حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 221 ـ 230
(221)
عاش الإمام أبو جعفر محمد الجواد ( عليه السلام ) معظم حياته في عهد المأمون ، ولم يلبث
بعده إلاّ قليلاً حتى وافاه الأجل المحتوم .. ويرى بعض المؤرّخين أنّ المأمون كان
يكنّ له أعظم الودّ وخالص الحبّ ، فزوّجه من ابنته أم الفضل ، ووفرّ له العطاء
الجزيل ، وكان يحوطه ، ويحميه ويخشى عليه عوادي الدهر ، ويضنّ به على المكروه ، وكان
يصرّح أنّه يبغي بذلك الأجر من الله ، وصلة الرحمة التي قطعها آباؤه ، وفيما أحسب أنّ
ذلك التكريم لم يكن عن إيمان بالإمام أو إخلاص له ، وإنّما كان لدوافع سياسية ، نعرض
لها في البحوث الآتية.
وعلى أيّ حال فلابدّ لنا من وقفة قصيرة لدراسة حياة المأمون ، والوقوف على اتجاهاته الفكرية والعقائدية ، والنظر فيما صدر منه من تكريم للإمام ( عليه السلام ) فإنّ ذلك ممّا
يرتبط ارتباطاً موضوعيّاً في البحث عن حياة الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وفيما
يلي ذلك :
نزعات المأمون وصفاته : من أبرز نزعات المأمون وصفاته ما يلي :
أ ـ الدهاء : ولم تعرف الدبلوماسية الإسلامية في العصر العباسي من هو أذكى من المأمون ، ولا من هو أدرى منه في الشؤون السياسية العامّة فقد كان سياسياً من الطراز الأول ، فقد استطاع بحدّة
ذكائه ، وقدراته السياسية أن يتغلّب على كثير من الأحداث
(222)
الرهيبة التي ألمّت به ، وكادت تطوي حياته ، وتقضي على سلطانه ، فقد استطاع أن يقضي على أخيه الأمين الذي كان
يتمتّع بتأييد مكثّف من قِبل الأسرة العباسية ، والسلطات العسكرية ، كما استطاع أن
يقضي على أعظم حركة عسكرية مضادّة له ، تلك ثورة أبي السرايا التي اتّسع نطاقها
فشملت الأقاليم الإسلامية حتى سقط بعضها بأيدي الثوار ، وكان شعار تلك الثورة الدعوة
( إلى الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ) فحمل الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى
خراسان ، وكان ( عليه السلام ) زعيم الأسرة العلويّة وعميدها ، فأرغمه على قبول ولاية
العهد ، وعهد إلى جمع أجهزة حكومته بإذاعة فضائله ومآثره ، كما ضرب السكّة باسمه ،
فأوهم على الثوار والقوى الشعبية المؤيّدة لهم أنه جادّ فيما فعله ، حتى أيقنوا أنّه
لا حاجة إلى الثورة وإراقة الدماء بعد أن حصل الإمام ( عليه السلام ) على ولاية
العهد ، وقضى بذلك على الثورة ، وطوى معالمها ، وهذا التخطيط من أروع المخطّطات
السياسية التي عرفها العالم في جميع مراحل التاريخ.
ب ـ القسوة : وصفة أخرى من صفات المأمون البارزة ، هي القسوة ، وانعدام الرحمة والرأفة من آفاق نفسه ، أمّا ما يدعم ذلك فهو قتله لأخيه حينما استولت عليه قوّاته العسكرية ، ولو كان يملك
شيئاً من الرحمة لما قتل أخاه.
كما أنّه
قابل العلويّين بعد قتله للإمام الرضا ( عليه السلام ) بمنتهى الشدّة والقسوة ، فعهد
إلى جلاّديه بقتلهم والتنكيل بهم أينما وجِدوا.
ج ـ الغدر : وظاهرة
أخرى من نزعات المأمون وصفاته وهي الغدر ، فقد بايع للإمام الرضا ( عليه السلام )
بولاية العهد ، وبعد ما انتهت مآربه السياسية دسّ إليه السمّ فقتله ليتخلّص منه.
(223)
د ـ ميله إلى اللهو : أمّا الميل إلى اللهو فقد كان عنصراً من عناصر حياته ، فقد أقبل عليه بنهم وفيما يلي بعض ما أثر عنه :
لعبه بالشطرنج : ولم يكن
شيء من الملاهي أحبّ إلى المأمون من الشطرنج (1) فقد هام في هذه اللعبة وقد وصفها
بهذه الأبيات :
أرض مربّعة حمراء من أدمتذاكرا الحرب فاحتلا لها شبهاًهذا يغير على هذا وذاك علىفانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركة
ما بين الفين موصوفين بالكرممن غير أن يسعيا فيها بسفك دمهذا يغير وعين الحرب لم تنمفي عسكرين بلا طبل ولا علم (2)
وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج ، ولعلّه أسبق من نظم فيه الشعر الذي أحاط بأوصافه ، وكان أبوه الرشيد مولعاً بالشطرنج ، وقد أهدى إلى ملك فرنسا أدواته ، وتوجد حالياً في
بعض متاحف فرنسا.
ولعه بالموسيقى : وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى ، وكان له هوى شديد في ذلك وكان معجباً كأشدّ ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي ، الذي كان من أعظم العازفين والمغنّيين في العالم
العربي ، وقد قال فيه : ( كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من
الشيطان ) (3).
1 ـ العقد الفريد : ج 3 ص 254.
2 ـ المستطرف : ج 2 ص 306.
3 ـ الحضارة العربية لجاك س. ريسلر : ص 108.
(224)
وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص ، والعزف على العود ، ولم يمرّ اسم الله ولا ذكره في قصوره ولياليه.
إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته ، وهي تكشف عمّا كان يتمتّع به من القابليات الدبلوماسية ، كما كشفت عن ميوله ورغباته الخاصّة في اللهو والدعارة
والمجون.
تظاهره بالتشيّع : والشيء الذي يهمّنا هو البحث عن تظاهر المأمون بالتشيع ، حتى اعتقد الكثيرون من البحّاث
أنّه من الشيعة؛ لأنّه قام بما يلي :
أ ـ ردّ فدك للعلويّين : وردّ المأمون فدكاً للعلويّين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة عليه وكان قصدها إشاعة الفقر بين العلويّين ، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم حتى يشغلهم الفقر والبؤس عن
مناهضة أولئك الحكام ، وقد أنعش المأمون العلويّين ، ورفع عنهم تلك الضائقة
الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم ، ويعتبر كثيرون من البحّاث هذا الإجراء دليلاً
على تشيّعه ، ولمّا سجّل لهم فدكاً قام دعبل فأنشد أبياتاً أولها :
أصبح وجه الزمان قد ضحكا
بردّ مأمون هاشم فدكا
ب ـ تفضيل الإمام أمير المؤمنين على الصحابة : وقام المأمون بأجراء خطير فقد أعلن رسمياً فضل الإمام أمير المؤمنين رائد العدالة
الاجتماعية في الأرض على عموم الصحابة كما أعلن الحطّ من معاوية بن أبي سفيان الذئب
الجاهلي.
وكان هذا الإجراء من أهمّ المخطّطات التي تُلفت النظر إلى تشيّعه ، فقد جرى
(225)
سلفه على انتقاص الإمام ، والحط من شأنه ، وتقديم سائر الصحابة عليه.
ج ـ ولاية العهد للإمام الرضا : وثمّة أمر آخر استند إليه القائلون بتشيّعه وهو عقدّه لولاية العهد إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) وقد أخرج بذلك الخلافة من العباسيين إلى العلويين.
