حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 181 ـ 190
(181)
تسعمائة شيخ كلّ يقول : حدّثني جعفر بن محمد (1) ومن أهم الأسر العلمية التي درست في ذلك الجامع هي آل حيّان التغلبي وآل أعين ، وبنو عطيّة وبيت بني دارج وغيرهم (2).
    ولم يكن الفقه وحده هو السائد في مدرسة الكوفة ، وإنّما كان النحو سائداً أيضاً ، فقد أنشأت في الكوفة مدرسة النحويين ، وكان من أعلامها البارزين : الكسائي الذي عهد إليه الرشيد بتعليم ابنيه الأمين والمأمون ، ومن الجدير بالذكر أنّ هذا العلم الذي يصون اللسان عن الخطأ قد اخترعه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فهو الذي وضع قواعده وأصوله.
    3 ـ البصرة :
    أما البصرة فقد كانت مركزاً مهمّاً لعلم النحو ، وكان أوّل من وضع أساس مدرسة البصرة أبو الأسود الدوئلي تلميذ الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكانت هذه المؤسسة تنافس مدرسة الكوفة ، وقد سُمّي نُحّاة البصرة ( أهل المنطق ) تمييزاً عن نُحّاة الكوفة وكان من أعلام هذه الصناعة سيبويه الفارسي ، وهو صاحب كتاب سيبويه ، الذي هو من أنضج الكتب العربية وأكثرها عمقاً وأصالة يقول دي بور : فلو نظرنا إلى كتاب سيبويه لوجدناه عملاً ناضجاً ، ومجهوداً عظيماً ، حتى أنّ المتأخّرين قالوا : إنّه لابدّ أن يكون ثمرة جهود متضافرة لكثير من العلماء ، مثل قانون ابن سيناء (3).
    وكما كانت البصرة ميداناً لعلم النحو كذلك كانت مدرسة لعلم التفسير الذي كان من علمائه البارزين أبو عمرو بن العلاء ، وكانت مدرسة أيضاً لعلم العروض
1 ـ حياة الإمام موسى بن جعفر : ج 1 ص 82.
2 ـ تاريخ الإسلام : ج 2 ص 338.
3 ـ تاريخ الفلسفة في الإسلام : ص 39.


(182)
الذي وضع أصوله الخليل بن أحمد صاحب كتاب ( العين ) الذي هو أول معجم وضع في اللغة العربية.
    4 ـ بغداد :
    أمّا بغداد فقد ازدهرت بالحركات العلمية والثقافية ، وقد انتشرت فيها المدارس والمعاهد ولم يعد هناك شيء أيسر ولا أبذل من العلم ، ولم تختص بغداد في علم خاص كما كانت بقية المراكز الإسلامية ، وإنّما شملت جميع أنواع العلوم من العقلية والنقلية ، وكذا سائر الفنون ، وقد أصبحت أعظم حاضرة علمية في ذلك العصر ، وقد توافد عليها طلاّب العلوم والمعرفة من جميع أقطار الدنيا يقول لغوستان لوبون : كان العلماء ورجال الفن والأدباء من جميع الملِل والنِحل من يونان وفُرس وأقباط وكلدان يتقاطرون إلى بغداد ، ويجعلون منها مركزاً للثقافة في الدنيا ، قال أبو الفرج : عن المأمون انّه كان يخلو بالحكماء ، ويأنس بمناظرتهم ، ويلتذ بمذاكرتهم علماً منه بأنّ أهل العلم هُم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده (1) هذه بعض المراكز الثقافية في ذلك العصر.

    العلوم السائدة :
    وكان من العلوم السائدة التي أقبل الناس على تعلّمها ، هي :

    1 ـ علوم القرآن :
    أمّا علوم القرآن الكريم ، فمن بينها ما يلي :
    أ ـ علم القراءات :
    ويعني هذا العلم بالبحث عن قراءة القرآن وقد وجدت سبع طُرق في
1 ـ حضارة العرب : ص 218.

(183)
القراءات ، كل طريقة منها تُنسب إلى قارئ ، ومن أشهرهم في العصر العباسي يحيى بن الحارث الذماري المتوفّى سنة ( 145 هـ ) وحمزة بن حبيب الزيات المتوفّى سنة ( 156 هـ ) وأبو عبد الرحمن المقري المتوفى سنة ( 213 هـ ) وخلف بن هشام البزار المتوفى سنة ( 229 هـ ) (1).
    ب ـ التفسير :
    ويُراد به إيضاح الكتاب العزيز وبيان معناه ، وقد اتجه المفسّرون في تفسيره إلى اتجاهين.
    الأول : التفسير بالمأثور ، ونعني به تفسير القرآن بما أثر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأئمّة الهُدى وهذا ما سلكه أغلب مُفسّري الشيعة كتفسير القمّي ، والعسكري والبرهان ، وحجّتهم في ذلك إنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) هم المخصوصون بعلم القرآن على حقيقته وواقعه ، وقد أدلى بذلك الإمام أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) بقوله : ( ما يستطيع أحد أن يدّعي إنّ عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء (2) وقد تظافرت الأدلّة على وجوب الرجوع إليهم في تفسير القرآن يقول الشيخ الطوسي :
    ( إنّ تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعن الأئمة الذين قولهم حجة كقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) .. ) (3).
    الثاني : التفسير بالرأي ، ويُراد به الأخذ بالاعتبارات العقلية الراجعة إلى الاستحسان وقد ذهب إلى ذلك المفسرون من المعتزلة ، والباطنية فلم يعنوا بما أثر عن أئمّة الهدى في تفسير القرآن الكريم ، وإنّما استندوا في تفسيره إلى ما يرونه من
1 ـ المعارف : ص 230 ـ 231 ، الفهرست : ص 42 ـ 45.
2 ـ التبيان : ج 1 ص 4.
3 ـ حياة الإمام محمد الباقر : ج 1 ص 181.


(184)
الاستحسانات العقلية (1).
    وعلى أي حال فإنّ أوّل مدرسة للتفسير بالمأثور كانت في عهد الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فهو أوّل مفسّر للقرآن الكريم وعنه أخذ عبد الله بن عباس وغيره ، من أعلام الصحابة ، وكذلك اهتم به اهتماماً بالغاً الأئمة الطاهرون ، فتناولت الكثير من محاضراتهم تفسير القرآن ، وأسباب نزول آياته وفضل قراءته.

    2 ـ الحديث :
    ومن العلوم السائدة دراستها في ذلك العصر ( الحديث ) الذي هو من أهمّ مصادر التشريع الإسلامي ، ونعني به ما أثر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو عن أحد أوصيائه الأئمة الطاهرين ، من قول أو فعل أو تقرير لشيء ويعبّر عن ذلك كلّه بالسنّة.
    وقد سبق الشيعة إلى تدوين الأحاديث ، فقد حثّ الأئمة الطيّبون أصحابهم على ذلك ، فقد روى أبو بصير قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال : ( ما يمنعكم من الكتابة ، إنّكم لن تحفظوا حتى تكتبوا ، أنّه خرج من عندي رهط من أهل البصرة يسألوا عن أشياء فكتبوها ) وقد انبرى جماعة من أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى جميع الأحاديث الصحيحة في جوامع كبيرة ، وهي الجوامع الأولى للإمامية والتي تعدّ الأساس لتدوين الجوامع الأربعة لمشايخ الإسلام الثلاثة (2).

    3 ـ الفقه :
    ومن أميز العلوم التي ساد انتشارها في ذلك العصر بل في جميع العصور الإسلامية هو علم الفقه الذي يناط به معرفة التكاليف اللازمة على المكلّفين وعليهم المسؤولية عند الله في امتثالها وتطبيقها على واقع حياتهم ، ومن ثمّ كان الاهتمام بدراسة
1 ـ حياة الإمام محمد الباقر : ج 1 ص 181.
2 ـ مقدمة المقنع والهداية : ص 10.


