| فإن نـال ما يرجو بنا كان ملكنا | * | هنيئا له ، والحرب قاصمة الظهر |
| فلا تــبغين حرب العراق فإنها | * | تحــرم أطهار النساء من الذعر |
| وإن عليا خير من وطئ الحصى | * | من الهاشميين المداريك للوتر (1) |
| له فـي رقاب الناس عهد وذمة | * | كعهد أبـي حفص وعهد أبي بكر |
| فبايع ولا ترجع على العقب كافرا | * | أعيذك بالله العزيز من الكفر (2) |
| ولا تسمـعن قـول الطغام فإنما | * | يريـدون أن يلقوك في لجة البحر |
| وماذا عليهـم أن تطـاعن دونهم | * | عليـا بأطراف المثـقفة الســمر |
| فإن غلبوا كانـوا علينــا أئمة | * | وكنا بحمد الله من ولد الظهر (3) |
| وإن غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا | * | وكان على حـــربنا آخر الدهر |
| يهون على عليـا لؤي بن غالب | * | دماء بني قحطان في ملكهم تجري |
| فدع عنك عثمان بن عفان إننا ، | * | لك الخير ، لا ندري وإنك لا تدري |
| على أي حال كان مصرع جنبه | * | فلا تسمعن قول الأعيور أو عمرو |
نصر بن مزاحم ، في حديث محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : لما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فأعظموه ، ودخل على معاوية فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا شرحبيل ، إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي ، وعلى خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان ، و [ قد ] حبست نفسي
فبلغ معاوية قول الرجلين ، فبعث إلى جرير فزجره (2) ولم يدر ما أجابه أهل الشام ، وكتب جرير إلى شرحبيل (3 ) :
| شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى | * | فمـا لك في الدنيا من الدين من بدل |
| وقل لابـ ن حرب مالك اليوم حرمة | * | تروم بها ما رمت ، فاقطع له الأمل (4) |
| شرحبــيل إن الحق قد جد جــده | * | وإنك مأمــون الأديم من النغــل |
| فأرود ولا تـفرط بشــئ نخـافه | * | عليك ، ولا تعجل فلا خير في العجل (5) |
| ولا تك كالمجرى إلى شــر غاية | * | فقد خـرق السربال واستنوق الجمل |
| وقال ابن هند في علي عضــيهة | * | ولله فـي صدر ابن أبي طالب أجل |
| وما لعلي في ابن عفان سـقــطة | * | بــأمر ، ولا جلب عليه ، ولا قتل (6) |
| وما كـان إلا لازما قــعـر بيتــه | * | إلى أن أتــى عثمان فـي بيتـه الأجل |
| فمــن قال قــولا غير هذا فحسبه | * | من الزور والبهتان قول الذي احتمل (1) |
| وصي رسـول الله مــن دون أهله | * | وفارســه الأولى به يضرب المثل (2) |
فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر ، وقال : هذه نصيحة لي في ديني ودنياي . [ و ] لا والله لا أعجل في هذا الأمر بشئ وفي نفسي منه حاجة . فاستتر له القوم ، ولفف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون ، ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ، ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة ، حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه ، وبلغ ذلك قومه فبعث ابن أخت له من بارق ـ وكان يرأى رأي علي بن أبي طالب فبايعه بعد ، وكان ممن لحق من أهل الشام ، وكان ناسكا ـ فقال :
| لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى | * | شرحبيل بالسـهم الذي هـو قاتله |
| ولفف قوما يسحـبون ذيولــهم | * | جميعا وأولى النـاس بالذنب فاعله |
| فألفى يمانيا ضعيفــا نـخاعـه | * | إلى كل ما يهوون تحدي رواحـله |
| فطاطا لها لمـا رمـوه بثقــلها | * | ولا يرزق التقــوى من الله خاذله |
| ليأكل دنيا لابن هنــد بدينه(3) | * | ألا وابن هـند قـبل ذلـك آكلـه |
| وقالوا علي في ابن عفان ، خدعة | * | ودبت إليه بالشنان غوائله (1) |
| ولا والذي أرسى ثبيرا مكانه | * | لقد كف عنه كفه ووسائله |
| وما كان إلا من صحاب محمد | * | وكلهم تغلي عليه مراجله |
فلما بلغ شرحبيل هذا القول قال : هذا بعيث الشيطان ، الآن امتحن الله قلبي . والله لأسيرن صاحب هذا الشعر أو ليفوتنني . فهرب الفتى إلى الكوفة وكان ـ أصله منها ـ وكاد أهل الشام أن يرتابوا .
نصر : محمد بن عبيد الله ، وعمر بن سعد بإسناده قال : وبعث معاوية إلى شرحبيل بن السمط فقال : « إنه كان من إجابتك الحق ، وما وقع فيه أجرك على الله وقبله عنك صلحاء الناس ، ما علمت ، وإن هذا الأمر الذي قد عرفته لا يتم إلا برضا العامة ، فسر في مدائن الشام ، وناد فيهم بأن عليا قتل عثمان ، وأنه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه » . فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطيبا ، وكان مأمونا في أهل الشام ناسكا متألها ، فقال : « يا أيها الناس ، إن عليا قتل عثمان بن عفان ، وقد غضب له قوم فقتلهم ، وهزم الجميع وغلب على الأرض فلم يبق إلا الشام . وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت (2) حتى يأتيكم (3) أو يحدث الله أمرا ، ولا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية ، فجدوا [ وانهضوا ] » . فأجابه الناس إلا نساك أهل حمص (4) ، فإنهم قاموا إليه فقالوا : بيوتنا قبورنا ومساجدنا ، وأنت أعلم بما ترى . وجعل
| شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا | * | ولكن لبغض المالكي جـريـر |
| وشحناء دبت بين سعـد وبينه | * | فأصبحت كالحادي بغير بعيـر |
| وما أنت ، إذ كانت بجيلة عاتبت | * | قريشــا فيــالله بعد نصيـر |
| أتفصل أمرا غبت عنـه بشبهة | * | وقد حار فيها عقل كل بصيـر |
| بقول رجال لم يكونوا أئــمة | * | ولا للتي لقوكها بحضـــور (2) |
| وما قــول قوم غائبين تقاذفوا | * | من الغيــب ما دلاهم بـغرور |
| وتترك أن الناس أعطوا عهودهم | * | عليا على أنس به وســـرور |
| إذا قيل هاتوا واحــدا تقتدونه | * | نظيرا له لم يفصحوا بنظيـر (3) |
| لعلك أن تشقى الغــداة بحربه | * | شرحبيل ما ما جئته بصغيـر (4) |
نصر : عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي ، أن شرحبيل ابن السمط بن جبلة الكندي دخل على معاوية فقال : أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه ، ونحن المؤمنون ، فإن كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان حتى ندرك بثأرنا أو تفنى أرواحنا استعملناك علينا ، وإلا عزلناك واستعملنا غيرك
نصر ، عن محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : كان معاوية أتى جريرا في منزله فقال : يا جرير ، إني قد رأيت رأيا . قال : هاته . قال : اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي ، وأسلم له هذا الأمر ، وأكتب إليه بالخلافة . فقال جرير : اكتب بما أردت ، وأكتب معك . فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير :
« أما بعد فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحب ، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام ، وإن المغيرة بن شعبة قد كان أشار على أن أستعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة ، فأبيت ذلك عليه ، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا . فإن بايعك الرجل ، وإلا فأقبل » .
وفشا كتاب معاوية في العرب فبعث إليه الوليد بن عقبة :
| وإن عليـا ناظــر مـا تجيبه | * | فأهد له حربا تشيـــب النواصيــا |
| وإلا فسلم إن في السلــم راحة | * | لمن لا يريد الحــرب فاختر معاويـا |
| وإن كتابا يا ابن حــرب كتبته | * | على طمع ، يزجى إليــك الدواهيــا |
| سألت عليا فيــه ما لن تناله | * | ولو نلته لـــم يبــق إلا لياليــا |
| وسوف ترى منه الذي ليس بعده | * | بقاء فلا تكثر عليــك الأمانيــــا |
| أمثل علي تعتريـه بخدعــة | * | وقد كان ما جربت مـــن قبل كافيا |
| ولو نشبت أظفاره فيــك مرة | * | حذاك ، ابن هند ، منه ما كنت حاذيا (1) |
قال : وكتب إليه أيضا :
| معاوي إن الملك قد جب غاربـه | * | وأنت بما في كفك اليوم صاحبـه |
| أتاك كتاب مــن علي بخطـة | * | هي الفصل فاختر سلمه أو تحاربه |
| ولا ترج عنــد الواترين مـودة | * | ولا تأمن اليوم الذي أنت راهبـه |
| فحاربه إن حاربت حرب ابن حرة | * | وإلا فسلم لا تـدب عقــاربه (2) |
| فإن عليا غير ساحــب ذيلــه | * | على خدعة ما سوغ الماء شاربه (3) |
| ولا قابــل ما لا يريد وهــذه | * | يقوم بها يوما عليــك نوادبـه |
| ولا تدعن الملك والأمـر مقبل | * | وتطلب ما أعيت عليك مذاهبه |
| فإن كنت تنوي أن تجيب كتابه | * | فقبــــح ممليه وقبح كاتبه |
| فألق إلى الحي اليمانين كلمـة | * | تنال بها الأمر الذي أنت طالبه |
| تقول : أمير المؤمنين أصابـه | * | عدو ومالاهم عليــه أقاربه (1) |
| أفانين منهم قاتل ومحضـض | * | بـلا ترة كانت وآخر سالبه |
| وكنت أميرا قبل بالشام فيكم | * | فحسبي وإياكم من الحق واجبه (2) |
| فجيئوا ، ومن أرسى ثبيرا مكانه | * | ندافع بحرا لا تردد غواربه (3) |
| فأقلل وأكثر مالها اليوم صاحب | * | سواك فصرح لست ممن تواربه |
قال : فخرج جرير يتجسس الأخبار ، فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له
| فأمــا علي فاستغاث ببيتـــه | * | فلا آمــر فيها ولم يك نــاهيا |
| وقل في جميع الناس ما شئت بعده | * | وإن قلت أخطا الناس لم تك خاطيا |
| وإن قلت عم القوم فيـه بفتنــة | * | فحسبك من ذاك الذي كـان كافيا |
| فقولا لأصحاب النبي محمـــد | * | وخصا الرجال الأقربين المواليـا |
| أيقتل عثمان بن عفان وسطكـم | * | على غير شيء ليس إلا تماديا (1) |
| فلا نوم حتى نستبيح حريمكـم | * | ونخضب من أهل الشنان العواليا (2) |
قال جرير : يا ابن أخي ، من أنت ؟ قال : أنا غلام من قريش وأصلى من ثقيف ، أنا ابن المغيرة بن الأخنس [ بن شريق ] ، قتل أبي مع عثمان يوم الدار . فعجب جرير من قوله وكتب بشعره إلى علي (3) ، فقال علي : والله ما أخطأ الغلام شيئا .
وفي حديث صالح بن صدقة قال : أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي : وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا ! وأبطأ على علي حتى أيس منه .
وفي حديث محمد وصالح بن صدقة قالا : وكتب علي إلى جرير بعد ذلك : « أما بعد فإذا أتاك ـ كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ، وخذه بالأمر الجزم ، ثم خيره بين حرب مجلية ، أو سلم محظية (4) . فإن اختار الحرب فانبذ له (5) ، وإن اختار السلم فخذ بيعته » .
| إذا مــا رمونــا رمينــــاهم | * | ودناهم مثـل مـــا يقرضونــا (1) |
| وقالــوا علــي إمــام لنــا | * | فقلنــا رضينا ابن هنــد رضينـا |
| وقلنـــا نري أن تدينـوا لنــا | * | فقالــــوا لنــــا لا نــري (2) |
| أن ندينا ومن دون ذلك خرط القتاد | * | وضرب وطعـــن يقر العيونــا (3) |
| وكل يســـر بمــا عنـــده | * | يرى غث ما في يديـه سمينــــا |
| ومـــا في علــــي لمستعتب | * | مقال سوى ضمــــه المحدثينــا |
| وإيثاره اليـــوم أهل الذنـــوب | * | ورفع القصــاص عـــن القاتلينا |
| إذا سيل عنه حــــدا شبهـــة | * | وعمى الجــــواب على السائلينـا (4) |
| فليس بــــراض ولا ساخـــط | * | ولا في النهــــاة ولا الآمرينــا |
| ولا هو ســـــاء ولا ســـره | * | ولا بد مــن بعض ذا أن يكونـــا |
قال : فكتب إليه :
« من علي إلى معاوية بن صخر . أما بعد فقد أتاني كتاب امرئ ليس له نظر يهديه ، ولا قائد يرشده ، دعاه الهوى فأجابه ، وقاده فاتبعه . زعمت أنه أفسد عليك بيعة خطيئتي في عثمان . ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا ، وأصدرت كما أصدروا . وما كان الله ليجمعهم
وأمر النجاشي فاجابه في الشعر فقال (5) :
| علي كل جـــرداء خيفانــــة | * | وأشعث نهـــد يسر العيونـــا (1) |
| عليهــا فــوارس مخشيـــة (2) | * | كأسد العرين حميــن العرينـــا |
| يرون الطعــان خلال العجـــاج | * | وضرب الفوارس في النقع دينــا |
| هم هزموا الجمع جمـــع الزبيـر | * | وطلحة والمعــشر النـاكثينـــا |
| وقالوا يمينــا علـــي حلفــة | * | لنهـدي إلى الشام حربا زبونــا (3) |
| تشيب النواصي قبــل المشيــب | * | وتلقى الحوامـل منهـا الجنينــا (4) |
| فإن تكرهوا المـلك ملك العــراق | * | فقـد رضي القوم ما تكرهــونـا |
| فقل للمضلــل مــن وائـــل | * | ومـــن جعل الغث يوما سمينــا |
| جعلتـم عليــــا وأشياعـــه | * | نظيــــر ابن هند ألا تستحونـا |
| إلى أول النــاس بعــد الرسول | * | وصنو الرســـول من العالمينــا |
| وصهـــر الرسول ومــن مثله | * | إذا كـــان يوم يشيــب القرونا (5) |
نصر : صالح بن صدقة بإسناده قال : لما رجع جرير إلي على كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية ، فاجتمع جرير والأشتر عند علي فقال الأشتر : أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه ، وأقام [ عنده ] ، حتى لم يدع بابا يرجو
![]() |
![]() |