حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 241 ـ 250
(241)
المأمون يطلب إيضاح المسألة : وطلب
المأمون من الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) إيضاح المسألة السابقة التي سأله عنها
يحيى بن أكثم ، فأجابه ( عليه السلام ) إلى ذلك ، وقد روي جوابه بصورتين :
الأولى : ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول مرسلاً عن أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) ، وقد جاء في الجواب :
( إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ ، وكان الصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة ، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً ، وإن قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم ،
وليس عليه القيمة لأنّه ليس في الحرم ، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ
لأنه من الحرم ، وإن كان من الوحش فعليه في حمار وحش بدنة ، وكذلك في النعامة بدنة ،
فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوماً فإن كان بقرة
فعليه بقرة ، فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام ، وإن
كان ظبياً فعليه شاة فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام ،
وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة حقّاً واجباً أن ينحره
إن كان في حجّ بمنى حيث ينحر الناس ، وإن كان في عمرة ينحره بمكّة في فناء الكعبة ،
ويتصدّق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفاً ، وكذلك إذا أصاب أرنباً أو ثعلباً فعليه شاة ،
ويتصدّق بمثل ثمن شاة ، وإن قتل حماماً من حمام الحرم فعليه درهم يتصدّق به ، ودرهم
يشتري به علفاً لحمام الحرم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيضة ربع درهم ، وكلّما أتى
به المحرم بجهالة وخطأ فلا شيء عليه إلاّ الصيد فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم
بعلم ، بخطأ كان أم بعمد ، وكلّما أتى به العبد فكفّارته على صاحبه مثل ما يلزم
صاحبه ، وكلّ ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شيء عليه فإن عاد فهو ممّن ينتقم
الله منه ، وإن دلّ على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه فيه
(242)
الفداء والمصرّ عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة ، والنادم لا شيء عليه بعد الفداء في الآخرة ،
وإن أصابه ليلاً أو نارهاً فلا شيء عليه ، إلاّ أن يتصيّد ، فإن تصيّد بليل أو نهار
فعليه فيه الفداء والمحرم بالحجّ ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس ، والمحرم بالعمرة
ينحر الفداء بمكّة.
وأمر المأمون أن يُكتب ذلك عن أبي جعفر ( عليه السلام ) والتفت المأمون إلى أهل بيته الذين أنكروا تزويجه فقال لهم : هل فيكم من يجيب بهذا الجواب؟ قالوا : لا والله ولا
القاضي .. يا أمير المؤمنين كنت أعلم به منّا فقال : ويحكم!! أما علمتم أنّ أهل هذا
البيت ليسوا خَلقاً من هذا الخَلق ، أما علمتم أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
بايع الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وهما صبيّان ، ولم يبايع غيرهما طفلين ، أو لم
تعلموا أنّ أباهم علياً ( عليه السلام ) آمن برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو ابن
تسع سنين فقبل الله ورسوله إيمانه ، ولم يقبل من طفل غيره ولا دعا رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) طفلاً غيره ، أولم تعلموا أنّها ذرّية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما
يجري لأوّلهم (1).
وألمّ جواب الإمام بأحكام جميع جوانب الصيد وفروعه ، سواء في الحجّ أم في العمرة ، في الحلّ كان الصيد أم في الحرام ، فيما إذا كان الصائد محرماً.
الثانية : ما رواها الشيخ المفيد أنّ المأمون قال لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل الصيد لنعلمه ونستفيده؟
فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : نعم إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ ، وكان الصيد من ذوات الطير ، وكان من كبارها فعليه شاة ، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً ، فإذا
قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه
1 ـ تحف العقول : ص 452 ـ 453. وسائل الشيعة : ج 9 ص 188.
(243)
الحمل وقيمة الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة ، وإن كان نعامة فعليه بدنة ،
وإن كان ظبياً فعليه شاة ، فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً
هدياً بالغ الكعبة ، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدى فيه ، وكان إحرامه بالحجّ
نحره بمنى ، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة ، وجزاء الصيد على العالم والجاهل
سواء ، وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ والكفّارة على الحرّ في نفسه
وعلى السيد في عبده ، والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة ، والنادم يسقط
بندمه عنه عقاب الآخرة ، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة.
فقال له المأمون : أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك (1).
أما الرواية الأولى فهي أوسع وأكثر شمولاً لأحكام الصيد في الحجّ دون الرواية الثانية.
الإمام يسأل يحيى : وطلب المأمون من الإمام الجواد ( عليه السلام ) أن يوجّه سؤالاً إلى يحيى بن أكثم فأجابه الإمام ( عليه السلام ) إلى ذلك والتفت إلى يحيى فقال له :
( أسألك؟ .. ).
فأجابه يحيى بتأدّب :
( ذاك إليك ، جعلت فداك ، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه ، وإلاّ استفدت منك ).
فقدّم له
الإمام سؤالاً شبيهاً باللغز وذلك لمصلحة تقتضيها الظروف التي هو فيها ، والتي كان
منها إظهار فضله أمام العباسيّين الذين جحدوا فضله وفضل آبائه ،
1 ـ الإرشاد : ص 362.
(244)
قال ( عليه السلام ) :
( أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه ، فلما ارتفع النهار حلّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلّت له ، فلمّا
غربت الشمس حرمت عليه ، فلمّا دخل عليها وقت العشاء الآخرة حلّت له ، فلمّا كان
انتصاف الليل حرمت عليه ، فلمّا طلع الفجر حلّت له ، ما حال هذه المرأة؟ وبماذا حلّت
له؟ وحرمت عليه؟.
وبهر يحيى ، وحار في الجواب ، والتفت إلى الإمام قائلاً :
( والله ما اهتدي إلى جواب هذا السؤال ، ولا أعرف الوجه فيه ، فإن رأيت أن تفيدنا فيه؟ .. ).
وأخذ الإمام في تحليل المسألة قائلاً :
( هذه أمَة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له ، فلمّا كان عند الظهر اعتقها فحرمت
عليه ، فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له ، فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت
عليه ، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له ، فلمّا كان في نصف
الليل طلقّها واحدة فحرمت عليه ، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له .. ).
وذهل الحاضرون من علم الإمام ( عليه السلام ) ـ وهو بهذا السنّ ـ وأقبل المأمون على أسرته قائلاً :
( هل فيكم أحد يجيب عن المسألة بمثل هذا الجواب ، أو يطرق القول فيما تقدّم من السؤال؟ .. ).
فانبروا جميعاً قائلين :
(245)
( لا والله إنّ أمير المؤمنين أعلم بما رأى .. ) (1).
لقد آمنوا بفضل الإمام بعد ما رأوه قد خاض مع يحيى أعقد المسائل وأدقّها ، ولم يهتِد المأمون ولا يحيى إلى الإجابة عنها.
هدايا بمناسبة عقد الزواج : ولما كان اليوم الثاني من بعد إجراء عقد الزواج حضر الناس في البلاط العباسي وفي مقدمتهم قادة الجيش ، وسائر الجهاز الرسمي ، وغيرهم ومن عامة الناس ، وهم يرفعون آيات التهاني
إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) وإلى المأمون بهذه المناسبة السعيدة ، وأمر المأمون
بأن تقدّم لهم الهدايا والعطايا ، فقدمت لهم ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق مسك
وزعفران معجون في أجواف تلك البنادق ، وفيها رقاع مكتوبة بأموال جزيلة ، وعطايا
سنيّة ، وإقطاعات فأمر المأمون بنثرها على القوم في خاصّته ، فكان كلّ من وقع في يده
بندقة أخرج الرقعة التي فيها ، والتمسه ، فأطلق له ، ووضعت البدر فنثر ما فيها على
القوّاد وغيرهم ، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا ، وتقدّم المأمون
بالصدقة على كافة المساكين (2).
احتفاف الجماهير بالإمام : وأحيط الإمام الجواد أثناء إقامته في بغداد بهالة من التكريم والتعظيم والتفّت حوله الجماهير فقد رأت فيه امتداداً ذاتياً لآبائه الطاهرين الذين أضاءوا الحياة بجوهر
الإسلام وواقع الإيمان ، فكان الإمام إذا سار في الشارع اصطفّت له المارة وعلا منها
التكبير والتهليل ، وهي ترفع صوتها عالياً :
( هذا ابن الإمام الرضا ).
1 ـ الإرشاد : ص 363.
2 ـ الإرشاد : ص 363 ، وسائل الشيعة : ج 14 ص 519.
(246)
وقد حدث عن مظاهر ذلك التكريم القاسم بن عبد الرحمن ، وكان زيدياً ، قال : خرجت إلى بغداد ، فرأيت الناس يتشوفون ويقفون ، فقلت : ما هذا؟ قالوا : ابن الرضا ، فقلت : والله لأنظر
إليه ، فطلع ، وكان راكباً على بغل أو بغلة ، فلعنت أصحاب الإمامة إذ يقولون : إنّ الله
افترض طاعة هذا ، وبصر بي الإمام فعدل إليَّ ، وقال : يا قاسم بن عبد الرحمن ( أبشراً
واحداً نتّبعه إنّا إذاً لفي ضلال وسعر ) وذهلت لمّا عرف نيّتي ، وقلت بإمامته (1).
محاضراته في بغداد : واستغل الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) مدّة بقائه في بغداد بالتدريس (2) وبلورة الفكر العامّ بالعلوم والمعارف الإسلامية ، وكان يلقي محاضراته القيّمة على العلماء
والرواة في بهو بيته ، وقد تناولت مختلف العلوم والفنون من علم الحديث ، والتفسير ،
وعلم الفقه ، وعلم الكلام ، وعلم الأصول إلاّ أنّ علم الفقه قد حظي بالجانب الأكبر من
اهتمامه.
سفره إلى يثرب : وسافر الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) بعد أن عقد على أمّ الفضل إلى يثرب ، وقد استقر بها حفنة من السنين ، وقد قام بشؤون العلويّين ، كما قام بإعاشة الفقراء والمحرومين ، فكان
موئلهم ، أمّا هو فقد عاش عيشة بسيطة كعيشة آبائه ، فلم يرفّه على نفسه ، وإنّما
حمّلها من أمره رهقاً.
وقد احتفّ به الفقهاء والعلماء ورواة الحديث ، وهو يفيض عليهم من نمير علومه ومعارفه ، وقد روى عنه العلماء جوانب كثيرة من الفقه وغيره وقد ألمحنا إليها
1 ـ إثبات الهداة : ج 6 ص 19.
2 ـ عقيدة الشيعة : ص 200.
(247)
في البحوث السابقة.
بناؤه بأمّ الفضل : وبعدما بلغ الإمام الجواد ( عليه السلام ) سنّ الخامسة عشر سافر إلى بغداد للزواج بأمّ الفضل التي عقد عليها ، وقدم إلى بغداد في شهر صفر ليلة الجمعة ، وأقام فيها.
وكان المأمون بتكريت ، فقصده ، وقابله المأمون بمزيد من الحفاوة والتكريم ، وأمر أن تدخل عليه زوجته أمّ الفضل فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف ، وكانت داره على شاطئ دجلة ،
فأقام بها حتى موسم الحجّ ثمّ خرج منها (1).
المهنّئون بزواجه : ووفد جماعة من أعيان بغداد وغيره على الإمام وهم يهنّئونه بزواجه ، ويبدون أفراحهم بهذه المناسبة ، وكان ممّن وفد عليه محمد بن علي الهاشمي ولنستمع إلى حديثه ، قال : دخلت
على أبي جعفر صبيحة عرسه بابنة المأمون ، وكنت تناولت من أوّل الليل دواءً فأصابني
العطش ، وكرهت أن أدعو بالماء ، فنظر أبو جعفر في وجهي ، وقال : أراك عطشاناً؟ قلت :
أجل ، قال : يا غلام اسقنا ماءً فقلت في نفسي : الساعة يأتون بماء مسموم ، واغتممت
لذلك ، فأقبل الغلام ومعه الماء ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : يا غلام ناولني الماء
فتناوله وشرب ، ثمّ ناولني فشربت وأطلت عنده ، وعطشت فدعا بالماء ، وفعل كما فعل
بالمرة الأولى ، وخرجت من عنده وأنا أقول : أظنّ أنّ أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما
تقول الرافضة (2).
لقد خاف محمد على الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) من العباسيين أن يغتالوه بالسمّ
1 ـ تاريخ بغداد لأحمد طيفور : ج 6 ص 33 ( من مخطوطات مكتبة الإمام كاشف الغطاء ). تاريخ الطبري : ج1 ص 623.
2 ـ بحار الأنوار : ج 12 ص 112.
(248)
ولا تمنعهم مصاهرتهم له لأنّها لم تكن عن حسن نيّة.
وممن وفد على الإمام ( عليه السلام ) مهنّئاً أبو هاشم الجعفري ، فقد قال له : ( لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم ـ أي يوم زواج الإمام ـ ). وردّ عليه الإمام قائلاً :
( يا أبا هاشم عظمت بركات الله علينا فيه .. ).
لقد أسند أبو هاشم عظمة البركة إلى اليوم الذي تزوّج فيه الإمام والحال ليس كذلك فإنّ الأيام لا تُوجد البركة وإنما يوجدها الله خالق الكون وواهب الحياة .. وشعر أبو هاشم انّ
كلامه لا يخلو من زحاف فقال للإمام :
( يا مولاي فما أقول في اليوم؟ ).
( تقول : فيه خيراً فإنّه يصيبك ).
( يا مولاي افعل هذا ولا أخالفه ).
إنّ الأيام ليس فيها بركة أو خير على الإنسان ، وإنّما ذلك بيد الله تعالى فهو الذي يفيضه على من يشاء من عباده ، وقد قال له الإمام :
( إذاً ترشد ولا ترى إلاّ خيراً ).
مغادرته بغداد : وغادر الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) بغداد بعد زواجه بأمّ الفضل ، وقد خرج معه أهله وعياله فتوجّه بهم إلى بيت الله الحرام لأداء الحجّ (1) وقد سرّ العباسيون بمغادرته
بغداد ، وذلك لحقدهم البالغ عليه ، لما ظهر من عظيم فضله ، وانتشار علمه على صغر سنّه ،
الأمر الذي صار حديث الأندية والمجالس في بغداد وغيرها فخافوا أن يعهد له المأمون
بالخلافة كما عهد لأبيه الإمام الرضا ( عليه السلام ) من قبل .. لقد غادر الإمام بغداد
ليقيم في يثرب ويكون بمنأى عن مؤامرات العباسيين وأحقادهم.
1 ـ تاريخ بغداد : ج 6 ص 363.
(249)
كرامة للإمام : وأجمع المؤرّخون والرواة على أنّ الإمام لمّا خرج من بغداد متوجّهاً إلى يثرب جرت له في أثناء الطريق كرامة ، ولنترك الشيخ المفيد يحدّثنا عنها قال : لمّا توجّه أبو جعفر
( عليه السلام ) من بغداد إلى المدينة ومعه أمّ الفضل خرج الناس يشيّعونه ، ولمّا صار
إلى شارع باب الكوفة انتهى إلى دار المسيّب عند مغيب الشمس ، فنزل ودخل المسجد ، وكان
في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فيه ماء فتوضّأ في أصل النبقة ، وقام ( عليه
السلام ) فصلى بالناس صلاة المغرب ، فقرأ في الأولى منها الحمد وإذا جاء نصر الله
وقرأ في الثانية الحمد ، وقل هو الله ، وقنت قبل ركوعه فيها ، وصلى الثالثة وتشهّد
وسلم ، ثمّ جلس هنيئة يذكر الله جلّ اسمه ، وقام من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع
ركعات ، وعقب تعقيبها ، وسجد سجدتي الشكر ثمّ خرج فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس
وقد حملت حملاً حسناً ، فتعجّبوا من ذلك ، وأكلوا منه فوجدوا نبقاً حلواً لا عجم له ،
وودّعوه ومضى من وقته (1).
إنّ الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت من الكرامات والمعاجز ما لا يحصى كما منح جدّهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ليؤمن بهم الناس ، ويلتجأوا إليهم في السرّاء والضرّاء ،
فيجعلوا منهم وسائط إلى الله تعالى.
أمّ الفضل تشكو الإمام إلى أبيها : وشاء الله تعالى أن تحرم أمّ الفضل الذرية من الإمام الجواد ( عليه السلام ) فاضطرّ الإمام ( عليه السلام ) إلى أن يتسرّى ببعض الإماء ممّن لها دين ، فرزقه الله منها الذرية
الصالحة ، فتميّزت أمّ الفضل غيظاً ، ورفعت رسالة إلى أبيها تشكو فيها صنع الإمام
معها ، فأجابها المأمون : ( يا بنيّة إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً فلا
تعاودي
1 ـ الإرشاد : ص 364 ، أخبار الدول : ص 116 ، وسائل الشيعة : ج 4 ص 1059.
(250)
لذكر ما ذكرت بعدها ) (1) وظلّت أمّ الفضل حاقدة على الإمام ، حتى اغتالته
بالسمّ كما يقول بعض المؤرخين.
المرتّب السنوي للإمام : وأجرى المأمون مرتّباً سنوياً للإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) يبلغ مليون درهم (2) ولم ينفق الإمام هذه الأموال مع ما يرد إليه من الحقوق الشرعية على شؤونه الخاصّة ،
وإنّما كان ينفقها ـ بسخاء ـ على الفقراء والمحرومين من العلويّين وغيرهم.
وفاة المأمون : وخرج المأمون من عاصمته بغداد إلى طرطوس (3) للتنزّه والراحة ، وقد أعجبته كثيراً ، وذلك لما تتمتّع به من المناظر الطبيعية ، وأخذ يتجوّل في بعض متنزّهاتها فراقه مكان فيها
كان حافلاً بالأشجار والمياه الجارية وعذوبة الهواء ، فأمر أصحابه أن ينزلوا فيها ،
فنزلوا فيها ، ونصبت لهم المائدة فجلسوا للأكل ، والتفت المأمون إلى أصحابه فقال لهم :
إنّ نفسي تطالبني الآن برطب جني ويكون ازاذ (4) وبينما هم في الحديث إذ سمعوا قعقعة
ركب البريد الواصل من بغداد ، وفيه أربع كثات (5) من الخوص ملؤها رطب زاذ لم يتغيّر
كأنّه جُنِي في تلك الساعة فقدّمت بين يديه ، وشعر من ذلك بقرب أجله المحتوم فكان
يقول :
1 ـ الإرشاد : ص 364.
2 ـ شذرات الذهب : ج 2 ص 48. العبر في خبر من غبر : ج 1 ص 380. النجوم الزاهرة : ج 2 ص 231. الوافي بالوفيات : ج 4 ص 105. مرآة الجنان : ج 2 ص 80. مرآة الزمان : ج 6 ص ورقة 105.
3 ـ طرطوس : بلدة في أرض الشام ـ معجم البلدان.
4 ـ ازاذ : الرطب الجديد.
5 ـ كثات : لعلّ المراد منه المكتل من الخوص.
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس