إن الله أرخــى من خناقك مـرة * ونلت الذي رجيت إن لم أزر أهلي
وأترك لك الشام الذي ضاق رحبها * عليك لم يهنك بها العيش من أجلي

فأجاب معاوية :

أالآن لما ألقت الحـرب بركهــا * وقام بنا الأمر الجليــل على رجل
غمزت قناتي بعـد ستين حجـة * تباعا كأنـي لا أمـر ولا أحلــي (1)
أتيت بأمر فيه للشــام فتنــة * وفي دون ما أظهرته زلـة النعـل
فقلت لك القول الذي ليس ضائرا * ولو ضر لم يضررك حملك لي ثقلي
فعاتبتني في كل يــوم وليلــة * كأن الذي أبليك ليس كمــا أبلـى (2)
فيا قبح الله العتــاب وأهلـــه * ألم تر ما أصبحت فيه مـن الشغل
فدع ذا ولكن هل لك اليــوم حيلة * ترد بها قومــا مراجلهـــم تغلي
دعاهم علي فاستجابــوا لدعـوة * أحب إليهم من ثرى المال والأهـل
إذا قلت هابوا حومة الموت أرقلوا * إلى الموت إرقال الهلوك إلى الفحل

فلما أتى عمرا شعر معاوية أتاه فأعتبه وصار أمرهما واحدا .
ثم إن عليا دعا في هذا اليوم هاشم بن عتبة ومعه لواؤه ، وكان أعور ، فقال له : يا هاشم ، حتى متى تأكل الخبز وتشرب الماء ؟ فقال هاشم : لأجهدن على ألا
____________
( 1 ) في الأصل : « بعد سبعين حجة » والصواب ما أثبت من ح ( 2 : 275 ) وذلك لأن معاوية حين وقعة صفين كان عمره نحوا من 57 سنة ، فإن صفين كانت في سنتي 36 ـ 37 وكانت وفاة معاوية سنة 60 وله ثمانون سنة .
( 2 ) الإبلاء : الإخبار ، يقال ابتليته فأبلاني ، أي استخبرته فأخبرني . ح : « تعاتبني » .

( 347 )

أرجع إليك أبدا . قال علي : إن بإزائك ذا الكلاع ، وعنده الموت الأحمر ؟ فتقدم هاشم ، فلما أقبل قال معاوية : من هذا المقبل ؟ فقيل هاشم المرقال . فقال : أعور بنى زهرة قاتله الله ! وقال : إن حماة اللواء ربيعة ، فأجيلوا القداح فمن خرج سهمه عبيته لهم . فخرج سهم ذي الكلاع لبكر بن وائل (1) ، فقال : ترحك الله من سهم كرهت الضراب (2) . وإنما كان جل أصحاب علي أهل اللواء من ربيعة ، لأنه أمر حماة منهم أن يحاموا عن اللواء . فأقبل هاشم وهو يقول :

أعور يبغي نفسه خلاصــا * مثل الفنيــق لابســا دلاصا
قد جرب الحرب ولا أناصــا (3) * لادية يخشى ولا قصاصا
كل امرئ وإن كبا وحاصـا (4) * ليس يرى من موته مناصا (5)

وحمل صاحب لواء ذي الكلاع ـ وهو رجل من عذرة ـ وهاشم حاسر وهو يقول :

يا أعور العين وما بي من عور * أثبت فإني لست من فرعي مضر
نحن اليمانون ومــا فينا خور * كيف ترى وقع غلام من عذر (6)

____________
( 1 ) هم بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ، فهم ربعيون . وفي الأصل : « بكر بن وائل » والصواب : « لبكر » كما أثبت .
( 2 ) انظر ما سبق في ص 227 .
( 3 ) المعروف ناص ينوص : هرب وفر .
( 4 ) كبا : انكب على وجهه . حاص : هرب . ح : « وإن بني » .
( 5 ) في الأصل : « ليس له » وأثبت ما في ح ( 2 : 275 ) . وفي ح أيضا : « من يومه » .
( 6 ) الغلام يقال للرجل من حين يولد إلى أن يشيب . وعذر : ترخيم عذرة لغير نداء . وعذرة من قبائل قضاعة .

( 348 )

ينعى ابــن عفان ويلحي من غدر * سيان عندي مــن سعي ومن أمر

فاختلفا طعنتين ، فطعنه هاشم فقتله ، وكثرت القتلى ، وحمل ذو الكلاع فاجتلد الناس ، فقتلا جميعا (1) وأخذ ابن هاشم اللواء وهو يقول :

أهاشم بن عتبة بــن مالــك * أعزز بشيخ مــن قريش هالك
تخبطـه الخيلات بـالسنابــك * في أسود مــن نقعهـن حالك
أبشر بحـور العين في الأرائـك * والروح والـريحــان عند ذلك

نصر : حدثنا عمرو بن شمر قال : لما انقضى أمر صفين وسلم الأمر الحسن عليه السلام إلى معاوية [ و ] وفدت عليه الوفود ، أشخص عبد الله بن هاشم إليه أسيرا ، فلما أدخل عليه مثل بين يديه وعنده عمرو بن العاص فقال : « يا أمير المؤمنين ، هذا المختال (2) ابن المرقال ، فدونك الضب المضب (3) ، المغتر (4) المفتون ، فإن العصا من العصية ، وإنما تلد الحية حية ، وجزاء السيئة سيئة مثلها » . فقال له ابن هاشم : ما أنا بأول رجل خذله قومه ، وأدركه يومه (5) . فقال معاوية : تلك ضغائن صفين وما جنى عليك أبوك . فقال عمرو : أمكني منه فأشخب أو داجه على أثباحه . فقال له ابن هاشم : فهلا كانت هذه الشجاعة منك يابن العاص أيام صفين حين ندعوك إلى النزال ، وقد ابتلت أقدام الرجال ، من نقيع الجريال ، وقد تضايقت بك المسالك ، وأشرفت فيها على المهالك . وأيم الله لو لا مكانك منه لنشبت لك مني خافية أرميك من خلالها
____________
( 1 ) ح : « فقتل هاشم وذو الكلاع جميعا » .
( 2 ) المختال : المتكبر المعجب بنفسه . وفي الأصل : « المحتال » ، صوابه في ح ( 2 : 276 ) .
( 3 ) المضب : الذي يلزم الشئ لا يفارقه ، وأصل الضب اللصوق بالأرض .
( 4 ) في الأصل : « المعن » صوابه في ح .
( 5 ) ح : « وأسلمه يومه » .

( 349 )

أحد من وقع الأشافي (1) ، فإنك لا تزال تكثر في هوسك وتخبط في دهشك ، وتنشب في مرسك ؛ تخبط العشواء ، في الليلة الحندس الظلماء . قال : فأعجب معاوية ما سمع من كلام ابن هاشم فأمر به إلى السجن وكف عن قتله ، فبعث إليه عمرو بأبيات يقولها له :

أمرتك أمرا حازمـا فعصيتني * وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

وكان أبــوه يا معـاوية الذي * رماك على جــد بحز الغلاصم

فما برحوا حتى جرت من دمائنا * بصفين أمثال البحور الخضارم

وهذا ابنه والمرء يشبه أصلـه * ستقــــرع إن أبقيته سن نادم

فبلغ ذلك ابن هاشم وهو في محبسه فكتب إلى معاوية :

معاوي إن المرء عمـرا أبت لــه * ضغينة صــدر ودهـا غير سالم (2)
يرى لك قتلى يا ابن حــرب وإنما * يرى ما يرى عمر وملـوك الأعاجم
على أنهم لا يقتلون أسيـــرهـم * إذا كان منهم منعـــة للمسالــم
وقد كان منا يوم صفيــن نفــرة * عليك جناها هاشم وابـــن هاشم
قضى الله فيها ما قضى ثمت انقضى * وما ما مضى إلا كأضغاث حالــم
هي الوقعة العظمى التـي تعرفونها * وكل على ما قد مضى غير نــادم
فإن تعف عني تعف عن ذي قرابة * وإن تر قتلى تستحـــل محارمي

____________
( 1 ) الأشافي : جمع إشفى ، وهو مخصف الإسكاف . وفي الأصل : « الأثافي » بالثاء ، صوابه في ح ( 2 : 276 ) .
( 2 ) في الأصل : « غشها غير سالم » وأثبت ما في ح .

( 350 )


آخر الجزء الخامس يتلوه الجزء السادس : « نصر عمرو بن شمر ، عن السدي ، عن عبد خير الهمداني » . وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله والحمد لله رب العالمين ، ونعوذ بالله من الزيادة والنقصان .

ـــــــــــ

وجدت في الجزء الثامن من نسخة عبد الوهاب بخطه : « سمع جميعه من الشيخ أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار ، الأجل السيد الأوحد الإمام قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني وابناه القاضيان أبو عبد الله محمد وأبو الحسين أحمد ، وأبو عبد الله محمد بن القاضي أبي الفتح بن البيضاوي ، والشريف أبو الفضل محمد بن علي بن أبي يعلى الحسيني ، وأبو منصور محمد بن محمد بن قرمي ، بقراءة عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي . وذلك في شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة » .


( 351)

الجزء السادس

من كتـاب صـفين

لنصر بن مزاحم

رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز
رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد
رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت
رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري
رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي
رواية الشيخ الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي
سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له


( 352 )



( 353 )

بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار ابن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد ابن جعفر : قال أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي : قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن عقبة : قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز : قال أبو الفضل نصر بن مزاحم .
عمرو بن شمر ، عن السدي عن عبد الخير الهمداني قال : قال هاشم بن عتبة : أيها الناس ، إني رجل ضخم ، فلا يهولنكم مسقطي إن أنا سقطت ، فإنه لا يفرغ مني أقل من نحر جزور حتى يفرغ الجزار من جزرها . ثم حمل فصرع ، فمر عليه رجل وهو صريع بين القتلى فقال له : اقرأ [ علي ] أمير المؤمنين السلام ورحمة الله ، وقل له : أنشدك بالله إلا أصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى ، فإن الدبرة تصبح غدا (1) لمن غلب على القتلى . فأخبر الرجل عليا بذلك ، فسار علي في بعض الليل حتى جعل القتلى خلف ظهره ، وكانت الدبرة له عليهم .
نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن رجل (2) ، عن أبي سلمة ، أن هاشم بن
____________
( 1 ) الدبرة ، بالفتح : العاقبة . في الأصل : « تصبح عندك » صوابه في ح ( 2 : 278 ) .
( 2 ) ح : « نصر وحدثنا عمر بن سعد عن الشعبي » .

( 354 )

عتبة دعا في الناس عند المساء : « ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فليقبل » . فأقبل إليه ناس ، فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا ، فليس من وجه يحمل عليه (1) إلا صبروا له وقوتل فيه قتالا شديدا ، فقال لأصحابه : « لا يهولنكم ما ترون من صبرهم ، فو الله ما ترون منهم إلا حمية العرب وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها ، وإنهم لعلى الضلال وإنكم لعلى الحق . يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا ، وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا . ثم تآسوا وتصابروا واذكروا الله ، ولا يسلم رجل أخاه ، ولا تكثروا الالتفات ، واصمدوا صمدهم ، وجالدوهم محتسبين ، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين » . فقال أبو سلمة : فمضى في عصابة من القراء فقاتل قتالا شديدا هو وأصحابه ، حتى رأى بعض ما يسرون به ، إذ خرج عليهم فتى شاب يقول :

أنا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين غسان
أنبأنا أقوامنا بمــا كان (2) * أن عليا قتــل ابن عفان

ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه ، ثم [ جعل ] يلعن [ عليا ] ويشتمه ويسهب في ذمه (3) ، فقال له هاشم بن عتبة : « إن هذا الكلام بعده الخصام ، وإن هذا القتال بعده الحساب . فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به (4) » . قال : فإني أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي ، وأنكم لا تصلون ، وأقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله . فقال له هاشم : « وما أنت وابن عفان ؟ إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس ، حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب ،
____________
( 1 ) في الأصل : « عليهم » صوابه في ح .
( 2 ) ح ( 2 : 278 ) : « أنبأنا قراؤنا » .
( 3 ) في الأصل : « ويشتم ويكثر الكلام » وأثبت ما في ح .
( 4 ) ح : « وعن هذا المقال » .

( 355 )

وأصحاب محمد هم أصحاب الدين ، وأولى بالنظر في أمور المسلمين . وما أظن أن أمر هذه الأمة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط » . قال الفتى : أجل أجل ، والله لا أكذب فإن الكذب يضر ولا ينفع ، ويشين ولا يزين . فقال له هاشم : « إن هذا الأمر لا علم لك به ، فخله وأهل العلم به » قال : أظنك والله قد نصحتني . وقال له هاشم : وأما قولك إن صاحبنا لا يصلى فهو أول من صلى مع رسول الله ، وأفقهه في دين الله ، وأولاه برسول الله . وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب ، لا ينامون الليل تهجدا . فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون » . قال الفتى : يا عبد الله ، إني لأظنك امرأ صالحا ، [ وأظنني مخطئا آثما ] ، أخبرني هل تجدلي من توبة ؟ قال : « نعم ، تب إلى الله يتب عليك ؛ فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، ويحب التوابين ويحب المتطهرين » . قال : فذهب الفتى بين الناس راجعا ، فقال له رجل من أهل الشام : خدعك العراقي ! قال : لا ، ولكن نصحني العراقي ! وقاتل هاشم هو وأصحابه قتالا شديدا حتى أتت كتيبة لتنوخ فشدوا على الناس ، فقاتلهم وهو يقول :

أعور يبغي أهله محــلا * لابد أن يفــل أو يفلا (1)
قد عالج الحيــاة حتى ملا

حتى قتل تسعة نفر أو عشرة ، وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط ، وبعث إليه علي : أن قدم لواءك . فقال للرسول : انظر إلي بطني . فإذا هو قد انشق . فأخذ الراية رجل من بكر بن وائل ، ورفع هاشم رأسه فإذا هو بعبيد الله بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه ، فحبا (2) حتى دنا منه ،
____________
( 1 ) في الأصل : « يغل أو يغلا » صوابه مما سبق ص 327 .
( 2 ) في الأصل : « فجثا » والوجه ما أثبت .

( 356 )

فعض على ثديه حتى نيبت فيه أنيابه (1) . ثم مات هاشم وهو على صدر عبيد الله بن عمر ، وضرب البكري فوقع ، فرفع رأسه فأبصر عبيد الله بن عمر قريبا منه ، فحبا إليه (2) حتى عض على ثديه الآخر حتى نيبت (3) أنيابه فيه ، ومات أيضا ، فوجدا جميعا على صدر عبيد الله بن عمر ، هاشم والبكري قد ماتا جميعا .
ولما قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا ، وأصيب معه عصابة من أسلم من القراء ، فمر عليهم على وهم قتلى حول أصحابه الذين قتلوا معه فقال :

جزى الله خيرا عصبة أسلمية * صباح الوجوه صرعوا حول هاشم

يزيد وعبــد الله بشر ومعبد * وسفيان وابنـا هاشم ذي المكارم (4)

وعروة لا يبعد ثناه وذكــره * إذا اخترطت يوما خفاف الصوارم (5)

ثم قال عبد الله بن هاشم وأخذ الراية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يأيها الناس ، إن هاشما كان عبدا من عباد الله الذين قدر أرزاقهم ، وكتب آثارهم ، وأحصى أعمالهم ، وقضى آجالهم ؛ فدعاه ربه الذي لا يعصى فأجابه ، وسلم الأمر لله وجاهد في طاعة ابن عم رسول الله ، وأول من آمن به ، وأفقههم في دين الله ، المخالف لأعداء الله المستحلين ما حرم الله ، الذين عملوا في البلاد بالجور والفساد ، واستحوذ عليهم الشيطان فزين لهم الإثم والعدوان . فحق عليكم جهاد من خالف سنة رسول الله ، وعطل حدود الله ، وخالف أولياء الله . فجودوا
____________
( 1 ) نيبت أنيابه : نشبت . وفي الأصل : « تبينت » وليس بشيء .
( 2 ) في الأصل : « فجثا إليه » والصواب ما أثبت . ولم أعثر على هذا الخبر في ح .
( 3 ) في الأصل : « تبينت » والوجه ما أثبت . وانظر ما سبق في التنبيه الأول .
( 4 ) ح : « يزيد وسعدان وبشر ومعبد * وسفيان وابنا معبد » .
( 5 ) ثناه ، أجدر بها أن تكون : « نثاه » بتقديم النون ، وهو ما أخبرت به عن الرجل من خير أو شر . اخترط السيف : استله .

( 357 )

يمهج أنفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا ، تصيبوا الآخرة والمنزل الأعلى ، والملك الذي لا يبلى . فلو لم يكن ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ، لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية ابن أكالة الأكباد . فكيف وأنتم ترجون ما ترجون .
وقالت امرأة من أهل الشام :

لا تعدموا قوما أذاقوا ابن ياسر * شعوبا ولم يعطوكم بالخزائم
فنحن قتلنا اليثربي بن محصن * خطيبكم وابني بديل وهاشم

وقال رجل من بني عذرة :

لقد رأيت أمـورا كلها عجب * وما رأيت كأيــام بصفينـا

لما غـدوا وغدونا كلنا حنق * ما رأيت الجمال الجلة الجونا

خيل تجول وخيل في أعنتها * وآخرون على غيظ يرامونا

ثم ابتذلنا سيوفا في جماجمهم * وما نساقيهم من ذاك يجزونا

كأنها في أكف القوم لامعة * سلاسل البرق يجد عن العرانينا

ثــم انصرفنا كأشلاء مقطعة * وكلنــا عند قتلاهم يصلونا

وقال عبد الله بن أبي معقل بن نهيك بن يساف الأنصاري . قال : وفي حديث عمرو بن شمر : قال النجاشي يبكي أبا عمرة بن عمرو بن محصن (1) وقتل بصفين :

لنعم فتى الحيين عمرو بن محصن * إذا صائح الحي المصبح ثوبا
(2)
____________
( 1 ) هو بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري . ترجمته في 185 .
( 2 ) صدر البيت يشهد بأن اسمه « عمرو » وهو أحد الأقوال التي قيلت في اسمه ، وفي الإصابة : « وقال ابن الكلبي : اسمه عمرو بن مخصن » . المصبح : الذي صبحته الغارة . وفي الأصل : « المصيح » صوابه في ح ( 2 : 278 ) . والتثويب : الاستصراخ ، وأصله أن يلوح المستصرخ بثوبه ليرى ويشتهر . ح : « إذا ما صارخ الحي » .

( 358 )

إذا الخيل جالت ، بينها قصـد القنا * يثرن عجاجا ساطعـــا متنصبا
لقد فجع الأنصار طـــرا بسيـد * أخي ثقة في الصالحين مجــربا
فيارب خير قـد أفـدت وجفنــة * ملأت وقرن قــد تـركت مخيبا (1)
ويا رب خصم قـد رددت بغيظـه * فآب ذليلا بعــد مـا كان مغضبا
وراية مجد قــد حمـلـت وغزوة * شهدت إذا النكـس الجبـان تهيبا
حووطا على جل العشيرة مـاجـدا * ولم يك في الأنصار نكسـا مؤنبـا (2)
طويل عمود المجد رحبـا فنــاؤه * خصيبا إذا ما رائد الحــي أجدبا (3)
عظيم رماد النار لم يــك فاحشـا * ولا فشلا يوم القتــال مغلبـــا
وكنت ربيعا ينفع النــاس سيبـه * وسيفا جرازا باتك الحد مقضبــا
فمن يك مسرورا بقتل ابن محصن * فعاش شقيا ثم مــات معذبـــا
وغودر منكبا لفيـــه ووجهــه * يعالج رمحا ذا سنــان وثعلبــا
فإن تقتلوا الحر الكريم ابن محصـن * فنحن قتلنا ذا الكـلاع وحوشبــا
وإن تقتلوا ابني بديــل وهاشمـا * فنحن تركنا منكم القــرن أعضبا
ونحن تركنا حميرا في صفوفكــم * لدى الموت صرعى كالنخيل مشذبا
وأفلتنا تحت الأسنــة مرثـــد * وكان قديما في الفـرار مجربــا
ونحن تركنا عند مختلـف القنــا * أخاكم عبيد الله لحمــا ملحبــا
بصفين لما ارفض عنه صفوفكـم * ووجه ابن عتاب تركناه ملغبــا (4)

____________
( 1 ) ح : « مسلبا » .
( 2 ) ح : « حويطا » . في الأصل : « عضبا مشيبا » وأثبت ما في ح .
( 3 ) في الأصل : « حصينا » وصوابه في ح .
( 4 ) ح : « عنه رجالكم » . وألغبه : أنصبه .

( 359 )

وطلحة من بعد الزبير ولم ندع * لضبة في الهيجا عريفا ومنكبا (1)
ونحن أحطنــا بالبعير وأهله * ونحن سقينــاكم سماما مقشبا (2)

نصر : وكان ابن محصن من أعلام أصحاب علي عليه السلام ، قتل في المعركة ، وجزع علي عليه السلام لقتله .
قال : وفي قتل هاشم بن عتبة يقول أبو الطفيل عامر بن واثلة ، وهو من الصحابة ، وقيل إنه آخر من بقي من صحب رسول الله صلى الله عليه ، وشهد مع علي عليه السلام صفين ، وكان من مخلصي الشيعة (3) :

يا هاشم الخيــر جزيت الجنة * قاتلت فــي الله عدو السنه

والتاركي الحق وأهل الظنــه * أعظم بمــا فزت به من منه

صيرني الدهر كأني شنــه * ياليت أهلي قــد علوني رنه (4)

من حوبـــة وعمــــة وكنه (5)

نصر : والحوبة القرابة ، يقال لي في بني فلان حوبة أي قربي .
نصر ، عن عمرو بن شمر بإسناده قال : قال رجل يومئذ لعدي بن حاتم ـ وكان من جلة (6) أصحاب علي عليه السلام ـ : يا أبا طريف ، ألم أسمعك
____________
( 1 ) العريف : النقيب ، وهو دون الرئيس . والمنكب ، كمجلس : عون العريف ، وقال الليث : رأس العرفاء .
( 2 ) البعير ، يعني جمل عائشة الذي نسبت إليه الوقعة . والمقشب : المخلوط .
( 3 ) ترجمته سبقت في ص 309 .
( 4 ) الرنة : صيحة النياحة . وفي ح ( 2 : 279 ) :

* وسوف تعلو حول قبري رنه *

( 5 ) الحوبة ، جاء في تفسيرها عن أبي عبيد : « وبعض أهل العلم يتأوله على الأ ؟ ؟ خاصة . قال : وهي عندي كل حرمة تضيع إن تركها ، من أم أو أخت أو ابنة أو غيرها . والكنة ، بالفتح : امرأة الابن وامرأة الأخ .
( 6 ) ح : « جملة » .

( 360 )

تقول يوم الدار : « والله لا تحبق فيها عناق حولية (1) ! » ، وقد رأيت كان فيها (2) ؟ ـ وقد كانت فقئت عين عدي وقتل بنوه (3) ـ قال : بلى والله لقد حبقت (4) فيه العناق والتيس الأعظم .
وبعث علي خيلا ليحبسوا عن معاوية مادة ، فعبث معاوية الضحاك ابن قيس الفهري في خيل إلى تلك الخيل فأزالوها ، وجاءت عيون علي فأخبرته بما قد كان ، فقال علي لأصحابه : فما ترون فيما هاهنا ؟ فقال بعضهم : نرى كذا . وقال بعضهم : نرى كذا . فلما رأى ذلك الاختلاف أمرهم بالغدو إلى القوم ، فغاداهم إلى القتال قتال صفين ، فانهزم أهل الشام وقد غلب أهل العراق على قتلى أهل حمص ، وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية ، وانهزم عتبة بن أبي سفيان عشرين فرسخا عن موضع المعركة حتى أتى الشام . فقال النجاشي من قصيدة أولها :

لقد أمعنت يـــا عتب الفرارا * وأورثـــك الوغى خزيا وعارا

فلا يحمد خصاك سوى طمــر * إذا أجريته انهمــر انهمــارا

وقال كعب بن جعيل ، [ وهو شاعر أهل الشام ، بعد رفع المصاحف يذكر أيام صفين ويخرض معاوية ] :

معاوي لا تنهض بغير وثيقة * فإنك بعد اليوم بالذل عارف

____________
( 1 ) الحبق : ضراط المعز . وفي الأصل : « لا تخنق » صوابه في ح . والعناق ، بالفتح : الأنثى من ولد المعز . والحولية : التي أتى عليها حول . ويروى أيضا : « لا تحبق في هذا الأمر عناق حولية » قال الميداني : « يضرب المثل في أمر لا يعبأ به ولا غير له ، أي لا يدرك فيه ثأر » . وأول من قال هذا المثل عدي حين قتل عثمان . فيها : أي في هذه الحادثة .
( 2 ) أي من وقعتي الجمل وصفين ، إذ طولب فيهما بدم عثمان .
( 3 ) عند الميداني : « فلما كان يوم الجمل فقئت عين عدي وقتل ابنه بصفين » .
( 4 ) في الأصل : « خنقت » صوابه في ح وأمثال الميداني .

( 361 )

تركتم عبيد الله بالقـاع مسنــدا * يمج نجيعا والعــروق نـوازف
ألا إنما تبكي العيــون لفــارس * بصفين أجلت خيلــه وهو واقف
ينوء وتعلوه شآبيــب مــن دم * كما لاح في جيب القميص اللفائف
يحللن عنـه زر درع حصينــة * ويبدين عنـــه بعدهـن معارف (1)
تبدل من أسماء أسيـاف وائــل * وكان فتى لو أخطأتــه المتالـف (2)
الا إن شر الناس في الناس كلهـم * بنو أسد ، إني لمــا قلت عارف
وفرت تميم سعدهــا وربابهــا * وخالفت الجعراء فيمــن يخالف (3)

فرد عليه أبو جهمة الأسدي فقال :

تعرفت والعراف تمـــج أمـه * فإن كنــت عرافا فلست تقائف (4)

أغرتم علينا تسرقون بناتنـــا * وليس لنا فــي قاع صفين قائف

يجالد من دون ابن عم محمــد * من الناس شهبـاء المناكب شارف

فما برحوا حتى رأى الله صبرهم * وحتى أتيحت بالأكف المصاحف (5)

____________
( 1 ) ح ( 1 : 498 ) : « وأنكر منه بعد ذاك معارف » .
( 2 ) أسماء هذه هي بنت عطارد بن حاجب بن زرارة ، زوج عبيد الله بن عمر ، كان قد أخرجها مع زوجة الأخرى بحرية بنت هانئ بن قبيصة الشيباني ، لينظرا إلى قتاله ، كما في ح ( 1 : 499 ) .
( 3 ) في الأصل : « وجالت تميم » وأثبت ما في ح ( 2 : 279 ) . والجعراء : لقب بني العنبر بن عمرو بن تميم . انظر القاموس « جعر » . وفي الأصل : « الجعداء » صوابه ما أثبت من ح . وقد سبق بعض أبيات هذه القصيدة في ص 298 ـ 299 . وقال ابن أبي الحديد في ( 1 : 498 ) : « قلت : هذا الشعر نظمه كعب بن جعيل بعد رفع المصاحف وتحكيم الحكمين يذكر فيه ما مضى لهم من الحرب على عادة شعراء العرب » .
( 4 ) تمج أمه ، كذا وردت في الأصل .
( 5 ) هذا البيت وسابقه يرويان في شعر كعب بن جعيل ، كما سبق في 299 . وهذا البيت أيضا يروى للحصين بن الحمام المري ، كما في اللسان ( 6 : 69 ) .

( 362 )

وقال أبو جهمة الأسدي :

أنا أبـــو جهمة في جلد الأسد * علي منــــه لبد فوق لبــد
أهجو بني تغلب ما ينجي النقد (1) * أقود من شئت وصعب لم يقد

وقال عتبة يهجو كعب بن جعيل مجيبا له (2) :

سميت كعبا بشــر العظام * وكان أبــوك سمى الجعل (3)
وكان مكانك (4) مـن وائل * مكان القــراد من است الجمل

وقال كعب مجيبا له :

* سميت عتابــا ولســت بمعتب *

ثم إن عليا أمر مناديه فنادى في الناس : أن اخرجوا إلى مصافكم . فخرج الناس إلى مصافهم ، واقتتل الناس ، وأقبل أبو الأعور السلمي يقال :

أضربهــم ولا أرى عليـا * كفى بهــذا حزنـا عليا

وأقبل عبد الرحمن بن خالد وهو يقول :

أنا عبد الرحمــن وابن خالد * أضرب كــل قدم وساعد

نصر : ثم كانت بين الفريقين الواقعة المعروفة ب‍ « وقعة الخميس » ، حدثنا
____________
( 1 ) النقد ، بالتحريك : جنس من الغنم قباح الوجوه صغار الأرجل ، يقال فيها : « أذل من نقد » .
( 2 ) ح ( 2 : 280 : « وهجا كعب بن جعيل عتبة بن أبي سفيان وعيره بالفرار ، وكان كعب من شيعة معاوية لكنه هجا عتبة تحريضا له » . على أن البيتين يرويان للأخطل ، نظر ديوانه 335 ، وشرح الحيوان ( 5 : 441 ) حيث تخريج الشعر .
( 3 ) ح : « يسمى الجعل » .
( 4 ) ح : « وإن مكانك » . وفي الحيوان : « وأنت مكانك » ويروى : « وإن محلك » .

( 363 )

بها عمر بن سعد ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم الهجري (1) قال : حدثنا القعقاع بن الأبرد الطهوي قال : والله إني لواقف قريبا من علي بصفين يوم وقعة الخميس [ و ] قد التقت مذحج ـ وكانوا في ميمنة علي ـ وعك وجذام ولخم والأشعرون ، وكانوا مستبصرين في قتال علي . ولقد والله رأيت ذلك اليوم من قتالهم ، وسمعت من وقع السيوف على الرؤوس ، وخبط الخيول بحوافرها في الأرض وفي القتلى ، ما الجبال تهد (2) ولا الصواعق تصعق بأعظم هولا في الصدور من ذلك الصوت . نظرت إلى علي وهو قائم فدنوت منه ، فسمعته يقول : « لا حول ولا قوة إلا بالله (3) ، والمستعان الله » . ثم نهض حين قام قائم الظهيرة وهو يقول : ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين (4) ) : وحمل على الناس بنفسه ، وسيفه مجرد بيده ، فلا والله ما حجز بيننا إلا الله رب العالمين ، في قريب من ثلث الليل ، وقتلت يومئذ أعلام العرب . وكان في رأس علي ثلاث ضربات ، وفي وجهه ضربتان .
نصر : وقد قيل إن عليا لم يجرح قط .
وقتل في هذا اليوم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين (5) ، وقتل من أهل
____________
( 1 ) هو إبراهيم بن مسلم العبدي ، أبو إسحاق الهجري ، قال ابن حجر : « لين الحديث ، رفع موقوفات . من الخامسة » تقريب التهذيب . وفي ح : « إبراهيم النخغي » تحريف .
( 2 ) الهدة : صوت تسمعه من سقوط ركن أو حائط أو ناحية جبل ، تقول منه : هد يهد ، بالكسر ، هديدا .
( 3 ) بعده في ح : « اللهم إليك الشكوى وأنت المستعان » .
( 4 ) من الآية 89 في سورة الأعراف .
( 5 ) هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري ، شهد بدرا وما بعدها ، وسمى ذا الشهادتين لأنه شهد للنبي على يهودي في دين قضاه عليه السلام فقال : « كيف تشهد ولم تحضره ولم تعلمه » ؟ قال : يا رسول الله نحن نصدقك على الوحي من السماء فكيف لا نصدقك على أنك قضيته ؟ فأنفذ عليه السلام شهادته وسماه « ذا الشهادتين » ، لأنه صير شهادته شهادة رجلين . الإصابة 2247 وجني الجنتين 160 .