد التزم الداعي الى المناقصة باختياره فيكون ملزَماً به ومعرِضاً عن البذل الأول فيسقط البذل الاول ، فاننا وإن قبلنا كل ذلك الا أننا لا نقبل ذلك وفيما اذا كان البذل الثاني قد صدر من القاصر او المحجورِ عليه (1) ، لان هذا البذل الأخير ليس ملزِماً للداعي الى المناقصة وإن تصوره ملزِماً.
    وعلى هذا يمكن القول بعدم وجود بذل ثاني أفضل من الاول في هذه الصورة الاخيرة.

علاقة المناقصة بالمقاولة : (2)
    إن علاقة المناقصة بالمقاولة من حيث ان المناقصات هي قسم من المقاولات التي تكون ملزِمة للطرفين ، فان المقاولة ربما تكون مع طرف خاص من غير ان تسبق بعرض ذلك المشروع على الآخرين ، وبعبارة اوضح ان المناقصة والمقاولة كلاهما تعهد من قبل مَنْ يشترك في المناقصة والمقاولة ، إلا أن الاختلاف من ناحية
     (1) مصادر الحق في الفقه الاسلامي ، ج 2 ، ص 66.
     (2) المقاولة معناها اللغوي هو : المفاوضه والمجادلة ، وفي الاصطلاح الحديث : عقدٌ بين طرفين يصنع فيه المقاول شيئاً لآخر ويقدم له عملاً في مقابل مبلغ معلوم. وبهذا يتضح أنَّ المقاولة أعم من المناقصة من هذه الناحية.

(343)
ان المقاولات عامة تشمل المناقصات التي هي مقاولات خاصة وتشمل غير المناقصات التي يكون التقاول مع طرف خاص من غير ان تسبق هذه المقاولة بعرض المشروع على الآخرين. فالعلاقة بينهما هي علاقة العموم والخصوص المطلق ، إذ كل مناقصة هي مقاولة وليست كل مقاولة هي مناقصة ، فالمقاولات اعم من المناقصات التي هي مقاولات خاصة (1).

توضيح لعقود المناقصات المعاصرة :
    إن ما يجري في الخارج لعقود المناقصات قد يحتوي على عمليات متعددة يكون لفهمها الاثر الخاص في تشخيص الحكم الذي نحن بصدده ، لذا من المستحسن أن نستعرض سير عملية المناقصة من اول ما يدعى الى المشاركة فيها وحتى نهاية العقد فنقول :
    1 ـ إن أول ما يصدر منشوراً في الصحف الكثيرة الانتشار هو وجود عزم عند جهة معينة لتأسيس مشروع معين او شراء سلع موصوفة ، ولكن طريقة تمامية العقد تكون على طريقة المناقصة التي هي : التزام بالتعاقد مع افضل من يتقدم بالتعاقد معه » ، ويذكر عادة في هذا المنشور الدعوة الى الاشتراك في المناقصة وذكرآخرموعدلتسلّم المضاريف التي فيهاالاستعدادالكامل لتقبل الصفقة بسعرمعين.
    2 ـ قد يُشترط لأجل الاشتراك في عملية المناقصة شراء المعلومات التي أعدتها الجهة الداعية الى المناقصة حول المشروع ، وهنا لابدّ لأجل الاشتراك في عملية
     (1) واذا نظرنا الى ان المقاولة هي عبارة عن عقد بين طرفين يقدم فيه المقاول صناعة لآخر أو عملاً في مقابل مبلغ معلوم ، عرفنا ان المناقصات قد تكون في البيع والسلم وحينئذ تكون العلاقة بين المناقصة والمقاولة هي العموم والخصوص من وجه حيث يلتقيان كما في المقاولة التي وجدت من طريق المناقصة فهي مقاولة ومناقصة وقد يفترقا حيث توجد مقاولة ليست بمناقصة كما في المقاولة المباشرة بين الاطراف وقد توجد مناقصة ليس بمقاولة كما اذا حصلت مناقصة على شراء كمية من السلع تسلّم نجوماً.
(344)
المناقصة لمن يرغب بها من شراء تلك المعلومات. وهذا عقد مستقل قبل الاشتراك في المناقصة ولا ارتباط له بعقد المناقصة الذي لم تبدأ أيُّ مرحلة من مراحله لحدِّ الآن. وقد يشترط في هذا العقد تقديم خطاب ضمان ابتدائي يدفعه البنك اذا رست المعاملة على أحد المتناقصين ولم يلتزم بها.
    3 ـ يبدأ عقد المناقصة من حين تسلّم المضاريف وفتحها ( وقد يكون من حين كتابة المضاريف ) ، وبما أن في كل مضروف استعداد صاحبه لتقبل المشروع بسعر معين ، فهو يكون ايجاباً من قبل صاحبه للالتزام بما يريده صاحب الطلب « وفي حالة كون المناقصة علنية وعلى وجه المباشرة بين البائع او المقاولين وبين الراغب في تمامية المشروع له ، تكون المناداة بالاستعداد بسعر معين هي الايجاب ». ولكن بما أن الداعي الى المناقصة قد التزم بانه يختار أفضل من يتقدمون للتعاقد معه ، فحينئذ يكون بذل السلعة او العمل بسعر أقل من الأول موجباً لسقوط الايجاب الاول وبقاء الثاني وهكذا اذا حصل من يبذل أقل من الثاني ، الا أن هذه المرحلة يبدأ بها العقد ولكنه لم يتم الا بعد إرساء المناقصة على أحد الافراد وهو الأقل من غيره.
    4 ـ واذا رست المعاملة على أحد المتناقصين باعتباره الأفضل للتعاقد ، فقد حصل القبول وتمّ العقد في هذه اللحظة وإن كان قد بدأ قبل ذلك. وفي هذه المرحلة لا يوجد ايّ إشكال في هذه المعاملة حيث يكون الثمن معلوماً للمشتري ، كما لا بأس بالفاصل بين الايجاب والقبول هنا كما لا نرى بأساً به فيما اذا حصل الايجاب بواسطة الرسالة التي تستغرق مدّة ( أكثر من المدة التي تكون بين كتابة المضاريف وفتحها وارساء المناقصة على افضلها ) غير قليلة حتى يتحقق القبول ويتم العقد.
    ولكن قد يكون سير المناقصة بصورة اخرى : خلاصتها : « تقديم القبول على الايجاب » كأن يقول الداعي الى المناقصة ( كما تقدم في تعريفها ) أنا التزم باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد معي حول هذا المشروع الموصوف بهذه


(345)
الاوصاف المعينة ، ويعتبر هذا قبولاً متقدماً على الايجاب. وعلى هذا فسوف يكون فتح المضاريف والاطلاع على اقل من تقدم للتعاقد هو الايجاب المقبول سابقاً.
    وفرق هذه الصورة عن سابقتها هو في تحديد بدء العقد وانتهائه. ففي الصورة الاولى كان بدء العقد بكتابة المضاريف او فتحها وانتهائه بالقبول مع أفضل من تقدم للتعاقد ، أما في الصورة الثانية فيكون بدء العقد من حين الدعوة الى المناقصة وختامها بفتح المضاريف ومعرفة افضل من تقدم للتعاقد.
    ولكن إشكال هذه الطريقة الثانية يكمن في عدم معرفة الثمن حين القبول المتقدم ، حيث أن المشتري او صاحب المشروع قد قبل افضل مَنْ يتقدم للتعاقد معه ، وهو لا يعرف الثمن الذي يكون في مقابل المشروع او السلعة المشتراة ، نعم يعرف الثمن حين تمامية العقد ومجيء الايجاب ، فهل هذا يضرّ بصحة العقد ؟
    والجواب : قد يقال بأنّ جهالة الثمن عند القبول المتقدم لا يضر بصحة العقد ، حيث ان معلومية الثمن وكذا المثمن هي شرط لصحة العقد ، وحينما يتم العقد يتضح الثمن ، جهالة بالثمن عندتمامية العقد ، نعم هناك جهالة بالثمن قبل تمامية العقدوهي لا تضر.
    وبعبارة اخرى : اذا قلنا أن جهالة الثمن مضرّة بصحة العقد لأنها تؤدي الى الضرر المنهي عنه ، فإن الضرر غير موجود بعد تمامية العقد ، حيث أن المشتري قد علم بالثمن حين رسوّ المعاملة.
    ثم إننا اذا لم نقبل ما تقدم كتوجيه لصحة الصورة الثانية للمناقصات ، فنقول : إن القبول المتقدم إن لم يكن مقبولاً ، فبعد فتح المضاريف ومعرفة أفضل من تقدم للتعاقد يحصل القبول من المشتري الآن ، فيكون ابتداء العقد وإنتهائه كالصورة الاولى وقد عرفنا أنه لا إشكال فيها.

2 ـ انواع المناقصات :
    ان المناقصات التي توجد في الخارج يمكن ان تكون على انواع متعددة :


(346)
    الاول : مناقصات للبيع والشراء : فان الجهة الداعية الى عقد المناقصة تريد الشراء لما ترغب فيه بمواصفات معينة ، والذي يبذل ما يريده المشتري يكون بائعاً. وهذا هو بيع الكلي المضمون حالاًّ.
    الثاني : مناقصات الاستصناع والسلم : حيث تعقد المناقصة لشراء الكلي الموصوف الذي يسلّم بعد ستة اشهر مثلاً ، فيتعاقد المشتري مع أفضل من يتقدم من الناحية المالية والالتزامية ، فهي مناقصة سلم اذا كانت على سلعة لابدّ من تحويلها بعد الاجل ، ومناقصة استصناع اذا كان المراد تحويله عبارة عن شيء كوّنه العمل مع المواد الاولية التي يوفرها المستصنَع.
    الثالث : مناقصات لعقد الاجارة : لإنشاء مشروع معين ، على ان تكون مواد المشروع من الجهة الداعية الى المناقصة.
    الرابع : عقد مناقصة لأجل الاستثمار : ولهذ القسم انواع متعددة تبدو في كل من :
    أ ـ عقد المضاربة.
    ب ـ عقد المزارعة.
    ج ـ عقد المساقاة.
    فإنَّ المموّل في المضاربة الشرعية ، وصاحب الارض والبذر الذي يريد زراعة أرضه بنسبة من الربح ، وصاحب الاصول الذي يرغب في أن يسقي غيره اصوله المغروسة قد يعقدون مناقصة لمن يكون شريكاً لهم في الربح ، فيعلن ( المضارب والمزارع والمساقي ) رغبته للتعاقد مع أفضل من يتقدم للشركة معه.
    ونحن لا نحتاج الى سرد دليل خاص على مشروعية المناقصات حيث انها كما اتضحت داخلة :
    اما في بيع الكلي حالاًّ.
    او بيع الكلي سلماً.


(347)
    او بيع الاستصناع.
    او الاجارة.
    او الاستثمار على طريقة المشاركة.
    وبهذا سوف تكون ادلة هذه العقود هي الادلة على صحتها.
    ثم انه كما يكون البيع في الحيوان والصرف والسلف والاستصناع ، كذلك تكون المناقصة فيها على حدّ سواء. وعلى هذا فسوف تكون المناقصات شاملة للبيع وللاجارة وللاستثمار عن طريق المشاركة في الربح ، فهي عبارة عن عنوان عام يمكن أن نطلق عليه عنوان عقود المناقصات.
    وعلى هذا فان المناقصات لما كانت تختلف عن البيوع العادية في اعتبار أنَّ المشتري ملتزم بالتعاقد مع أفضل من يتقدم بالتعاقد معه ، وكذا البائع قد التزم بذلك كما في التعريف فمعنى ذلك أن العقد الحاصل من تلك المناقصة قد اشترط فيه اسقاط الخيارات ، حيث ان الالتزام في العقد بالتعاقد مع أفضل من يتقدم للتعاقد ليس معناه عرفاً هو الالتزام بالتعاقد حتى يتمّ ثم يُفسخ بعد ذلك بخيار مجلس مثلاً ، فإنَّ هذا المعنى وإن كان له وجه دقيق الا أنه ليس عرفياً لمن يصرح بانه ملزَم بالعقد مع غيره ، كما اذا حلف أن يبيع داره من فلان ، فانه لا يحق له أن يبيعها منه ثم يفسخ البيع بخيار المجلس ، وحينئذ يكون التصريح معناه بقاء العقد بدون فسخ ، اما اذا وجد فسخ بعد ذلك فلا معنى للالتزام بالعقد.
    وعلى هذا فسوف يكون معنى الالتزام بالعقد مع مَنْ يتقدم بأحسن الشروط هو عدم جواز الفسخ بخيار المجلس مثلاً ، وهو معنى إرتكازية عدم الفسخ في عقد المناقصات. ومما ينبهنا على ذلك أخذ خطاب الضمان الابتدائي الذي يكون لصالح من يلتزم بالعقد ضدّ من لم يلتزم به بعد رسوّ المعاملة ، وسوف يأتي توجيه ذلك بكونه شرطاً في فسخ المعاملة ، ومعنى ذلك عدم جواز الفسخ بدونه ، ونستطيع أن نستنتج من كل ذلك : أن الخيار موجود للمتبايعين ولكن لا يحق لكل


(348)
واحد شرعاً الفسخ الا في صورة أن يكون خطاب الضمان لصالح الآخر. بالاضافة الى أن المشتركين في هذه العقود هم من أهل الخبرة الذين لهم سابقة جيدة في هذه المعاملات السوقية فيكون ادعاء الغبن مثلاً هنا غير مسموع عادة ، فلا يثبت خيار الغبن فيها من هذه الناحية أيضاً.

اختلاف المناقصة عن البيع :
    واذا نظرنا بمنظار آخر للمناقصات نراها انها عبارة عن قسم من البيوع ، حيث ان البيع قد يكون مع طرف خاص من غير أن يُعرَض المشروع في شراء السلع للاخرين. كما تكون المناقصات قسماً من بيع السلم او الاستصناع او الاجازة او الاستثمار حيث قد تكون هذه العقود الأخيرة من غير ان يعرَض مشروعها للاخرين.. وبهذا اتضح ان المناقصات قد تكون اعم من البيع كما قد تكون اخص منه من ناحية اخرى. فبين المناقصة والبيع عموم وخصوص من وجه ، فيتفقان ويختلفان ، وكذا تكون هذه النسبة بين المناقصة والسلم ، والمناقصة والشركة ( مضاربة ، مساقاة ، مزارعة ).

التكييف الشرعي للمناقصات
    إن المناقصات التي قد لا يكون لها أثر شرعي خاص في كتب الحديث ، يمكن الاستدلال على صحتها ومشروعيتها بعمومات ( أحَلَّ اللهُ البَيْع ) و ( تِجارَةً عَن تَراض ) و ( أوْفُوا بِالعُقُود ) بعد وضوح كونها من مصاديق البيع والتجارة والعقد عرفاً ، حيث أن المشتري اراد الوصول الى مقصوده ، وكذا المستأجرِ ، وكذا الطرف الآخر البائع او مقدّم الخدمات الى الاخرين يريد الحصول على نتيجة عمله متمثلاً في النقد او اي شيء آخر ، واذا إتضح ان المعاملة الجارية بصورة المناقصة هي بيع او اجارة او مزارعة او مضاربة او مساقاة او غير ذلك ، فالدليل الذي دلّ


(349)
على صحة هذه العقود من الادلة العامة او الخاصة هو نفسه الدليل على صحة هذه المناقصة بشرط أن تسلم اصول العقد وتحقق اغراضه. وسوف نرى فيما يأتي ان ما اشترط في عقد المناقصة هل يخلّ بأصل العقد اولا ؟.
    ثم إن المناقصات تستهدف في حقيقتها المحافظة على المنافسة الشريفة في خفض الاسعار لصالح طالب السلعة ، او خفض الاجرة لصالح طالب العمل ، وهذا العمل قد يتعين في الشريعة الاسلامية اذا كان الغرض منه الشراء للايتام بواسطة الحاكم او الوصي او القيّم ، لما فيه من توقع الشراء بأقل ودفع التهمة. وكذا قد يتعين هذا العمل في الشراء او انجاز العمل لمؤسسات الدولة كالاوقاف والمؤسسات العامة كالمدارس ، وان لم يتعيّن فلا اقل من استحبابه في مثل الصور المتقدمة لما فيه من تحقيق المصلحة العامة او مصلحة المتولى عليهم او دفع التهمة على المباشر في بعض الصور.

هل هناك تعارض بين صحة عقود المناقصات والنهي عن الدخول في سوم الاخ ؟
    هناك طائفتان من الروايات قد يقال بتعارضها مع عقد المناقصة وهما :
    طائفة النهي عن بيع الرجل على بيع اخيه.
    طائفة النهي عن سوم الرجل على سوم أخيه.

الطائفة الاولى :
    1 ـ فقد ورد عن عبدالله بن عمر ( رضي الله عنه ) ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « لا يبيع بعضكم على بيع أخيه » (1).
    2 ـ عن أبي هريرة قال : « نهى رسول الله ( صلى اللة علية وآلة ) أن يبيع حاضر لباد ... . ولا
     (1) صحيح البخاري بشرح فتح الباري ، ج 4 ، ص 352 ـ 353 باب 58 ، حديث رقم 2139.


(350)
يبيع بعضكم على بيع اخيه » (1).
    وقد روى هذا الحديث ايضا مسلم في صحيحه عن ابن عمر ( رضي الله عنه ) بلفظ : « لا يبع بعضكم على بيع بعض ».
    وعنه أيضاً : « لا يبع الرجل على بيع اخيه ولا يخطب على خطبته الا أن يأذن له ».
    ولما كان البيع حقيقة هو في صورة انعقاده ، فيكون البيع على البيع حقيقة في صورة انعقاد البيع الاول وهذه الحقيقة هنا منتفية ، فحُمِل على اقرب المجازات اليها ، وأقرب المجازات هي المراكنة التي يركن فيها المشتري الى البائع وتنشر السلعة له (2).
    اقول : ان حقيقة البيع على البيع هنا موجودة ، فلا حاجة الى حمل الروايتين على أقرب المجازات ، وتوضيح ذلك هو أن البيع الاول عندما يتم يأتي البائع الآخر فيقول للمشتري في زمن خيار المجلس : « اذا فسخت بيعك فانا ابيعك مثله بأقله ، منه او يقول مشتر آخر للبائع اذا فسخت بيعك ، فأنا أشتري منك بأكثر منه ».
    وأما ما ذكر من المراكنة فقد وردت فيها روايات الطائفة الثانية.

الطائفة الثانية :
    روى عن الحسين بن زيد عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه في حديث المناهي انه قال : « ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم » (3).

     (1) المصدر السابق ، حديث رقم 2140.
     (2) ذهب الى هذا العلاّمة ابوعبدالله محمد بن خلفة الوشتاني الآبي المالكي في كتابه إكمال المعلم شرح صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 178 ، بيروت دارالكتب العلمية ، ذكر ذلك صاحب كتاب « عقد المزايدة بين الشريعة الاسلامية والقانون د. عبدالوهاب ابوسليمان ، ص 17.
     (3) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 49 من ابواب التجارة ، ح 3.