حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 201 ـ 210
(201)
به وأجابه بالمثل ، فأمر السفاك بقتله ، فقتل (1) ويذكر أبو فراس الحمداني في شافيّته نكث العباسيين لبيعتهم للعلويين بقوله :
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن لا بيعة ردعتكم عن دمائهم أباهم العلم الهادي وأمّهم ولا يمين ولا قربى ولا ذمم
    لقد بايع العباسيون بالإجماع العلوي الثائر محمد ذا النفس الزكية إلاّ أنهم نكثوا بيعتهم ، وخاسوا بعدهم فقتلوه وقتلوا كلّ من كان متّصلاً به من العلويّين وغيرهم.

    اختلاس العباسيين للسلطة :
    واختلس العباسيون السلطة من العلويين ، فقد أوعزوا إلى دعاتهم في بداية الثورة برفع شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن يموهوا بكلّ حذر على الجماهير بأنّ الخلافة بأنّ الخلافة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولا نصيب فيها لغيرهم ، وفي سبيل هذه الدعوى الغالية ضحّى المسلمون بأفلاذ أكبادهم ، فقد أيقن المسلمون وآمنوا أنّ لا منقذ لهم ، ولا محرّر لهم من جور الأمويّين وظلمهم سوى أهل البيت حماة العدل ، ودعاة الحقّ في الإسلام ، يقول السيد مير علي : ( وكانت كلمة أهل البيت هي السحر الذي يؤلّف بين قلوب مختلف طبقات الشعب ، ويجمعهم حول الراية السوداء .. ) (2).
    وتستّر العباسيون تحت هذا الظلال الوارف الذي جمع ما بين العواطف والمشاعر وأخذوا يردّدون الشعارات التي تردّدها الجماهير وهي أن لا حاكم للمسلمين سوى الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وانطلقت الأمة في مسارها وهي تدكّ حصون الظالمين وتبيد دعاتهم وجيوشهم ، ولمّا تمّ النصر وإذا بالعبّاسيين قد زحفوا إلى دست الحكم واحتلّوا منصب أهل البيت ( عليهم السلام ) وسرقوا جهود الجماهير.
1 ـ تاريخ ابن الأثير.
2 ـ رواح الإسلام : ص 308.


(202)
    خيبة آمال المسلمين :
    وخابت آمال المسلمين حينما تسلم العباسيون قيادة الأمة ، فلم تتغير أيّة جهة من معالم السياسة الأمويّة ، فقد عاد الجور ، وانفتح باب الظلم على مصراعيه يقول الدكتور أحمد محمود صبحي : ( ولكن ذلك المثل الأعلى للعدالة والمساواة الذي انتظره الناس من العباسيين قد أصبح وهماً من الأوهام ، فشراسة المنصور والرشيد وجشعهم ، وجور أولاد علي بن عيسى وعبثهم بأموال المسلمين يذكّرنا بالحجّاج وهشام ويوسف بن عمر الثقفي ، وعمّ الاستياء أفراد الشعب بعد أن استفتح عبد الله المعروف بالسفاح ، وكذلك المنصور بالإسراف في سفك الدماء على نحو لم يعرف من قبل ) (1) وقد صوّر شعراء ذلك العصر مدى خيبة المسلمين وضياع آمالهم في الحكم العباسي ، يقول أبو عطاء السندي :
يا ليت جور بني مروان عاد لنا يا ليت عدل بني العباس في النار
    وقال عطاء يذكر ارتفاع الأسعار :
بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم فقد قام سعر التمر صاعاً بدرهم
    وقال أحمد بن أبي نعيم :
لا أحسب الجور ينقضي وعلى الأ مّة والٍ من آل عبّاس
    وقال أبو دلامة في المنصور :
وكنّا نرجي من أمير زيادة فزاد لنا فيها بطول القلانس
    وقال سليم العدوي :
حتى متى لا نرى عدلاً نسر به مستمسكين بحقّ قائمين به ولا نرى لولاة الحقّ أعوانا إذا تلوّن أهل الجور ألوانا

1 ـ نظرية الإمامة : ص 381.

(203)
ياللرجال لداء لا دواء له وقائد ذي عمى يقتاد عميانا
    ويقول دعبل الخزاعي :
ألم تر للأيام ما جر جورها ومن دول المستهترين ومن غدا على الناس من نقض وطول شتات بهم طالباً للنور من الظلمات
    وقال سديف :
إنّا لنأمل أن ترتد الفتنا وتنقضي دولة أحكام قادتها بعد التباعد والشحناء والإحن فينا كأحكام قوم عابدي وثن
    ولمّا سمع الطاغية المنصور بهذين البيتين كتب إلى عامله عبد الصمد أن يدفنه حيّاً ففعل (1).
    لقد انهارت الأماني التي كانت تأمل بها الشعوب الإسلامية ، وتبدّدت أحلامهم إلى سراب ، فقد كان الحكم العبّاسي قائماً على الجبروت والطغيان ، ومتعطّشاً إلى سفك الدماء ، وربّما كانت معالم الحياة السياسية في العهد الأموي خيراً منها بكثير في العهد العباسي الأوّل فقد كانت لبني أمية من الفواضل ما لم تكن للمنصور الدوانيقي السفاك على حدّ تعبير الإمام الصادق ( عليه السلام ).

    اضطهاد العلويّين :
    واضطهدت أكثر الحكومات العباسية رسمياً العلويين ، وقابلتهم بمنتهى القسوة والشدّة ، وقد رأوا من العذاب ما لم يروه في العهد الأموي وأوّل من فتح باب الشر والتنكيل بهم الطاغية فرعون هذه الأمة المنصور الدوانيقي (2) وهو القائل : ( قتلت من ذريّة فاطمة ألفاً أو يزيدون وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمد ) (3) وهو
1 ـ العمدة لابن رشيق : ج 1 ص 75 ـ 76.
2 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص 261.
3 ـ الأدب في ظلّ التشيّع : ص 68.


(204)
صاحب خزانة رؤوس العلويّين التي تركها لابنه المهدي تثبيتاً لملكه وسلطانه وقد ضمّت تلك الخزانة رؤوس الأطفال والشباب والشيوخ من العلويّين (1). وقد ادّخرها الفاجر لآخرته ليقدّمها هدية إلى جدّهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فالويل له يوم حشره ونشره .. وقد قال أبو القاسم الرسي العلوي حينما هرب من سجنه :
لم يروه ما أراق البغي من دمنا وليس يشفي غليلاً في حشاه سوى في كلّ أرض فلمى قصر من الطلب أن لا يرى فوقها ابن بنت نبيّ (2)
    وهو الذي وضع أعلام العلويين في سجونه الرهيبة حتى قتلتهم الروائح الكريهة وردم على بعضهم السجون حتى توفّوا ، لقد اقترف هذا الطاغية السفَاك جميع ألوان التصفية الجسدية مع العلويين ، وعانوا في ظلال حكمه من صنوف الإرهاب والتنكيل ما لا يوصف لفضاعته وقسوته.
    أما موسى الهادي فقد زاد على سلفه المنصور ، وهو صاحب واقعة فخ التي لا تقل في مشاهدها الحزينة عن واقعة كربلاء ، وقد ارتكب فيها هذا السفاك من الجرائم ما لم يُشاهد مثله ، فقد أوعز بقتل الأطفال وأعدام الأسرى ، وظلّ يطارد العلويين ، ويلحّ في طلبهم فمن ظفر به قتله ، ولكن لم تطل أيام هذا الجلاّد حتى قصم الله ظهره.
    أما هارون الرشيد فهو لم يقلّ عن سلفه في عدائه لأهل البيت ( عليهم السلام ) والتنكيل بهم وهو القائل : ( حتام أصبر على آل بني أبي طالب ، والله لأقتلنّهم ولأقتلنّ شيعتهم ، ولأفعلنّ وأفعلنّ ) (3) وهو الذي سجن الإمام الأعظم موسى بن جعفر ( عليه السلام ) حفنة من السنين ، ودسّ إليه السمّ حتى توفي في سجونه ، لقد جهد الرشيد في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فعانوا في عهده جوّاً من الإرهاب لا يقلّ فضاعة عمّا عانوه في
1 ـ تاريخ الطبري : ج 10 ص 446.
2 ـ النزاع والتخاصم للمقريزي : ص 51.
3 ـ حياة الإمام موسى بن جعفر : ج 2 ص 47.


(205)
أيام المنصور.
    ولما آلت الخلافة إلى المأمون رفع عنهم المراقبة ، وأجرى لهم الأرزاق وشملهم برعايته وعنايته ، ولكن لم يدم ذلك طويلاً فإنّه بعد ما اغتال الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالسمّ ، أخذ في مطاردة العلويين ، والتنكيل بهم كما فعل معهم أسلافه.
    وعلى أيّ حال فإن من أعظم المشاكل السياسية التي أُمتحن بها المسلمون امتحاناً عسيراً هي التنكيل بعترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وذرّيته وتقطيع أوصالهم بيد الزمرة العباسية الخائنة التي لا تقلّ في قسوتها وشرورها عن بني أمية ، فقد انتهى الأمر بأبناء النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنهم كانوا يتضوعون جوعاً حتى بلغ الحال بالقاسم بن إبراهيم أنّه كان يطبخ الميتة ويأكلها لفقره وسوء حاله (1). إلى غير ذلك من المآسي التي حلّت بهم ، ومن الطبيعي أنّها قد كوت قلب الإمام أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) ، وأخلدت له الأسى والحزن.

    مشكلة خلق القرآن :
    لعلّ من أعقد المشاكل السياسية التي أُبتلي بها المسلمون في ذلك العصر هي محنة خلق القرآن فقد أشاعت الفتن والخطوب في البلاد ، فقد أظهر المأمون هذه المسألة في سنة ( 212 هـ ).
    وقد أمتحن بها العلماء امتحاناً شديداً ، وأرهقوا إلى حدّ بعيد فمن لا يقول بمقالة المأمون سجنه أو نفاه أو قتله (2) وقد حمل الناس على ما يذهب إليه بالقوّة والقهر.
    إنّ هذه المسألة تعتبر من أهمّ الأحداث الخطيرة التي حدثت في ذلك العصر ، وقد تعرّض الفلاسفة والمتكلّمون إلى بسطها وإيضاح غوامضها ولولا خوف الإطالة
1 ـ الحدائق الوردية : ج 2 ص 220.
2 ـ عصر المأمون.


(206)
والخروج عن الموضوع لتحدّثنا عنها بالتفصيل .. إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن الحياة السياسية في عصر الإمام الجواد ( عليه السلام ).

    الحياة الاقتصادية :
    وجهد الإسلام على تطوير الحياة الاقتصادية وازدهارها ، واعتبر الفقر كارثة مدمّرة يجب القضاء عليه بكافة الطرق والوسائل ، وألزم ولاة الأمور والمسؤولين أن يعملوا جاهدين على تنمية الاقتصاد العام ، وزيادة دخل الفرد ، وبسط الرخاء والرفاهية بين الناس ليسلم المسلمون من الشذوذ والانحراف الذي هو ـ على الأكثر ـ وليد الفقر والحرمان ، وكان من بين ما عنى به أنّه حرّم على ولاة الأمور إنفاق أموال الدولة في غير صالح المسلمين ، ومنعهم أن يصطفوا منها لأنفسهم وأقربائهم ، ومن يمتّ إليهم ، ولكن ملوك بني العباس قد جافوا ما أمر به الإسلام في هذا المجال فاتّخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً ، وأنفقوا أموال المسلمين على شهواتهم وملاذهم من دون أن يتحرّجوا في ذلك ، وقد أدّت هذه السياسية الملتوية إلى أزمات حادّة في الاقتصاد العام ، فقد انقسم المجتمع إلى طبقتين : الأولى الطبقة الراقية في الثراء التي لا عمل لها إلاّ التبطّل واللهو ، والأخرى الطبقة الكادحة التي تزرع الأرض ، وتعمل في الصناعة ، وتشقى في سبيل أولئك السادة من أجل الحصول على فتات موائدهم ، وترتّب على فقدان التوازن في الحياة الاقتصادية انعدام الاستقرار في الحياة السياسية والاجتماعية على السواء (1) ونحدّث ـ بإيجاز ـ عن شؤون الحياة الاقتصادية في ذلك العصر :

    واردات الدولة :
    أما واردات الدولة الإسلامية في العصر العباسي الذي عاش فيه الإمام أبو جعفر
1 ـ الإدارة الإسلامية في عزّ العرب : ص 82.

(207)
الجواد ( عليه السلام ) فقد كانت ضخمة للغاية ، فقد أحصى ابن خلدون الخراج في عهد المأمون فكان مجموعه ما يزيد على 400 مليون درهم (1) ، وقد بلغ من سعة المال ووفرته أنّه كان لا يُعدّ ، وإنما كان يوزن ، فكانوا يقولون : إنه بلغ ستة أو سبعة آلاف قنطار من الذهب (2) ، وقد حسب عامل المعتصم على الروم خراجها فكان أقلّ من ثلاثة آلاف ألف ، فكتب إليه المعتصم يعاتبه ، وممّا جاء في عتابه : ( إنّ أخسّ ناحية عليها أخس عبيدي خراجها أكثر من خراج أرضك ) (3). ومن المؤسف أنّ هذه الأموال الوفيرة لم تنفق على تقدم المسلمين وتطوير حياتهم ، وإنما كان الكثير منها يصرف على الشهوات والملذّات ، وقد عكست تلك الأموال الهائلة ترف بغداد في ذلك العصر ذلك الترف الذي تحكيه قصص ( ألف ليلة وليلة ) التي مثّلت حياة اللهو في ذلك العصر.

    التهالك على جمع المال :
    وتهالك الناس في ذلك العصر على جمع المال بكلّ وسيلة سواءً كانت مشروعة أم غير مشروعة ، فقد أصبح المال هو المقياس في قيم الرجال ، وأخذ يتردّد في الأمثلة الجارية في بغداد ( المال مال ، وما سواه محال ) وتوسّل الناس إلى جمعه بكلّ طريق لا يعفون عن محرم ، ولا يتورّعون عن خبيث ، وأصبح الخداع والغشّ هو الوسيلة في جمعه (4).

    تضخّم الثروات :
    وتضخّمت الثروات الهائلة عند بعض الناس خصوصاً في بغداد التي هي
1 ـ المقدمة : ص 179 ـ 180.
2 ـ المقدمة.
    3 ـ أحسن التقاسيم للمقدسي : ص 64 ( طبع ليدن ).
4 ـ مقدمة البخلاء : ص 24.


(208)
عاصمة العالم الإسلامي ، فقد وجدت فيها طبقة رأسمالية كانت تملك الملايين ، وكذلك البصرة فقد ضمّت طبقة كبيرة من أهل الثراء العريض فقد كانت البصرة ثغر العراق والمركز التجاري الخطير الذي يصل بين الشرق والغرب ، وتستقبل متاجر الهند ، وجزر البحار الشرقية ، ومن أجل ذلك سمّيت البصرة أرض الهند وأمّ العراق (1).

    نفقات المأمون في زواجه :
    وكان من ألوان ذلك الإسراف والبذخ في أموال المسلمين هو ما أنفقه المأمون من الأموال الطائلة المذهلة في زواجه بالسيدة بوران فقد أمهرها ألف ألف دينار ، وشرط عليه أبوها الحسن بن سهل أن يبني بها في قريته الواقعة ( بفم الصلح ) فأجابه إلى ذلك ، ولما أراد الزواج سافر إلى ( فم الصلح ) ونثر على العسكر الذي كان معه بألف ألف دينار وكان معه في سفره ثلاثون ألفاً من الغلمان الصغار والخدم الصغار والكبار وسبعة آلاف جارية ... وعرض العسكر الذي كان معه فكان أربع مائة ألف فارس ، وثلاثمائة ألف راجل .. وكان الحسن بن سهل يذبح لضيوفه ثلاثين ألف رأس من الغنم ، ومثليها من الدجاج ، وأربع مائة بقرة ، وأربعمائة جمل وسمّى الناس هذه الدعوة ( دعوة الإسلام ) ولكن هذا ليس من الإسلام في شيء ، فإنّ الإسلام قد احتاط كأشدّ ما يكون الاحتياط في بيت مال المسلمين فحرم إنفاق أي شيء في غير صالحهم.
    وحينما بنى المأمون ببوران نثروا من سطح دار الحسن بن سهل بنادق عنبر فاستخفّ بها الناس ، وزهدوا فيها ، ونادى شخص من السطح قائلاً : كلّ من وقعت بيده بندقة فليكسرها فإنّه يجد فيها رقعة ، وما فيها له وكسر الناس البنادق فوجدوا فيها رقاعاً في بعضها تحويل بألف دينار وفي أخرى خمسمائة دينار إلى أن تصل إلى
1 ـ مقدمة البخلاء : ص 24.

(209)
المائة دينار ، وفي بعضها فرس وفي بعضها عشرة أثواب من الديباج ، وفي بعضها خمسة أثواب ، وفي بعضها غلام ، وفي بعضها جارية ، وحمل كلّ من وقعت بيده رقعة إلى الديوان واستلم ما فيها (1) كما أنفق على قادة الجيش فقط خمسين ألف ألف درهم (2) ويقول الباهلي مهنّئاً للحسن وابنته وللمأمون :
بارك الله للحسن يا بن هارون قد ولبوران في الختن ظفرت ولكن بنت من (3)
    ولمّا كانت ساعة الزفاف أجلست بوران على حصير منسوج من الذهب ودخل عليها المأمون ومعه عمّاته وجمهرة من العبّاسيّات فنثر الحسن بن سهل على المأمون وزوجته ثلاثمائة لؤلؤة وزن كلّ واحدة مثقال ، وما مدّ أحد يده لالتقاطها ، وأمر المأمون عمّاته بالتقاطها ، ومدّ يده فأخذ واحدة منها ( فالتقطتها العباسيات ) وقال المأمون : قاتل الله أبا نواس كأنّه حضر مجلسنا هذا حيث قال في وصف الخمرة :
كان صغرى وكبرى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب (4)
    لقد أنفق الحسن والمأمون هذه الأموال الطائلة على زواجه ، وهي من بيت مال المسلمين ، وقد أمر الله بإنفاقه على مكافحة الفقر ومطاردة البؤس والحرمان.
    ومن الجدير بالذكر أنّ هارون الرشيد لمّا تزوّج بالسيّدة زبيدة صنع وليمة لم يسبق مثلها في الإسلام ، فقد جعل الهبات غير محصورة ، فكانت أواني الذهب مملوءة بالفضّة ، وأواني الفضّة مملوءة بالذهب ونوافج المسك وقِطع العنبر (5) وكان
1 ـ الطبري : ج 7 ص 149 ، وابن الأثير : ج 4 ص 206.
2 ـ تزيين الأسواق للأنطاكي : ج 3 ص 117.
3 ـ الحدائق الوردية : ج 2 ص 220.
4 ـ حضارة الإسلام.
5 ـ الإسلام والحضارة العربية.


(210)
هذا هو الإسراف والتبذير الذي حرّمه الإسلام حفظاً على الاقتصاد العامّ في البلاد.

    هبات وعطايا :
    ووهب ملوك بني العباس أموال المسلمين بسخاء إلى المغنّين والمغنّيات والخدم والعملاء ، فقد غنّى إبراهيم بن المهدي العباسي محمد الأمين صوتاً فأعطاه ثلاثمائة ألف ألف درهم فاستكثرها إبراهيم ، وقال له : يا سيدي لو قد أمرت لي بعشرين ألف ألف درهم فقال له الخليفة : هي هي إلاّ خراج بعض الكور (1) ، وغنّى ابن محرز عند الرشيد بأبيات مطلعها ( واذكر أيام الحمى ثمّ انثن ) فاستخفّ به الطرب فأمر له بمائة ألف درهم ، وأعطى مثل ذلك للمغني دحمان الأشقر (2) ولمّا تقلّد المهدي العباسي الخلافة وزّع محتويات إحدى خزانات بيت المال بين مواليه وخدمه (3) إلى غير ذلك من الهبات والهدايا التي كانت من الخزينة المركزية التي ألزم الإسلام بإنفاقها على المشاريع الحيوية التي تزدهر بها البلاد.

    اقتناء الجواري :
    وبدل أن يتّجه ملوك بني العباس إلى إصلاح البلاد وتنميتها الاقتصادية فقد اتّجهوا بنهم وجشع إلى اقتناء الجواري ، والمغالاة في شرائها ، فقد جلبت إلى بغداد الجواري الملاح من جميع أطراف الدنيا ، فكان فيهنّ الحبشيات ، والروميّات ، والجرجيات ، والشركسيات ، والعربيات من مولدات المدينة والطائف واليمامة ومصر ذوات الألسنة العذبة ، والجواب الحاضر ، وكان بينهنّ الغانيات اللاتي يعزفن بما عليهن من اللباس الفاخر وما يتّخذن من العصائب التي ينظمنها بالدرّ والجواهر ،
1 ـ الإسلام والحضارة العربية : ج 2 ص 231.
2 ـ المستطرف : ص 182 ـ 184.
3 ـ تاريخ بغداد : ج 5 ص 393.
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس