واسأل عبيد الله عــن أرماحنــا * لمـــا ثوى متجـدلا بـالقــاع
وأسأل معاوية المـولى هاربـــا * والخيل تعدو وهــي جـد سراع (1)
ماذا يخبرك المخبــر منهـــم * عنا وعنهم عنــد كــل وقـاع (2)
إن يصدقوك يخبـروك بأننـــا * أهل الندى قدمـا مجيبــو الداعي (3)
ندعو إلى التقوى ونرعى أهلهــا * برعايــة المأمون لا المضيــاع
إن يصدقوك يخبــروك بأننــا * نحمى الحقيقة عنــد كل مصـاع
ونسن للأعداء كــل مثقـــف * لدن وكــل مشطــب قطــاع

وقال عدي بن حاتم بصفين :

أقول لمــا أن رأيت المعمعه * واجتمع الجندان وســط البلقعه

هذا علي والهدى حقــا معه * يا رب فاحفظـــه ولا تضيعـه

فإنه يخشاك ربــي فارفعـه * ومن أراد عيبـــه فضعضعـه (4)

وقال النعمان بن عجلان الأنصاري (5) يوم صفين :

سائل بصفين عنا عند وقعتنا * وكيف كنــا غداة المحك نبتدر (6)

واسأل غداة لقينا الأزد قاطبة * يوم البصيرة لما استجمعت مضر

____________
( 1 ) ح ( 2 : 283 ) : « والخيل تمعج » .
( 2 ) الوقاع : المواقعة في الحرب . وفي الأصل : « دفاع » وأثبت ما في ح .
( 3 ) في الأصل : « مستسمعون الداعي » صوابه في ح .
( 4 ) في الأصل : « ومن أراد غيه » صوابه في ح .
( 5 ) هو النعمان بن عجلان بن النعمان بن عامر بن زريق الأنصاري ، كان لسان الأنصار وشاعرهم . وذكر المبرد أن عليا استعمله على البحرين فجعل يعطى كل من جاءه من بني زريق ، فقال فيه الشاعر ، وهو أبو الأسود الدئلي :

أري فتنة قد ألهت الناس عنكم * فندلا زريق المال ندل الثعالب
فإن ابن عجلان الذي قد علمتم * يبدد مال الله فعــل المناهب

انظر الإصابة 8747 . ح : « بن جعلان » تحريف .
( 6 ) ح : « أم كيف كنا إلى العلياء » .

( 381 )

لولا الإله وقوم قــد عرفتهم * فيهم عفاف ، وما يأتي به القدر (1) .

لما تداعت لهم بالمصر داعية * إلا الكلاب ، وإلا الشاء والحمر (2)

كم مقعص قد تركناه بمقفـرة * تعوي السباع لديه وهـو منعفر

وما إن تراه ولا يبكي علانية * إلى القيامة حتى تنفخ الصـور (3)
وقال عمرو بن الحمق الخزاعي :

تقول عرسي لمـا أن رأت أرقي * ماذا يهيجك من أصحاب صفينا

ألست في عصبة يهدي الإله بهم * لا يظلمون (4) ولا بغيا يريدونا

فقلت إني على ما كان من سدر * أخشى عواقب أمر سوف يأتينا (5)

إدالة القوم في أمــر يراد بنا * فاقني حيــاء وكفي ما تقولينا
وقال حجر بن عدي الكندي :

يا ربنــا سلم لنــا عليــا * سلم لنــا المهـذب النقيـــا

المؤمن المسترشد المرضيــا * واجعله هــادي أمــة مهديـا

لا أخطل الرأي ولا غبيــا (6) * واحفظه ربي حفظك النبيــا

فإنه كـان لـــه وليــا * ثــم ارتضاه بعــده وصيــا

وقال معقل بن قيس التميمي :
____________

( 1 ) ح : « وعفو من أبي حسن * عنهم وما زال منه العفو ينتظر »
( 2 ) ح ( 2 : 284 ) : « ما إن يؤوب ولا ترجوه أسرته » .
( 3 ) الصور ، بضم ففتح : جمع صورة ، وبها قرأ الحسن في كل موضع من الكتاب جاء فيه لفظ « الصور » بالضم . انظر إتحاف فضلاء البشر ص 211 . على أن بعض من قرأ « الصور » بالضم جعله أيضا جمعا لصورة كصوف وصوفة ، وثوم وثومة . انظر اللسان ( 6 : 146 ) .
( 4 ) في الأصل : « أهل الكتاب » وأثبت ما في ح .
( 5 ) السدر ، بالتحريك : الحيرة . وفي ح : « رشد » .
( 6 ) في الأصل : « بغيا » ولا وجه له ، وقال اللحياني : « لا يقال رجل بغي » .

( 382 )

يأيها السائل عــن أصحابي * إن كنت تبغي خبــر الصواب

أخبر عنهم غيــر ما تكذاب * بأنهــم أوعيــة الكتــاب

صبر لدى الهيجاء والضراب (1) * وسل جمـوع الأزد والرباب

وســل بذاك معشــر الأحزاب

وقال أبو شريح الخزاعي :

يا رب قاتل كل مــن يريدنا * وكد إلهي كل مــن يكيدنا

حتى يرى معتــدلا عمودنا * إن عليــا للــذي يقودنـا

وهو الــذي بفقهه يؤودنا (2) * عن قحم الفتنة إذ تريــدنا

وقال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي :

ألا أبلغ معاويــة بن حــرب * أمالك لا تنيــب إلى الصــواب

أكل الدهــر مرجوس لغيــر * تحارب مــن يقوم لــدي الكتاب

فإن تسلم وتبقي الدهــر يومـا * نزرك بجحفــل شبــه الهضاب

يقودهم الوصــي إليــك حتى * يردك عــن عوائك (3) وارتياب

وإلا فالتـي جربــت منــا * لكــم ضـرب المهنــد بالذؤاب

وقال أبو واقد الحارث بن عوف الخشني :

سائل بنا يــوم لقينــا الأزدا * والخيل تعــدو شقـرا ووردا (4)

لما قطعنا كفهــم والزنــدا * واستبدلوا بغيــا وباعوا الرشدا

____________

( 1 ) في الأضل : « صبرا » وهذه المقطوعة لم ترد في مظنها من ح .
( 2 ) آده : عطفه وثناه .
( 3 ) من العواء اشتق اسم « معاوية » ، فإن المعاوية الكلبة تعاوي الكلاب . وفي الأصل : « غواتك » تحريف .
( 4 ) شقرا : جمع أشقر وشقراء ، وهو الأحمر ، وهن أكرم الخيل . والورد ، بالضم : جمع ورد ، بالفتح ، وهو ما لونه أحمر يضرب إلى صفرة حسنة . وفي الأصل : « تفدو سفرا ووردا » وإنما هما من العدو والشقرة . وهذه المقطوعة ترد في مظنها من ح .

( 383 )

وضيعوا فيمــا أرادوا القصـــدا * سحقا لهـــم في رأيهــم وبعدا (1)

وقال همام بن الأغفل الثقفي :

قــد قرت العين مـن الفساق (2 ) * ومـــن رءوس الكفر والنفاق

إذ ظهرت كتــائب العــراق * نحن قتلنـا صاحــب المـراق (3)

وقائـد البغـــاة والشقــاق * عثمـــان يوم الدار والإحراق (4)

لما لففنـــا ساقهـم بســاق * بـالطعـــن والضرب مع العناق

وسل بصفيــن لــدي التلاقي * تنبأ بتبيان مـــع المصداق (5)

أن قد لقوا بالمارق الممــراق (6) * ضربا يدمـــي عقر الأعناق (7)

وقال محمد بن أبي سبرة بن أبي زهير القرشي :

نحن قتلنــا نعثلا بالسيــرة (8) * إذ صد عــن أعلامنــا المنيرة

يحكم بالجـــور على العشيـره * نحـــن قتلنا قبلـه المغيــره

نالتــه أرماح لنــا موتـوره * إنـــا أنـاس ثابتــو البصيره

إن عليـــا عالــــم بالسيرة

وقال حويرثة بن سمي العبدي :

سائل بنا يوم التقينـــا الفجـرة * والخيل تغـــدو في قتـام الغبره

____________

( 1 ) سحقا ، بالضم : بعدا . وفي الكتاب : « فسحقا لأصحاب السعير » .
( 2 ) في الأصل : « المساق » وهذه المقطوعة لم ترد في مظنها من ح .
( 3 ) المراق : جمع مارق . وفي الأصل : « المراقي » تحريف .
( 4 ) يشير إلى ما كان من إحراق باب دار عثمان في أثناء حصاره . انظر الطبري ( 5 : 131 ) .
( 5 ) في الأصل : « ثبنا بتبيان » .
( 6 ) المارق : السهم يمرق من الرمية ، أي ينفذ ، وقد عني به السيف .
( 7 ) عقر الأعناق : أصلها ، وهو بضم العين ، وضم القاف للعشر . وفي الأصل : « عكر » تحريف .
( 8 ) نعثل : نبز لعثمان بن عفان . انظر ما سبق في ص 229 .

( 384 )

تنبأ بأنــا أهل حـق نعمره (1)* كم مــن قتيل قـد قتلنا تخبره

ومن أسير قــد فككنا مأسـره * بالقاع من صفين يــوم عسكـره

وقال عمرو :

لعمري لقــد لاقت بصفين خيلنـا * سميرا فلـــم يعدلن عنــه تخوفا

قصدت لــه في وائـل فسقيتـه * سمــام زعاف يترك اللون أكلفــا

فما جبنت بكر عـن ابن معمــر * ولكن رجا عود الهــوادة فانكفــا

وخاف الــذي لاقى الهجيمي قبله * تفــرق عنه جمعــه فتخطفــا

ونحن قتلنا هاشما وابــن ياسـر * ونحن قتلنــا ابني بديــل تعسفا

وهذا سمير ، ابن الحارث العجلي . وقال عرفجة بن أبرد الخشني :

ألا سألت بنــا والخيل شاحبة (2) * تحت العجاجــة والفرسان تطرد

وخيل كلب ولخم قـد أضربهـا * وقاعنا (3) إذ غدوا للمــوت واجتلدوا

من كان أصبر فيهــا عنـد أزمتها * إذ الدمــاء على أبدنها جســد (4)

وقال أيضا :

سائل بنا عكا وسائــل كلبــا * والحميرييــن وسائــل شعبـا (5)

____________

( 1 ) في الأصل : « ثبنا بأنا » والوجه ما أثبت . وفي هذا البيت وتاليه إقواء .
( 2 ) الشحوب : التغير من هزال أو عمل أو جوع أو سفر . وفي الأصل : « ساجية » . وهذه المقطوعة لم ترد في مظنها من ح .
( 3 ) الوقاع ، بالكسر : المقاتلة . وفي الأصل : « في قاعنا » .
( 4 ) الجسد : جمع جساد ، وهو بالكسر : الزعفران . وفي الأصل : « جسدوا » تحريف .
( 5 ) أي أهل شعب ، وهو جبل باليمن نزله حسان بن عمرو والحميري ، فمن كان منهم بالكوفة يقال لهم شعبيون ، منهم الشعبي الفقيه ، ومن كان منهم بالشام يقال لهم الشعبانيون ، ومن كان باليمن يقال لهم آل ذي شعبين ، ومن كان بمصر يقال لهم الأشعوب . وقالوا في قوله : * جارية من شعب ذي رعين * : ليس يراد به الموضع ، بل القبيلة .

( 385 )

كيف رأونــا إذ أرادوا الضربــا * ألم نكــن عند اللقاء غلبــا (1)
لمــا ثوي معبدهــم منكبــا

وقال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب :

يا شرطة الموت صبــرا لا يهولكم * دين ابــن حرب فإن الحق قد ظهرا

وقاتلوا كل مــن يبغي غوائلكــم * فإنما النصر في الضرا لمــن صبرا

سيفوا الجوارح حد السيف واحتسبوا (2) * في ذلك الخير وارجوا الله والظفرا

وأيقنوا أن مــن أضحى يخالفكم * أضحى شقيــا وأضحى نفسـه خسرا

فيكــم وصي رسول الله قائدكــم * وأهلـــه وكتاب الله قــد نشرا

ولا تخافوا ضلالا لا أبــا لكــم * سيحفظ الديــن والتقوى لمـن صبرا

وكتب علي إلى معاوية : أما بعد فإنك قد ذقت ضراء الحرب وأذقتها ، وإني عارض عليكم ما عرض المخارق على بني فالج (3) :

أيا راكبا إمــا عرضت فبلغــن * بني فالــج حيث استقــر قرارها (4)

هلموا إلينا لا تكونـــوا كأنكـم * بلاقع أرض طار عنهـا غبـــارها

سليم بن منصور أنــاس بحـرة * وأرضهم أرض كثير وبارهـــا (5)

____________

( 1 ) الأغلب : الأسد الغليظ الرقبة .
( 2 ) سافه يسيفه : ضربه بالسيف . حد السيف ، أي بحد السيف ، فنزع الخافض .
( 3 ) في الأصل : « فاتح » تحريف . وانظر الحيوان ( 6 : 369 ) .
( 4 ) في الأصل : « بني فاتح » وانظر التنبيه السابق .
( 5 ) الحرة ، بالفتح : أرض ذات حجارة سود نخرة كأنما أحرقت بالنار . وفي معجم البلدان : « حرة سليم ، هو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان . قال أبو منصور : حرة النار لبني سليم ، وتسمى أم صبار » . وفي الأصل : « تجرة » صوابها ما أثبت . وانظر الحيوان ( 4 : 71 ) . والوبار : جمع وبر ، بالفتح : دويبة كالسنور .

( 386 )


فأجابه معاوية : من معاوية إلى علي : أما بعد ـ عافانا الله وإياك ـ فإني إنما قاتلت على دم عثمان ، وكرهت التوهين (1)في أمره وإسلام حقه ، فإن أدرك به فبها ، وإلا فإن الموت على الحق أجمل من الحياة على الضيم . وإنما مثلي ومثل عثمان كما قال المخارق :

متى تسلي عن نصرتي السيد لا يجد
لك السيد بيت السيد عندي مسلما (2)
إذا حل بيتي عند جاري لم يخف
غوائل ما يسري إذا الليل أظلما
وقلت له في الرحب وجهك إنني
سأمسك عنك الدار أن يتهدما (3 )

فكتب إليه علي بن أبي طالب : أما بعد فإنك وما ترى كما قال أوس ابن حجر :

وكائن يرى من عاجز متضعف * جنى الحرب يوما ثم لم يغن ما يجني

ألم يعلــم المهدي الوعيـد بأنني * سريع إلى مــا لا يسر له قرني

وإن مكاني للمريديــــن بارز
وإن برزوني ، ذو كؤود وذو حضن (4)

فكتب إليه معاوية : عافانا الله وإياك . إنا لم نزل للحرب قادة وأبناء . لم تصب مثلنا ومثلك ، ولكن مثلنا كما قال أوس :
____________
( 1 ) التوهين : الإضعاف . وفي الأصل : ( التدهين ) .
( 2 ) السيد ، بالكسر : قبيلة من قبائلهم ، من بني ضبة .
( 3 ) وجهك : أي الجهة التي تنتويها في السفر . والدار مؤنثة ، وقد تذكر .
( 4 ) الكؤود : العقبة الشاقة المصعد ، الصعبة المرتقى .

( 387 )

إذا الحرب حلت ساحة القوم أخرجت * عيوب رجال يعجبونك في الأمر

وللحرب يجنيهـــا رجال ومنهم * إذا مــا جناها من يعيد ولا يغني

وقال الأحنف بن قيس التميمي بصفين وهو مع علي : هلكت العرب ! فقال له أصحابه : وإن غلبنا أبا بحر ؟ قال : نعم . قالوا : وإن غلبنا ؟ قال : نعم . قالوا : والله ما جعلت لنا مخرجا . قال الأحنف : إن غلبنا لم نترك بها رئيسا إلا ضربنا عنقه ، وإن غلبنا لم يعرج [ بعدها ] رئيس عن معصية الله أبدا .
نصر : وحدثنا عمر بن سعد ، عن الشعبي قال : ذكر معاوية يوما صفين بعد عام الجماعة وتسليم الحسن عليه السلام الأمر إليه ، فقال للوليد بن عقبة : أي بني عمك كان أفضل يوم صفين يا وليد ، عن وقدان الحرب واستشاطة لظاها ، حين قاتلت الرجال على الأحساب ؟ قال : « كلهم قد وصل كنفتها (1)، عند انتشار وقعتها ، حتى ابتلت أثباج الرجال ، من الجريال ، بكل لدن عسال ، وكل عضب قصال » . ثم قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد : « أما والله لقد رأيتنا (2)يوما من الأيام وقد غشينا ثعبان مثل الطود الأرعن قد أثار قسطلا حال بيننا وبين الأفق ، وهو على أدهم شائل ، يضربهم بسيفه ضرب غرائب الإبل ، كاشرا عن أنيابه ، كشر المخدر الحرب . فقال معاوية : والله إنه كان يجالد ويقاتل عن ترة له وعليه . أراه يعني عليا (3).
نصر : وحدثنا عمر بن سعد ، عن الشعبي قال : أرسل علي إلى معاوية : ان ابرز لي وأعف الفريقين من القتال ، فأينا قتل صاحبه كان الأمر له . قال
____________
( 1 ) الكنف والكنفة : جانب الشئ . ح ( 2 : 284 ) : « كنفيها » .
( 2 ) في الأصل : « رأيت » وأثبت ما في ح .
( 3 ) هذه العبارة ليست في ح .

( 388 )

عمرو : لقد أنصفك الرجل . فقال معاوية : إني لا كره أن أبارز الأهوج الشجاع (1)، لعلك طمعت فيها يا عمرو . [ فلما لم يجب ] قال علي : « وانفساه ، أيطاع معاوية وأعصى ؟ ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها وهي مقرة بنبيها إلا هذه الأمة » .
ثم إن عليا أمر الناس أن يحملوا على أهل الشام ، فحملت خيل علي على صفوف أهل الشام ، فقوضت صفوفهم . قال عمرو يومئذ : على من هذا الرهج الساطع ؟ فقيل : على ابنيك عبد الله ومحمد . فقال عمرو : يا وردان ، قدم لواءك . فتقدم فأرسل إليه معاوية : « إنه ليس على ابنيك بأس ، فلا تنقض الصف والزم موقعك » . فقال عمرو : هيهات هيهات !

الليــث يحمي شبليــه * مــا خيره بعـــد ابنيـه

فتقدم [ باللواء ] فلقى الناس وهو يحمل ، فأدركه رسول معاوية فقال : إنه ليس على ابنيك بأس فلا تحملن . فقال له عمرو : قل له : إنك لم تلدهما ، وإني أنا ولدتهما . وبلغ مقدم الصفوف فقال له الناس : مكانك ، إنه ليس على ابنيك بأس ، إنهما في مكان حريز . فقال : أسمعوني أصواتهما حتى أعلم أحيان هما أم قتيلان ؟ ونادى : يا وردان ، قدم لواءك قدر قيس قوسي (2)، ولك فلانة ـ جارية له ـ فتقدم بلوائه .
فأرسلي علي إلى أهل الكوفة : أن أحملوا . وإلى أهل البصرة : أن احملوا . فحمل الناس من كل جانب فاقتتلوا قتالا شديدا ، فخرج رجل من أهل الشام فقال : من يبارز ؟ فخرج إليه رجل من أصحاب علي فاقتتلا ساعة ، ثم إن العراقي
____________
( 1 ) ح : « الشجاع الأخرق » .
( 2 ) القيس ، بالكسر ، هو القدر . ونحو هذه الإضافة : دار الآخرة ، وحق اليقين ، وحبل الوريد ، وحب الحصيد . وفي ح : « قيس قوس » .

( 389 )

ضرب رجل الشامي فقطعها ، فقاتل ولم يسقط إلى الأرض ، ثم ضرب يده فقطعها ، فرمى الشامي بسيفه بيده اليسرى إلى أهل الشام ثم قال : يا أهل الشام ، دونكم سيفي هذا فاستعينوا به على عدوكم . فأخذوه ، فاشترى معاوية ذلك السيف من أولياء المقتول بعشرة آلاف .
وقال أبو زبيد الطائي يمدح عليا ويذكر بأسه :

إن عليـــا ســاد بالتكرم * والحلـــم عند غاية التحلــم

هداه ربي للصــراط الأقوم * بأخذه الحــل وترك المحــرم

كالليث عنــد اللبوات الضيغم (1)* يرضعن أشبــالا ولما تفطم

فهو يحمــي غيرة ويحتمـي * عبــل الذراعين كريـه شدقم (2)

مجوف الجــوف نبيل المحزم * نهـــد كعـــادي البناء المبهم

يزدجر الوحي بصوت أعجــم * تسمــع بعد الزبــر والتقحم

منه إذا حــش لــه ترمرم (3)* مندلــق الوقع جرى المقــدم (4)

ليث الليوث في الصـدام مصدم * وكهمس الليـــل مصك ملـدم (5)

عفروس آجام عقــار الأقـدم (6)* كروس الذفــرى أغم مكدم (7)

____________
( 1 ) في الأصل : « عنده الليوث » .
( 2 ) شدقم : واسع الشدق . وفي الأصل : « كريه الشدقم » تحريف .
( 3 ) كذا ورد هذا البيت .
( 4 ) الاندلاق : الهجوم والتقدم . وفي الأصل : « مندلف » تحريف .
( 5 ) الكهمس : اسم من أسماء الأسد .
( 6 ) العفروس ، من أسماء الأسد ، واشتقاقه من العفرسة وهو الصرع والغلبة ، ولم يذكر هذه اللغة ـ صاحب اللسان . وفي القاموس : « العفرس : بالكسر ، والعفريس والعفراس والعفروس والمفرنس كسفرجل : الأسد » . والعقار ، بالضم : القاتل ، وهو من قولهم : كلأ عقار ، أي قاتل للماشية . وفي الأصل : « عفار » . والأقدم ، بفتح الدال : الأسد .
( 7 ) الكروس : الضخم . والذفري ، بالكسر : عظم شاخص خلف الأذن . والأغم : الذي سال شعره فضاق وجهه وقفاه . والمكدم : الغليظ الشديد . وفي الأصل : « كروس الذفرين عم المكرم » .

( 390 )

ذو جبهة غرا وأنــف أخثـــم * يكنى من البأس أبــا محطـــم (1)
قسورة النطر صفــى شجعــم (2) * صم صمات صلخـــد صلــدم (3)
مصمت الصم صموت سرطــم (4) * إذا رأته الأسد لـــم ترمـــرم (5)
من هيبة الموت ولــم تجمجـم * رهبة مرهوب اللقــاء ضيغــم
مجرمز شـان ضــرار شيظــم * عند العراك كالفنيــق الأعلـــم (6)
يفري الكمـي بالسلاح المعلــم * منه بأنيـــاب ولمــا تقضــم
ركن مما ضيغ بلحي سلجــم (7) * حامي الذمــار وهــو لما يكدم
ترى من الفرس به نضح الــدم * بالنحر والشدقين لــون العنــدم
أغلب ما رضى (8)الأنوف الرغم * إذا الأســود أحجمت لم يحجــم
إذا تناجي النفس قالــت صمــم * غمغمة في جوفهـــا المغمغــم
أغضف رئبــال خدب فدغــم (9) * منتشر العرف هضيــم هيصـم (10)

قالها أبو زبيد لعلي . وقال علي :

أنا الــذي سمتن أمـــي حيدره * رئبــال آجام كريــه المنظره

____________
( 1 ) البأس : الشدة . وفي الأصل : « من الناس » .
( 2 ) القسورة : الشجاع . والنطر ، كذا وردت .
( 3 ) الصم ، بالكسر ، والصمة : من أسماء الأسد لشجاعته . والصلخد : الشديد الماضي . وفي الأصل : « مصلخد » ، ولا يستقيم به الوزن .
( 4 ) السرطم : الواسع الحلق السريع البلع .
( 5 ) أي لم تترمرم . أي سكنت ولم تتحرك . وفي الأصل : « ألم ترترم » تحريف .
( 6 ) الأعلم : المشقوق الشفة العليا . وفي الأصل : « المعلم » تحريف .
( 7 ) ركن ، كذا وردت . والمماضيغ : الأضراس : وفي الأصل : « مما ضع » . ولحي سلجم : شديد . انظر اللسان « سلجم » .
( 8 ) كذا وردت هذه الكلمة .
( 9 ) الفدغم : اللحيم الجسيم الطويل في عظم . وفي الأصل : « فدعم » تحريف .
( 10 ) الهضيم ، بالضاد المعجمة : اللطيف الكشحين . والهيصم ، بالمهملة : الغليظ الشديد الصلب . وهذه الأرجورة لم أجد لها مصدرا أعتمد عليه في تحقيقها .

( 391 )

عبل الذراعيـن شديـــد القسوره * أكيلهـــم بالصاع كيــل السندره

نصر قال : وحدثني رجل عن مالك الجهني ، عن زيد بن وهب ، أن عليا مر على جماعة من أهل الشام بصفين ، فيهم الوليد بن عقبة وهم يشتمونه ويقصبونه (1)فأخبروه بذلك ، فوقف في ناس من أصحابه فقال : « انهدوا إليهم وعليكم السكينة وسيما الصالحين ووقار الإسلام ، والله لاقرب قوم من الجهل بالله عز وجل قوم قائدهم ومؤدبهم (2)معاوية ، وابن النابغة (3)، وأبو الأعور السلمي ، وابن أبي معيط ، شارب الحرام ، والمجلود حدا في الإسلام وهم أولاء يقومون فيقصبونني ، ويشتمونني ، وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني ، وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام . فالحمد لله ولا إله إلا الله ، وقديما ما عاداني الفاسقون . إن هذا هو الخطب الجليل . إن فساقا كانوا عندنا غير مرضيين ، وعلى الإسلام وأهله متخوفين ، أصبحوا وقد خدعوا (4)شطر هذه الأمة فأشربوا قلوبهم حب الفتنة ، فاستمالوا أهواءهم بالإفك والبهتان ، وقد نصبوا لنا الحرب ، وجدوا في إطفاء نور الله ( والله متم نوره ولو كره الكافرون ) . اللهم فإنهم قد ردوا الحق فافضض جمعهم ، وشتت كلمتهم ، وأبسلهم بخطاياهم (5)؛ فإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت » .
نصر ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي ، أن علي بن طالب مر بأهل راية فرآهم لا يزولون عن موقفهم ، فحرض الناس على قتالهم ـ وذكر
____________
( 1 ) القصب : العيب والشتم ، ومثله التقصيب .
( 2 ) ح ( 2 : 285 ) : « أقرب بقوم من الجهل قائدهم ومؤدبهم » .
( 3 ) يعني عمرو بن العاص . واسم أمه « النابغة » وهي من بني عنزة ، كما في أول ترجمته من الإصابة 5877 .
( 4 ) في الأصل : « حتى خدعوا » وأثبت ما في ح ( 2 : 285 ) .
( 5 ) الإبسال : الإهلاك . وفي الكتاب : « أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا » .

( 392 )

أنهم غسان ـ فقال : « إن هؤلاء القوم لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم (1)، وضرب يفلق الهام ، ويطيح العظام وتسقط منه المعاصم والأكف ، حتى تصدع جباههم وتنثر حواجبهم على الصدور والأذقان . أين أهل الصبر وطلاب الخير ؟ أين من يشري وجهه لله عز وجل ؟ » . فثابت إليه عصابة من المسلمين فدعا ابنه محمدا فقال له : امش نحو هذه الراية مشيا رويدا على هينتك ، حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك يدك حتى يأتيك أمري ورأيي (2). ففعل ، وأعد علي عليه السلام مثلهم مع الأشتر ، فلما دنا منهم وأشرع الرماح في صدورهم ، أمر علي الذين أعدوا فشدوا عليهم ، ونهض محمد في وجوههم ، فزالوا عن مواقفهم ، وأصابوا منهم رجالا ، واقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا ، فما صلى كثير من الناس إلا إيماء .
وقال العديل بن نائل العجلي (3):

لست أنس مقام غسان بالت‍ـ * ل ولو عشت ، ما أظل شمام

سادة قادة إذا اعصوصب القو * م ليوم القراع عند الكدام (4)

ولهــــم أنديات ناد كرام * فهم الغر في ذرى الأعلام

ناوشونا غداة ســرنا إليهم * بالعوالي وبالسيوف الدوامي

فتولوا ولم يصيبوا حميــا * عند وقع السيوف يوم اللغامي (5)

____________
( 1 ) النسيم : الروح ، كالنسم . قال الأغلب :

ضرب القدار نقيعة القديم * يفرق بين النفس والنسيم

( 2 ) في الأصل : « ورايتي » .
( 3 ) لم أعثر له على ترجمة . وفي شعرائهم : « العديل بن الفرخ العجلي » .
( 4 ) اعصوصب القوم : اجتمعوا وصاروا عصابة واحدة . والكدام : شدة القتال ، وفي اللسان : « والكدم والمكدم : الشديد القتال » . وفي الأصل : « الكهام » ولا وجه له .
( 5 ) كذا وردت هذه الكلمة .

( 393 )

ورضينا بكــل كهل كريــم * ثابــت أســه مــن القمقام (1)

نصر ، عن رجل ، عن محمد بن عتبة الكندي قال : حدثني شيخ من حضر موت شهد مع علي صفين فقال : كان منا رجل يدعى بهانئ بن نمر (2)، وكان هو الليث النهد ، فخرج إليه رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة ، فلم يخرج إليه أحد فقال : سبحان الله ، ما يمنعكم أن يخرج منكم رجل إلى هذا ؟ فلولا أني موعوك وأني أجد لذلك ضعفا [ شديدا ] لخرجت إليه . فما رد عليه رجل من أصحابه شيئا ، فوثب (3)فقال أصحابه : سبحان الله تخرج وأنت موعوك ؟ ! قال : والله لأخرجن إليه ولو قتلني . فلما رآه عرفه ، وإذا الرجل من قومه يقال له يعمر بن أسيد (4)الحضرمي ، وبينهما قرابة من قبل النساء ، فقال له : يا هانئ ارجع ، فإنه أن يخرج إلى غيرك أحب إلى ، إني لست أريد قتلك . قال له هانئ : ما خرجت إلا وأنا موطن نفسي على القتل ، [ لا والله ، لأقاتلن اليوم حتى أقتل ] ، ما أبالي قتلتني أنت أو غيرك . ثم مشى نحوه فقال : اللهم في سبيلك وسبيل رسولك ، ونصرا لابن عم نبيك . ثم اختلفا ضربتين ، فقتل هانئ صاحبه ، وشد أصحابه نحوه ، وشد أصحاب هانئ نحوه ، ثم اقتتلوا وانفرجوا عن اثنين وثلاثين قتيلا . ثم إن عليا أرسل إلى الناس : أن احملوا . فحمل الناس على راياتهم كل قوم بحيالهم (5 ) ، فتجالدوا بالسيوف وعمد الحديد ، لا يسمع إلا صوت ضرب الهامات كوقع المطارق على السنادين ( 6 ) . ومرت الصلوات كلها ولم يصلوا إلا تكبيرا
____________
( 1 ) القمقام : العدد الكثير . قال ركاض بن أباق :

* من نوفل في الحسب القمقام *
( 2 ) ح ( 2 : 285 ) : « بن فهد » .
( 3 ) في ح : « فقام وشد عليه سلاحه ليخرج » .
( 4 ) ح : « بن أسد » .
( 5 ) ح ( 2 : 286 ) : « كل منهم يحمل على من بإزائه » .
( 6 ) في الأصل : « لا يسمع إلا صوت السنادين » وأثبت ما في ح .

( 394 )

عند مواقيت الصلاة ، حتى تفانوا ورق الناس ، فخرج رجل بين الصفين لا يعلم من هو ، فقال : أخرج فيكم المحلقون ؟ قلنا : لا . قال : إنهم سيخرجون ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، لهم حمة كحمة الحيات . ثم غاب الرجل ولم يعلم من هو .
نصر ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي يحيى ، عن عبد الرحمن ابن حاطب (1) قال : خرجت ألتمس أخي في القتلى بصفين ، سويدا ، فإذا برجل قد أخذ بثوبي ، صريع في القتلى ، فالتفت فإذا بعبد الرحمن بن كلدة ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هل لك في الماء ؟ قال : لا حاجة لي في الماء قد أنفذ في السلاح وخرقني ، ولست أقدر على الشرب ، هل أنت مبلغ عني أمير المؤمنين رسالة فأرسلك بها ؟ قلت : نعم . قال : فإذا رأيته فاقرأ عليه مني السلام ، وقل : « يا أمير المؤمنين ، أحمل جرحاك إلى عسكرك ، حتى تجعلهم من وراء القتلى ، فإن الغلبة لمن فعل ذلك » . ثم لم أبرح حتى مات ، فخرجت حتى أتيت عليا ، فدخلت عليه فقلت : إن عبد الرحمن بن كلدة يقرأ عليك السلام . قال : وعليه ، أين هو ؟ قلت : قد والله يا أمير المؤمنين أنفذه السلاح وخرقه فلم أبرح حتى توفي . فاسترجع . قلت : قد أرسلني إليك برسالة . قال : وما هي ؟ قلت : قال : " يا أمير المؤمنين ، احمل جرحاك إلى عسكرك حتى تجعلهم من وراء القتلى ، فإن الغلبة لمن فعل ذلك " . قال : صدق والذي نفسي بيده . فنادى منادي العسكر : أن احملوا جرحاكم إلى عسكركم . ففعلوا ذلك ، فلما أصبح نظر إلى أهل الشام وقد ملوا من الحرب . وأصبح علي فرحل الناس وهو يريد أن ينزل على أهل الشام في عسكرهم ، فقال معاوية : فأخذت معرفة
____________
( 1 ) هو عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة اللخمي ، وهو ممن ولد زمن الرسول صلى الله عليه ، وكان ثقة قليل الحديث ، توفي سنة 68 ، وقيل قتل يوم الحرة ، وهذه كانت سنة 63 في أيام يزيد بن معاوية . انظر الإصابة 6196 ومعجم البلدان ( حرة واقم ) .