(361)
ومعنى خطاب الضمان : أن يكون البنك كفيلاً وضامناً بقبول دفع مبلغ
معين لدى المستفيد من ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام الطالب
بالتزمات معينة قبل المستفيد (1) ولكن لا بمعنى الكفالة الاصطلاحي التي هي عبارة عن
احضار المكفول ، ولا بمعنى الضمان الاصطلاحي الشرعي الذي هو عند طائفة : ضم ذمة الى
ذمة ، وعند طائفة : النقل من ذمة الى ذمة ، بل بمعنى اداء البنك شرط المشترط في
حالة عدم قيام المشترط عليه باداء الشرط مثل ضمان الاعيان المغصوبة التي لا تكون
الذمّة مشغولة بها ما دامت العين موجودة ، فيكون معنى ضمان الاعيان المغصوبة هو ما
نحن فيه من التعهد بادائها (2).
ويترتب على هذا التعهد بالاداء اشتغال ذمة
المتعهد بقيمتها عند تلفها.
ويتحقق تلف الشرط على المشترِط : بامتناع المشروط
عليه عن اداء الشرط الذي هو تلف للفعل على مستحقه ، وبذلك تتحوّل العهدة الجعلية (
التعهد باداء الشرط ) الى اشتغال ذمة البنك بقيمة ذلك الفعل ( اداء الشرط ) لإنه من
(1) راجع البنك اللاربوي في الاسلام ، الشهيد الصدر ، ص 128.
(2) غاية
الامر أن وقوع العين المغصوبة في عهدة الغاصب قهري ، اما وقوع اداء الشرط في عهدة
البنك فهو بسبب انشاء البنك لمثل هذا التعهد المفروض كونه نافذاً بحسب الارتكاز
العقلائي الممضى شرعاً. وهذا البحث يأتي في صورة ضمان البنك او الفرد اداء دين شخص
معين
(362)
اللوازم العقلائية لدخول ذلك الشرط في العهدة.
وعلى ما تقدم :
فاذا تخلف المقاول عن الوفاء ، اضطر البنك الى دفع القيمة المحددة في خطاب الضمان ، ويرجع في استيفائها على الشخص الذي صدر خطاب الضمان اجابة لطلبه. وسيأتي زيادة
توضيح في تكييف هذا التعهد شرعاً فيما بعد.
أما النقطة الثانية : فان خطاب
الضمان ينقسم إلى قسمين :
1 ـ خطاب الضمان الابتدائي.
2 ـ خطاب الضمان
النهائي.
اما خطاب الضمان الابتدائي : فهو تعهد بنكي لضمان دَفع مبلغ من النقود
من قيمة العملية يطلبه من يتنافس على العملية إلى المستفيد الذي يدعو إلى المناقصة ، ويستحق المستفيد الدفع له عند عدم قيام الطالب باتخاذ ما يلزم عند رسوّ العملية
عليه.
واما خطاب الضمان النهائي : فهو تعهد بنكي لضمان دفع مبلغ من النقود
يعادل نسبة من قيمة العملية التي استقرت على عهدة العميل ، يطلبه من رست عليه
العملية ونفّذ معه العقد لصالح المستفيد ، ولا يكون دفع المبلغ واجباً على البنك
الاّ عندك تخلف العميل عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي
للعملية التي عقدت بين المقاول والمستفيد من خطاب الضمان (1).
لماذا خطابات الضمان ؟
ثم إن الفكرة الاساسية في خطابات
الضمان تكمن في نقاط ، أهمها :
1 ـ ان الجهة المعلنة عن المناقصة تحتاج إلى
التأكد من جدية عرض خدمات
(1) يمكن أن يكون خطاب الضمان الابتدائي والنهائي لصالح المقاول اذا شعر بأن
الجهة المقابلة قد لا تلتزم بالعقد او قد لا تؤدي ما عليها من مال في الوقت المحدد ، كما يمكن أن يكون خطاب الضمان الابتدائي والنهائي من كل منهما لصالح الآخر اذا لم
يلتزم احدهما بالعقد او بشروطه.
