الشام عبد الله بن ذي الكلاع الحميري ، فقال معقل بن نهيك بن يساف الأنصاري
يا لهف نفسي ومــن يشفي حزازتها * إذا أفلت الفاســق الضليل منطلقا
وأفلت الخيل عمـرو وهـي شاحبة * جنح الظلام يحث الركض والعنقا (1)
وافت منية عبــد الله إذ لحقــت * قب البطون به ، أعجز بمن لحقــا
وانساب مروان في الظلماء مستترا * تحت الدجى كلما خاف الردى أرقا
قال : وقال مالك الأشتر :
نحــن قتلنــا حوشبــا * لمــا غــدا قد أعلمــا
وذا الكلـــاع قبـــلـه * ومعبـــدا إذ أقــدمــا
إن تقتلــوا منا أبــا الـ * يقظــان شيخــا مسلمـا
فقــد قتلنــــا منكـم * سبعيـــن رأسا مجرمــا
أضحـــوا بصفين وقـد * لاقـــوا نكــالا مؤثمـا
وقال عامر بن الأمين السلمي :
كيف الحيــاة ولا أراك حزينا * وغبــرت في فتن كذاك سنينــا
ونسيت تلذاذ الحيــاة وعشيها * وركبــت من تلك الأمور فنونــا
ورجعت قد أبصرت أمري كله * وعرفــت ديني إذ رأيــت يقينـا
أبلـــغ معاوية السفيه بأنني * في عصبــة ليسوا لديك قطينـــا
لا يغضبون لغير ابــن نبيهم * يرجون فــوزا ، إن لقوك ، ثمينـا
وقال عبد الله بن يزيد بن عاصم الأنصاري يرثي من قتل من أصحابه :
يا عين جودي على قتلى بصفينا * أضحوا رفاتا وقد كانوا عرانينا
____________
( 1 ) ح : « تحت العجاج تحث » .
( 365 )
أني لهم صرف دهـر قد أضربنا * تبــا لقاتلهـم في اليوم مدفونــا (1)
كانــوا أعزة قومي قد عرفتهـم * مأوى الضعـاف وهم يعطون ماعونا
أعزز بمصرعهم تبــا لقاتلهـم * على النبي وطـوبــى للمصابينــا
وقال النضر بن عجلان الأنصاري :
قد كنت عن صفين فيما قـد خلا * وجنـــود صفين لعمــري غـافلا
قد كنت حقا لا أحــاذر فتنـة * ولقــد أكــون بذاك حقــا جاهـلا
فرأيت في جمهـور ذلك معظما * ولقيــت من لهوات ذاك عيــاطلا (2)
كيف التفرق والوصــي إمامنا * لا كيــف إلا حيـــرة وتخــاذلا
لا تعتبــن عقولكم لا خير في * مــن لم يكن عنــد البلابل عاقـلا
وذروا معاوية الغوى وتابعــوا * ديـــن الوصي تصادفوه عاجــلا
وقالت أمينة الأنصارية ترثي مالكا :
منع اليـــوم أن أذوق رقـادا * مالـــك إذ مضى وكـــان عمادا
يا أبا الهيثم بن تيهــان إنـي * صــرت للهم معدنــا ووســـادا
إذ غدا الفاســق الكفور عليهم * إنــــه كان مثلهـــا معتــادا
أصبحوا مثل من ثوى يوم أحد * يرحــــم الله تلكـــم الأجسـادا
وقالت ضبيعة بنة خزيمة بن ثابت ترثي أباها (3) صاحب الشهادتين :
عين جودي على خزيمـة بالدم * ع قتيـــل الأحزاب يــوم الفرات
قتلـــوا ذا الشهادتين عتـوا * أدرك الله منهــــم بــالتــرات
قتلوه في فتيـــة غير عـزل * يسرعـــون الركــوب للدعوات
____________
( 1 ) أني يأني : حان وقته . وفي الأصل : « أنالهم » تحريف .
( 2 ) يقال هضبة عيطل : طويلة .
( 3 ) في الأصل : « في خزيمة أباها » صوابه في ح ( 2 : 280 ) .
