(371)
التزام المقاول بالتزاماته مطلقاً. والذي يكون مهماً في تعزيز التزامات المقاول كلا الامرين الذي يكون الثاني منهما هو لبّ الاول ، والاول يكون كاشفاً عن الثاني ، فإذا اخذ البنك على عملية الضمان المجرد مالاً بنحو الالزام كان من أكْلِ المال بالباطل. اما إذا آل الضمان اللفظي إلى خسارة البنك في حالة معينة ( وهي حالة : عدم سداد المقاول ما عليه من الشرط عند التخلف عن اداء التزاماته ) فهو مضمون على المقاول بلا اشكال فلا يتمكن أن ياخذ عمولة عليها.
    اننا لو تحررنا من الارتكاز العقلائي المتقدم ، وصرّحنا بان العمولة ياخذها البنك في مقابل نفس عملية الضَمان ، فحينئذ نقول :
    ان العمولة إنما يصح اخذها شرعاً في خصوص ما قابلها من عمل قابل للضمان ( كالخياطة والحلاقة واشباهها ) بخلاف ضمان البنك لوحده ( من دون دخل الاجراءات الادارية في ذلك الذي تستوجب اخذ المال عليها ) فان ضمان البنك لوحده من قبيل الالفاظ والاعمال التي ليست قابلة للضمان لعدم مالية له الانفس مالية المال المعطى من قبل البنك عند تخلف المقاول عن التزاماته وما شرط عليه ، وهذا المال مضمون على المقاول ، ولا يوجد عمل آخر له مالية حتى يصح ضمانه ليأخذ اجراً عليه.
    3 ـ ان عقد الضمان الذي يسمى خطاب الضمان : هو من العقود الارفاقية للمقاول كالقرض ، فاذا كان الضمان يعزز قيمة التزامات المقاول ، فان قيام البنك بالتعهد باقراض شخص معين عند حاجته أيضاً يعزز قيمة التزاماته ، فهل يجوز اخذ اجرة على قيام البنك بتعهده لعملية الاقراض ؟
    وان ادعي الفرق بين القرض والضمان بحرمة اخذ الزيادة في عملية القرض دون عملية الضمان فاننا نقول ليس الكلام في اخذ الزيادة في مقابل المال المقترض في القرض ، وانما الكلام في تعزيز التزامات الانسان لقيام البنك بعملية الاقراض ، فهي واحدة في اصدار خطاب الضمان أو عملية الاقراض عند الحاجة ، وإذا كان


(372)
يجوز اخذ البنك اجرة على قيامه بعملية الاقراض متى احتاج إلى المال فقد جوّزنا الربا بصورة ملتوية.
    وعلى ما تقدم نتمكن ان نقول : ان خطاب الضمان الصادر من البنك بطلب من المقاول لصالح المستفيد ( سواء كان مغطى من حساب المقاول فيكون حوالة أو غير مغطى فيكون ضماناً ) لا يجوز اخذ الاجر عليه.
    نعم اذا عممنا جواز أخذ الاجرة على كل خدمة يقدمها شخص لآخر بشرط ان لا يكون منهيّاً عن أخذها ، فحينئذ يكون أخذ الاجرة على الضمان جائزاً. وهذا هو الذي ذهب اليه بعض كبار علماء الامامية المعاصرين.
    نعم : ان المصاريف الادارية التي يسلكها البنك تبعاً للقوانين الدولة لأجل إصدار خطاب الضمان ( الابتدائي والنهائي ) فهي جائزة شرعاً.
    وعلى كل حال : فان المناقص إذا طلب من البنك إصدار خطاب الضمان لصالح المشتري فان هذا التعاقد بين المناقَص والمشتري يكون صحيحاً مادام يحصل على ضمان حقوق المشتري بطريقة شرعية ولم يكن للمشتري علاقة فيما حصل بين المناقَص والبنك.

