فرسي (1)، ووضعت رجلي في الركاب (2)حتى ذكرت أبيات عمرو بن الإطنابة :

أبت لي عفتي وأبــي بلائــي * وأخذي الحمــد بالثمن الربيح

وإجشامي على المكــروه نفسي * وضربي هامــة البطل المشيح (3)

وقولي كلما جشــأت وجاشـت * مكانك تحمــدي أو تستريحـي

فعدت إلى مقعدي فأصبت خير الدنيا .
وكان على إذا اراد القتال هلل وكبر ثم قال :

من أي يومي مــن الموت أفـر * أيوم مـــا قدر أم يــوم قـدر

وأقبل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، ومعه لواء معاوية الأعظم ، وهو يقول :

أنا ابــن سيف الله ذاكــم خالد * أضــرب كل قــدم وساعــد

بصارم مثل الشهــاب الواقــد * أنصــر عمى إن عمــي والدي

بالجهد ، لابل فوق جهــد الجاهد * ما أنـــا فيمــا نابني براقـد

فاستقبله جارية بن قدامة السعدي وهو يقول :

اثبت لصدر الرمح يـا ابن خالــد * اثبت لليــث ذي فلول حــارد

____________
( 1 ) معرفة الفرس : لحمه الذي ينبت عليه العرف ، وهي بفتح الميم والراء .
( 2 ) في أمالي القالي ( 1 : 258 ) : « في الركاب يوم صفين غير مرة » . وانظر القصة في الكامل 753 وعيون الأخبار ( 1 : 126 ) ومجالس ثعلب 83 ومعجم المرزباني 204 وديوان المعاني ( 1 : 114 ) . ورواية الأبيات في حماسة البحتري « وهي أول مقطوعة فيها » ولباب الآداب 223 ـ 224 .
( 3 ) في الأصل : « وإعظامي » وأثبت أقرب رواية إليها من المصادر المتقدمة ، وهي رواية المبرد . وفي عيون الأخبار ولباب الآداب واللسان ( 3 : 331 ) : « وإقدامي » وفي معجم المرزباني : « وإكراهي » . وفي الأمالي : « وإعطائي على الإعدام مالي » والبحتري : « على المعسور مالي » وديوان المعاني : « على المكروه مالي » .

( 396 )

من أسد خفــان شديد الساعـد * ينصــر خيــر راكع وساجد

من حقه عندي كحــق الوالـد * ذاكــم علي كـاشف الأوابـد

واطعنا مليا ، ومضى عبد الرحمن وانصرف جارية ، وعبد الرحمن لا يأتي على شيء إلا أهمده ، وهو يقول :

إني إذا مــا الحرب فرت عن كبر * تخالنـي أخزر مــن غير خزر

أقحم والخطى فــي النقــع كشر * كالحية الصماء في رأس الحجـر

* أحمل ما حملــت من خيــر وشر *

فغم ذلك عليا ، وأقبل عمرو بن العاص في خيل من بعده فقال : أقحم يا ابن سيف الله فإنه الظفر ! وأقبل الناس على الأشتر فقالوا : يوم من أيامك الأول ، وقد بلغ لواء معاوية حيث ترى . فأخذ الأشتر لواءه ثم حمل وهو يقول :

إني أنا الاشتر معـــروف الشتر (1)* إني انـــا الأفعى العراقي الذكر

لست من الحي ربيـــع أو مضر (2)* لكنني من مذحج الغـــر الغرر

فضارب القوم حتى ردهم على أعقابهم ، فرجعت خيل عمرو .
وقال النجاشي في ذلك :

رأيت اللواء لـــواء العقـاب (3)* يقحمــــه الشانــي الأخزر

كليث العريــن خلال العجــاج * وأقبــل في خيلــه الأبتـر

دعونا لها الكبش كبــش العراق * وقــد خالط العسكر العسكـر (4)

____________
( 1 ) الشتر : انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل وتشنجه .
( 2 ) ربيع : مرخم ربيعة لغير نداء . وفي الأصل : « ربيعة ومضر » ولا يستقيم به الوزن . والصواب ما أثبت من مروج الذهب ( 2 : 21 ) .
( 3 ) ح ( 2 : 285 ) : « ولما رأينا اللواء العقاب » .
( 4 ) ح : « وقد أضمر الفشل العسكر » .

( 397 )

فــرد اللواء على عقبـــه * وفــاز بحظوتهـــا الأشتر

كمــا كان يفعل فــي مثلها * إذا نــاب معصوصب منكـر (1)

فإن يدفـــع الله عــن نفسه * فحظ العــراق بها الأوفـر (2)

إذا الأشتر الخيــر خلى العراق * فقــد ذهب العــرف والمنكر

وتلك العراق ومــن قـد عرفت * كفقـــع تنبتــه القرقــر (3)

وذكروا أنه لما رد لواء معاوية ورجعت خيل عمرو اشرأب (4)لعلي همام بن قبيصة ، وكان من أشتم الناس لعلي ، وكان معه لواء هوازن ، فقصد لمذحج وهو يقول :

قــد علمت حـوراء كالتمثال (5)* أنــي إذا مــا دعيــت نزل

أقـــدم إقدام الهزبــر الغالي * أهل العــراق إنكــم من بالي

كل تلادي وطــريف مالــي * حتى أنــال فيكــم المعــالي

أو أطعم الموت وتلكــم حالـي * في نصــر عثمــان ولا أبالي

فقال عدي بن حاتم لصاحب لوائه : ادن مني . فأخذه وحمل وهو يقول :

يا صاحــب الصوت الرفيع العالي * إن كنت تبغـــي في الوغى نزالي

____________
( 1 ) ناب : نزل ، والنوائب : النوازل . وفي الأصل : « ثاب » صوابه في ح .
( 2 ) بها ، أي بنفسه ، أو بتلك الفعلة . وفي ح : « به » أي بشخصه .
( 3 ) الفقع : البيضاء الرخوة من الكمأة . والقرقر : الأرض المطمئنة اللينة . يقال : « أذل من فقع بقرقر » ، لأن الدواب تنجله بأرجلها . وتنبته : نماه وغذاه ، ولم أجد تفسير هذه الكلمة إلا في شرح الشنتمري للبيت الذي أنشده سيبويه في ( 1 : 368 ) ، وهو :

إلا كناشرة الــذي كلفتم * كالغصــن في غلوائه المتنبت
وفي ح : « تضمنه القرقر » .
( 4 ) اشرأب : ارتفع وعلا . وفي الأصل : « أشدب » تحريف .
( 5 ) في الأصل : « قد علمت الخود » ولا يستقيم بها الوزن . ولم ترد المقطوعة في مظنها من ح .

( 398 )

فادن فإنــي كاشف عـــن حالي * تفـــدي عليا مهجتــي ومالي
* وأسرتــي يتبعهـــا عيالـي *

فضربه وسلب لواءه ، فقال ابن حطان وهو شامت به :

أهمام لا تذكـر مدى الدهـر فارسـا * وعض علــى ما جئتــه بالأباهم

سما لك يوما في العجاجــة فـارس * شديــد القفيز ذو شجــا وغماغم (1)

فوليته لمـــا سمعــت نــداءه * تقــول له خــذ يا عدي بـن حاتم

فأصبحت مسلـــوب اللواء مذبذبا * وأعظم بهـــذا مـن شتيمة شاتــم

ثم حمل خزيمة بن ثابت وهو يقول :

قــد مر يومـان وهــذا الثالث * هـذا الــذي يلهث فيــه اللاهث

هذا الـــذي يبحث فيـه الباحث * كــم ذا يرجى أن يعيش المــاكث

النـاس موروث ومنهـــم وارث * هــذا علي مــن عصاه نــاكث

فقتل . ثم خرج خالد بن خالد الأنصاري وهو يقول :

هــذا علي والهــدى أمامــه * هــذا لــوا نبينــا قــدامـــه

يقحمه فـــي بقعــة إقدامــه * لا جبنـــه نخشـــى ولا أثامــه
* منــه غــداه وبـــه إدامــه *

فطعن ساعة ثم رجع . ثم حمل جندب بن زهير وهو يقول :

هــذا علي والهــدى حقا معه * يا رب فــاحفظــه ولا تضيعــه

فإنــه يخشــاك ربي فارفعـه * نحــن نصرنــاه على مـن نازعه

صهر النبي المصطفى قد طاوعه * أول مـــن بايعـــه وتـابعـــه

____________
( 1 ) القفيز ، كذا في الأصل ، ولعلها : « القصيري » وهي أسفل الأضلاع . وأنشد في اللسان :

لا تعدليني بظرب جعد * كز القصيري مقرف المعد


( 399 )


وأقبل الأشتر يضرب بسيفه وهو يقول :

أضربهــم ولا أرى معــاويــه * الأخزر العيـــن العظيــم الحاوية

هوت بـــه في النار أم هاويــه * جــاوره فيهــا كلاب عـــاويه

أغوى طغامــا لا هدتــه هاديــه

قال : وذكروا أن عمرو بن العاص لما رأى الشر استقبل ، فقال له معاوية : ائت ببني أبيك فقاتل بهم ، فإنه إن يك عند أحد خير فعندهم . فأتى جماعة أهل اليمن فقال : أنتم اليوم الناس وغدا لكم الشان ، هذا يوم له ما بعده من الأمر ، حملوا معي على هذا الجمع . قالوا : نعم . فحملوا وحمل عمرو وهو يقول :

أكرم بجمــــع طيــب يمـــان * جــــدوا تكونـــوا أولياء عثمـان

إني أتــــاني خبر فأشجـــان (1)* أن عليــــا قتـل ابـــن عفان (2)

خليفـــة الله علــى تبيـــان * ردوا علينـــا شيخنــا كما كــان (3)

فرد على عمرو :

أبت شيـــوخ مذحــج وهمــدان * بأن نــرد نعثـــلا كمـا كان

خلقـا جديدا مثــل خلــق الرحمن (4)

فقال عمرو بن الحمق : دعوني والرجل ، فإن القوم قومي . فقال ابن بديل : دع الجمع يلقى بعضهم بعضا . فأبي عليه ، وحمل وهو يقول :
____________
( 1 ) في الأصل : « فجان » صوابه مما سبق ص 228 .
( 2 ) في الأصل : « نال من عفان » صوابه مما سبق ص 228 .
( 3 ) في الأصل : « مكاني » صوابه مما سبق ص 228 .
( 4 ) في الأصل : « بعد خلق الرحمن » صوابه مما سبق ص 228 .

( 400 )

بؤســا لجند ضائــع يمــان * مستوسقيــن كاتســاق الضــان (1)

تهوى إلى راع لهـــا وسنــان * أقحمهـــا عمـرو إلى الهــوان

يا ليت كفــي عدمــت بنانــي * وأنكــم بالشحــر مــن عمان

مثــل الــــذي أفنـــاكم أبكانـي

ثم طعن في صدره فقتله ، وولت الخيل ، وزال (2)القوم عن مراكزهم . ثم إن حوشبا ذا ظليم ، وهو يومئذ سيد أهل اليمن ، أقبل في جمعه وصاحب لوائه يقول :

نحـــن اليمانـــون ومنــا حوشب * أذا ظليـــم أين منـــا المهرب (3)

فينا الصفيـح والقنـــا المعلــب (4)* والخيـــل أمثال الوشيـــج شزب (5)

إن العـــراق حبلــهــا مذبــذب * إن عـليــا فيــكـــم محبــب

في قتــل عثمــان وكــل مذنــب

فحمل عليه سليمان (6)بن صرد الخزاعي وهو يقول :

يـــالك يوما كاسفــا عصبصبــا (7)* يالك يومــا لا يــواري كوكبــا (8)

يأيهـــا الحـــي الذي تذبذبــا * لسنـــا نخـــاف ذا ظليــم حوشبا

____________
( 1 ) الاستيساق والاتساق : الاجتماع . وفي اللسان ( 12 : 260 ) : « واتسقت الإبل واستوسقت : اجتمعت»».
( 2 ) في الأصل : « وأزال » .
( 3 ) أي يا ذا ظليم . وفي الأصل : « أنا ظليم » تحريف .
( 4 ) علب السيف والسكين والرمح ، فهو معلوب ، وعلبه تعليبا : حزم مقبضه بعلباء البعير ، والعلباء ، بالكسر : عصب العنق . وفي الأصل : « مغلب » بالغين المعجمة ، تحريف .
( 5 ) الوشيج : الرماح . شزب : ضوامر ، جمع شازب . وفي الأصل : « شذب » بالذال ، تحريف .
( 6 ) في الأصل : « سليم » ، تحريف .
( 7 ) الكاسف : العبوس . وفي الأصل : « كاشفا » تحريف .
( 8 ) كأن نجومه ظاهرة لشدة ظلامه واحتجاب شمسه ، لما ثار من الغبار .

( 401 )

لأن فينـــا بطـــلا مجربـــا * ابن بديـــل كالهزبــر مغضبـا

أمسى علـــي عندنــا محببــا * نفديـــه بـــالأم ولا نبقي أبــا

فطعنه وقتله ، واستدار القوم ، وقتل حوشب وابن بديل ، وصبر بعضهم لبعض ، وفرح أهل الشام بمقتل هاشم .
وقال جريش السكوني مع علي :

معاوي مــا أفـلت إلا بجـــرعة
من الموت رعبا تحسب الشمس كوكبا
نجوت وقد أدميـــت بالسوط بطنه
أزوما علـــى فأس اللجام مشذبــا (1)
فلا تكفرنه واعلمـــن أن مثلهــا
إلى جنبها ما دارك الجـرى أو كبــا (2)
فإن تفخروا بابنــي بديــل وهاشم
فنحن قتلنا ذا الكـــلاع وحوشبـــا
وإنهما ممن قتلتم علــى الهـــدى
ثواء فكفوا القــول ننسى التحوبــا (3)

فلمـــا رأينا الأمر قد جـــد جـده * وقـــد كان مما يترك الطفل أشيبــا

صبرنا لهم تحــت العجاج سيوفنــا * وكان خلاف الصبــر جدعـا موعبــا

فلــم نلف فيهــا خاشعيـن أذلــة * ولم يــــك فيها حبلنــا متذبذبـــا

____________
( 1 ) الأزوم : الشديد العض . وفي اللسان : « وأزم الفرس على فاس اللجام : قبض » . وفي الأصل : « لزوما » تحريف . والمشذب : الفرس الطويل ليس بكثير اللحم .
( 2 ) دارك الجرى : تابعه . وفي الأصل : « مالا بك الجرى » .
( 3 ) الثواء : الإقامة . والتحوب : التغيظ والتوجع .

( 402 )

كسرنا القنــا حتى إذا ذهـــب القنا * صبرنــا وفللنا الصفيــح المجربا (1)

فلم نر في الجمعيــن صادف خــده * ولا ثانيــا من رهبة الموت منكبــا (2)

ولم نــر إلا قحـف رأس وهامــة * وساقــا طنونــا أو ذراعا مخضبـا (3)

واختلط أمرهم حتى ترك أهل الرايات مراكزهم ، وأقحم أهل الشام من آخر النهار ، وتفرق الناس عن على ، فأتى ربيعة [ ليلا فكان (4)فيهم ، وأقبل عدي ابن حاتم يطلب عليا في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده ، فطاف يطلبه ] ، فأصابه في مصاف ربيعة فقال : « يا أمير المؤمنين : أما إذ كنت حيا فالأمر أمم (5)، ما مشيت إليك إلا على قتيل ، وما أبقت هذه الوقعة لنا ولهم عميدا ، فقاتل حتى يفتح الله عليك ؛ فإن في القوم بقية بعد » . وأقبل الأشعث يلهث جزعا ، فلما رأى عليا هلل وكبر وقال : يا أمير المؤمنين خيل كخيل ، ورجال كرجال ، ولنا الفضل [ عليهم ] إلى ساعتنا هذه ، فعد إلى مقامك الذي كنت [ فيه ] ، فإن الناس إنما يظنونك حيث تركوك » . وأرسل سعيد بن قيس [ الهمداني إلى علي عليه السلام ] : « إنا مشتغلون (6)بأمرنا [ مع القوم ] وفينا فضل ، فإن أردت أن نمد أحدا أمددناه » .
وأقبل علي على ربيعة فقال : « أنتم درعي ورمحي » ـ [ قال : فربيعة تفخر بهذا الكلام إلى اليوم ] ـ فقال عدي بن حاتم : « يا أمير المؤمنين ، إن قوما أنست [ بهم ] وكنت فيهم في هذه الجولة ، لعظيم حقهم علينا .
____________
( 1 ) الصفيح ، عني به السيوف . والمجرب ، لعلها « المحرب » وهو المحدد المذرب .
( 2 ) صدف خده : أعرض به . وفي الأصل : « صارف حده » .
( 3 ) الطنون : التي أطنها الضارب ، أي أسرع قطعها فطنت . وهذا الوصف لم تذكره المعاجم . وفي الأصل : " ظنونا " ووجهه ضعيف .
( 4 ) في الأصل : « وكان » .
( 5 ) أمم ، أي قريب . وفي ح ( 2 : 286 ) : « أهم » تحريف .
( 6 ) في الأصل : « مستقبلون » وأثبت ما في ح .

( 403 )

والله إنهم لصبر عند الموت ، أشداء عند القتال » .
وركب علي عليه السلام فرسه الذي كان لرسول الله ، وكان يقال له « المرتجز » ، [ فركبه ] ثم تقدم (1)[ أمام الصفوف ثم قال : بل البغلة بل البغلة . فقدمت له ] بغلة رسول الله صلي الله عليه « الشهباء » ، فركبها ثم تعصب بعمامة رسول الله السوداء ثم نادي : أيها الناس ، من يشر نفسه لله يربح . هذا يوم له ما بعده . إن عدوكم قد مسه القرح كما مسكم (2).
فانتدب له ما بين عشرة آلاف (3)إلى اثنى عشر ألفا [ قد ] وضعوا سيوفهم على عواتقهم ، وتقدمهم علي منقطعا على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول :

دبوا دبيـــب النمل لا تقوتوا * وأصبحوا بحـــربكم (4)وبيتوا

حتى تنالوا الثأر أو تموتـــوا * أولا فإنـــي طالما عصيت

قد قلتم لو جئتنـــا ، فجيـت * ليس لكـــم ما شئتـم وشيت

بل ما يريـــد المحيى المميـــت

وتبعه ابن عدي بن حاتم بلوائه وهو يقول :

أبعـــد عمار وبعد هاشــم * وابـــن بديل فارس الملاحــم

نرجو البقاء مثــل حكم الحالم * وقــد عضضنا أمس بالأباهــم

فاليوم لا نقرع ســن نــادم * ليس امــرؤ مــن يومه (5)بسالم

____________
( 1 ) في الأصل : « ثم قدم علي » صوابه من ح .
( 2 ) القرح ، بالضم : ألم الجراح ، وبالفتح : الجراح بأعيانها . وبهما قرئ قوله تعالى : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) . انظر اللسان ( 3 : 392 ) .
( 3 ) في الأصل : « بين العشرة الآف » صوابه من ح .
( 4 ) ح : « حربكم » .
( 5 ) ح : « من حتفه » .

( 404 )

وتقدم الأشتر وهو يقول :

حرب بأسبــاب الردى تأجــج * يهلك فيهــا البطل المدجــج

يكفيكها همدانهـــا ومذحـــج * قوم إذا مــا أحمشوها أنضجوا (1)

روحــوا إلى الله ولا تعرجــوا * ديــن قويــم وسبيل منهـج

وحمل الناس حملة واحدة فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض ، وأهمدوا ما أتوا عليه (2)حتى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية (3)، وعلي يضربهم بسيفه ويقول :
أضربهــم ولا أرى معاويــه * الأخــزر العين العظيم الحاويــه
* هوت به في النــار أم هاويـــه *

فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه ، فلما وضع رجله في الركاب تمثل بأبيات عمرو بن الإطنابة (4):

أبت لي عفتي وأبــى بلائــي * وأخــذي الحمــد بالثمن الربيح

وإجشامي (5)على المكــروه نفسي * وضربـــي هامة البطل المشيح

وقولي كلمــا جشأت وجاشــت * مكانــك تحمدي أو تستريحــي

لأدفع عـن مآثــر صالحــات * وأحمى بعد عن عرض صحيــح

بذي شطب كلون الملــح صـاف * ونفس مــا تقر علــى القبيـح

وقال : « يا ابن العاص ، اليوم صبر ، وغدا فخر » . صدقت ، إنا وما نحن
____________
( 1 ) في الأصل : « انقبجوا » . والمقطوعة لم ترد في مظنها من ح .
( 2 ) ح ( 2 : 286 ) : « وأهمد أهل العراق ما أتوا عليه » .
( 3 ) المضرب ، بكسر الميم : فسطاط الملك .
( 4 ) سبق إنشاد الأبيات في ص 395 .
( 5 ) في الأصل : « وإعظامي على المكروه » وانظر ما سبق في ص 395 .

( 405 )

فيه كما قال ابن أبي الأقلح (1):

مــا علني وأنــا رام نابــل (2)* والقــوس فيها وتــر عنابــل (3)

تزل عــن صفحتهــا المعابل (4)* الموت حــق والحيــاة باطــل

فثثى معاوية رجله من الركاب ونزل واستصرخ بعك والأشعريين ، فوقفوا دونه (5)وجالدوا عنه ، حتى كره كل من الفريقين صاحبه وتحاجز الناس . قال الشني في ذلك :

أتانـــا أمير المؤمنين فحسبنــا * على النــاس طرا أجمعين بها فضلا

على حين أن زلت بنــا النعل زلة * ولم تترك الحرب العوان لنـــا فحلا

وقد أكلت منا ومنهــم فوارســا * كمــا تأكل النيران ذا الحطـب الجزلا

وكنا له فـــي ذلك اليوم جنــة * وكنا لـــه مــن دون أنفسنــا نعلا

فأثني ثناء لم يــر النــاس مثله * علــى قومنا طرا وكنــا لـه أهـلا

ورغبه فينا عـدي بــن حاتــم * بأمــر جميل صــدق القـول والفعلا

فإن يك أهل الشــام أودوا بهاشـم * وأودوا بعمــار وأبقوا لنــا ثكــلا

____________
( 1 ) ح ( 2 : 287 ) : « كقول القائل » . وفي الأصل : « ابن الأفلح » وهو نقص وتحريف . وابن أبي الأقلح ، بالقاف ، كما في الإصابة 4340 والقاموس « قلح » . وهو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمة الأنصاري . وهو صحابي جليل ، وكان المشركون قد أرادوه بأذى ، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته منهم ، وسمي لذلك : « حمى الدبر » .
( 2 ) في اللسان « عنبل » : « وأنا طب خاتل » .
( 3 ) الوتر العنابل ، بضم العين : الغليظ الصلب المتين .
( 4 ) المعابل : جمع معبلة ، وهي النصل الطويل العريض . وفي اللسان : « صفحته » أي صفحة الوتر . لكن في اللسان ( 13 : 448 ص 11 ) : « عن صفحتي » ، وإخال هذه محرفة .
( 5 ) في الأصل : « فرفعوا دونه » وأثبت ما في ح ( 2 : 287 ) .

( 406 )

وبابني بديــل فارسي كل بهمــة * وغيث خزاعــي به ندفــع المحلا (1)

فهذا عبيد الله والمــرء حوشــب * وذو كلــع أمسـوا بساحتهــم قتلى

ثم إن معاوية لما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال : " هذا يوم تمحيص . إن القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم . اصبروا يومكم هذا وخلاكم ذم " . وحضض علي أصحابه ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة التميمي فقال : يا أمير المؤمنين إنك جعلتني على شرطة الخميس ، وقدمتني في الثقة دون الناس ، وإنك اليوم لا تفقد لي صبرا ولا نصرا . وأما أهل الشام فقد هدهم ما أصبنا منهم ، ونحن ففينا (2)بعض البقية ، فاطلب بنا أمرك وأذن لي في التقدم . فقال له علي : " تقدم باسم الله " . وأقبل الأحنف بن قيس السعدي فقال : يا أهل العراق ، والله لا تصيبون هذا الأمر أذل عنقا منه اليوم ، قد كشف القوم عنكم قناع الحياء وما يقاتلون على دين ، وما يصبرون إلا حياء (3)، فتقدموا . فقالوا : إنا إن تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس فما تقول يا أمير المؤمنين ؟ قال : « تقدموا في موضع التقدم ، وتأخروا في موضع التأخر . تقدموا من قبل أن يتقدموا إليكم » .
وحمل أهل العراق وتلقاهم أهل الشام فاجتلدوا ، وحمل عمرو بن العاص معلما وهو يقول :

شدوا على شكتــى لا تنكشـــف * بعــد طليح والزبيــر فأتلف

يــوم لهمدان ويــوم للصـدف (4)* وفي تميـم نخــوة لا تنحــرف

____________
( 1 ) يقال فلان فارس بهمة ، كما يقال ليث غابة ، والبهمة ، بالضم : الجيش .
( 2 ) في الأصل : « نفينا » .
( 3 ) لعلها : « إلا حبا في الدنيا » .
( 4 ) الصدف ، بكسر الدال : لقب عمرو بن مالك بن أشرس بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان ، انظر نهاية الأرب ( 2 : 304 ثم 303 ) . والنسبة إليه « صدفي » بالتحريك .

( 407 )

أضربهــا بالسيف حتى تنصــرف * إذا مشيــت مشية العود الصلــف

ومثلهــا لحميــر ، أو تنحــرف * والربعيــون لهــم يوم عصــف (1)

فاعترضه علي وهو يقول :

قــد علمت ذات القـرون الميــل * والخصـــر والأنامــل الطفــول (2)

إني بنصل السيــف خنشليــــل (3)* أحمــى وأرمــى أول الرعيــل

بصـــارم ليس بـــذي فلــول

ثم طعنه فصرعه واتقاه عمرو برجله ، فبدت عورته ، فصرف علي وجهه عنه وارتث ، فقال القوم : أفلت الرجل يا أمير المؤمنين . قال : وهل تدرون من هو ؟ قالوا : لا قال : فإنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه .
ورجع عمرو إلى معاوية فقال له : ما صنعت يا عمرو ؟ قال : لقيني علي فصرعني . قال : احمد الله وعورتك ، أما والله أن لو عرفته ما أقحمت عليه . وقال معاوية في ذلك :

ألا لله مــن هفوات عمـــرو * يعاتبنـــي على تركي بــرازي

فقد لاقى أبــا حســـن عليـا * فآب الوائلـــي مـآب خــازي

فلو لم يبــد عورتـــه للاقـى * بــه ليثــا يذلل كل نـــازي

لــه كف كــــأن براحتيهـا * منايــا القوم يخطف خطف بازي

____________
( 1 ) المقطوعة لم ترد في مظنها من ح .
( 2 ) الطفول : جمع طفل . بالفتح ، وهو الرخص الناعم ، قال ابن هرمة :

متى ما يغفل الواشون تومئ * بأطراف منعمة طفول
( 3 ) في البيت إقواء ، وأنشد في اللسان بدون نسبة :

قد علمت جارية عطبول * أني بنصل السيف خنشليل
والخشليل : الجيد الضرب بالسيف ، ومثله الخنشل .

( 408 )

فإن تكن المنايـــا أخطأتــه * فقــد غنى بها أهــل الحجـاز
فغضب عمرو وقال : ما أشد تغبيطك عليا في أمري هذا (1)، هل هو إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه ، أفترى السماء قاطرة لذلك دما ؟ ! قال : ولكنها معقبة لك خزيا (2).
قال : وتقدم جندب بن زهير برايته وراية قومه وهو يقول : والله لا أنتهى حتى أخضبها ! فخضبها مرارا إذ اعترضه رجل من أهل الشام فطعنه ، فمشى إلى صاحبه في الرمح حتى ضربه بالسيف فقتله .
ثم إن معاوية دعا أخاه عتبة بن أبي سفيان فقال : الق الأشعث بن قيس ، فإنه إن رضي رضيت العامة . وكان عتبة لا يطاق لسانه (3). فخرج عتبة فنادى الأشعث بن قيس ، فقال الناس : يا أبا محمد ، هذا الرجل يدعوك . فقال الأشعث : كما يكون الرجل فسلوه من هو . فقال : أنا عتبة بن أبي سفيان . فقال الأشعث بن قيس : غلام مترف ولا بد من لقائه . [ فخرج إليه ] فقال : ما عندك يا عتبة ؟ فقال : أيها الرجل ، إن معاوية لو كان لاقيا رجلا غير علي للقيك ، إنك رأس أهل العراق ، وسيد أهل اليمن ، وقد سلف من عثمان إليك ما سلف من الصهر والعمل ، ولست كأصحابك . أما الأشتر فقتل عثمان ، وأما عدي فحرض عليه ، وأما سعيد فقلد عليا ديته (4)، وأما شريح وزحر ابن قيس فلا يعرفان غير الهوى ، وإنك حاميت عن أهل العراق تكرما ، ثم حاربت أهل الشام حمية ، وقد بلغنا والله منك وبلغت منا ما أردت ،
____________
( 1 ) التغبيط ، هو كما ورد في الحديث « أنه جاء وهم يصلون في جماعة فجعل يغبطهم » . قال ابن الأثير : « هكذا روى بالتشديد ، أي يحملهم على الغبط ويجعل هذا الفعل عندهم مما يغبط عليه » . وفي الأصل : « تعظيمك عليا في كسرى هذا » وأثبت ما في ح .
( 2 ) في الأصل : « تعقبك جبنا » وأثبت ما في ح .
( 3 ) ح : « وكان عتبة فصيحا » .
( 4 ) في الأصل : « دينه » والوجه ما أثبت من ح .

( 409 )

وإنا لا ندعوك إلى ترك علي ونصر معاوية ، ولكنا ندعوك إلى البقية (1)التي فيها صلاحك وصلاحنا .
فتكلم الأشعث فقال : يا عتبة ، أما قولك إن معاوية لا يلقى إلا عليا فإن لقيني والله لما عظم عني ولا صغرت عنه ، فإن أحب أن أجمع بينه وبين علي فعلت . وأما قولك إني رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن فإن الرأس المتبع والسيد المطاع هو علي بن أبي طالب عليه السلام . وأما ما سلف من عثمان إلى فوالله ما زادني صهره شرفا ، ولا عمله عزا . وأما عيبك أصحابي فإن هذا لا يقربك مني ولا يباعدني عنهم . وأما محاماتي عن أهل العراق فمن نزل بيتا حماه . وأما البقية فلستم بأحوج إليها منا ، وسنرى رأينا فيها إن شاء الله .
فلما بلغ معاوية كلام الأشعث قال : « يا عتبة ، لا تلقه بعدها ، فإن الرجل عظيم عند نفسه ، وإن كان قد جنح للسلم » . وشاع في أهل العراق ما قاله عتبة للأشعث وما رده الأشعث عليه :
وقال النجاشي يمدحه :

يا ابن قيس وحــارث ويزيــد * أنــت والله رأس أهــل العراق

أنت والله حيــة تنفث الســـم قليل فيهــا غنـــاء الراقـــي

أنت كالشمـــس والرجال نجوم * لا يرى ضوؤهــا مـع الإشراق

قد حميت العراقي بالأســل السم‍ * ر وبالبيــض كالبروق ، الرقاق

وأجبناك إذ دعوت إلـى الشـــا * م علــى القب كالسحـوق العتاق (2)

____________
( 1 ) البقية : الإبقاء . والعرب تقول للعدو إذا غلب : « البقية » أي أبقوا علينا ولا تستأصلونا . قال الأعشى :
* قالوا البقية والخطى يأخذهم *
( 2 ) القب : الخيل الضامرة . والسحوق ، بالفتح : النخلة الطويلة .

( 410 )

وسعرت القتال في الشــام بالبي‍ * ض المواضي وبالرمــاح الدقاق (1)

لا نرى غيــر أذرع وأكــف * ورؤوس بهـــامهـا ، أفـلاق (2)

كلما قلت قــد تصرمت الهــي‍ * جــاء سقيتهم بكـأس دهـاق (3)

قد قضيت الذي عليك مـن الحق * وســارت بـه القلاص المناقي (4)

وبقي حقك العظيم علــى النـا * س وحـق المليك صعب المراقي

أنت حلو لمــن تقرب بالــود * وللشــــانئين مــر المذاق

لابس تــاج جــده وأبيــه * لــو وقـاه ردى المنيــة واق (5)

بئس مـا ظنه ابن هند ومن مث‍ـ * لك للنــاس عنـد ضيق الخناق

قال : وإن معاوية لما يئس من جهة الأشعث قال لعمرو بن العاص : إن رأس الناس بعد علي هو عبد الله بن عباس ، فلو ألقيت إليك كتابا لعلك ترققه به (6)؛ فإنه إن قال شيئا لم يخرج علي منه ، وقد أكلتنا الحرب ولا أرانا نصل [ إلى ] العراق إلا بهلاك أهل الشام . قال له عمرو : إن ابن عباس لا يخدع ، ولو طمعت فيه [ ل‍ ] طمعت في علي . فقال معاوية : على ذلك ، فاكتب إليه .
فكتب إليه عمرو : « أما بعد فإن الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر (7)
____________
( 1 ) في الأصل :

وأدرنا كأس المنية في الفت‍ * نة بالضرب والطعان الدقاق

وقد أشير في هامش الأصل إلى هذه الرواية التي أثبتها من ح .
( 2 ) أفلاق : جمع فلق ، بالكسر ، وهو المفلوق .
( 3 ) كذا في ح وهامش الأصل عن نسخة . وفي الأصل :

كلما قلت قد تصرمت الحر * ب سقانا ردى المنية ساق

( 4 ) المناقي : جمع منقية ، كمحسنة ، وهي الناقة ذات الشحم .
( 5 ) في الأصل : « لدى المنية » .
( 6 ) في الأصل : « ترفقه به » وأثبت وجهه من ح ( 2 : 288 ) .
( 7 ) في الأصل . « ليس بأمر » وأثبت ما في ح .