( 366 )
نصروا السيد (1) الموفــق ذا العد * ل ودانــوا بذاك حتـى الممات
لعن الله معشــــرا قتلــوه * ورمـــاهم بالخــــزي والآفات
نصر : حدثنا عمر بن سعد ، عن الأعمش قال ، كتب معاوية إلى أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري (2) صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وكان سيدا معظما من سادات الأنصار ، وكان من شيعة علي عليه السلام ـ كتابا ، وكتب إلى زياد بن سمية ـ وكان عاملا لعلي عليه السلام على بعض فارس ـ كتابا . فأما كتابه إلى أبي أيوب فكان سطرا واحدا : « لا تنسى شيباء أبا عذرتها ، ولا قاتل بكرها » . فلم يدر أبو أيوب ما هو ؟ فأتى به عليا وقال : يا أمير المؤمنين ، إن معاوية ابن أكالة الأكباد ، وكهف المنافقين ، كتب إلى بكتاب لا أدري ما هو ؟ فقال له علي : وأين الكتاب ؟ فدفعه إليه فقرأه وقال : نعم ، هذا مثل ضربه لك ، يقول : ما أنسى الذي لا تنسى الشيباء ، لا تنسى أبا عذرتها . والشيباء : المرأة البكر ليلة افتضاضها (3) ، لا تنسى بعلها الذي افترعها أبدا ، ولا تنسى قاتل بكرها وهو أول ولدها . كذلك لا أنسى أنا قتل عثمان .
وأما الكتاب الذي كتب إلى زياد فإنه كان وعيدا وتهددا ، فقال زياد : « ويلي على معاوية ابن أكالة الأكباد ، وكهف المنافقين وبقية الأحزاب ، يتهددني ويوعدني وبيني وبينه ابن عم محمد ، ومعه سبعون ألفا طوائع (4) ،
____________
( 1 ) في الأصل : « نصروا أحمد » والوجه ما أثبت من ح .
( 2 ) هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري ، نزل عليه النبي صلى الله عليه لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بني بيوته ومسجده . وتوفى في غزاة القسطنطينية سنة 52 . الأصابة 2159 . وفي الأصل : « خالد بن أيوب » صوابه في ح والإصابة .
( 3 ) قيل ياء « شيباء » بدل من واو ، لأن ماء الرجل شاب ماء المرأة ؟ ولم يسمع الأصل ، جعلوه بدلا لازما ، كعيد وأعياد من العودة .
( 4 ) طوائع : جعله جمعا لطائع والقياس طائعون . وفي ح ( 2 : 281 ) : « سبعون ألفا سيوفهم على عواتقهم ، يطيعونه في جميع ما يأمرهم » .
( 367 )
سيوفهم عند أذقانهم ، لا يلتفت رجل منهم وراءه حتى يموت . أما والله لئن خلص الأمر إلى ليجدني أحمر ضرابا بالسيف » . والأحمر يعني أنه مولى ، فلما ادعاه معاوية صار عريبا [ منافيا (1) ] .
[ قال نصر ] : و [ روى عمرو بن شمر ، أن معاوية ] كتب في أسفل كتاب أبي أيوب :
أبلغ لديك أبــا أيوب مالكـــة * أنــــا وقومك مثل الذئب والنقد
إما قتلتم أميــر المؤمنيــن فلا * ترجــوا الهوادة عندي آخر الأبد (2)
إن الذي نلتموه ظالميـــن لـه * أبقت حرارته صدعا على كبــدي
إني حلفت يمينـــا غير كاذبة * لقـــد قتلتم إماما غيــر ذي أود
لا تحسبوا أنني أنسى مصيبتـه * وفي البلاد من الأنصار مــن أحد (3)
أعزز علي بأمر لست نائلــه * واجهــد علينا فلسنا بيضة البلــد
قد أبدل الله منكم خير ذي كلـع * واليحصبيين أهل الحق في الجنـد (4)
إن العراق لنا فقــع بقرقـرة * أو شحمــة بزها شاو ولم يكــد (5)
والشام ينزلها الأبرار ، بلدتهـا * أمن ، وحومتها عريســة الأسـد (6)
فلما قرأ الكتاب على علي عليه السلام قال : لشد ما شحذكم معاوية (7)
____________
( 1 ) منافيا : منسوبا إلى عبد مناف .
( 2 ) ح : « منا آخر الأبد » .
( 3 ) في الأصل : « مصابته » ولم يقولوا في المصيبة إلا « المصاب » بالتذكير . وأثبت ما في ح .
( 4 ) ينو يحصب : بطن من حمير ، وحاؤه مثلثة . والجند بالتحريك : مدينة باليمن بينها وبين صنعاء ثمانية وخمسون فرسخا . ح : « أهل الخوف والجند » .
( 5 ) الفقع ، بالفتح : ضرب من أردأ الكمأة . والقرقرة : أرض مطمئنة لينة .
( 6 ) ح : « وبيضتها عريسة الأسد » .
( 7 ) في الأصل : « لأشد » صوابه في ح ( 2 : 281 ) .
( 368 )
يا معشر الأنصار ، أجيبوا الرجل . فقال أبو أيوب : يا أمير المؤمنين : ما أشاء أن أقول شيئا من الشعر يعيا به الرجال (1) إلا قلته . قال : فأنت إذا أنت .
فكتب أبو أيوب إلى معاوية : « [ أما بعد فإنك كتبت إلى ] : لا تنسى الشيباء (2) ـ وقال في هذا الحديث : الشيباء : الشمطاء ـ ثكل ولدها ، ولا أبا عذرتها فضربتها مثلا بقتل عثمان . وما نحن (3) وقتل عثمان ؟ ! إن الذي تربص بعثمان وثبط يزيد بن أسد (4) وأهل الشام في نصرته لأنت ، وإن الذين قتلوه لغير الأنصار ! » . وكتب في آخر كتابه :
لا توعدنا ابن حرب إننـــا بشر * لا نبتغي ود ذي البغضاء من أحــد
فاسعوا جميعا بني الأحزاب كلكم * لسنـــا نريد ولاكم آخــر الأبـد (5)
نحن الذين ضربنا الناس كلهـم * حتي استقاموا وكانـوا عرضــة الأود
والعام قصرك منا أن أقمت لنـا * ضربا يزيل بيــن الروح والجســد
أما علي فإنا لــن نفارقـــه * ما رقرق الآل في الدوايــه الجــرد
إما تبدلت منا بعــد نصرتنـا * دين الرسول أناسا ســـاكني الجنـد
لا يعرفون أضــل الله سعيهـم * إلا اتباعكم ، يــا راعــي النقــد
فقد بغى الحق هضما شر ذي كلع * واليحصبيــون طرا بيضــة البلـد
____________
( 1 ) يعيا به : يعجز عنه . وفي الأصل : « يعبأ به » وفي ح : « يعتا به » .
( 2 ) في الأصل : « أنت لا تنسى الشيباء » وكلمه « أنت » محرفه عن « كتبت » التي في التكملة السابقة .
( 3 ) في الأصل : « وما أنا » وأثبت ما في ح .
( 4 ) هو يزيد بن أسد ، جد خالد بن عبد الله القسري . وكان مطاعا في أهل اليمن عظيم الشأن ، وجهه معاوية لنصر عثمان في أربعة آلاف ، فجاء إلى المدينة فوجد عثمان قد قتل ، فلم يحدث شيئا . انظر الإصابة 9229 .
( 5 ) ولاكم : أي ولاءكم . وفي ح : « رضاكم » .
( 369 )
ألا ندافع كفــا دون صاحبها * حــد الشقاق ولا أم ولا ولــد (1)
فلما أتى معاوية بكتاب أبي أيوب كسره .
نصر ، قال : وذكر عمر ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن أبي سليمان الحضرمي ـ وكان حضرها أبو سليمان مع علي ـ : أن الفيلقين التقيا بصفين ، واضطربوا بالسيوف ليس معهم غيرها إلى نصف الليل .
نصر ، قال عمر : وحدثني مجالد ، عن الشعبي ، عن زياد بن النضر الحارثي وكان على مقدمة علي ، قال : شهدت مع علي بصفين ، فاقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال ، حتى تكسرت الرماح ، ونفدت السهام ، ثم صرنا إلى المسايفة (2) فاجتلدنا بها إلى نصف الليل ، حتى صرنا نحن وأهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضا ، وقد قاتلت ليلتئذ بجميع السلاح ، فلم يبق شيء من السلاح إلا قاتلت به ، حتى تحاثينا بالتراب ، وتكادمنا [ بالأفواه ] ، حتى صرنا قياما ينظر بعضنا إلى بعض (3) ما يستطيع واحد من الفريقين ينهض إلى صاحبه ولا يقاتل . فلما كان نصف الليل من الليلة الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصف ، وغلب علي عليه السلام على القتلى في تلك الليلة ، وأقبل على أصحاب محمد صلى الله عليه وأصحابه فدفنهم ، وقد قتل كثير منهم ، وقتل من أصحاب معاوية أكثر ، وقتل فيهم تلك الليلة شمر بن أبرهة ، وقتل عامة من أصحاب علي يومئذ ، فقال عمارة :
قالت أمامة : ما للونك شاحبــا * والحرب تشحـب ذا الحديد الباسل
أني يكون أبوك أبيض صافيــا * بيـــن السمائم فوق متن السائل
____________
( 1 ) كذا ورد هذا البيت .
( 2 ) في الأصل : « صارت إلى المسايفة » وأثبت ما في ح ( 2 : 281 ) .
( 3 ) بعدها في الأصل : « حتى صرنا قياما » وهي عبارة مكررة .
( 370 )
تغدو الكتائب حولــه ويسوقهــم * مثل الاسود بكـل لــدن ذابـل
خزر العيون من الوفود لدى الوغى * بالبيض تلمع كالشرار الطاسـل (1)
قالوا معاوية بن حـرب بايعــوا * والحــرب شائلة كظهـر البازل
فخرجت مخترما أجر فضولهــا * حتى خلصت إلى مقام القاتــل (2)
وقال عمرو بن العاص :
إذا تحازرت وما بي مـن خـزر (3) * ثم خبأت العين مــن غير عور (4)
ألفيتني ألـوى بعيــد المستمــر (5) * ذا صولة في المصمئلات الكبــر
أحمل ما حلمت من خيــر وشـر * كالحيــة الصمـاء في أصل الصخر
وقال محمد بن عمرو بن العاص :
لو شهدت جمل مقامــي وموقفي * بصفين يومــا شــاب منها الذوائب
غداة غدا أهــل العراق كأنهــم * من البحــر موج لجـه متــراكب
وجئناهم نمشي صفــوفا كأننــا * سحاب خريف صفقته الجنــائــب
فطار إلينــا بالرمـاح كماتهــم * وطرنــا إليهم والسيوف قواضــب
فدارات رحانا واستدارت رحاهــم * سراة النهــار ما تولى المنـــاكب
____________
( 1 ) الطاسل : الجاري المضطرب ، من قولهم طسل السراب : اضطرب .
( 2 ) مخترما : يخترم الأقران ، أي يستأصلهم . وفي الأصل : « محترما » . فضولها : أي فضول الدرع السابغة . مقام القاتل ، يعني نفسه . وبعده في الأصل : « ويقرقعونه كقرن الحائل » ، ولعلها رواية محرفة لعجز أحد الأبيات السابقة .
( 3 ) التخازر : إظهار الخزر ، وهو ضيق العين وصغرها .
( 4 ) ح ( 2 : 281 ) : « ثم كسرت العين » .
( 5 ) الألوى : الشديد الخصومة .
( 371 )
إذا قلت يومــا قد ونوا برزت لنا * كتائب حمــر وارجحنت كتـائب (1)
فقالوا : نرى من رأينا أن تبايعـوا * عليا فقلنـــا بل نرى أن تضاربوا
فأبنــا وقد نالوا سراة رجالنــا * وليس لمـــا لاقوا سوى الله حاسب
فلم أر يوما كان أكثــر باكيــا * ولا عارضــا منهم كميــا يكالـب
كأن تلالي البيــض فينا وفيهـم * تلألؤ بــرق في تهامــة ثاقــب (2)
فرد عليه محمد بن علي بن أبي طالب :
لو شهدت جمل مقامك أبصـرت * مقــام لئيم وســط تلك الكتائـب
أتذكر يوما لم يكن لك فخــره * وقد ظهرت فيهــا عليـك الجلائب (3)
وأعطيتمونـــا ما نقمتـم أذلة * على غير تقوى الله والدين واصب (4)
وروى : « خوف العواقب »
نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم قال : والله إني مع علي حين أتاه علقمة بن زهير الأنصاري فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عمرو بن العاص ينادي ثم :
أنا الغلام القرشــي المؤتمـــن * الماجـــد الأبلج ليــث كالشطــن
يرضى به الشام إلى أرض عــدن * يا قـــادة الكوفة من أهــل الفتـن
يأيها الأشراف مــن أهل اليمــن * أضربكــم ولا أرى أبــا حســن
____________
( 1 ) في الأصل : « إذا قلت قد استهزموا » وأثبت ما في ح . كتائب حمر ، لما علاها من صدأ الحديد . ح : « كتائب منهم » .
( 2 ) تلالي ، مصدر من تلالا المسهلة ، كما تقول : تراضى تراضيا .
( 3 ) الجلائب : العبيد يجلبون من بلد إلى غيره .
( 4 ) واصب ، أي طاعته دائمة واجبة أبدا . وفي الكتاب : « وله الدين واصبا » .
( 372 )
أعني عليا وابــن عم المؤتمــن * كفى بهــذا حزنا مــن الحـزن
فضحك علي ثم قال : أما والله لقد حاد عدى الله عني ، وإنه بمكاني لعالم ، كما قال العربي : « غير الوهي ترقعين وأنت مبصرة (1) » ، ويحكم ، أروني مكانه لله أبوكم ، وخلا كم ذم .
وقال النجاشي يمدح عليا :
إني إخال عليــا غير مرتــدع * حتى يؤدى كتــاب الله والذمــم (2)
حتى ترى النقع معصوبــا بلمته * نقع القبائــل ، في عرنينه شمـم (3)
غضبان يحرق نابيــه بحرتـه * كما يغظ الفنيق المصعـب القطــم (4)
حتى يزيل ابن حرب عن إمارته * كما تنكب تيــس الحبلــة الحلـم (5 )
أو أن تروه كمثل الصقر مرتبئا * يخفقن مــن حـوله العقبان والرخـم
وقال النجاشي أيضا يمدح عليا ويهجو معاوية وقد بلغه أنه يتهدده (6) :
يأيها الرجل المبــدي عداوتــه * رو لنفســـك أي الأمــر تأتمـر
____________
( 1 ) في الأصل : « عين الوهي » صوابه في ح ( 2 : 282 ) . والوهي ، بالفتح : الشق في الشيء .
( 2 ) في الأصل : « غير منتهى » وهي من ضرورة الشعر ، لكن كتب بجوارها « ن : مرتدع » أي إنها كذلك في نسخة أخرى ، وهذه الأخيرة رواية ح .
( 3 ) في الأصل : « حتى ترى النقع » وفي ح : « أما ترى النقع » .
( 4 ) حرق نابيه يحرقهما ، بالضم والكسر : سحقهما حتى سمع لهما صريف . المصعب : الفحل . والقطم : المشتهي للضراب . وفي الأصل : « المغضب القطم » والوجه ما أثبت من ح .
( 5 ) الحبلة ، بالضم : ثمر عامة العضاه . وهم ينسبون التيس أيضا فيقولون : « تيس الربل » وهو ضروب من الشجر إذا برد الزمان عليها وأدبر الصيف تفطرت بورق أخضر . انظر الحيوان ( 4 : 134 / 6 : 123 ) . وفي الأصل : « الجلة » وفي ح : « الخلة » ولا وجه لهما .
( 6 ) ح : « قال نصر : » وحدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال : « بلغ النجاشي أن معاوية تهدده فقال » .
( 373 )
لا تحسبنــي كأقــوام ملكتهــم * طوع الأعنــة لما ترشــح العـذر
وما علمت بما أضمرت من حنــق * حتى أتتنــي به الركبــان والنـذر
فإن نفست على الأمجـاد مجدهــم * فابســط يديك فإن الخيـر مبتـدر
واعلم بأن على الخير مــن نفـر * مثل الأهلــة لا يعلوهــم بشــر
لا يرتقي الحاسد الغضبان مجدهم (1) * ما دام بالحزن مــن صمائهــا حجر
بئس الفتى أنت إلا أن بينكمــا * كما تفاضل ضــوء الشمس والقمــر
ولا إخالــك إلا لست منتهيــا * حتى يمســك مــن أظفاره ظفــر
لا تحمدن أمــرأ حتى تجربـه * ولا تذمــن من لم يبلــه الخبـــر
إني امرؤ قلما أثني على أحــد * حتى أرى بعــض ما يأتي وما يــذر
إني إذا معشر كانت عداوتهــم * في الصدر أو كان في أبصارهم خــزر
جمعت صبرا جراميزي بقافيـة (2) * لا يبرح الدهــر منها فيهــم أثر
فلما بلغ هذا الشعر معاوية قال : « ما أراه إلا قد قارب » .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الملك بن عبد الله ، عن ابن أبي شقيق ، أن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين كان يحمل على الخيل بصفين ، إذا جاء رجل من خزيمة فقال : هل من فرس ؟ قال : نعم ، خذ أي الخليل شئت . فلما ولى قال ابن جعفر : إن يصب أفضل الخيل يقتل . قال : فما عتم أن أخذ أفضل الخيل فركبه ، وحمل على الذي دعاه إلى البراز ، فقتله الشامي .
وحمل غلامان من الأنصار جميعا أخوان ، حتى انتهيا إلى سرادق معاوية
____________
( 1 ) ح : « لا يجحد الحاسد الغضبان فضلهم » .
( 2 ) جمع جراميزه ، إذا تجمع ليثب . في الأصل : « بعافية » صوابه في ح . وأراد بالقافية الشعر يقوله في الهجو .
( 374 )
فقتلا عنده ، وأقبلت الكتائب بعضها نحو بعض ، فاقتتلت قياما في الركب لا يسمع السامع إلا وقع السيوف على البيض والدرق .
وقال عمرو بن العاص :
أجئتم إلينـا تسفكــون دماءنـــا * ومـــا رمتم وعر من الأمر أعسـر
لعمري لما فيــه يكــون حجاجنا (1) * إلى الله أدهــى لو عقلتم وأنكــر
تعاورتم ضربــا بكــل مهنــد * إذا شـــد وردان تقــدم قنبــر (2)
كتائبكم طــورا تشــد وتــارة * كتائبنــا فيهــا القنــا والسنور (3)
إذا ما التقوا يوما تــدارك بينهـم * طعــان وموت في المعارك أحمـر (4)
وقال مرة بن جنادة العليمي :
لله در عصابــة فــي مأقـــط * شهــدوا مجـال الخيل تحت قتامهـا
شهدوا ليوثــا ليس يدرك مثلهـم * عنــد الهياج تذب عــن آجامهــا (5)
خزر العيـون ، إذا أردت قتالهـم * برزوا سماحــا كلهــم بحمــامهـا (6 )
لا ينكلــون إذا تقــوض صفهـم * جــزعا على الإخوان عنــد جلامها
فوق البراح مــن السوابح بالقنـا * يرديــن مهيعــة الطريق بهـامهـا (7)
____________
( 1 ) في الأصل : « حجامنا » صوابه في ح .
( 2 ) وردان : غلام عمرو بن العاص . انظر ص 35 ، 36 . وقنبر ، بوزن جعفر : مولى علي . انظر الحاشية الرابعة من ص 43 .
( 3 ) السنور : جملة السلاح ، وخص به بعضهم الدروع .
( 4 ) في الأصل : « إذا ما التقوا حربا » و : « في المبارك » صوابهما في ح .
( 5 ) الأجمة : الشجر الكثير الملتف . في الأصل : « يذب عند إجامها » والصواب ما أثبت . وهذه المقطوعة لم ترد في ل .
( 6 ) السماح : جمع سمح ، وهو الجواد . بحمامها ، بحمام النفوس أي موتها المقدر لها .
( 7 ) السوابح : الخيل تسبح في جريها . يردين من الرديان ، وهو ضرب من السير .
( 375 )
وقال العليمي :
يا كلب ذبوا عن حريــم نسائكـم * كما ذب فحــل الشول بين عشارهـا
ولا تجزعوا إن الحروب لمـــرة * إذا ذيق منهــا الطعم عند زيارهــا
فإن عليا قـــد أتاكــم بفتيــة * محددة أنيــابهــا مـع شفارهــا
إذا ندبوا للحــرب سارع منهــم * فوارس حـرب كالأسـود ابتكارهــا
يخفون دون الروع في جمع قومهم * بكل قضـوب مقصـل في حذارهــا (1)
وقال سماك ( 2) بن خرشة الجعفي ، من خيل علي :
لقد علمت غسان عنــد اعتزامهــا * بأنا لدي الهيجــاء مثــل السعائـر
مقاويل أيســار لهاميــم ســادة * إذا سال بالجريــال شعـر البياطــر
مساعير لم يوجد لهــم يوم نبــوة * مطاعين أبطال غــــداة التناحــر
ترانا إذا ما الحرب درت وأنشبـت * رواسيها ، في الحرب مثـل الضباطر (3)
فلم نر حيا دافعوا مثــل دفعنــا * غداة قتلنا مكنفــا وابــن عـامــر
أكر وأحمى عند وقــع سيوفهــا * إذا سـافت العقبــان تحــت الحوافر
هم ناوشونا عن حريــم ديارهـم * غـداة التقينـــا بالسيـوف البواتــر
وقال رجل من كلب مع معاوية ، يهجو أهل العراق ويوبخهم :
لقد ضلت معاشــر مــن نـزار * إذا انقــادوا لمثــل أبي تــراب
وإنهـــم وبيعتهــم عليـــا * كواشمــة التغضــن بالخضــاب (4)
____________
( 1 ) القضوب : القاطع ، يعني السيف . وفي الأصل : « صعوب » . وهذه المقطوعة لم ترد في ح .
( 2 ) سماك ، بوزن كتاب ، كما في القاموس والإصابة . وخرشة ، بالتحريك . وهما صحابيان يقال لكل منهما سماك بن خرشة ، ويفرق بينهما بالكنية . أما أحدهما وهو أبو دجانة فلم يشهد صفين ، وشهدها الآخر . انظر الإصابة 3458 .
( 3 ) الضباطر : جمع ضبطر ، وهو الأسد الماضي الشديد . وفي الأصل : « الصياخر » .
( 4 ) التغضن : تكسر الجلد وتثنيه . في الأصل : « تغضر » صوابه في ح .
( 376 )
تزين مــن سفاهتهــا يديهــا * وتحســر باليديــن عن النقــاب
فإياكــــم وداهيــة نــؤودا * تسيــر إليكم تحــت العقــاب (1)
إذا هشـوا سمعــت لحافتيهــم * دويــا مثـل تصفيــق السحاب (2)
يجيبون الصريــخ إذا دعــاهم * إلى طعــن الفـوارس بالحــراب
عليهــم كــل سابغــة دلاص * وأبيـــض صارم مثــل الشهاب
وقال الأحمر ـ وقتل مع علي :
قد علمت غســان مــع جذام * إني كريــم ثبــت المقـــام (3)
أحمى إذا مــا زيل بالأقــدام * والتقـــت الجريــال بالأهـدام
إني ورب البيــت والإحـرام * لست أحـامي عــورة القمقـــام
وقال الشيخ بن بشر الجذامي :
يا لهف نفسي علــى جذام وقـد * هــزت صدور الرمــاح والخـرق
كانوا لدى الحرب في مواطنهـم * أســدا إذا انســاب سائــل العلـق
فاليوم لا يدفعــون إن دهمـوا * ولا يـــردون شامــة الغلـــق (4)
فاليـــوم لا ينصفون إخوتهـم * عنــــد وقوع الحــروب بالحـق
وقال الأشتر :
وسار ابن حرب بالغوايــة يبتغــي * قتال علي والجيــوش مــع الحفل
____________
( 1 ) النؤود : الداهية . وفي الأصل : « تروها » صوابه في ح ( 2 : 283 ) . والعقاب : راية معاوية ، كما سيأتي في قول النجاشي :
رأيت اللواء لواء العقاب * يقحمه الشانئ الأخزر
( 2 ) في ح : « إذا ساروا » .
( 3 ) الثبت ، بالفتح : الذي لا يبرح . وحرك الباء للشعر .
( 4 ) الشامة : الناقة السوداء . والغلق : الجاني ، والأسير . وفي الأصل : « العلق » .
( 377 )
فسرنا إليهم جهــرة في بلادهــم * فصلنــا عليهم بالسيــوف وبالنبل
فأهلكهم ربي وفــرق جمعهـــم * وكان لنا عونا وذاقوا ردى الخبـــل
ثم إن معاوية أرسل عمرو بن العاص في خيل عظيمة ، فلقيه حمزة بن عتبة بن أبي وقاص ، فقاتله حمزة ، وجعل حمزة يطعن بالرمح ويقول :
ماذا يرجى مــن رئيس مــلا * لســت بفــرار ولا زميــلا (1)
في قومه مستبــدلا مــــدلا * قـــد سئــم الحيـاة واستملا
وكل أغـــراض لـــه تمــلا (2)
وذلك عند غروب الشمس . وقال حمزة :
دعاني عمرو للقــاء فلم أقــل * وأي جــواد لا يقــال لـه هنى (3)
وولي على طرف يجول بشكــة * مقلصــة أحشاؤه ليس ينثنـــى (4)
فلو أدركته البيض تحت لوائــه * لغــودر مجدولا تعـاوره القنــى (5)
عليه نجيع مــن دمـاء تنوشـه * قشــاعم شهب في السباسب تجتنـى
فرجع عمرو إلى معاوية فحدثه فقال : لقد لقيت اليوم رجلا [ هو (6) ] خليق أن تدرسه الخيل بسنابكها ، أو تذريه في مداركها ، كدوس الحصرم ،
____________
( 1 ) الزميل : الضعيف الجبان الرذل . وفي الأصل : « زملا » تحريف .
( 2 ) تملي العيش : استمتع به طويلا .
( 3 ) هني ، أي ياهني . أراد أن كل جواد يستدعي ويطلب . وفي الأصل : « وإني جواد » . ونحوه في الأسلوب قول ليلي الأخيلية :
تعيرنا داء بأمك مثله * وأي حصان لا يقال لها هلا
الحصان ، بالفتح : المرأة العفيفة . وهلا بمعنى أسرعي .
( 4 ) الطرف : الفرس الكريم الطرفين ، أي الأبوين . ويجول ، من الجولة في الحرب . وفي الأصل : « يجوب » . والشكة : السلاح .
( 5 ) مجدولا : صريعا . وفي الأصل : « مخذولا » . والقنى ، على وزن فعول : الرماح ، واحدها قناة .
( 6 ) ليست في الأصل . والخبر لم يرو في مظنه من ح .
( 378 )
وهو ضعيف الكبد ، شديد البطش ، يتلمظ تلمظ الشمطاء المفجعة ، فأتاه غمر ـ فقال ـ إذ به عندنا والله ضرب كضرب القدار (1) ، مرن الشراسيف ، بالشفار الواقع ، تشمص له النشوز في سراعيف الخيل ، فحمل عليه فدخل تحت . بطن فرسه فطعنه حتى جدله عن فرسه ، وجاء أصحابه فحملوه فعاش ثلاثة أيام ثم مات (2) .
وهو الذي جعل معاوية ابنه على عطائه . وقتل حمزة يوم التليل المنفرد . وقال حمزة :
بلغا عني السكون وهــل لــي * مــن رســول إليهم غيــر آن
لم أصــد السنان عن سبــق الخيل ولــم أتقي هــذام السنـــان (3)
حين ضج الشعاع من ندب الخيـ * ل لحرب وهر الكماة وقــع اللـدان (4)
ومشى القوم بالسيــوف إلى القو * م كمشى الجمــال بيـــن الإران
وقال عمرو بن العاص :
أن لو شهدت فوارسا في قومنــا * يــوم القوارع مر مــر الأجهــل
لرأيت مأســدة شوارع بالقنــا * جون الجلــود من الحديد المرســل (5)
____________
( 1 ) القدار ، بالضم : الجزار . وفي الأصل : « القداد » تحريف . قال مهلهل :
إنا لنضرب بالصوارم هامها * ضرب القدار نقيعة القدام
( 2 ) في هذا الكلام تحريف لم أجد مرجعا لتحقيقه .
( 3 ) سنان هذام : حديد قاطع .
( 4 ) الشعاع ، بالفتح : ما تفرق وانتشر من الدم إثر الطعنة . والندب . آثار الجراحات . والدان : جمع لدن ، وهو اللين من الرماح . وفي الأصل : « الجبان » ولا وجه له . قال المفضل بن المهلب :
ومن هر أطراف القنا خشية الردى * فليس لمجد صالح بكسوب
وقال عنترة :
حلفنا لهم والخيل تردي بنا معا * نزايلكم حتى تهروا العواليا
( 5 ) أي اسودت جلودهم من لبس الحديد والسلاح . والجون بالضم : جمع جون ، بالفتح ، وهو الأسود . وفي الأصل : « دون » تحريف .
( 379 )
متسربليـن سوابغــا عاديــة * ادفوا الملوك بكل عضــب مقصل (1)
يمشون في عنت الطريق كأنهــم * أسد تقلقل في غــريف الحسكــل
يحمون إذ دهموا وذاك فعـالهــم * عنــد البديهة في عجــاج القسطل
النازلون أمــام كــل كريهـة * تخشى عوائـــدها غــداة الفيصل
والخيل غائرة العيـــون كأنما * كحلت مآقيهــا بــزرق الكعطـل (2)
يعدون إذ ضج المنــادي فيهـم * نحو المنادي بذخــة فــي القنبل (3)
ودنا الكمــاة من الكماة وأعملت * زرقــا تعم سراتهــم كالمشعـل (4)
وقال الأحمر :
كل امرئ لابـــد يوما ميـت * والمــوت حق فاعرفــن وصيـه
وجاء عدي بن حاتم يلتمس عليا ، ما يطأ إلا على إنسان ميت أو قدم أو ساعد ، فوجده تحت رايات بكر بن وائل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ألا نقوم حتى نموت ؟ فقال علي : ادنه . فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه فقال : ويحك ، إن عامة من معي يعصيني ، وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه .
وقال أبو حبة بن غزية الأنصاري ، واسمه عمرو (5) ، وهو الذي عقر الجمل ، فقال بصفين :
سائل حليلة معبــد عن فعلنــا * وحليلــة اللخمي وابــن كلاع
____________
( 1 ) ادفوا ، كذا وردت . والمقصل : القطاع .
( 2 ) كذا ورد هذا اللفظ .
( 3 ) البذخة : المرة من البذخ وهو الكبر . والقنبل ، بالفتح : الطائفة من الناس ومن الخيل .
( 4 ) الزرق : الأسنة . في الأصل : « وأهملت زرقا » والوجه ما أثبت .
( 5 ) هو عمرو بن غزية ، بفتح العين وكسر الزاي وتشديد الياء ، بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري ، ترجم له ابن حجر في الإصابة 5922 .