6 ـ تضمين عقد المناقصة شرطاً جزائياً في حالة التأخير
    قد يقال : إن البحث قد تعرضنا له في صورة طلب الجهة الداعية الى عقد المناقصة خطاب ضمان نهائي لصالح المستفيد منه عند عدم القيام بما يجب على الطرف الآخر من التزامات وشروط شرطت عليه في العقد.
    ولكن نقول : يوجد فرق بين هذا البحث وما تقدم من خطاب الضمان النهائي ، حيث أن ما تقدم كان في صورة تخلف المقاول عن الالتزامات او الشروط المشترطة عليه بصورة عامة في العقد ، أما هذا البحث فهو في صورة عدم تخلفه عن


(373)
اي التزام او شرط ، سوى شرط التسليم في الموعد المقرر حيث حصل التأخير الذي فيه ضرر على المستفيد. وحينئذ يكون الشرط الجزائي عبارة عن غرامة ، وهي تختلف عن التعويض إذا الغرامة يكون العذر فيها مفترضاً ولا يلزم اثباته على الداعي الى المناقصة ولا يستطيع المتعاقد الاحتجاج بعدم وقوعه ، وهذا بخلاف التعويض الذي يجب فيه اثبات الضررومقدارهويستطيع المتعاقد اثبات عدم وقوعه.
    وحينئذ نقول : إن الشرط الجزائي المتصور في كل عقد على أنحاء ثلاثة ولنأخذ الاجارة مثالاً للعقد :

1 ـ التنقيص من الاجرة بمقدار معين :
    لقد تعرض الفقه الامامي لهذه الحالة في بحث الاجارة ، فقد ذكر العلماء في مسألة : « ما لو استأجره ليحمل له متاعاً إلى موضع معين باجرة معينة واشترط عليه وصوله في وقت معين فان قصّر عنه نقص عن اجرته شيئاً معيناً ، جاز وفاقاً للاكثر نقلاً وتحصيلاً ، بل المشهور كذلك ، للاصل وقاعدة : المؤمنون عند شروطهم والصحيح أو الموثق أو الخبر (1) المنجبر بما عرفت عن محمد الحلبي قال : كنتُ قاعداً عند قاض من القضاة وعنده أبو جعفر ( الامام الباقر ( عليه السلام ) ) جالس ، فأتاه رجلان فقال احدهما : إني تكاريتُ إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن واشترطتُ عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لانها سوق أتخوف أن يفوتني فإن احتبستُ عن ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتبسته كذا وكذا ،
     (1) انما عبّر صاحب الجواهر بهذا التعبير لان هذه الرواية لها ثلاثة أسناد :
    الاول : سند الشيخ الكليني وفيه ( محمد بن أحمد ) وهو مجهول فالرواية تكون ضعيفة فعبّر عنها بالخبر :
    الثاني : سند الشيخ الطوسي وهو سند صحيح.
    الثالث : سند الشيخ الصدوق وهو سند صحيح أيضاً.
    اقول : بعد وجود الطريق الصحيح لا معنى للتعبير بالخبر.

(374)
وأنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً. فقال القاضي هذا شرط فاسد ، وفِّهِ كراه ، فلما قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر ( الامام الباقر ( عليه السلام ) ) فقال : شرط هذا جايز مالم يحط بجميع كراه » (1) (2) (3).
    ومقابل قول الاكثر : من أشكل في صحة هذا الشرط الجزائي لكونه يوجب تعليقاً وجهالة وإبهاماً وأنه كالبيع بثمنين نقداً ونسيئة مثلاً ، ولذا ذهب المحقق الثاني في « جامع المقاصد » وغيره من المتاخرين إلى البطلان في ذلك وطرح الرواية أو حملها على الجعالة أو نحو ذلك.
    اقول : ان ما ذهب إليه مخالف الاكثر هو كالاجتهاد في مقابلة النص الذي لا يقبل الحمل على الجعالة. ثم اننا لا نرى تعليقاً في الاجارة لانه لم يستأجره بالناقص لو لم يصل في اليوم المعين ، بل وصل بعده ، بل الاجرة معينة إن وصل في اليوم المعين ، فإنْ تأخر نقص من الاجرة ، وهو شرط في متن العقد على نحو شرط النتيجة او شرط الفعل ، والفرق بينهما واضح ، اذ على النحو الاول : يكون المشروط له ( على تقدير مخالفة الشرط ) قد ملك مقدار النقصان على ذمة المشروط عليه ، بينما على النحو الثاني لا يوجد اشتغال ذمة المشروط عليه ، بل يجب عليه تمليك مقدار النقصان ، فإن لم يفعل ، فعلَ حراماً فقط.
    نعم : هناك جهالة في الشرط ولكن لا تضرّ هذه الجهالة التي ليست راجعة الى أحد العوضين. كما ان التشبيه بالبيع بثمنين ليس بصحيح ، لان المشابهة للبيع
     (1) جواهرالكلام ، ج 27 ، ص 230.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 13 من الاجارة ، ح 2.
     (3) لقد ثبتت الروايات المتواترة عن الأئمة ( عليهم السلام ) بان قولهم ليس من الرأي أو الاجتهاد وانما هو عن آبائهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن جبرئيل عن الله عزّوجلّ ، فيكون قولهم حسب هذه الروايات المتواترة حجة وكاشفاً عن السنة النبوية ، فيلزمنا العمل بها إذا كان السند صحيحاً. راجع كتاب الحلال والحرام في الاسلام الامر الخامس من مقدمة المحقق ، ص 23.

(375)
بثمنين ان يقول مثلاً ، إن خطته روميّاً فلك درهم وفارسياً نصفه ، اما ما نحن فيه فهو ليس كذلك ، ولذا صرح بالصحة هنا من لم يقل بها في مثال الخياطة بالرومية والفارسية وذلك لان المستأجر عليه فيما نحن فيه معيناً ولكن اشترط عليه التنقيص على تقدير المخالفة. وهذا شرط صحيح لعموم « المسلمون عند شروطهم » واطلاق الرواية المعتضدة بفتوى الاكثر.

2 ـ التنقيص من الاجرة بدون تعيين :
    نعم لو كان الشرط الجزائي هو التنقيص بدون ذكر لمقداره لو أوصله متأخراً ، فيكون الشرط هنا باطلاً لجهالة الاجرة على تقدير الايصال المتأخر ، وحينئذ تبطل الاجرة ، واذا بطلت الاجرة ننتقل الى اجرة المثل في هذه الصورة.
    ويدلّ عليه : كونه على مقتضى القواعد القائلة بصحة الاجارة وبطلان الاجرة لجهالتها ، فننتقل الى اجرة المثل. ويؤيده ما ورد في كتاب دعائم الاسلام عن الامام الصادق ( عليه السلام ) « أنه سئل عن الرجل يكتري الدابة او السفينة على أن يوصله الى مكان كذا يوم كذا ، فان لم يوصله يوم كذا كان الكرى دون ما عقده ؟ قال ( عليه السلام ) : الكرى على هذا فاسد ، وعلى المكتري أجر مثل حمله » (1).

3 ـ سقوط الاجرة باكملها :
    ثم لو كان الشرط الجزائي هو سقوط الاجرة باكملها إن لم يوصله في الوقت المعين ، فهو شرط باطل لكونه شرطاً منافياً لمقتضى الاجارة ، لانه يرجع الى استحقاق المستأجر العمل بعقد الاجارة بلا اجرة ، فهو مثل قوله : آجرتك بلا اجرة ، وحينئذ فان فسد الشرط فسد العقد على رأي ، لانه شرط اساسي بني عليه العقد ، ويدلّ على بطلان الشرط نفس الرواية المتقدمة عن الحلبي بقول الامام
     (1) المستدرك ، ج 14 ، باب 7 من الاجارة ، ح 1 ، طبعة مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ).
(376)
الباقر ( عليه السلام ) : « وشرط هذا جائز مالم يحط بجميع كراه » وعلى قول آخر ان الشرط اذا كان فاسداً لا يُبطل العقد ، ولكن لا بأس بالتنبيه الى أن المؤجر يستحق اجرة مثله على كلا التقديرين ( من بطلان عقد الاجارة او عدم بطلانه ) ، لانه عمل عملاً بدون تبرع بطلب من صاحب السلعة ، فيستحق اجرة المثل لما عمل ، ولقاعدة ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) ، والاجارة عقد مضمون لو كان صحيحاً بالاجرة المسماة ، فلو كان فاسداً فهو مضمون باجرة المثل (1).
    اقول : هذا الكلام في الشرط الجزائي قد ورد فيه الحديث المتقدم في الاجارة ، فان لم نرَ فرقاً بين عقد الاجارة وبقية العقود ( غير القرض ) (2) فيكون دليل الشرط الجزائي غير منحصر بعقد الاجارة ، فيصح الشرط الجزائي على النحو الاول في كل عقد ، ومنه عقد المناقصة التي نحن بصددها والتي تكون الاجارة قسماً منها ، فيتمكن الداعي الى المناقصة ان يشترط على منْ رست عليه المناقصة نقصان أجرته او ثمنه بمقدار معين إن لم يكمِّل المشروع الصناعي او لم يسلم المبيع في مدته المعينة. كما يمكن ان يكون الدليل على صحة الشرط الجزائي هو قاعدة « المسلمون عند شروطهم » التي توجب الوفاء بالشرط اذا كان في ضمن عقد مالم يكن مخالفاً للكتاب او السنة.
    ولو قيل : إنَّ الثمن في البيوع يكون مقابل الاعيان ، وأما الشرط : فتخلفه يوجب فسخ ولا يقسَّم عليه الثمن ، اجبنا : أننا ندّعي أنَّ الشرط الجزائي الذي شرطه المشتري وقبله البائع يوجب عليه العمل به ، وهو يوجب ان يملك المشتري
     (1) هنا أبحاث معمقة آثرنا تركها لاجل ان لا يطول بنا المقام.
     (2) إن الشرط الجزائي في القرض سواء كان الغرض منه حث المقترض على الوفاء بدينه في الميعاد فيكون تهديداً مالياً للتنفيذ العيني ، او كان شرطاً جزائياً حقيقياً وهو خلاف التهديد المالي حيث أنه يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني ، وعدم صحته في القرض واضحة حيث أنَّ كل زيادة للمقرِض جاءت من قبل الشرط في عقد القرض هي ربا.

(377)
مقداراً من الثمن أو يملَّك من قبل البائع إن لم يفعل بهذا الشرط الثاني كان الخيار للمشتري بالفسخ.
    اقول : والتحقيق اننا وإن قلنا أنَّ الشرط الجزائي صحيح في الاجارة على الاعمال وفي البيوع ، إلاّ اننا نستثني من البيوع ( السلم والتوريد ) الذي يكون المثمن كلياً في الذمة ومؤجلاً الى أجل ، وبما أن الثمن كان مؤجلاً لا يجوز الزيادة في الاجل في مقابل المال لأنه ربا ( اتقضي ام تربي ) فكذا لا يجوز الزيادة في أجل المثمن في البيع السلمي في مقابل المال وهو تنقيص الثمن ، وبما أنَّ الشرط الجزائي تكون نتيجته هو رضا المشتري في تأخير المثمن في مقابل المال الذي هو نقصان في الثمن فهو ربا جاهلي. يبقى لنا طريق واحد لضبط تصرف البائع ، وهو أن يشترط المشتري على البائع كمية من المال اذا تخلّف عن تنفيذ العقد ، وهذا هو العربون الذي أجازه المجمع الفقهي في دورة سابقة ، ولكن هذا لا يكون بديلاً للشرط الجزائي في صورة تأخر البائع عن تسليم البضاعة.
    والخلاصة : فإنَّ الشرط الجزائي في صورة تسليم البضاعة باطل لأنه شرط مخالف للستة ، ولولا هذا المانع لكان جائزاً (1).
     (1) وقد أقرَّ مجمع الفقه الاسلامي في دورته السابعة بجدة/ رقم 65/2/7 بشأن البيع بالتقسيط الفقرة 5
    الشرط الجزائي في حالة اتفاق المتداينين على حلول سائر الاقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الاقساط المستحقة عليه مالم يكن معسراً ، ومما يؤيد قرار المجمع ( كما ذكر ذلك د. رفيق المصري في بحثه حول المناقصات ص 41 ) ما جاء في حاشية ابن عابدين 4/533 :
    « عليه ألفٌ ثمنٌ ، جعله رُبُّهُ نجوماً = اقساطاً ، إن أخلَّ بنجم حلَّ الباقي ، فالأمر كما شرطا ... ».
    وقد أقرَّ ـ ايضاً ـ صورة اخرى من الشرط الجزائي في الدورة الثامنة في بروناي ، وهي العربون في صورة عدول احد الطرفين عن عقد البيع أو الاجارة أو مضت الفترة المحددة لانتظار امضاء العقد ، فحينئذ يكون مبلغ العربون من حق الطرف الآخر.
    وقد وردت بعض النصوص في حلية الشرط الجزائي منها : 1 ـ عن ابن سيرين قال : قال رجل لكريِّه ( المكاري ، المؤجر ) ارحل ركابك ( اي شد رحلك على ظهر دابتك ) فإن لم ارحل مع يوم كذا وكذا فلك مائة درهم ، فلم يخرج ؟ فقال شريح : من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه. راجع صحيح البخاري ج 3 ص 259 باب ما يجوز من الاشتراط. ومصنف عبدالرزاق ، باب الشرط في الكراء ج 8 ص 59 وفتح الباري ج 5 ص 354 ، واعلام الموقعين ج 3 ص 400.

(378)
7 ـ مدى حرية الجهة الداعية الى المناقصة في اختيار احد من العروض او التقيد بالانقص منها ؟ (1)
    إن التعريف المتقدم للمناقصات كان يلزم الداعي الى المناقصة الى إختيار احسن من يتقدم للتعاقد معه ، وهذا التعريف قد إستُل من العرف التجاري لعقد المناقصات ، فاذا وصل هذا العرف الى حدّ التعهد من قبل المشتري ومن يدخل في المناقصة فلا يبعد ان يُلزم المشتري شرعاً باختيار أقل العروض لهذا التعهد الذي يكون ملزِماً حسب « اوفوا بالعقود ». وبعبارة أخرى : ان الغرض من المناقصة هو اختيار الانقص من العروض ، والمناقصة من شأنها ذلك. فلو اُختير غير الانقص لكان هذا مدعاة لاتهام المناقص برشده اذا كان يشتري لنفسه أو اتهام الجهة الوكيلة والمتولية بعدم الامانة أو نفوذ رشوة في المعاملة.
    ونستطيع أن نتخلص من هذا العرف التجاري في صورة واحدة وهي ما اذا اشترط المشتري على المتناقصين عدم الالتزام باختيار أفضل من يتقدم للتعاقد معه ، ففي هذه الصورة يكون المشتري مختاراً في اختيار احد المتقدمين للمناقصة حسب الشرط. ولكن في هذه الصورة قد لا تنجح المناقصة ولا يقدم عليها أحد ، لأن المناقصة تكون تحكماً وتشهيّاً ، وبهذا يفوت الوقت والكلفة على المتناقصين.
    واما اذا لم يكن الزام للداعي الى المناقصة في اختيار افضل العروض كما في
     (1) هذا البحث مفروض فيه تساوي المتناقصين في الشروط والمواصفات.
(379)
المناقصات البدائية التي تحصل مشافهة ، فحينئذ يكون الحكم هو حرية الجهة الداعية الى المناقصة في اختيار احد العروض وان لم يكن أحسنها مالم يشترط تقييد الداعي الى المناقصة بافضل العروض. ولكن هذه طريقة بدائية للمناقصة يسلكها من لا يقدّم ضمان خطاب ابتدائي ونهائي ولا يشتري دفتر الشروط ولا يصرف وقتاً لدراسة المشروع ، ولا يعدّ الخطط لذلك ، وكلٌ منها مهم في المناقصة التي يحسب فيها للوقت وللتكلفة ولخطاب الضمان حسابه المهم في العرف.

خلاصة البحث :
    وخلاصة ما سبق من البحث نذكره على نقاط :
    1 ـ بعد تعريف المناقصات وبيان علاقة الضد بين المزايدة والمناقصة ، واشتراكهما في الاجراءات تبيّن أن المناقصات هي قسم من المقاولات التي تكون ملزِمة للطرفين.
    2 ـ المناقصات على انواع ( مناقصات البيع ، والاستصناع والسلم والاجارة والاستثمار باقسامه المختلفة من مزارعة ومضاربة ومساقاة ) وتبين ان المناقصة كما تكون قسماً من البيع والسلم والاستصناع والاجارة والاستثمار تكون ايضاً اعم من البيع لشمولها لهذه العقود.
    3 ـ لا تعارض بين صحة عقود المناقصات والنهي عن الدخول في سوم الاخ لأنَّ حديث النهي ناظر الى المعاملة الخاصة الجارية بين طرفين خاصين ، ولا يشمل بيع المناقصة المبنية على عدم السوم مع شخص واحد بل مع جماعة.
    4 ـ الدخول في المناقصة قد يكون لمن لا يمتلك السلعة وهو يكون من قبيل بيع السلم او الاستصناع او بيع الكلي او الاجارة او الاستثمار باقسامه المختلفة الشرعية ، اما بيع ما ليس عند الانسان الذي ورد فيه النهي فانه مختص ببيع السلعة الخارجية لمن لا يملكها ، وقد تبين ايضاً أن المناقصة ليست من المواعدة التي لا تكون ملزمة للطرفين.


(380)
    5 ـ بيع وثائق المناقصة بالتكلفة او باي ثمن آخر عقد صحيح لدخول ذلك تحت حلّية البيع والتجارة عن تراض.
    6 ـ إن خطاب الضمان الابتدائي الذي يأخذه الداعي الى المناقصة عند تخلف من رست عليه من القيام بمقررات المناقصة أمر جائز لانه عبارة عن شرط في حق فسخ المعاملة المذكورة.
    7 ـ ان خطاب الضمان النهائي الذي يكون لصالح الداعي الى المناقصة الذي يكون عبارة عن دفع نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلف المقاول عن الوفاء بالتزاماته هو شرط صحيح ولازم مادام واقعاً في عقد صحيح سواء كان بنحو شرط النتيجة او شرط الفعل. كما يمكن أن يقوم البنك بضمان هذا الشرط والعمل به عند تخلف المقاول عن التزاماته وبالشرط معاً.
    8 ـ ان العمولة التي يأخذها البنك على خطاب الضمان التي هي عمل لفظي ليس قابلاً للضمان ، غير جائزة لانها من قبيل اكل المال بالباطل. الا اذا جوزنا أخذ 8الاجرة على كل خدمة يقدمها شخص لآخر لم يكن منهيّاً عنها.
    9 ـ ان الشرط الجزائي في حالة التأخير عن وقت التسليم يكون صحيحاً اذا كان معيناً ، ولم يكن المثمن نسيئة ، اما اذا كان غير معين فهو غير صحيح ويؤثر على صحة العقد ، وحينئذ ننتقل الى ثمن المثل ، وكذا اذا كان المثمن نسيئة ( كما فى عقد التوريد او الاستصناع ) حيث يؤول هذا الشرط الجزائي الى اتقضي ام تربي وهو ربا الجاهلية.
    اما اذا كان الشرط الجزائي عبارة عن سقوط الثمن باكمله فهو شرط باطل لكونه منافياً لمقتضى العقد ، وقد كان دليل هذا كله الرواية المعتبرة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) بالاضافة الى قاعدة « المسلمون عند شروطهم ».
    10 ـ ان الجهة الداعية الى المناقصة تكون ملزمة باختيار أقل العطاءات الا في صورة اشتراط عدم الالزام في متن شراء وثيقة المناقصة اما في المناقصات البدائية التي ليس فيها التزام باختيار أقل العروض فالعكس هو الصحيح.