(363)
كل شخص من المشتركين. وهذا يحصل بفكرة خطابات الضمان الابتدائية.
2 ـ إنَّ الجهة المعلنة عن المناقصة تحتاج الى الزام المناقص بابرام العقد اذا
رست المناقصة عليه.
3 ـ ان الجهة الداعية الى المناقصة تحتاج الى الزام المقاصد
بتنفيذ العقد.
4 ـ كما انها تحتاج الى التحفظ على عدم التورط في خسائر أو
مضاعفات عند الاتفاق مع أحد المشتركين ورسوّ العملية عليه ، فيما إذا تخلف عن
الوفاء بالتزاماته. وهذا يحصل بفكرة خطابات الضمان النهائية.
وعلى العموم فان
فكرة خطابات الضمان فيها حماية للمصلحة العامة ( التي تقوم بالمناقصات عادة ) أو
الفرد ، وتقطع على المتهاونين سبل الخلل والاهمال ، ولكل احد الحق في سلوكها.
اما النقطة الثالثة : اما ( حكم خطابات الضمان ) فينبغي ان نتكلم في كل من
القسمين بصورة مستقلة.
اما خطاب الضمان الابتدائي : فقد يقال إن الطالب للضمان
الابتدائي من البنك وهو المقاول أو المشترك في المناقصة لم يرتبط مع الجهة التي
تجري المناقصة بأي ارتباط عقدي ، وإذا كان كذلك فلا يمكن الزامه بشرط لكي يتمكن
البنك ان يضمن وفاء ذلك الشرط. فلو فرضنا ان هذا المقاول الذي يريد ان يتنافس على
الوصول إلى رسوّ العملية عليه قد التزم للجهة الداعية للمناقصة بأن يدفع مبلغاً
معيناً من المال إذا لم يتخذ الاجراءات اللازمة عند رسوّ العملية عليه ، فهو من
الوعد الابتدائي غير الملزم. وعلى هذا فلو تعهد البنك لدفع هذا المبلغ عند عدم دفع
المقاول فهو من التعهد غير الملزِم أيضاً وإن كان جائزاً (1).
ولكن : ألا يمكن
أن يقال ان المقاول إذا التزم بدفع مبلغ معين عند عدم القيام
(1) راجع البنك اللاربوي في الاسلام ، ص 131.
(364)
بالاجراءات اللازمة عند رسوّ العملية عليه يكون متعهداً وملزماً بذلك ، استناداً إلى قوله تعالى : ( يا أيا الذين آمنوا اوفوا بالعقود ) الذي معناه
اوفوا بالعهود ، ونتيجة ذلك الزام البنك بتعهده إذا حصل نتيجة طلب المقاول لصالح
المستفيد. على أن هذا الضمان من قبل البنك لمن اشترك في المناقصة يمكن ان يكون
عربوناً ، وهو لا يحق اخذه في جميع الاحوال ، بل يؤخذ في صورة عدم التزام مَنْ رست
عليه العملية بالمقررات اللازمة. وعلى هذا ، فسوف يكون دفع المبلغ المعين عند عدم
القيام بالاجراءات اللازمة شرطاً في فسخ المعاملة المذكورة ، فالمعاملة إذا رست على
احد فهي لازمة ولا يحق فسخها الاّ إذا دفع المقدار المعين من المال المتمثل في خطاب
الضمان الابتدائي. وبهذا يكون اخذه من قبل الجهة الداعية إلى المناقصة عند عدم
القيام بالاجراءات اللازمة لمن رست عليه العملية جائزاً كما يمكن أن يشترط الداعي
الى المناقصة في عقد بيع المعلومات الى من يريد الاشتراك في المناقصة ، يشترط عليه
اخذ مبلغ معين من المال اذا لم يلتزم بالعقد حين رسوّ العملية عليه ، وهذا شرط في
ضمن عقد ، فيكون ملزِماً.
خطاب الضمان النهائي :
وهو الخطاب الذي يكون بعد وجود عقد قائم ( بين من
دعى إلى المناقصة ـ وهي الجهة المستفيدة من الخطاب ـ وبين المقاول الذي طلب اصدار
الخطاب من البنك لصالح المستفيد ) ، وهذا العقد ينصّ على شرط على المقاول لصالح من
دعى إلى المناقصة ، وخلاصة هذا الشرط هو أن يدفع المقاول نسبة معينة من قيمة
العملية في حالة تخلفه عن الوفاء بالتزاماته.
فهل هذا الشرط صحيح ولازم
؟
الجواب : نعم انه شرط صحيح ولازم مادام واقعاً في عقد صحيح كعقد الايجار مثلاً
أو البيع ، وحينئذ يصح لمن أعلن عن المناقصة الحق في تملك هذه
(365)
النسبة من قيمة العملية في حالة التخلف (1).
ثم ان هذا الحق قابل
للتوثيق والتعهد من قبل طرف آخر ، وهو نظير تعهد طرف ثالث للدائن بوفاء الدين عند
عدم قيام المدين بما هو عليه ، وعلى هذا يصح أن يرجع المستفيد على البنك عند تخلف
المقاول عن التزاماته وعدم دفع ما شرط عليه.
ولما كان تعهد البنك وضمانه للشرط
بطلب من المقاول فيكون المقاول ضامناً لما يخسره البنك نتيجة لتعهده ، فيحق للبنك
ان يطالب المقاول بقيمة ما دفعه إلى المستفيد.
اذن هنا بحثان نحتاج إلى ادلة
شرعية عليهما :
البحث الاول : صحة الشرط على المقاول.
البحث الثاني : صحة
تعهد البنك ( خطاب الضمان ).
البحث الاول : صحة الشرط بدفع مبلغ من المال عند تخلفه عن التزاماته
:
وقد ذكر السيّد الشهيد الصدر أن صحة الشرط المتقدم على المقاول يتصور
صياغته بأحد انحاء ثلاثة ، يكون الصحيح منها شرعاً هو الثاني والثالث.
(1) قد يقال بصورة مبسّطة : إن في طلب الضمان من قبل الجهة الداعية الى
المناقصة لمواجهة حالات التعدي والتقصير وما ينشأ عنها من اضرار ، وهذا بنفسه يحث
المشتري أو المتعاقد عن القيام بالتزاماته ، ونرى أنَّ هذا الطلب مشروعاً ولا يرد
عليه أنّه ضمان مالم يجب لأننا فقهاء لا فلاسفة. أي أنَّ اشكال ( ضمان مالم يجب )
مبني على منهج الفلسفة ، وهي علم المعاني المجردة والمفاهيم الكلية ولا شأن له
بالحياة اليومية والعامة للناس والمجتمع وعلاقة بعضهم ببعض ، وهو منهج ـ اي منهج
الفلسفة ـ لا علاقة له بالفقه الذي هو المنهج المستمد من اللغة ودلالاتها وحياة
الناس الواقعية وعلاقات بعضهم ببعض ومع الطبيعة ايضاً ، وهو منهج الفهم العرفي.
فعلى المنهج العرفي لا نرى أي اشكال في طلب المناقِص من المناقَص خطاب ضمان ابتدائي
أو انتهائي لمواجهة احتمال حالات التعدّي والتقصير وما ينشأ من اضرار عنهما. أما
على المنهج الفلسفي يظهر الاشكال ولا سبيل الى ردّه ، ولكن بما أننا نلتزم المنهج
الفقهي فلا اشكال في طلب خطاب الضمان.
(366)
الاول : أن يكون ( الشرط ) بنحو شرط النتيجة بحيث تشترط الجهة الخاصة
على المقاول أن تكون مالكة لكذا مقداراً في ذمته إذا تخلف عن تعهداته.
الثاني
:ان يكون بنحو شرط الفعل ، والفعل المشترط هو أن تملَّك الجهة الخاصة كذا مقداراً ، لا ان تكون مالكه.
الثالث : أن يكون بنحو شرط الفعل ، والفعل المشترط هو أن
يملِّك المقاول تلك الجهة كذا مقداراً. والفرق بين هذا النحو وسابقه مع أن الشرط
في كل منهما شرط الفعل : هو ان الشرط في هذا النحو فعل خاص وهو تمليك المقاول مالاً
للجهة الخاصة. واما في النحو السابق فالمشترط وإن كان هو عملية التمليك أيضاً ولكن
المراد بها جامع التمليك القابل للانطباق على تمليك نفس المقاول وعلى تمليك غيره... وإذا اتضحت هذه الانحاء الثلاثة ، للشرط فنقول : إن النحو الاول ( أي شرط
النتيجة ) غير صحيح في المقام ، لان النتيجة المشترطة في المقام وهي اشتغال ذمة
المقاول بكذا درهماً ابتداءً ليس في نفسه من المضامين المعاملية المشروعة ، وادلة
نفوذ الشرط ليست مشرِّعة لأصل المضمون ، وانما هي متكفلة لبيان صلاحية الشرط لأن
تُنشأ به المضامين المشروعة في نفسها ... وأما النحو ان الآخران من الشرط فهما
معقولان (1).
ولكن لا يبعد أن يقال : بان قاعدة « المسلمون عند شروطهم » حيث
أنها تشمل الشرط إذا كان فعلاً أو كان الفعل مترتباً على الشرط ، كما إذا اشتريت
بيتاً بشرط أن تكون الثلاجة المعينة ملكاً لي ، والملكية لها اسباب مختلفة منها
الاشتراط ، فالمسلمون عند شروطهم يقول : ادفع السلعة إلى فلان ، وهو معنى صحة شرط
النتيجة ، وعلى هذا فالمسلمون عند شروطهم يشمل المشروط الذي يكون حصوله وانشائه
بغير الشرط صحيحاً وبالشرط لازماً. كما يمكن ان يكون :
(1) النبك اللاربوي في الاسلام ، للشهيد السيد الصدر ، ص 236 ـ 237
(367)
الاستدلال على صحة شرط النتيجة بـ ( افوا بالعقود ) حيث أن البيع الذي
شرط فيه ملكية الثلاجة المعينة معناه الالتزام بأصل المعاملة والالتزام بالامر
الوضعي ، وبما أن الشرط قد دخل تحت عنوان العقد ، فأوفوا بالعقود يقول فِ بالعقد
والشرط ، فيكون الشرط صحيحاً (1).
وعلى هذا فيمكن ان يكون شرط دفع مبلغ من المال
على المقاول عند تخلفه بصياغاته الثلاثة المتقدمة عن السيد الشهيد صحيحاً ، والفرق
بين شرط الفعل وشرط النتيجة هو الوجوب التكليفي على المشروط عليه في ان يملِّك.
أما في شرط النتيجة فيكون المشروط عليه ضامناً للشرط وضعاً ، ويترتب عليه الحكم
التكليفي بوجوب الدفع.
البحث الثاني : صحة خطاب الضمان الذي يصدره البنك عند طلب المقاول
لصالح المستفيد :
ويمكن ان نصحح خطاب الضمان الذي يصدره البنك بطلب من
المقاول لصالح المستفيد :
على اساس الضمان بالمعنى المتقدم ، حيث قلنا ان المراد
بالضمان ليس هو المعنى الاصطلاحي عند أهل السنة أو الامامية ، بل هو ما تعارف عند
العرف من ضمان أن يفي المقاول بالشرط ، وبعبارة اخرى هو التعهد باداء المقاول الشرط ، وهذا الضمان كالضمان (2) المعروف من قبول البنك للكمپيالة بمعنى تحمل البنك
(1) لا بأس بالاشارة إلى أن شرط النتيجة الذي يُحكم بصحته ، هو خصوص تحصيل
الغاية التي لا يشترط في ايجادها سبب خاص كالنكاح والطلاق الذي اشترط الشارع فيهما
صيغة خاصة. اما هذه الغايات التي اشترط الشارع فيها صيغة خاصة فلا يمكن ان تحصل في
الخارج الاّ بصيغتها الخاصة ولا ينفع في تحققها شرط النتيجة.
(2) يوجد فرق غير
فارق بين ضمان البنك للكمپيالة وضمان البنك لخطاب الضمان وهو : أن المضمون في موارد
قبول البنك للكمپيالة هو المدين ، والمضمون في خطاب الضمان هو المشروط عليه (
المقاول ) وهذا فرق غير فارق إذ كما يصح للبنك أن يتعهد للدائن باداء الدين كذلك
يصح للبنك ان يتعهد للمشروط له باداء الشرط ، وهذا مقبول ارتكازاً عند العقلاء.
(368)
مسؤولية أمام المستفيد من تلك الكمپيالة ، وهو كما حُرر ضمان جائز
شرعاً على أساس أنه : تعهد بوفاء المدين بدينه. ونتيجة هذا التعهد من الناحية
الشرعية هو فيما إذا تخلف المدين عن الوفاء ، فيمكن ان يرجع المستفيد من الكمپيالة
على البنك لقبض قيمتها.
وتوضيح ذلك من الناحية الفنية : ان يقال ان البنك تعهد
تعهداً إنشائياً وجعل نفسه مسؤولاً ( باداء المقاول للشرط عند تخلفه عن التزاماته )
وهذا التعهد نافذ بحسب ارتكاز العقلاء ، وحينئذ يكون ممضى من قبل الشارع المقدس.
وقد تقرّب هذه المسؤولية من قبل البنك بمسؤولية الغاصب عن العين المغصوبة حيث
تكون العين بعهدته ومسؤولاً عنها ما دامت موجودة ، فإذا تلفت العين المغصوبة تتحول
هذه العهدة إلى اشتغال ذمة الغاصب بقيمة العين المغصوبة ، فما نحن فيه أيضاً كذلك
حيث ان البنك جعل نفسه مسؤولاً عن اداء الشرط الذي على المقاول عند تخلفه عن
التزاماته من عملية الارساء عليه ، ومعنى هذا ان البنك مسؤول عن تسليم الشرط بوصفه
فعلاً له مالية ، فإذا تلف أداء الشرط على المشترط عند تخلف المقاول عن التزاماته
وعن اداء الشرط بسبب امتناع المقاول عن اداء ما شرط عليه نتيجة تخلفه ، فقد تلف
الفعل الذي له مالية على مستحقه ، وعندها تتحول عهدة البنك الجعلية إلى اشتغال ذمة
البنك بقيمة ذلك الفعل ( اداء الشرط ) ، لأنَّ اشتغال الذمة بقيمة المال ( سواء كان
عيناً أو فعلاً ) عند تلفه من اللوازم العقلائية لدخول ذلك المال في العهدة.
ونحن بعد فرضنا إمضاء الشارع لهذا الضمان الجعلي العقلائي ، يترتب عليه اشتغال
ذمة البنك بقيمة ( ضمان اداء الشرط ) على تقدير تلف اداء الشرط.
(369)
وعلى هذا الاساس يصح خطاب الضمان من البنك في المقام (1).
ويمكن توضيح الضمان بالمعنى المتقدم بصورة عرفية :
بأنْ
ندعي أنَّ معنى الضمان من قبل البنك للمقاول هو تحمّل البنك للعمل بالشرط إذا تخلف
المقاول عن التزاماته وعن الشرط معاً ، ولا يفهم العرف الاّ هذا التحمل عند ضمان
البنك لاداء المقاول الشرط الذي له مالية ، عند تخلف المقاول.
ولكنّا نلاحظ كما
ذكر السيّد الشهيد الصدر : وجود فرق دقيق بين توضيح الضمان بالوجه الفني وتوضيح
الضمان بالوجه العرفي ، والفرق هو :
ان صاحب الشرط ( الداعي إلى المناقصة ) بناء
على المعنى العرفي ليس له مطالبة البنك باقناع المقاول بالاداء وانما له على تقدير
امتناع المقاول أن يُغرِّم البنك قيمة ما تعهد به. اما بناء على المعنى الفني ، فلصاحب الشرط مطالبة البنك باقناع المقاول بالاداء (2).
ولعل وجه هذا الفرق يكمن
في أن المعنى الفني للضمان انما يتم عند تلف الشرط على المشروط له ، ولا يتحقق
التلف إلاّ عند امتناع المقاول عن الاداء رغم الحث على اقناعه بالعمل بالشرط.
ملاحظة : لا حاجة الى التنبيه الى عدم صحة خطاب الضمان لو كان بقدر قيمة
العملية او اكثر منها ، لانه يؤول الى حصول الداعي الى المناقصة الى العوض والمعوّض
وهو بمعنى الشراء او الحصول على الخدمة بدون ثمن.
هل يصح للبنك أن يأخذ عمولة على خطاب الضمان ؟
تقدم أن التأمين المالي الذي
يأخذه الداعي إلى المناقصة مثلاً قد تطور إلى الضمان البنكي المتمثل في خطاب الضمان
الذي يصدره البنك ويتحمل فيه مسؤولية
(1) راجع للتوسع البنك اللاربوي في الاسلام ، للشهيد الصدر ، ص 239 مع تعمق
اكثر.
(2) المصدر نفسه ، ص 240 ـ 241.
(370)
ما ينجم من تقصير المناقص تجاه مسؤوليته وواجباته حيال الطرف الآخر.
ولكن البنك إنما يصدر خطاب الضمان ويتحمل المسؤولية في مقابل نسبة مثوية يحصل
عليها من صاحب الخطاب ، وعلى هذا يتولد لهذا الاجراء جانبان :
الجانب الأول :
العلاقة بين من يدعو إلى المناقصة ومن يدخل في المناقصة ، فالاول الذي يكون هنا هو
المشتري للسلعة أو المؤجر للعمل أو المشتري لما يصنعه المقاول ، له أن يشترط في
العقد ما يضمن حقوقه ومصلحته سواء كان في صورة ضمان أو رهن أو غير ذلك استناداً إلى
قوله ( صلى الله عليه وآله ) : المسلمون عند شروطهم. فإذا طالب المقاول بضمان بنكي
فهو حق له لا اشكال فيه.
الجانب الثاني : العلاقة بين المناقص ( المقاول )
والبنك الذي يصدر خطاب الضمان ، فان البنك هنا يأخذ نسبة مئوية من صاحب الخطاب الذي
صدر الخطاب بطلبه ، فهل لهذه النسبة المأخوذة وجه شرعي ؟
الجواب : لقد ذكر
الشهيد الصدر ( رحمه الله ) جواز ذلك معبِّراً عنها : « عمولة على خطاب الضمان هذا ، لان التعهد الذي يشتمل عليه هذا الخطاب يعزز قيمة التزامات الشخص المقاول ، وبذلك
يكون عملاً محترماً يمكن فرض جعالة عليه أو عمولة من قبل ذلك الشخص » (1).
اقول
:
1 ـ ان الارتكاز العرفي والعقلائي يقول بان عملية الضمان المجردة من قبل البنك
للمقاول باداء شرط المشترط ليست مما تقابل بالمال ، وانما الذي يقابل بالمال هو نفس
خسارة البنك عند عدم قيام المقاول بالتزاماته مطلقاً ، نتيجة لضمان البنك ، فالعملية التي قام بها البنك من ضمان شرط المقاول فيها جانبان ، الاول : نفس عملية
الضمان كالفاظ معينة. والثاني : تحمل البنك الخسارة على تقدير عدم
(1) المصدر نفسه ، ص 131.