هذه أهمّ الأمور التي استند إليها القائلون بتشيّعه ، والذي نراه ـ بكثير من التأمّل ـ أنّ الرجل لم يكن من الشيعة ، ولم يكن يتعاطف معهم ، وإنّما صنع الأمور المتقدّمة تدعيماً
لسياسته وأغراضه ، ويدلّ على ذلك ما يلي :
أولاً : إنّه كان مختلفاً كأشدّ ما يكون الاختلاف مع الأسرة العباسية الذين كانت ميولهم مع أخيه الأمين لأنّ أمه زبيدة كانت من أندى الناس كفّاً ، ومن صميم العباسيين ، أمّا أمّ المأمون فهي مراجل ، فكانت من إماء القصر العباسي ، وكان العباسيون ينظرون إليه
نظرة احتقار باعتبار أمّه ، فأراد المأمون بما أظهره من التشيّع إرغام أسرته الذين
كانوا من ألدّ الأعداء إلى آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وشيعتهم.
ثانياً : إنّه أراد كشف الشيعة ، ومعرفة السلطة بهم بعدما كانوا تحت الخفاء ، ولم تستطع الحكومات العباسية معرفتهم والوقوف على أسمائهم وخلاياهم ، فأراد المأمون بما صدر
منه من إحسان لهم أن يكشفهم ، وقد دلّت على ذلك بعض الوثائق الرسمية التي صدرت منه.
ثالثاً : إنه أراد القضاء على الحركة الثورية التي فجّرتها الشيعة بقيادة الزعيم الكبير أبي السرايا ، فرأى المأمون أن خير وسيلة للقضاء عليها وشلّ فعاليّاتها هو الإحسان إلى الشيعة.
هذه بعض الأسباب التي أدّت إلى تظاهر المأمون بالتشيّع ، والتزامه ببعض القضايا التي تذهب إليها الشيعة.
(226)
مع الإمام الجواد : والذي يهمّ القراء ـ فيما اعتقد ـ هو البحث عن علاقة الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) بالمأمون ومدى ارتباطه به ، وسائر شؤونه معه ، وفيما يلي ذلك :
أوّل التقاء : وجرى أوّل التقاء بين الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) والمأمون في بغداد ، حينما كان المأمون خارجاً مع حاشيته في موكب إلى الصيد فاجتاز في الطريق على صبية فلما رأوه
انهزموا خوفاً منه سوى الإمام الجواد ، فبصر به المأمون فوقف يسأله عن عدم فراره ،
فأجابه ( عليه السلام ) بحكمة وتدبّر :
( ليس في الطريق ضيق حتى أوسعه لك ، وليس لم جرم فأخشاك منه ، والظنّ بك حسن إنّك لا تضرّ من لا ذنب له .. ).
وبُهر المأمون من هذا المنطق الفيّاض فراح يسأله :
ما اسمك؟
محمد.
ابن مَن؟
ابن علي الرضا.
ولم يستكثر عليه المأمون هذا الذكاء المفرط ، فهو من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومركز الوعي ، والإحساس في الأرض ، وترحّم المأمون على الإمام الرضا ( عليه السلام ) وانطلق
في مسيرته نحو البيداء للصيد ، ولمّا انتهى إلى موضع الصيد أرسل بازيّاً كان معه
فغاب عنه ، وبعد فترة عاد وفي منقاره سمكة صغيرة فيها بقايا الحياة ، فتعجّب المأمون
وقفل راجعاً إلى بلاطه ، والتقى بالإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وبادره المأمون
قائلاً :
(227)
( يا محمد ما في يدي؟ .. ).
فأجابه الإمام :
( إنّ الله تعالى خلق في بحر قدرته سمكاً صغيراً تصيده بازات الملوك والخلفاء ، كي يختبروا بها سلالة بني المصطفى .. ).
ولم يملك
المأمون إعجابه بالإمام فراح يقول :
( أنت ابن الرضا حقّاً!! ).
وأخذه معه ، وأحسن إليه ، وبالغ في إكرامه (1) وكان هذا الاجتماع أوّل التقاء بين الإمام والمأمون.
زواج الإمام من ابنة المأمون : وأجمع المؤرّخون على أنّ المأمون قد رغب في زواج الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) من ابنته أمّ الفضل ، فهو الذي دعاه إلى هذه المصاهرة ، ومن الجدير بالذكر أنّها ثاني علاقة
تكون بهذا المستوى بين الأسرتين العلوية والعباسية بعدما انهارت جميع أسس العلائق
والقرابة التي كانت بينهما ، ولم يعدّ أي تقارب أو التقاء بين الأسرتين ، وكان ذلك
منذ عصر الطاغية اللئيم المنصور الدوانيقي ، وجرى أبناؤه على ذلك فنكّلوا بالعلويّين
كأفظع ما يكون التنكيل.
أسباب المصاهرة : وذكر الرواة والمؤرّخون عدّة أسباب لإقدام المأمون على هذه المصاهرة وهذه بعضها :
1 ـ ما أدلى به نفس المأمون حينما عزم على أن يزوّج الإمام من ابنته فقال :
1 ـ نور الأبصار : 146 ، أخبار الدول : 116 ، الإتحاف بحب الأشراف : ص 64 بحر الأنساب : ج 2 ص 19
( من مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين ).
(228)
( أحببت أن أكون جدّاً لامرأة ولده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ).
وفيما اعتقد أنّ هذا ليس هو السبب الحقيقي في هذه المصاهرة ، فإنّ المأمون لم يؤمن بقرارة نفسه في هذه الجهة ، ولو كان صادقاً فيما يقول لما اغتال الإمام الرضا ( عليه السلام )
وما أوعز إلى جهاز حكومته بمطاردة العلويّين وقتلهم.
2 ـ إنّ الذي دعا المأمون إلى ذلك إعجابه بمواهب الإمام الجواد ( عليه السلام ) وعبقرياته التي أصبحت حديث الأندية والمجالس ، وهذا الرأي لم يحظ بأي تأييد علمي.
3 ـ إنّه أراد التمويه على الرأي العام بإظهار براءته من اغتياله للإمام الرضا ( عليه السلام ) فإنّه لو كان قاتلاً له لما زوّج ابنه من ابنته.
4 ـ إنّه
حاول الوقوف على نشاط الإمام الجواد ( عليه السلام ) والإحاطة باتّجاهاته السياسية ،
ومعرفة العناصر الموالية له ، والقائلة بإمامته ، وذلك من طريق ابنته التي ستكون زوجة
له.
5 ـ لعلّ من أهم الأسباب ، وأكثرها خطورة هو أنّ المأمون قد حاول من هذه المصاهرة جرّ الإمام إلى ميادين اللهو واللعب ليهدم بذلك صرح الإمامة الذي تدين به الشيعة ، والذي كان من
أهمّ بنوده عصمة الإمام وامتناعه من اقتراف أي ذنب عمداً كان أو سهواً ، وكان من
الطبيعي أن يفشل في ذلك فإنّ الإمام ( عليه السلام ) لم يتجاوب معه بأيّ شكل من
الأشكال ، ولو كان في ذلك إزهاق نفسه ، أمّا ما يدلّ على ذلك كلّه فهو ما رواه ثقة
الإسلام الكليني قال ما نصّه : ( احتال المأمون على أبي جعفر ( عليه السلام ) بكلّ
حيلة (1) فلم يمكّنه فيه شيء ، فلمّا اعتلّ وأراد أن يبني عليه ابنته (2) دفع إلى
مائتي وصيفة من أجمل ما يكون إلى كلّ واحدة منهنّ جاماً فيه جوهر
1 ـ أراد أن ينادمه الإمام ، ويدخل معه ـ والعياذ بالله ـ في ميادين الدعارة.
2 ـ يبني عليه ابنته : أي يزفّها إليه.
(229)
يستقبلن أبا جعفر إذا قعد في موضع الأخيار ، فلم يلتفت إليهنّ ، وكان هناك رجل يقال له مخارق ، صاحب صوت
وعود ، وضرب ، طويل اللحية فدعاه المأمون ، فقال : يا أمير المؤمنين إن كان شيء من أمر
الدنيا فأنا أكفيك أمره ، فقعد بين يدي أبي جعفر ( عليه السلام ) فشهق مخارق شهقة
اجتمع عليه أهل الدار ، وجعل يضرب بعوده ، ويغنّي ، فلمّا فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا
يلتفت إليه يميناً ولا شمالاً ، ثمّ رفع إليه رأسه ، وقال : اتّق الله يا ذا العثنون (1)
قال : فسقط المضراب من يده والعود ، فلم ينتفع بيديه إلى أن مات ، فسأله المأمون عن
حاله قال : لمّا صاح بي أبو جعفر فزعت فزعة لا أُفيق منها أبداً (2).
وكشفت
هذه الرواية عن محاولات المأمون لجرّ الإمام ( عليه السلام ) إلى ميادين اللهو ، فقد
عرض له جميع ألوان المغريات ، وكان الإمام آنذاك في ريعان الشباب ، فاعتصم ( عليه
السلام ) بطاقاته الروحية الهائلة ، وامتنع عمّا حرّمه الله عليه ، وقد أفسد ( عليه
السلام ) بذلك مخطّطات المأمون الرامية إلى إبطال ما تذهب إليه الشيعة من عصمة
أئمتهم ، وكانت هذه الجهة ـ فيما نحسب ـ هي السبب في إضفاء لقب التقي عليه لأنّه
اتّقى الله في أشدّ الأدوار ، وأكثرها صعوبة ، فوقاه الله شرّ المأمون (3).
فزع العبّاسيّين : وفزع
العباسيون كأشدّ ما يكون الفزع حينما علموا أنّ المأمون قد عزم على مصاهرة الإمام
الجواد ( عليه السلام ) فعقدوا اجتماعاً حضره كبارهم وذوو الرأي والمشهورة منهم ،
وعرضوا فيما بينهم خطورة الأمر ، وما قد ينتهي إليه من نقل الخلافة والملك
1 ـ العثنون : اللحية ، أو ما فضل منها بعد العارضين أو طولها.
2 ـ أصول الكافي : ج 1 ص 494 ـ 495.
3 ـ البحار وغيره.
(230)
من العباسيين إلى العلويين ، وبعد مداولة الحديث ، ومناقشة الأمر من جميع جهاته ، أجمع
رأيهم على الاجتماع بالمأمون ، وإبداء المعارضة التامّة لما أقدم عليه.
اجتماع العباسيّين بالمأمون : وهرع إلى
البلاط العباسي الأدنون من المأمون من العباسيين ، وقد نخر الحزن قلوبهم وساد فيهم
صمت رهيب ، وانبروا إلى المأمون فقالوا له :
( ننشدك
الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن
الرضا ، فإنّا نخاف أن تُخرج عنّا أمراً قد ملّكناه الله ، وتنزع منّا عزّاً ألبسناه ،
فقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء الراشدون
من تبعيدهم ، والتصغير بهم ، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما علمت ، حتى كفانا
الله المهمّ من ذلك ، فالله الله ، أن تردّنا إلى غم قد انحسر عنّا ، واصرف رأيك عن
ابن الرضا ، واعدل إلى ما تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره .. ).
ووضع
العباسيون أمام المأمون النقاط الحسّاسة المثيرة للعواطف ، فقد نبّهوه بأحقاد آبائه
وعدائهم للعلويّين ، وما صنعه بهم الخلفاء السابقون من تبعيدهم عن مراكز الحكم ، وما
صبّوه عليهم من صنوف التنكيل والتعذيب وليس له أن يشذّ عن سنّة آبائه وسيرتهم فإنّه
يشكّل بذلك خطراً على أسرته ، ولم يعن المأمون بذلك وراح يفنّد ما قالوه ، قائلاً :
( أمّا ما
بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم ، وأمّا
ما كان يفعله من قبلي بهم ، فقد كان به قاطعاً للرحم ، وأعوذ بالله من ذلك ، والله ما
ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا ، ولقد سألته أن يقوم بالأمر ، وأنزعه عن نفسي
فأبى ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، وأمّا أبو جعفر محمد بن
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس