حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 191 ـ 200
(191)
كان يتمتع بالحكمة والتجارب ، وممارسة الشؤون الاجتماعية والدراية التامة بما تحتاج إليه الأمّة في جميع مجالاتها ، وليس من سبيل لإسنادها للأطفال والصبيان.
    2 ـ إسناد ولاية العهد لأكثر من واحد فإنّ في ذلك تمزيقاً لشمل الأمّة وتصديعاً لوحدتها وقد شذّ الرشيد عن ذلك فقد أسند الخلافة من بعده إلى الأمين والمأمون ، وقد ألقى الصراع بينهما ، وعرّض الأمة إلى الأزمات الحادة ، والفتن الخطيرة ، وسنعرض لها في البحوث الآتية.

    الوزارة :
    من الأجهزة الحساسة في الدولة العباسية هي الوزارة ، فكانت ـ على الأكثر ـ وزارة تفويض ، فكان الخليفة يعهد إلى الوزير بالتصرف في جميع شؤون دولته ويتفرغ هو للّهو والعبث والمجون ، فقد استوزر المهدي العباسي يعقوب بن داود ، وفوّض إليه جميع شؤون رعيّته وانصرف إلى ملذّاته ، وفيه يقول الشاعر :
بني أميّة هبّوا طال نومكم ضاعت خلافتكم يا قوم إنّ الخليفة يعقوب بن داود فالتمسوا خليفة الله بين الناي والعود
    استوزر الرشيد يحيى بن خالد البرمكي ومنحه جميع الصلاحيات واتجه نحو ملاذّه وشهواته فكانت لياليه الحمراء في بغداد شاهدة على ذلك.
    وتصرّف يحيى في شؤون الدولة الواسعة الأطراف حسب رغباته ، فقد أنفق الأموال الطائلة على الشعراء المادحين له ، واتخذ من العمارات والضِياع التي كانت وارادتها تدرّ عليه بالملايين ، وهي التي سببت قيام هارون الرشيد باعتقاله ، وقتل ابنه جعفر ومصادرة جميع أموالهم.
    وفي عهد المأمون أطلق يد وزيره الفضل بن سهل في أمور الدولة فتصرّف فيها حيثما شاء ، وكان الوزير يكتسب الثراء الفاحش بما يقترفه من النهب والرشوات ،


(192)
وقد عانت الأمة من ضروب المحن والبلاء في عهدهم بما لا يوصف فكانوا الأداة الضاربة للشعب ، فقد استخدمتهم الملوك لنهب ثروات الناس وإذلالهم وإرغامهم على ما يكرهون.
    وكان الوزراء معرّضين للسخط والانتقام وذلك لما يقترفونه من الظلم والجور ، وقد نصح دعبل الخزاعي الفضل بن مروان أحد وزراء العباسيين فأوصاه بإسداء المعروف والإحسان إلى الناس ، وقد ضرب له مثلاً بثلاثة وزراء ممّن شاركوه في الاسم وسبقوه إلى كرسي الحكم ، وهم الفضل بن يحيى ، والفضل بن الربيع ، والفضل بن سهل ، فإنّهم لمّا جاروا في الحكم تعرّضوا إلى النقمة والسخط ، يقول دعبل :
ألاّ أنّ في الفضل بن سهل لعِبرة وفي ابن البيع الفضل للفضل زاجر وللفضل في الفضل بن يحيى مواعظ إذا ذكروا يوماً وقد صرت رابعاً فابق جميلاً من حديث تفز به ولم أرَ أبياتاً من الشعر قبلها وليس لها عيب إذا هي أنشدت إن اعتبر الفضل بن مروان بالفضل إن ازدجر الفضل بن مروان بالفضل إن اتعظ الفضل بن مروان بالفضل ذكرت بقدر السعي منك إلى الفضل ولا تدع الإحسان والأخذ بالفضل جميع قوافيها على الفضل والفضل سوى أنّ نصحي الفضل كان من الفضل
    ومن غرائب ما اقترفه الوزراء من الخيانة أنّ الخاقاني وزير المقتدر بالله العباسي ولِّيَ في يوم واحد تسعة عشر ناظراً للكوفة وأخذ من كلّ واحدة رشوة (1) وكثير من أمثال هذه الفضائح والمنكرات عند بعض وزراء العباسيين.
1 ـ تاريخ التمدّن الإسلامي : ج 4 ص 182.

(193)
    الفتنة بين الأمين والمأمون :
    لعلّ من أبرز الأحداث السياسية التي جرت في عصر الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) هي الفتنة الكبرى التي وقعت بين الأمين والمأمون ، وأدّت إلى إشعال نار الحرب بينهما ، وقد كلّفت المسلمين ثمناً باهضاً وذلك بما بذلوه من الدماء وإزهاق الأنفُس في سبيل استقرار المُلك والسلطان لأحدهما وقبل أن نعرض إلى ذكر هذه الأحداث نُشير ـ بإيجاز ـ إلى بعض شؤون الأمين وأحواله :

    صفات الأمين :
    ولم تكن في الأمين أيّة صفة كريمة يستحق بها هذا المنصب الخطير في الإسلام ، فقد أجمع المترجمون له على أنّه لم يتّصف بأية نزعة شريفة ، وإنما قلّده الرشيد منصب الخلافة نظراً لتأثير زوجته السيدة زبيدة عليه وفيما يلي بعض صفاته.
    1 ـ كراهته للعلم :
    كان الأمين ينفر من العلم ، ويحتقر العلماء ، وكان أمّياً لا يقرأ ولا يكتب (1) وإذا كان بهذه الصفة كيف قلّده الرشيد الخلافة الإسلامية.
    2 ـ ضعف الرأي :
    وكان الأمين ضعيف الرأي ، وقد أعطي المُلك العريض ولم يحسن سياسته ، وقد وصفه المسعودي بقوله : ( كان قبيح السيرة ضعيف الرأي يركب هواه ، ويهمل أمره ، ويتّكل في جليلات الخطوب على غيره ، ويثق بمن لا ينصحه ) (2) ووصفه الكتبي بقوله : ( وكان قد هانَ عليه القبيح فاتّبع هواه ، ولم ينظر في شيء من عقباه.
1 ـ السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي : ج 1 ص 16.
2 ـ التنبيه والإشراف : ص 302.


(194)
وكان من أبخل الناس على الطعام ، وكان لا يبالي أين قعد ، ولا مع من شرب ) (1).
    وممّا لا شبهة فيه أنّ أصالة الفكر والرأي من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يلي أمور المسلمين.
    3 ـ احتجابه عن الرعيّة :
    واحتجب الأمين عن الرعية كما احتجب عن أهل بيته وامرأته وعمّاله واستخفّ بهم (2) وانصرف إلى اللهو والطرب ، وقد عهد إلى الفضل بن الربيع أمور دولته ، فجعل يتصرف فيها حسب رغباته وميوله ، وقد خفّ إلى الأمين إسماعيل بن صبيح ، وكان أثيراً عنده ، فقال له : يا أمير المؤمنين انّ قوّادك وجُندك وعامة رعيتك ، قد خبثت نفوسهم ، وساءت ظنونهم وكبر عندهم ما يرون من احتجابك عنهم ، فلو جلست لهم ساعة من نهار فدخلوا عليك فإنّ في ذلك تسكيناً لهم ، ومراجعة لآمالهم.
    واستجاب له الأمين فجلس في بلاطه ودخل عليه الشعراء فأنشدوه قصائدهم ، ثمّ انصرف فركب الخراقة إلى الشماسية ، واصطفّت له الخيل وعليها الرجال ، وقد اصطفّوا على ضفاف دجلة ، وحملت معه المطابخ والخزائن ، أمّا الخراقة التي ركبها فكانت سفينة على مثال أسد وما رأى الناس منظراً كان أبهى من ذلك المنظر ، وقد ركب معه أبو نؤاس وكان ينادمه فقال :
سخّر الله للأمين مطايا لم تسخّر لصاحب المحراب (3)

1 ـ عيون التواريخ : ج 3 ورقة 212.
2 ـ سمط النجوم : ج3 ص 306.
3 ـ صاحب المحراب : هو سليمان بن داود الذي بنى بيت المقدس.


(195)
فإذا ما ركابه سرن بحراً أسداً باسطاً ذراعيه يعدو لا يعانيه باللجام ولا السو عجب الناس إذ رؤوك على صو سبّحوا إذ رأوك سرت عليه ذات زدون منسّر جناحين تسبق الطير في السماء إذا ما بارك الله للأمين وأبقا ملك تقصر المدائح عنه سار في الماء راكباً ليث غاب أهرت الشدق كالخ الأنياب (1) ط ولا غمز رجله في الركاب رة ليث تمرّ مرّ السحاب كيف لو أبصروك فوق العقاب (2) تشقّ العباب بعد العباب استعجلوها بجيئة وذهاب ه له رداء الشباب هاشمي موفّق للصواب (3)
    هذه بعض نزعات الأمين وصفاته ، وهي تصوّر لنا إنساناً تافهاً قد اتجه إلى ملذّاته وشهواته ولن يعن بأي شأن من شؤون الدولة الإسلامية.

    خلعه للمأمون :
    وتقلّد الأمين الخلافة يوم توفى الرشيد ، وقد ورد عليه خاتم الخلافة والبردة والقضيب التي يتسلّمها كلّ من يتقلد الخلافة من ملوك العباسيين وحينما استقرت له الأمور خلع أخاه المأمون ، وجعل العهد لولده موسى وهو طفل صغير في المهد وسمّاه الناطق بالحق ، وأرسل إلى الكعبة من جاءه بكتاب العهد الذي علّقه فيها الرشيد ، وقد جعل فيه ولاية العهد للمأمون بعد الأمين ، وحينما أتى به مزّقه وكان ذلك ـ فيما يقول المؤرخون ـ برأي الفضل بن الربيع وبكر بن المعتمر.
1 ـ هرت الشدق : واسعه. كالخ الأنياب : كاشرها.
2 ـ العقاب : إحدى السفن التي كانت معدّة للأمين.
3 ـ أبو نؤاس لابن منظور : ص 103 ـ 104.


(196)
    وهذا ليس غريباً عليه فقد اقترف كل ما هو مجاف للأخلاق والأعراف.

    الحروب الطاحنة :
    وبعدما خلع الأمين أخاه المأمون عن ولاية العهد ، وأبلغه ذلك رسمياً ندب إلى حربه علي بن عيسى ، ودفع إليه قيداً من ذهب ، وقال له : أوثق المأمون ، ولا تقتله حتى تقدم به إلَيَّ وأعطاه مليوني دينار سوى الأثاث والكراع ، ولمّا علم المأمون ذلك سمّى نفسه أمير المؤمنين ، وقطع عنه الخراج ، وألغى اسمه من الطراز والدراهم والدنانير ، وأعلن الخروج عن طاعته ، وندب طاهر بن الحسين ، وهرثمة بن أعين إلى حربه ، والتقى الجيشان بالري ، وقد التحما في معركة رهيبة جرت فيها أنهار من الدماء وأخيراً انتصر جيش المأمون على جيش الأمين ، وقتل القائد العام للقوات المسلحة في جيش الأمين ، وانتهبت جميع أمتعته وأسلحته ، وكتب طاهر ابن الحسين إلى الفضل بن سهل وزير المأمون يخبره بهذا الانتصار الباهر وقد جاء في رسالته ( كتبت إليك ، ورأس علي بن عيسى في حجري ، وخاتمه في يدي والحمد لله ربّ العالمين ) ودخل الفضل على المأمون فسلّم عليه بالخلافة ، وأخبره بالأمر ، وأيقن المأمون بالنصر فبعث إلى طاهر القائد العام في جيشه بالهدايا والأموال ، وشكره شكراً جزيلاً على ذلك ، وقد سمّاه ذا اليمينين ، وصاحب خيل اليدين ، وأمره بالتوجه إلى احتلال العراق والقضاء على أخيه الأمين.

    محاصرة بغداد :
    وخفّت جيوش المأمون إلى احتلال بغداد بقيادة طاهر بن الحسين ، فحاصرت بغداد ، وقد دام الحصار مدة طويلة تخرّبت فيها معالم الحضارة في بغداد ، وعمّ الفقر والبؤس جميع سكانها وكثرة العابثون ، والشذّاذ فقاموا باغتيال الأبرياء ، ونهبوا الأموال وطاردوا النساء حتى تهيأت جماعة من خيار الناس تحت قيادة رجل يقال له


(197)
سهل بن سلامة فمنعوا العابثين وتصدوا لهم بقوة السلاح حتى أخرجوهم من بغداد (1).
    وعلى أي حال فقد منيت بغداد بأفدح الخسائر من جرّاء تلك الفتنة الكبرى ، وقد فقدت الكثير من أبنائها ، وقد زحفت جيوش المأمون إلى تطويق قصر الأمين ، وإلحاق الهزائم بجيشه فلم تتمكّن من الصمود أمام جيش المأمون الذي كان يتمتّع بروح معنوية عالية بالإضافة إلى ما يملكه من العتاد والسلاح.

    قتل الأمين :
    وكان الأمين في تلك المحنة الحازبة مشغولاً بلهوه وطربه ، ويقول المؤرّخون : إنّه كان يصطاد سمكاً مع جماعة من الخدم وكان فيهم ( كوثر ) الذي كان مغرماً به فكانت توافيه الأنباء بهزيمة جنوده ، ومحاصرة قصره فلم يعن بذلك ، وكان يقول : اصطاد كوثر ثلاث سمكات وما اصطدت إلاّ سمكتين ، وهجمت عليه طلائع جيش المأمون فأجهزت عليه ، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين فنصبه على رمح وتلا قوله تعالى : ( اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء ) (2) وقال فيه بعض الشعراء :
إذا غدا ملك باللهو مشتغلاً أما ترى الشمس في الميزان هابطة فاحكم على ملكه بالويل والخرب لما غدا وهو برج اللهو والطرب (3)
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الخلاف بين الأمين والمأمون ، وهو من أعظم الأحداث السياسية في ذلك العصر.
1 ـ اتّجاهات الشعر العربي : ص 73.
2 ـ عيون التواريخ : ج 3 ورقة 211.
3 ـ حياة الحيوان للدميري : ج 1 ص 78.


(198)
    خلافة إبراهيم الخليع :
    من الأحداث السياسية في ذلك العصر خلافة إبراهيم الخليع الذي لم يترك لوناً من ألوان المجون إلاّ ارتكبه ، وكان مدمناً على الخمر في أكثر أوقاته ، وقد نصّبه العباسيون خليفة عليهم ، وذلك لحقدهم على المأمون وكراهيّتهم له ، وقد بايعه الغوغاء ، وأهل الطرب من الناس ، ومن الطريف أنّ الغوغاء أرادوا منه المال فجعل يسوّفهم ، وطال عليهم الأمر فأحاطوا بقصره فخرج إليهم رسوله فأخبرهم أنّه لا مال عنده ، فقام بعض ظرفاء بغداد فنادى : ( أخرجوا إلينا خليفتنا ليغنّي لأهل هذا الجانب ثلاث أصوات ، ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات فتكون عطاءً لهم ... ) (1).
    وقد سخر به دعبل في أبيات له ، فقد وصفه بأبشع الصفات وجعل مصحفه البربط ، ووصفه رسترستين بقوله : ( لم تكن له مواهب الحاكم ، ولكنّه كان رجلاً سليم الذوق ، يهتمّ بالموسيقى والغناء ) (2).

    هربه :
    وزحف المأمون بجيوشه نحو بغداد للقضاء على تمرّد إبراهيم ، فلمّا علم ذلك هرب ، وهرب من كان يعتمد على نصرته ، وقال في هجائهم :
فلا جزيت بنو العباس خيراً أتوني مهطعين وقد أتاهم وقد ذهل الحواضن عن بنيها وحلّ عصائب الأملاك منها فضجّت أن تشدّ على رؤوس على رغمي ولا اغتبطت بري بواد الدهر بالخبر الجلي وسد الثدي عن فمه الصبي فشدّت في رقابي بني علي تطالبها بميراث النبي (3)

1 ـ الأغاني.
    2 ـ دائرة المعارف الإسلامية البريطانية : ج 1 ص 140.
3 ـ التنبيه والأشراف : ص 303. الولاة والقضاة : ص 168.


(199)
    وظلّ إبراهيم مختفياً في بغداد يطارده الرعب والخوف ، وقد ظفر به المأمون فعفا عنه لأنّه لم يكن له أي وزن سياسي حتى يخشى منه.

    ثورة أبي السرايا :
    من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) هي ثورة أبي السرايا التي استهدفت القضايا المصيرية لجميع الشعوب الإسلامية ، فقد رفعت شعار الدعوة إلى ( الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ) الذين هم الأمل الباسم للمضطهدين والمحرومين ، وكادت أن تعصف هذه الثورة بالدولة العباسية ، فقد استجاب لها معظم الأقطار الإسلامية ، فقد كان قائدها الملهم أبو السرايا ممّن هذّبته الأيام ، وحنّكته التجارب ، وقام على تكوينه عقل كبير ، فقد استطاع بمهارته أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ويجعلهم قادة في جيشه ، ممّا أوجب اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلى تأييد ثورته والانضمام إليها إلاّ أنّ المأمون قد استطاع بمهارة سياسية فائقة أن يقضي على هذه الحركة ، ويقبرها في مهدها ، فقد جلب الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى خراسان ، وأرغمه على قبول ولاية العهد ، وأظهر للمجتمع الإسلامي أنّه علوي الرأي ، فقد رفق بالعلويّين ، وأوعز إلى جميع أجهزة حكومته بانتقاص معاوية والحطّ من شأنه ، وتفضيل الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) على جميع صحابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاعتقد الجمهور أنّه من الشيعة واستطاع بهذا الأسلوب الماكر أن يتغلّب على الأحداث ويخمد نار الثورة كما ألمحنا إلى ذلك في بعض فصول هذا الكتاب.
    هذه بعض الثورات التي حدثت في عصر الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) وهي تحكي عن عدم استقرار الوضع السياسي في ذلك العصر.

    مبايعة العباسيين للعلويين :
    ولم يشك أحد من المسلمين أن أهل البيت أولى بالخلافة وأحقّ بها من العباسيين ، كما أن العباسيين كانوا لا يرون أنهم أهل للخلافة مع وجود العلويّين وقد


(200)
بايعوا بالإجماع الزعيم العلوي الكبير محمد ذا النفس الزكية ، فقد اجتمعوا بالأبواء مع العلويين ، فانبرى صالح بن عليّ فقال لهم :
    ( إنّكم القوم الذين تمتدّ إليهم أعين الناس فقد جمعكم الله في هذا الموضع فاجتمعوا على بيعة أحدكم ، وتفرّقوا في الآفاق ، فادعوا الله لعلّه أن يفتح عليكم وينصركم .. ).
    وبادر المنصور الدوانيقي فدعاهم إلى بيعة محمد الذي تؤيّده جميع القوى الإسلامية في ذلك العصر ، فقال :
    ( لأي شيء تخدعون أنفسكم ، والله لقد علمتم ما الناس أصور ـ أي أميل ـ أعناقاً ، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ـ وأشار إلى محمد بن عبد الله ـ .. ).
    وصدقوا جميعاً مقالته قائلين بلسان واحد :
    ( والله صدقت إنّا نعلم هذا .. ).
    وبادر العلويّون والعباسيون إلى بيعة محمد ، وكان ممّن بايعه السفاح والمنصور (1) وكان أشدهم اندفاعاً في خدمته والتملّق إليه المنصور الدوانيقي فكان يأخذ بركابه ، ويسوّي عليه ثيابه ، ويقول : إنه مهدينا أهل البيت (2).
    وكانت بيعة المنصور لمحمد موضع وفاق ، فقد جيئ بعثمان بن محمد الزبيري أسيراً إلى المنصور بعد فشل ثورة محمد ، فصاح به المنصور.
    ( يا عثمان أنت الخارج عليَّ مع محمد .. ).
    فأجابه عثمان بمنطق الأحرار ، وهو ساخر من الحياة ، وهازئ بالموت قائلاً : ( بايعته أنا وأنت بمكّة فوفيت ببيعتي ، وغدرت ببيعتك .. ).
    وكانت هذه الكلمات كالصاعقة على رأس الطاغية فشتمه إلاّ أن عثمان لم يعن
1 و 2 ـ مقاتل الطالبيين.
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس