« اللهم العن التابع والمتبوع . اللهم عليك بالأقيعس » . فقال ابن البراء لأبيه : من الأقيعس ؟ قال معاوية .
نصر ، عن قيس بن الربيع وسليمان بن قرم (1) ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سعيد ، عن علي قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود واللدد ، فقال : « انظر ! » ، فإذا عمرو بن العاص ومعاوية معلقين منكسين تشدخ رؤوسهما بالصخر .
نصر ، عمر حدثني يحيى بن يعلى بن عبد الجبار بن عباس ، عن عمار الدهني (2) ، عن أبي المثنى ، عن عبد الله بن عمر قال : ما بين تابوت معاوية وتابوت فرعون إلا درجة ؟ وما انخفضت تلك الدرجة إلا أنه قال : ( أنا ربكم الأعلى ) .
نصر ، عن أبي عبد الرحمن قال : حدثني العلاء بن يزيد القرشي ، عن جعفر بن محمد قال : دخل زيد بن أرقم على معاوية ، فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير ، فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما ، فقال له عمرو بن العاص : أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين ؟ فقال زيد : إن رسول الله غزا غزوة وأنتما معه ، فرأكما مجتمعين فنظر إليكما نظرا شديدا ، ثم رأكما اليوم الثاني واليوم الثالث ، كل ذلك يديم النظر إليكما ، فقال في اليوم الثالث : « إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص
____________
( 1 ) هو سليمان بن قرم ـ بفتح القاف وسكون الراء ـ بن معاذ أبو داود البصري . النحوي . قال ابن حجر : « سيء الحفظ ، يتشيع من السابعة » . تقريب التهذيب . وفي الأصل : « بن قوم » تحريف .
( 2 ) هو عمار بن معاوية الدهني ، بضم الدال المهملة وسكون الهاء بعدها نون ، أبو معاوية البجلي الكوفي ، صدوق يتشيع من الخامسة . تقريب التهذيب .

( 219 )

( مجتمعين ففرقوا بينهما ؛ فإنهما لن يجتمعا على خير (1) " .
نصر ، عن محمد بن فضيل (2) ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي قال : أخبرني أبو هلال أنه سمع أبا برزة الأسلمي يقول : إنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوا غناء فتشرفوا له ، فقام رجل فاستمع له ، وذاك قبل أن تحرم الخمر ، فأتاهم ثم رجع فقال : هذا معاوية وعمرو بن العاص يجيب أحدهما الآخر وهو يقول :

يزال حواري تلوح عظامه * زوى الحرب عنه أن يحس فيقبرا (3)

فرفع رسول الله يديه فقال : " اللهم أركسهم في الفتنة ركسا . اللهم دعهم إلى النار دعا (4) " .
نصر ، عن محمد بن فضيل ، ، عن أبي حمزة الثمالي (5) ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن عمر قال : إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون ، وذلك بأن فرعون قال : ( أنا ربكم الأعلى ) .
نصر : شريك ، عن ليث ، عن طاوس ، عن عبد الله بن عمر قال :
____________
( 1 ) الكلام التالي إلى كلمة : « فاقتلوه » التي ستأتي في ص 221 محذوف من طبعة بيروت .
( 2 ) هو محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم ، أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق رمى بالتشييع . مات سنة خمس وتسعين ومائة . تهذيب التهذيب .
( 3 ) في اللسان : « وحكى بعضهم زلت أفعل ، أي ما زلت » . والحس : القتل الشديد . وفي الكتاب : ( إذ تحسونهم بإذنه ) .
( 4 ) الإركاس والركس : الرد والإرجاع . وفي التنزيل : ( والله أركسهم بما كسبوا ) . والدع : الدفع الشديد . وفي الكتاب : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) . وقد ورد الحديث في اللسان ( ركس ) بلفظ : « اللهم أركسهما في الفتنة ركسا » . وجاء في اللسان ( دعع ) : « اللهم دعها إلى النار دعا » صوابه : « دعهما » .
( 5 ) هو ثابت بن أبي صفية الثمالي ، بضم المثلثة ، أبو حمزة . واسم أبيه دينار وقيل سعيد ، كوفي ضعيف رافضي من الخامسة ، مات في خلافة أبي جعفر . تقريب التهذيب .

( 220 )

أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : « يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنتي » . فشق علي ذلك وتركت أبي يلبس ثيابه ويجيء ، فطلع معاوية .
نصر ، عن بليد بن سليمان (1) ، حدثني الأعمش ، عن علي بن الأقمر (2) قال : وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا : لو مررنا برجل قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاينه . فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا : يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حدثنا ما شهدت ورأيت . قال : إن هذا أرسل إلي ـ يعني معاوية ـ فقال : لئن بلغني أنك تحدث لأضربن عنقك . فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت : وددت أن أحد سيف في جندك (3) على عنقي . فقال : والله ما كنت لأقاتلك ولا أقتلك . وأيم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يدعوه ـ وكان يكتب بين يديه ـ فجاء الرسول فقال : هو يأكل . فقال : لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع ؟ قال : وخرج من فج فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « اللهم العن القائد والسائق والراكب » . قلنا : أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، وإلا فصمتا أذناي ، كما عميتا عيناي .
____________
( 1 ) هو تليد ، بفتح التاء المثناة ، بن سليمان المحاربي ، أبو سليمان أو أبو إدريس الكوفي الأعرج ، رافضي ضعيف . قال صالح جزرة : كانوا يسمونه " بليدا " يعني بالموحدة . مات سنة تسعين ومائة . تقريب التهذيب . وقد ورد « بليد » هاهنا بالموحدة فأثبته كما هو .
( 2 ) هو علي بن الأقمر بن عمرو الهمداني الوادعي ، كوفي ثقة . تقريب التهذيب .
( 3 ) في الأصل : « جسدك » .
( 4 ) في الأصل : « ما سمعت من » وكلمة « من » مقحمة .

( 221 )

نصر ، عن عبد العزيز بن الخطاب ، عن صالح بن أبي الأسود ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم معاوية على منبري يخطب فاقتلوه » .
قال نصر : ثم رجع إلى حديث عمرو بن شمر ، قال :
فلما كان من الغد خرج محمد بن علي بن أبي طالب ، وخرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا كأشد القتال . ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية (1) : أن اخرج إلى أبارزك . قال له : نعم . ثم خرج إليه يمشي ، فبصر به علي فقال : من هذان المتبارزان ؟ فقيل له : ابن الحنفية وابن عمر . فحرك علي دابته ثم دعا محمدا فوقف له فقال : أمسك دابتي . فأمسكها له ثم مشى إليه فقال : أنا أبارزك فهلم إلى . قال : ليس لي في مبارزتك حاجة . قال : فرجع ابن عمر وأخذ ابن الحنفية يقول لأبيه : منعتني من مبارزته ، فوالله لو تركتني لرجوت أن أقتله . قال : يا بني ، لو بارزته أنا لقتلته ، ولو بارزته أنت لرجوت أن تقتله ، وما كنت آمن أن يقتلك . ثم قال : يا أبه أتبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو الله ؟ والله لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه . فقال : يا بنى [ لا تذكر أباه ولا ] تقل فيه إلا خيرا (2) . يرحم الله أباه .
ثم إن الناس تحاجزوا وتراجعوا . فلما أن كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن العباس والوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا ، ودنا ابن عباس
____________
( 1 ) هو محمد بن علي بن أبي طالب ، وهو أخو الحسن والحسين ابني علي ، بيد أن والدة . هذين هي فاطمة الزهراء ، وأم ذاك هي خولة بنت جعفر الحنفية ، فنسب إليها تمييزا له . كان ابن الحنفية أحد أبطال صدر الإسلام ، وكان ورعا واسع العلم . توفى سنة 81 . وفيات الأعيان ( 1 : 449 ) وطبقات ابن سعد ( 5 : 66 ) .
( 2 ) ح ( 1 : 480 ) : « لأبيه إلا خيرا » .

( 222 )

من الوليد بن عقبة ، فأخذ الوليد يسب بني عبد المطلب (1) وأخذ يقول : يا ابن عباس قطعتم أرحامكم ، وقتلتم إمامكم ، فكيف رأيتم صنع الله بكم ، لم تعطوا ما طلبتم ، ولم تدركوا ما أملتم ، والله ـ إن شاء الله ـ مهلككم وناصرنا عليكم (2) . فأرسل إليه ابن عباس : أن ابرز إلى . فأبي أن يفعل ، وقاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا . ثم انصرفوا عند الظهر وكل غير غالب . وذلك يوم الأحد (3) .
نصر ، عن عمر بن سعد ، قال : أبو يحيى عن الزهري قال :
وخرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري ، فلحق بعلي عليه السلام في ناس من قراء أهل الشام ، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص ، وقال عمرو : يا معاوية ، إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلى الله عليه وسلم قرابة قريبة ، ورحم ماسة ، وقدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله ، ونجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله (4) ، وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد صلى الله عليه المعدودين ، وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام ، ولهم في النفوس مهابة . فبادر بأهل الشام مخاشن الوعر ، ومضايق الغيض (5) ؛ واحملهم على الجهد ، وأتهم من باب الطمع
____________
( 1 ) ح : « فأكثر من سبب بني عبد المطلب » .
( 2 ) ح : « والله إن شاء أمهلكم وناصر عليكم » . وما في الأصل يوافق ما في الطبري ( 6 : 7 ) .
( 3 ) بعد هذه الكلمة في الأصل كلام ناقص لم يرد في ح وهو : « وخرج شمر بن أبرهة ابن الصباح الحميري فلحق بعلي في ناس من قراء أهل الشام ، فلما رأى ذلك معاوية وعمرو وما خرج إلى علي من قبائل أهل الشام وأشرافهم » . وانظر ما يلي .
( 4 ) النجدة : الشجاعة وشدة البأس .
( 5 ) الغيض : القليل ، ومنه : فلان يعطي غيضا من فيض . ح : ( 1 : 481 ) . « مخاشن الأوعار ومضايق الغياض » .

( 223 )

قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا ، فيظهر فيهم كآبة الخذلان . ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل .
فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق معاوية خطبة ، وأمر بالمنبر فأخرج ، ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا خطبته ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس أعيرونا أنفسكم وجماجمكم ، لا تفشلوا ولا تخاذلوا (1) ؛ فإن اليوم يوم خطار ، ويوم حقيقة وحفاظ ؛ فإنكم على حق وبأيديكم حجة (2) وإنما تقاتلون من نكث البيعة ، وسفك الدم الحرام ، فليس له في السماء عاذر .
ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (3) : أيها الناس ، قدموا المستلئمة ، وأخروا الحاسر ، وأعيروا جماجمكم ساعة ؛ فقد بلغ الحق مقطعه ، وإنما هو ظالم ومظلوم (4) .
نصر : عمر بن سعد ، عن أبي يحيى ، عن محمد بن طلحة ، عن أبي سنان الأسلمي قال : لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو ، وتحريضهما الناس عليه أمر الناس فجمعوا . قال : وكأني أنظر إلى علي متوكئا على قوسه ، وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه عنده ، فهم يلونه . و [ كأنه ] أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله متوافرون عليه (5) ، فحمد الله ثم قال :
أيها الناس ، اسمعوا مقالتي ، وعوا كلامي ؛ فإن الخيلاء من التجبر ،
____________
( 1 ) ح : « لا تقتتلوا ولا تتجادلوا » .
( 2 ) في الأصل : « ولكم حجة » ، وأثبت ما في ح .
( 3 ) الكلام من : « ثم صعد » إلى هنا ، ليس في ح ، فإن ابن أبي الحديد جعل كلام عمرو من بقية خطبة معاوية . والحق أنهما خطبتان كما سيظهر مما يلي . وانظر البيان والتبيين 2 : 285 .
( 4 ) في الأصل : « فإنه هو ظالم أو مظلوم » وأثبت ما في ح .
( 5 ) ح : « متوافرون معه » .

( 224 )

وإن النخوة من التكبر ، وإن الشيطان عدو حاضر ، يعدكم الباطل . ألا إن المسلم أخو المسلم ، [ ف‍ ] لا تنابذوا ولا تخاذلوا ؛ فإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة ، من أخذ بها لحق ، ومن تركها مرق ، ومن فارقها محق . ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذا وعد ، ولا بالكذاب إذا نطق . نحن أهل بيت الرحمة ، وقولنا الصدق ، ومن فعالنا القصد (1) ، ومنا خاتم النبيين ، وفينا قادة الإسلام ، ومنا قراء الكتاب (2) ، ندعوكم إلى الله وإلى رسوله ، وإلى جهاد عدوه ، والشدة في أمره ، وابتغاء رضوانه ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وتوفير الفئ لأهله (3) . ألا وإن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص السهمي ، أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما . وقد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ، ولم أعصه في أمر قط . أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال ، وترعد فيها الفرائص . نجدة (4) أكرمني الله بها ، فله الحمد ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وإن رأسه لفي حجري ، ولقد وليت غسله بيدي وحدي ، تقلبه الملائكة المقربون معي . وايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على [ أهل ] حقها ، إلا ما شاء الله .
قال : فقال أبو سنان الأسلمي (5) : فسمعت عمار بن ياسر يقول : أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه [ أولا ، وأنها لن تستقيم
____________
( 1 ) ح : « وفعلنا الفضل » .
( 2 ) ح : « وفينا حملة الكتاب » .
( 3 ) ح : « علي أهله » .
( 4 ) ح :« بنجدة » .
( 5 ) في الأصل : « الأسدي » وأثبت ما في ( 1 : 481 ) مطابقا ما مضى في ص 223 .

( 225 )

عليه آخرا ] . ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم ، [ فتأهبوا واستعدوا ] .
نصر : عمرو بن شمر (1) ، عن مالك بن أعين ، عن يزيد بن وهب ، أن عليا قال في هذه الليلة : « حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا ؟ » . قال : فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال :
الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض ، ولا ينقض ما أبرم . ولو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة ولا من خلقه ، ولا تنازعت الأمة (2) في شئ من أمره ، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله . وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لفت (3) بيننا في هذا المكان ، فنحن من ربنا بمرأى ومسمع ، فلو شاء لعجل النقمة ولكان منه التغيير (4) حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق (5) أين مصيره ، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة عنده دار [ الجزاء ] والقرار ، ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) . ألا إنكم لاقو العدو غدا إن شاء الله . فأطيلوا الليلة القيام ، وأكثروا تلاوة القرآن ، واسألوا الله الصبر والنصر ، والقوهم بالجد والحزم ، وكونوا صادقين .
ثم انصرف ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها ، فمر عليهم كعب بن جعيل التغلبي وهو يقول :

أصبحت الأمة في أمر عجب * والملك مجموع غدا لمن غلب

____________
( 1 ) ح : « عمر بن سعد » .
( 2 ) ح « ولا تنازع البشر » .
( 3 ) في الأصل : « ألفت » وأثبت ما في ح . الطبري ( 6 : 8 ) : « فلفت » .
( 4 ) فيه إشارة إلى قول الله : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وفي ح : « النصر » وأثبت ما في الأصل مطابقا ما في الطبري .
( 5 ) ح فقط : « المحق » .

( 226 )

فقلت قــولا صادقا غير كــذب * إن غــدا يهلك أعـــلام العرب
غـــدا نلاقي ربنا فنحتســـب * يا رب لا تشمت بنـــا ولا تصب
من خلع الأنداد كـــلا والصلـب * غــــدا يكونون رمادا قـد كثب
بعد الجمال والحيـــاء والحســب

فلما كان الليل خرج علي فعبأ الناس ليلته كلها حتى أصبح ، وعقد الأولوية وأمر الأمراء ، وكتب الكتائب . وبعث علي مناديا فنادى : يا أهل الشام ، اغدوا على مصافكم . فضج (2) أهل الشام في عسكرهم ، واجتمعوا إلى معاوية ، فعبأ خيله وعقد الألوية وأمر الأمراء ، وكتب الكتائب ، ثم نادى معاوية : أين الجند المقدم ؟ فخرج أهل حمص في رايتهم عليهم ذو الكلاع الحميري (3) . ثم نودي : أين أهل الأردن ؟ فخرجوا في راياتهم عليهم [ أبو الأعور ] سفيان بن عمرو السلمي . ثم نودي : أين أهل قنسرين ؟ فجاءوا في راياتهم عليهم زفر بن الحارث . ثم نودي : أين جند الأمير ؟ فجاء أهل دمشق على راياتهم وهم القلب ، وعليهم الضحاك بن قيس الفهري ، فأطافوا بمعاوية . وسار أبو الأعور وسار عمرو بن العاص [ ومن معهما ] حتى وقفوا قريبا من أهل العراق ، فنظر إليهم عمرو فاستقلهم وطمع فيهم ، وكان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف . ثم رجع عمرو بن العاص إلى معاوية فقال : قد عرفت وعلمت ما بيننا من العهد والعقد ، فاعصب هذا الامر برأسي ، وأرسل إلى أبي الأعور [ فنحه عني ودعني والقوم . فأرسل معاوية إلى أبي الأعور ] : إن لأبي عبد الله رأيا
____________
( 1 ) في الأصل : « لا تعب » صوابه في ح ( 1 : 482 ) .
( 2 ) في الأصل : « فصبح » صوابه في ح ( 1 : 481 ) .
( 3 ) في الأصل : « أبو الأعور السلمي » ، وهو تحريف فإن أبا الأعور السلمي هو سفيان بن عمرو والسلمي الذي سيأتي ذكره . وأما من كان على أهل حمص فهو ذو الكلاع الحميري كما سبق في ص 206 .

( 227 )

وتجربة ليست لي ولا لك ، وقد وليته أعنة الخيل ، فسر حتى تقف أنت وخيلك على تل كذا ، [ ودعه والقوم . فسار أبو الأعور ] ، فأقبل عمرو بن العاص ثم نادى ابنه : يا عبد الله بن عمرو . قال : لبيك . وقال : يا محمد بن عمرو . قال : لبيك . قال : قدما لي هذه الدرع وأخرا عني هذه الحسر ، وأقيما الصف قص الشارب ؛ فإن هؤلاء قد جاءوا بخطة بلغت السماء . فمشيا براياتهما وعدلا الصفوف ، وسار بينهما عمرو حتى عدل الصفوف ، وأحسن الصف ثانية ، ثم حمل قيسا وكلبا وكنانة على الخيول ، ورجل سائر الناس ؛ وقعد على منبره وأحاط به أهل اليمن وقال : لا يقربن هذا المنبر أحد إلا قتلتموه كائنا من كان .
نصر ، عن عمر ، عن الحارث بن حصيرة وغيره قال : لما قام أهل الشام وأهل العراق وتواقفوا وأخذوا مصافهم للقتال ، قال معاوية : من هؤلاء في الميسرة ؟ ميسرة أهل العراق . قالوا : ربيعة . فلم يجد في أهل الشام ربيعة . فجاء بحمير فجعلهم بإزاء ربيعة على قرعة أقرعها من حمير وعك ، فقال ذو الكلاع : « باستك من سهم لم تبغ الضراب (1) » . كأنه أنف من أن تكون حمير بإزاء ربيعة ، فبلغ ذلك الخندف الحنفي (2) ، فحلف بالله لئن عاينه ليقتلنه أو ليموتن دونه . فجاءت حمير حتى وقفت بإزاء ربيعة ، وجعل السكون والسكاسك بإزاء كندة وعليها الأشعث ، وجعل بإزاء همدان من أهل العراق الأزد وبجيلة ، وبإزاء مذحج من أهل العراق عكا . فقال راجز من * أهل الشام :

ويل لام مذحج مـــن عــك * وأمهـــم قائمــة تبكـــي
نصكهم بالسيــف أي صــك * فلا رجــال كرجال عــــك

____________
( 1 ) ينعي على سهام القرعة التي لم تأت بما أتت به مريدة .
( 2 ) ح ( 1 : 482 ) : « جحدرا الحنفي » .

( 228 )

وجعل بإزاء التيم (1) من أهل العراق هوازن وغطفان وسليما ، وقد قيدت عك أرجلها بالعمائم ، ثم طرحوا حجرا بين أيديهم وقالوا : لا نفر حتى يفر هذا الحكر ( بالكاف ) . وعك تقلب الجيم كافا . وصف القلب خمسة صفوف ، وفعل أهل العراق أيضا كذلك (2) . قال : ثم قال عمرو بن العاص :

يأيها الجند الصليـــب الإيمـــان * قومـــوا قياما واستعينوا الرحمــن
إنــي أتاني خبـــر فأشجــان (3) * أن عليــــا قتـل ابــــن عفان
ردوا علينا شيخنــــا كمــــا كان

فرد عليه [ أهل العراق وقالوا (4) ] :

أبــت سيوف مذحــــج وهمــدان * بأن نـــرد نعثـــلا كمـا كان (5)
خلقا جديدا مثل خلـــق الرحمــــن * [ ذلــــك شأن قـد مضى وذا شأن ]

وصاح رجل من أهل الشام (6) :

ردوا علينا شيخنا ثم بجل (7) * أولا تكونوا جزرا من الأسل (8)

فقال رجل من أهل العراق :
____________
( 1 ) في الأصل :« التميم » .
( 2 ) في الأصل : « كك » وهو رمز إلى كلمة « كذلك » . وفي ح : « مثل ذلك » .
( 3 ) أي فأشجاني . وفي ح : « ذو ألوان » .
( 4 ) التكملة من ح ( 1 : 482 ) .
( 5 ) نعثل : رجل من أهل مصر كان طويل اللحية . وكان عثمان إذا نيل منه وعيب ، شبه بهذا الرجل المصري لطول لحيته ، ولم يكونوا يجدون فيه عيبا غير هذا . انظر اللسان « نعثل » .
( 6 ) ح : « ثم نادى عمرو بن العاص ثانية يرفع صوته » .
( 7 ) بجل بمعنى حسب . وقبل البيت كما في اللسان ( 14 : 70 ) :

نحن بني ضبة أرباب الجمل * الموت أحلى عندنا من العسل

( 8 ) الجزر : قطع اللحم تأكله السباع . والأسل : الرماح . ح : « حرزا » تحريف .

( 229 )

كيف نــرد نعثلا وقـد قحـل (1) * نحن ضربنــا رأســه حتى انجفل ( 2)
لما حكى حكــم الطواغيـت الأول * وجــار في الحكـم وجار في العمل (3)
وأبدل الله بـــه خيـــر البـدل * أقـــدم للحـــرب وأنكـى للبطل (4)

وقال إبراهيم بن أوس بن عبيدة السلمي ، من أهل الشام :

لله در كتــائـــب جاءتكـــم * تبكـــي فوارسهــا على عثمان
سبعون ألفـــا ليس فيهـــم قاسط * يتلـون كـــل مفصـل ومثــان
يسلون حـــق الله لا يعـــدونـه * ومجيئكـــم للملـك والسلطـــان (5)
فأتوا ببينة علـــى مـــا جئتـم * أولا فحسبكـــم مــن العــدوان
وأتوا بما يمحو قصــاص خليفــة * له ، ليـــس بكـــاذب خــوان

قال : وبات على ليلته كلها يعبي الناس ، حتى إذا أصبح زحف بالناس وخرج إليه معاوية في أهل الشام ، فأخذ علي يقول : من هذه القبيلة ؟ ومن هذه القبيلة ؟ يعني قبائل أهل الشام ـ فيسمون له . حتى إذا عرفهم وعرف مراكزهم قال للأزد : اكفوني الأزد . وقال لخثعم : اكفوني خثعما . وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام ، إلا قبيلة ليس منهم بالشام أحد (6) ، مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير ، فصرفهم إلى لخم (7) .
____________
( 1 ) قحل : أي مات وجف جلده
( 2 ) انجفل : انقلب وسقط .
( 3 ) هذا البيت وسابقة لم يرويا في ح . وفي الأصل : « لما حكم »
( 4 ) أنكى : تفضيل من النكاية ، وهي الهزيمة والغلبة . وفي الأصل : « وألظي » ولا وجه له إلا أن جعل مقلوبا من ألظ ، ومورد هذا السماع .
( 5 ) يسلون : يسألون ، بإسقاط الهمزة وإلقاء حركتها على السين .
( 6 ) ح ( 1 : 283 ) : « إلا قبيلة ليس منهم بالعراق إلا القليل » صوابه « بالشام » .
( 7 ) ح : مثل بجيلة فإن لخما كانت بإزائها » . وفي الطبري ( 6 : 8 ) : « إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى تكون بالشام ليس منهم بالعراق واحد ، مثل بجيلة لم يكن منهم بالشام إلا عدد قليل ، فصرفهم إلى لخم » . وفي الأصل : « ففرقهم إلى لخم » ، صوابه من الطبري .

( 230 )

ثم تناهض القوم يوم الأربعاء فاقتتلوا اقتتالا شديدا نهارهم كله ، وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب . وكان علي يركب بغلا له يستلذه (1) ، فلما حضرت الحرب قال : ائتوني بفرس . [ فأتوه بفرس ] له ذنوب أدهم (2) يقاد بشطنين (3) يبحث الأرض بيديه جميعا (4) ، له حمحمة وصهيل ، فركبه وقال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم ، قال : كان علي إذا سار إلي القتال ذكر اسم الله حين يركب ، ثم يقول : الحمد لله على نعمه علينا وفضله العظيم ، ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين . وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) . ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى الله ثم يقول : اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأتعبت الأبدان ، وأفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار . ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) . سيروا علي بركة الله . ثم يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر . يا الله يا أحد يا صمد ، يا رب محمد . بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ( [ الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين ] . إياك نعبد وإياك نستعين ) . اللهم كف عنا بأس الظالمين . فكان هذا شعاره بصفين .
____________
( 1 ) ح ( 1 : 479 ) : « بغلة له يستلذها » .
( 2 ) الذنوب : الوافر الذنوب الطويلة .
( 3 ) الشطن : الحبل . وفي اللسان : « وفي حديث البراء : وعنده فرس مربوطة بشطنين . الشطن : الحبل ، وقبل هو الطويل منه . وإنما شده بشطنين لقوته وشدته » . ح : « نفار شطين » محرف .
( 4 ) في الأصل : « يبحث بيديه الأرض جميعا » والوجه ما أثبت من ح .

( 231 )

نصر : الأبيض بن الأغر (1 ) عن سعد بن طريف (2) ، عن الأصبغ قال : ما كان علي في قتال قط إلا نادى : كهيعص .
نصر : قيس بن الربيع ، عن عبد الواحد بن حسان العجلي ، عمن حدثه عن على أنه سمع يقول يوم صفين : اللهم إليك رفعت الأبصار ، وبسطت الأيدي [ ونقلت الأقدام ] ، ودعت الألسن ، وأفضت القلوب ، وتحوكم إليك في الأعمال ، فاحكم بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين (3) . اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا ، وقلة عددنا ، وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا ، وشدة الزمان ، وظهور الفتن . أعنا عليهم بفتح تعجله ، ونصر تعز به سلطان الحق وتظهره .
نصر : عمرو بن شمر ، عن عمران ، عن سلام بن سويد قال : كان علي إذا أراد أن يسير إلى الحرب قعد على دابته وقال : " الحمد لله رب العالمين على نعمه علينا وفضله العظيم . ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين . وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) . ثم يوجه دابته إلى القبيلة ، ثم يرفع يديه إلى السماء ثم يقول : « اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار . نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا . ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) . سيروا على بركة الله » . ثم [ يحمل ف‍ ] يورد والله من اتبعه [ ومن حاده (4) ] حياض الموت .
____________
( 1 ) هو الأبيض بن الأغر بن الصباح الكوفي ، ذكره ابن حبان في الثقات . روي عن صالح بن حيان ، ومجالد ، وعبيدة الضبي ، وروى عنه مروان بن معاوية ، ويحيي بن حسان التميمي . لسان الميزان .
( 2 ) سعد بن طريف الإسكاف الحنظلي الكوفي ، كان رافضيا ، وترجم له في تهذيب التهذيب . وفي الأصل . « بن سعد بن ظريف » كأنه تتمة للرجل قبله . والصواب ما أثبت .
( 3 ) الفاتح : القاضي الحاكم . وفي اللسان . « ويقال للقاضي الفتاح لأنه يفتح مواضع الحق . وقوله تعالي : ربنا افتح بيننا : أي اقض بيننا » .
( 4 ) المحادة : المعاداة والمخالفة .

( 232 )

نصر ، عن عمر بن سعد ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه قال : لما كان غداة الخميس [ لسبع خلوان من صفر من سنة سبع وثلاثين ] صلى علي فغلس بالغداة ، ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ ، ثم خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم ، وكان هو يبدؤهم فيسير إليهم ، فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم .
قال : نصر فحدثني [ عمر بن سعد ، عن ] مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب أن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال : « اللهم رب [ هذا ] السقف المحفوظ [ المكفوف ] ، الذي جعلته مغيضا لليل والنهار (1) ، وجعلت فيه مجري الشمس والقمر ، ومنازل الكواكب والنجوم ، وجعلت سكانه سبطا (2) من الملائكة لا يسأمون العبادة ؛ ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم ؛ ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ؛ ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض ، ورب البحر المسجور [ المحيط ] بالعالمين ، ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا ؛ إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي ، وسددنا للحق ؛ وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة ، واعصم بقية أصحابي من الفتنة » .
قال : فلما رأوه وقد أقبل خرجوا إليه بزحوفهم (3) ، وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر : مع عمار بن ياسر ، ومع قيس بن سعد ، ومع عبد الله
____________
( 1 ) أي يغبض فيه الليل والنهار . في الأصل : « مغيضا الليل » ، صوابه من الطبري ( 6 : 8 ) . وفي ح : « محيطا بالليل والنهار » .
( 2 ) السبط : الأمة . وهذه الكلمة ساقطة من ح
( 3 ) ح : « تقدموا إليه بزحوفهم » .

( 233 )

بن بديل . والناس على راياتهم ومراكزهم ، وعلي في القلب في أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ، وعظم من معه من [ أهل (1) ] المدينة الأنصار ، ومعه من خزاعة عدد حسن ، ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة .
وكان علي رجلا دحداحا (2) ، أدعج العينين ، كأن وجهه القمر ليلة البدر حسنا ، ضخم البطن ، عريض المسربة (3) ، شثن الكفين ، ضخم الكسور (4) ، كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلا خفاف من خلفه (5) ؛ لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري (6) ، إذا مشى تكفأ به ومار به جسده (7) ؛ له سنام كسنام الثور (8) ، لا تبين عضده من ساعده (9) ، قد أدمجت إدماجا ، لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس . وهو إلى السمرة ، أذلف الأنف (10 ) ، إذا مشى إلى الحرب هرول ، وقد أيده الله بالعز والنصر .
ثم زحف علي بالناس إليهم ، ورفع معاوية قبة له عظيمة قد ألقى عليها
____________
( 1 ) هذه التكملة من الطبري .
( 2 ) الدحداح : القصير السمين . وفي ح : « ربعة » .
( 3 ) المسربة : الشعر وسط الصدر إلى البطن .
( 4 ) شثن : غليظ . والكسور : الأعضاء .
( 5 ) الخفاف ، بالضم : الخفيف ، وبالكسر : جمع خفيف .
( 6 ) المشاش ، بالضم : رءوس العظام ، مثل المنكبين والمرفقين والركبتين .
( 7 ) تكفأ جسده : تمايل . والمور : التحرك والمجئ والذهاب ، كما تتكفأ النخلة العيدانة .
( 8 ) في الأصل : « البعير » والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 48 ) . وسنام كل شيء : أعلاه .
( 9 ) العضد : ما بين المرفق إلى الكتف ، يذكر ويؤنث . والساعد : الذراع .
( 10 ) الذلف : قصر الأنف وصغره .