(185)
علم الفقه أكثر من سائر العلوم ، وقد قام أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) بدور فعال في إنشاء مدرستهم الفقهية التي تخرّج منها كبار الفقهاء والعلماء أمثال زرارة ، ومحمد بن مسلم ، وجابر بن يزيد الجعفي وأمثالهم من عيون العلماء ، وقد دوّنوا ما سمعوه من الأئمة الطاهرين في أصولهم التي بلغت زهاء أربعمائة أصل ، ثمّ هذّبت ، وجمعت في الكتب الأربعة التي يرجع إليها فقهاء الإمامية في استنباطهم للأحكام الشرعية.
    ولم يقتصر هذا النشاط في طلب علم الفقه والإقبال عليه على الشيعة ، وإنّما شمل جميع الطوائف الإسلامية.

    4 ـ علم الأصول :
    وأسّس هذا العلم الإمام أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) حسبما حقّقناه عند البحث عن حياته ، وهذا العلم ممّا يتوقّف عليه الاجتهاد والاستنباط ، وكان موضع دراسة في ذلك العصر.

    5 ـ علم النحو :
    وهو من العلوم التي لعبت دوراً مهمّاً في العصر العبّاسي ، فقد كانت بحوثه موضع جدل ، وقد عقدت لها الأندية في قصور الخلفاء وجرى في بعض مسائله نزاع حادّ بين علماء هذا الفنّ ، وقد تخصّص بهذا العلم جماعة من الأعلام في ذلك العصر في طليعتهم الكسائي والفراء وسيبويه ، وقد أسس هذا العلم الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رائد العلم والحكمة في الأرض.

    6 ـ علم الكلام :
    من العلوم التي انتشرت في ذلك العصر علم الكلام ، ويقصد به الدفاع عن المعتقدات الدينية بالأدلّة العلمية ، وقد أسس هذا الفنّ أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وتخصّص به جماعة من تلاميذهم ، يعدّ في طليعتهم العالم الكبير هشام بن الحكم ، ومن أشهر


(186)
المتكلّمين عند أهل السنّة واصل بن عطاء ، وأبو الهذيل العلاف ، وأبو الحسن الأشعري والغزالي.

    7 ـ علوم الطب :
    وانتشر علم الطب في ذلك العصر ، وقد شجّع ملوك بني العباس على دراسته ، ومنحوا الجوائز والأموال الطائلة للمتخصّصين فيه أمثال جبريل بن بختشوع الطبيب النصراني.

    8 ـ الكيمياء :
    ومن العلوم التي نالت الاهتمام في ذلك العصر هو علم الكيمياء ، وقد تخصّص فيه جابر بن حيان مفخرة الشرق العربي ، وقد تلقّى بحوثه من الإمام الصادق الدماغ المفكّر في الإنسانية فهو الذي أسّس هذا العلم.

    9 ـ الهندسة المعمارية والمدنية :

    10 ـ الفلك :
    هذه بعض العلوم المنتشرة والسائدة في عصر الإمام الجواد ( عليه السلام ) وقد ألّفت فيها مئات الكتب ممّا فقد أو هو مخطوط في خزائن المكتبات في العالم.

    ترجمة الكتب :
    وكان من مظاهر تطور الحياة الثقافية في ذلك العصر الإقبال على ترجمة الكتب من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية ، وقد تناولت كتب الطب ، والرياضة ، والفلك ، وأصناف العلوم السياسية والفلسفة ، ذكر أسماء كثير منها : ابن النديم في الفهرست ، وكان يرأس ديوان الترجمة حنين بن إسحاق ، وقد روى ابن النديم أنّ ( المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات ، وقد استظهر عليه المأمون فكتب إليه يسأله الإذن في


(187)
إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة ، المدّخرة ببلد الروم فأجابه إلى ذلك بعد امتناع ، فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجّاج بن مطر وابن البطريق وسلم صاحب بيت الحكمة وغيرهم ، فأخذوا ممّا وجدوا ، فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل .. ) (1).
    وقد ساعدت تلك الكتب المترجمة على نمو الفكر العربي ، وساهمت في تطور العلوم في البلاد الإسلامية فقد اشتغل الكثيرون من المسلمين في تفسيرها إلى الناشئة العلمية.

    المعاهد والمكتبات
    وأنشأت الحكومة العباسية في بغداد المدارس والمعاهد لتدريس العلوم الإسلامية وغيرها ، فقد أنشئت فيها حوالي ثلاثون مدرسة ، وما فيها من مدرسة إلاّ ويقصر القصر البديع عنها ، وأعظمها وأشهرها النظامية (2).
    كما أسّست فيها المكتبات العامة التي كان منها مكتبة بيت الحكمة ، فقد نقل إليها الرشيد مكتبته الخاصة ، وأضاف إليها من الكتب ما جمعه جدّه المنصور وأبوه المهدي ، وفي عهد المأمون طلب من أمير صقلية بعض الكتب العلمية والفلسفية ، فلمّا وصلت إليه نقلها إلى مكتبة بيت الحكمة ، كما جلب إليها من خراسان الكثير من الكتب ، وكان حيث ما سمع بكتاب جلبه لها ، وظلّت هذه الخزانة التي هي من أثمن ما في العالم قائمة يرجع إليها البحّاث وأهل العلم فلمّا استولى السفّاك المغول على بغداد سنة ( 656 هـ ) عمد إلى إتلافها ، وبذلك فقد خسر العالم الإسلامي أعظم تراث له.
1 ـ الفهرست : ص 339.
2 ـ رحلة ابن جبير : ص 208.


(188)
    الخرائط والمراصد :
    وكان من مظاهر ألوان التقدم الثقافي والحضاري في ذلك العصر أنّ المأمون أمر بوضع خريطة للعالم سُمّيت ( الصورة المأمونية ) وهي أول خريطة صُنعت للعالم في العصر العباسي ، كما أمر بإنشاء مرصد فلكي فأنشأ بالشماسية وهي إحدى محلاّت بغداد (1).
    ففي هذا الجو العلمي الزاهر كان الإمام أبو جعفر الجواد ( عليه السلام ) الرائد الأعلى للحركة الثقافية ، فقد التفّ حوله العلماء أثناء إقامته في بغداد وهم ينتهلون من نمير علومه ، وقد سألوه عن أدق المسائل الفلسفية والكلامية فأجابهم عنها حسب ما ذكرناه في البحوث المتقدمة.

    الحياة السياسية :
    أمّا الحياة السياسية في عصر الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) فقد كانت بشعة وحرجة للغاية لا للإمام فحسب وإنّما كانت لعموم المسلمين وذلك لما فيها من الأحداث الجسام ، فقد مُنيت الأمة بموجات عارمة من الفتن والاضطرابات ، وقبل أن نتحدّث عنها نرى من اللازم ان نعرض لمنهج الحكم في العصر العباسي وغيره ممّا يتصل بالموضوع وفيما يلي ذلك :

    منهج الحكم :
    أمّا منهج الحكم في العصر العباسي فإنّه كان على غرار الحكم الأموي ، لم يتغير ولم يتبدل ، وقد وصفه ( نكلسون ) بأنّه نظام استبدادي ، وانّ العباسيين حكموا
1 ـ عصر المأمون : ج 1 ص 375.

(189)
البلد حكماً مطلقاً على النحو الذي كان يحكم به ملوك آل ساسان قبلهم (1).
    لقد كان الحكم خاضعاً لرغبات ملوك العباسيين وأمرائهم ، ولم يكن له أي التقاء مع القانون الإسلامي ، فقد شذّت تصرّفاتهم الإدارية والاقتصادية والسياسية عمّا قنّنه الإسلام في هذه المجالات.
    لقد استبدّ ملوك بني العباس بشؤون المسلمين وأقاموا فيهم حكماً إرهابياً لا يعرف الرحمة والرأفة ، وهو بعيد كلّ البعد عمّا شرّعه الإسلام من الأنظمة الخلاّقة الهادفة إلى بسط العدل ، ونشر المساواة ، والحق بين الناس.

    الخلافة والوراثة :
    ولم تخضع الخلافة الإسلامية حسب قيمها الأصيلة إلى أي قانون من قوانين الوراثة ولا لأي لون من ألوان المحاباة أو الاندفاع وراء الأهواء والعواطف ، فقد حارب الإسلام جميع هذه المظاهر واعتبرها من ألوان الانحطاط والتأخر الفكري للمسلمين ، وأناط الخلافة بالقيم الكريمة ، والمُثل العُليا ، والقدرة على إدارة شؤون الأمة ، فمن يتصف بها فهو المرشّح لهذا المنصب الخطير الذي تدور عليه سلامة الأمّة وسعادتها.
    أما الشيعة فإنّما خصّت الخلافة بالأئمة الطاهرين من أهل البيت ( عليهم السلام ) لا لقرابتهم من الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) وانّهم ألصق الناس به وأقربهم إليه ، وإنّما لمواهبهم وعبقرياتهم ، وما اتصفوا به من الفضائل التي لم يتصف بها أحد غيرهم.
    وأمّا الذين طبّلوا بالوراثة فهم العباسيّون ، فاعتبروها القاعدة الصلبة لاستحقاقهم للخلافة لأنّهم أبناء عم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وقد بذلوا الأموال الطائلة لأجهزة
1 ـ اتّجاهات الشعر العربي : ص 49.

(190)
الإعلام لنشر ذلك وإذاعته بين الناس.
    وقد هبّت إلى الأوساط العباسي المرتزقة تتقرّب بانتقاص العلويين وتشهد بأنّ ذئاب بني العباس هم أولى بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) من السادة الأطهار من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ).
    ويقول الرواة : إنّ أبان بن عبد الحميد كان مُبعداً عن العباسيين لولائه لأهل البيت ( عليهم السلام ) فخفّ إلى البرامكة وطلب منهم أن يوصلوه إلى الرشيد فأشاروا عليه انّه لا سبيل إلى ذلك إلاّ أن يعرض في شِعره أنّ بني العباس هم ورثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأولى بالخلافة من العلويين فأجابهم إلى ذلك ونظم قصيدة جاء فيها :
نشدت بحقّ الله من كان مسلماً أعمّ رسول الله أقرب زلفة وأيّهما أوله وبعهده فإن كان عباس أحق بنسلكم فأبناء عباس هم يرثونه أعم بما قد قلته : العجم والعرب لديه أم ابن العم في رتبة النسب ومن ذا له حق التراث بما وجب وكان على بعد ذاك على سبب كما العم لابن العم في الإرث حجب
ولمّا قرأ قصيدته على الرشيد ملئت نفسه إعجاباً فمنحه الرضا ومنحه الأموال الطائلة.

    تصرّفات شاذّة :
    ولمّا التزم العباسيّون بقانون الوراثة ، قاموا بتصرفات شاذّة ونابية ومعادية لمصلحة الأمة وكان من بينها :
    1 ـ إسناد الخلافة إلى الذين لم يبلغوا سن الرشد ، فقد عهد الرشيد بالخلافة إلى ابنه الأمين ، وكان له من العمر خمس سنين ، وإلى ابنه المأمون وكان عمره ثلاث عشر سنة.
    وقد انحرف بذلك عمّا قرّره الإسلام من أنّ منصب الخلافة إنّما يُسند إلى من
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس