أنعى ابن عفان وأرجـــو ربي * ذاك الــذي يخرجني من ذنبي

ذاك الذي يكشف عنـــي كربي * إن ابــن عفان عظيم الخطب

يأبى له حبي بكـــل قلبي (1) * إلا طعاني دونــــه وضربي

حسبي الذي أنويـــه حسبي حسبـي

فحمل عليه الأشتر فطعنه ، واشتد الأمر ، وانصرف القوم وللأشتر الفضل ، فغم ذلك معاوية .
وإن عبد الرحمن بن خالد غدا في اليوم الخامس ، وكان أرجاهم عند معاوية أن ينال حاجته ، فقواه معاوية بالخيل والسلاح ، وكان معاوية بعده ولدا ، فلقيه عدي بن حاتم في حماة مذحج وقضاعة ، فبرز عبد الرحمن أمام الخيل وهو يقول :

قل لعــدي ذهــب الوعيــد * أنــا ابن سيـــف الله لا مزيـد

وخالـــد يزينـــه الوليـد * ذاك الـــذي هــو فيكـم الوحيد (2)

قــد ذقتم الحرب فزيدوا زيـدوا * فمـــا لنـــا ولا لكم محيــد

* عن يومنـــا ويومكــم فعــودوا *

ثم حمل فطعن الناس ، وقصده عدي بن حاتم [ وسدد إليه الرمح ] وهو يقول :

أرجو إلهي وأخـــاف ذنبي * وليس شيء مثل عفـــو ربي (3)

يا ابن الوليد بغضكم في قلبي * كالهضب بل فوق قنان الهضب (4)

____________
( 1 ) في الأصل : « قلب » صوابه في ح .
( 2 ) ح ( 2 : 292 ) : « الذي قيل له » .
( 3 ) ح : « ولست أرجو غير عفو ربي » .
( 4 ) القنان : جمع قنة ، وقنة كل شيء : أعلاه .

( 431 )

فلما كاد أن يخالطه بالرمح توارى عبد الرحمن في العجاج واستتر بأسنة أصحابه ، واختلط القوم ، ورجع عبد الرحمن إلى معاوية مقهورا ، وانكسر معاوية .
وإن أيمن بن خريم الأسدي (1) لما بلغه ملقى معاوية وأصحابه شمت ، وكان أنسك رجل من أهل الشام وأشعره ، وكان في ناحية معتزلا (2) ، فقال في ذلك :

معـــاوي إن الأمر لله وحــده * وإنــك لا تستطيــع ضـرا ولا نفعا

عبأت رجالا من قريش لمعشـــر * يمانيــة لا تستطيــع لهـا دفعــا

فكيــف رأيت الأمر إذ جد جــده * لقـــد زادك الذي جئتــه جدعـا

تعبي لقيس أو عــدي بن حاتــم * والأشتر ، يا للناس ، أغمارك الجدعا (3)

تعبــئ للمرقال عمــرا وإنــه * لليــث لقى مـن دون غابته ضبعــا

وإن سعيـــدا إذ برزت لرمحــه * لفارس همــدان الذي يشعب الصدعـا

ملى بضرب الدارعيـــن بسيفـه * إذا الخيــل أبدت مـــن سنابكها نقعا

رجعت فلم تظفـــر بشيء أردتـه * سوى فرس أعيـــت وأبت بها ظلعـا

فدعهم فــلا والله لا تستطيعهـــم * مجاهــرة فاعمل لقهــرهم خدعـا (4)

____________
(1) أيمن بن خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك بن العليب بن عمرو بن أسد ابن خزيمة بن مدركة الأسدي . قال المبرد في الكامل : له صحبه . وقال ابن عيد البر : أسلم يوم الفتح . وكان يسمى خليل الخلفاء ، لإعجابهم في تحديثه بفصاحته وعلمه . وكان به وضح يغيره بزعفران . انظر الإصابة 390 . وفي الأصل وح : « بن خزيم » صوابه بالراء المهملة ، كما في ترجمة ( خريم ) من الإصابة 2242 .
( 2 ) ح : « وكان معتزلا للحرب من ناحية عنها » .
( 3 ) الأغمار : جمع غمر ، وهو من لا تجربة له . والجدع ، جمع أجدع . وفي الأصل : « الخدعا » وفي ح : " الجذعا " والوجه ما أثبت .
( 4 ) في الأصل : « فانظر تطيقهم خدعا » وأثبت ما في ح .

( 432 )

قال : وإن معاوية أظهر لعمرو شماتة [ وجعل يقرعه ويوبخه ] وقال : لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس في همدان وقررتم ، وإنك لجبان . فغضب عمرو ثم قال : والله لو كان عليا ما قحمت عليه يا معاوية ، فهلا برزت إلى علي إذ دعاك إن كنت شجاعا كما تزعم . وقال عمرو في ذلك :

تسير إلى ابن ذي يـزن سعيــد * وتترك في العجاجــة مــن دعاكا

فهل لك في أبــي حسـن علـي * لعــل الله يمكـن مــن قفاكــا

دعاك إلى النزال فلـــم تجبــه * ولو نـــازلته تربــت يداكــا

وكنت أصم ، إذ نــاداك ، عنهـا * وكــان سكوته عنها (1) مناكـــا

فآب الكبش قد طحنــت رحــاه * بنجدتــه ولــم تطحن رحاكــا

فما انصفت صحبك يا ابــن هند * أتفرقـــه وتغضب مـن كفاكــا

فلا والله ما أضمــرت خيــرا * ولا أظهــرت لــي إلا هواكــا

[ قال ] : وإن القرشيين استحيوا مما صنعوا ، وشمتت بهم اليمانية [ من أهل الشام ] ، فقال معاوية « يا معشر قريش ، والله لقد قربكم لقاء القوم من الفتح ، ولكن لا مرد لأمر الله (2) ، [ ومم تستحيون ؟ ! ] ، إنما لقيتم كباش أهل العراق ، وقتلتم وقتل منكم ، ومالكم علي من حجة ، لقد عبأت نفسي (3) لسيدهم سعيد بن قيس » .
فانقطعوا عن معاوية أياما ، فقال معاوية في ذلك :
____________
( 1 ) أي عن الدعوة أو المنازلة . وفي الأصل : « عنه » وأثبت ما في ح ليتلاءم الكلام .
( 2 ) في الأصل : « الأمر لأمر الله » صوابه في ح .
( 3 ) في الأصل : « تعبئتي » ، والوجه ما أثبت من ح . انظر السطر الثاني .

( 433 )

لعمري لقد أنصفت والنصف عــادة * وعاين طعنــا في العجاج المعاين (1)

ولولا رجائـي أن تبوءوا (2) بنهـزة * وأن تغسلوا عــارا وعتـه الكنائن

لناديت للهيجـــا رجالا سواكــم * ولكنمـــا تحمي الملوك البطائـن

أتدرون من لاقيتم فــل جيشكــم * لقيتــم جيوشا أصحرتهـا العرائن (3)

لقيتم صناديد العراق ومــن بهــم * إذا جاشـت الهيجاء تحمي الظعائن

وما كــان منكم فارس دون فـارس * ولكنـــه ما قــدر الله كائــن

قال : فلما سمع القوم ما قال معاوية أتوه فاعتذروا له ، واستقاموا له على ما يحب .
قال [ نصر : وحدثنا عمرو بن شمر قال ] : ولما اشتد القتال [ وعظم الخطب ] أرسل معاوية إلى عمر وأن قدم عكا والأشعريين إلى من بإزائهم . فبعث عمرو إلى معاوية : « إن همدان بإزاء عك » . فبعث [ إليه ] معاوية : « أن قدم عكا إلى همدان » . فأتاهم عمرو فقال : يا معشر عك ، إن عليا قد عرف أنكم حي أهل الشام ، فعبأ لكم حي أهل العراق همدان ، فاصبروا وهبوا لي جماجمكم ساعة من النهار ، وقد بلغ الحق مقطعه . فقال ابن مسروق العكي : أمهلوني (4) حتى آتى معاوية . فأتاه فقال : يا معاوية ، اجعل لنا فريضة ألفي رجل في ألفين ، ومن هلك فابن عمه مكانه ، لنقر اليوم عينك . قال : ذلك لك . فرجع ابن مسروق إلى أصحابه فأخبرهم الخبر فقالت عك : نحن لهمدان .
____________
( 1 ) النصف ، بالكسر : الإنصاف .
( 2 ) ح : « أن تؤوبوا » .
( 3 ) أصحرتها : أبرزتها . وفي الحديث : فلا تصحريها « معناه لا تبرزيها إلى الصحراء . قال ابن الأثير : هكذا جاء في هذا الحديث متعديا ، على حذف الجار وإيصال الفعل ، فإنه غير متعد . والعرائن : جمع عرينة ، وهي مأوى الأسد ، كالعرين .
( 4 ) ح ( 2 : 293 ) : « أمهلني » .

( 434 )

قال : فتقدمت عك ، ونادى سعيد بن قيس : يال همدان خدموا (1) . فأخذت السيوف أرجل عك ، فنادى أبو مسروق العكي : يالعك ، بركا كبرك الكمل (2) . فبركوا تحت الجحف وشجروهم بالرماح (3) ، وتقدم شيخ من همدان وهو يقول :

يا لبكيل لخمهــا وحاشــد (4) * نفسي فــداكم طاعنــوا وجالدوا

حتى تخر منكــم القماحــد (5) * وأرجــل تتبعهــا سواعـــد

بذاك أوصى جدكــم والوالـــد * إنـــي لقاضي عصبتي ورائد

وتقدم رجل من عك وهو يقول :

يدعون همدان وندعــو عكــا * نفسي فداكــم يــال عــك بكا

إن خدم القـوم فبــركا بركــا * لا تدخلــوا نفسي (6) عليكم شكا

قد محك القوم فزيــدوا محكــا

قال : فألقى القوم الرماح وصاروا إلى السيوف ، وتجالدوا حتى أدركهم الليل ، فقالت همدان : يا معشر عك ، إنا والله لا ننصرف حتى تنصرفوا . وقالت عك مثل ذلك ، فأرسل معاوية إلى عك : » أبروا قسم القوم (7) [ وهلموا ] » . فانصرفت عك ثم انصرفت همدان ، وقال عمرو : يا معاوية ، لقد لقيت أسد أسدا ، لم أر كاليوم قط ، لو أن معك حيا كعك ، أو مع علي
____________
( 1 ) انظر ما سبق ص 257 س 15 وص 329 س 13 .
( 2 ) الكمل : الجمل ، في لغة عك ، وهم يقبلون الجيم كافا . انظر ما مضى ص 228 ، 329 . وفي الأصل : " الجمل " صوابه في ح .
( 3 ) شجروهم : طعنوهم . وفي ح : « فشجرتهم همدان بالرماح » .
( 4 ) في الاشتقاق 250 : « بنو حاشد وبنو بكيل منهم تفرقت همدان » .
( 5 ) القماحد : جمع قمحدوة ، وهي ما أشرف على القفا من عظم الرأس .
( 6 ) ح : « لا تدخلوا اليوم » .
( 7 ) ح ( 2 : 293 ) : « أن أبروا قسم إخوتكم » .

( 435 )

حيا كهمدان لكان الفناء .
وقال عمرو في ذلك :

إن عكـــا وحاشــدا وبكيــلا * كأسود الضــراب لاقت أسـودا

وجثا القوم بالقنــا وتســاقــوا * بظبــات السيوف موتا عتيـدا

ليس يدرون مــا الفرار وإن كـا * ن فــرارا لكــان ذاك سديـدا (1)

ازورار المنــاكب الغلـــب بالشــم وضـرب المسوميــن الخدودا

يعلم الله ما رأيت مــن القـــو * م ازورارا ولا رأيـــت صـدودا

غير ضرب فوق الطلى وعلى الهـا * م وقــرع الحديــد يعلو الحديدا

ولقد فضل المطيــع على العــا * صـي ولــم يبلغوا بـه المجهودا

ولقد قال قائـل خدمــوا الســو * ق فخــرت هناك عــك قعـودا

كبروك الجمــال أثقلهــا الحـم‍ * ل فمــا تستقــل إلا وئيـــدا (2)

ولما اشترطت عك والأشعرون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة والعطاء فأعطاهم ، لم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية وشخص بصره إليه (3) ، حتى فشا ذلك في الناس ، وبلغ ذلك عليا فساءه .
وجاء المنذر بن أبي حميصة الوادعي (4) ، وكان فارس همدان وشاعرهم فقال :
____________
( 1 ) في الأصل : « وكان ذلك شديدا » صوابه في ح .
( 2 ) في الأصل وح : « كبراك » ولا وجه لها .
( 3 ) ح : « وشخص ببصره إليه » .
( 4 ) الوادعي : نسبة إلى وادعة ، وهم بطن من همدان . الاشتقاق 253 . وفي الأصل : « الأوزاعي » صوابه في ح والإصابة 8459 . قال ابن حجر : « له إدراك ، هو أول من جعل سهم البراذين دون سهم العراب ، فبلغ عمر فأعجبه » . وفي الأصل أيضا : « بن أبي حميضة » وفي ح : « بن أبي حمضمة » صوابهما في الإصابة .

( 436 )

« يا أمير المؤمنين ، إن عكا والأشعريين طلبوا إلى معاوية الفرائض والعطاء (1) فأعطاهم ، فباعوا الدين بالدنيا ، وإنا رضينا بالآخرة من الدنيا ، وبالعراق من الشام ، وبك من معاوية . والله لآخرتنا خير من دنياهم ، ولعراقنا خير من شامهم ، ولإمامنا أهدى من إمامهم ، فاستفتحنا بالحرب ، وثق منا بالنصر (2) واحملنا على الموت » . ثم قال في ذلك :

إن عكا سالــوا الفرائض والأشـ‍ * ـعر سالـــوا جوائزا بثنيـه (3)

تركوا الديــن للعطـــاء وللفر * ض فكــانوا بذاك شر البريـه

وسألنا حســن الثواب مــن الله وصبـرا على الجهــاد ونيــه

فلكل مــا سالـــه ونـــواه * كلنا يحسـب الخلاف خطيــه

ولأهل العـــراق أحسن في الحر * ب إذامــا تدانت السمهريـه

ولأهل العــراق أحمـل للثـقـ‍ * ل إذا عمــت العبــاد بليـه (4)

ليس منـــا من لم يكن لك في الله وليــا يا ذا الولا والوصيـــه

فقال علي : حسبك ، رحمك الله . وأثنى عليه خيرا وعلى قومه . وانتهى شعره إلى معاوية فقال معاوية : والله لأستميلن بالأموال ثقات (5) علي ، ولأقسمن فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته .
وإنه لما أصبح الناس غدوا على مصافهم ، وإن معاوية نادى في أحياء اليمن فقال : عبوا إلى (6) كل فارس مذكور فيكم ، أتقوى به لهذا الحي من
____________
( 1 ) في الأصل : « والعقار » صوابه في ح .
( 2 ) بدل هاتين الجملتين في ح : « فامنحنا بالصبر » وهو نقص وتحريف .
( 3 ) سالوا : مخفف سألوا . والبثنية : المنسوبة إلى قرية بالشام بين دمشق وأذرعات . وإليها تنسب الحنطة البثنية ، وهي أجود أنواع الحنطة . ح ( 2 : 294 ) : « لبثيه » ، تحريف .
( 4 ) ح : « إذا عمت البلاد » .
( 5 ) في الأصل : « أهل ثقات علي » والوجه ما أثبت من ح .
( 6 ) ح : « عبوا لي » .

( 437 )

همدان (1) . فخرجت خيل عظيمة ، فلما رآها علي عرف أنها عيون الرجال فنادى : يا لهمدان . فأجابه سعيد بن قيس ، فقال له علي عليه السلام : احمل . فحمل حتى خالط الخيل واشتد القتال ، وحطمتهم همدان حتى ألحقوهم بمعاوية فقال : ما لقيت من همدان ، وجزع جزعا شديدا وأسرع في فرسان أهل الشام القتل ، وجمع على همدان فقال : يا معشر همدان ، أنتم درعي ورمحي يا همدان ، ما نصرتم إلا الله ولا أجبتم غيره . فقال سعيد بن قيس : « أجبنا الله وأجبناك (2) ، ونصرنا نبي الله صلى الله عليه في قبره ، وقاتلنا معك من ليس مثلك ، فارم بنا حيث أحببت » .
قال نصر : وفي هذا اليوم قال علي عليه السلام :

ولو كنت بوابــا على باب جنــة * لقلـت لهمــدان ادخلي بســلام

فقال علي عليه السلام لصاحب لواء همدان : اكفني أهل حمص ؛ فإني لم ألق من أحد ما لقيت منهم .
فتقدم وتقدمت همدان وشدوا شدة واحدة على أهل حمص فضربوهم ضربا شديدا متداركا بالسيوف وعمد الحديد ، حتى ألجؤوهم إلى قبة معاوية ، وارتجز من همدان رجل [ عداده (3) ] في أرحب ، وهو يقول :

قــد قتل الله رجــال حمــص * حرصــا على المــال وأي حرص

غــروا بقول كـــذب وخرص * قــد نكص القــوم وأي نكــص (4)

* عــن طاعـــة الله وفحــوى النص *

____________
( 1 ) ح : « علي هذا الحي من همدان » .
( 2 ) في الأصل : « أجبنا الله وأنت » صوابه في ح .
( 3 ) أي عدده ونسبته . وموضع هذه الكلمة بياض في الأصل .
( 4 ) الخرص : الكذب ، والخراص : الكذاب . ح : « وحرص » تحريف .

( 438 )

وحمل أهل حمص ورجل من كندة يقدمهم وهو يقول :

قــد قتل الله رجــال العاليــه * في يومنــا هذا وغـــدوا ثانيـه

حتى يكونــوا كرجــام باليـه (1) * مــن عهـد عاد وثمــود الثاويـه

* بالحجـــر أو يملكهــم معــاويـــه *

قال : ولما عبأ معاوية حماة الخيل لهمدان فردت خيله أسف ، فخرج بسيفه فحملت عليه فوارس همدان ، ففاتها (2) ركضا ، وانكسر حماة أهل الشام ورجعت همدان إلى مكانها . وقال حجر بن قحطان الوادعي (3) ، [ يخاطب سعيد بن قيس ] :

ألا يا ابن قيس قرت العيـن إذ رأت
فوارس همدان بــن زيد بن مالك
على عارفات للقــاء عوابــس
طوال الهوادي مشرفات الحوارك
موقرة بالطعن فــي ثغراتهــا
يجلن ويحطمـن الحصى بالسنابك (4)
عباها علي لابن هنــد وخيلـه
فلو لم يفتها كـــان أول هالـك

____________
( 1 ) الرجام : الحجارة ، وربما جمعت على القبر ليسنم . وفي الأصل : « كرجال » .
( 2 ) في الأصل : « ففارقها » .
( 3 ) وادعة : بطن من همدان . انظر 435 وفي ح : « الهمداني » .
( 4 ) الموقرة : المصلبة الممرنة ، يقال وقرتني الأسفار أي صلبتني ومرنتني عليها . ح : « معودة للطعن » . والثغرة ، بالضم : نقرة النحر . وفي الأصل : « يزلن ويلحقن القنا » صوابه من ح .

( 439 )

وكانت له في يومه عنـــد ظنــه
وفي كل يوم كاسف الشمـــس حالك

وكانت بحمد الله في كــل كربــة * حصونــا وعزا للرجــال الصعالك

فقــل لأمير المؤمنين أن ادعنــا * إذا شئت (1) إنــا عرضة للمهالــك

ونحن حطمنا السمر في حي حميــر
وكنــدة والحي الخفاف السكاســـك (2)

وعــك ولخم شائليــن سياطهم * حـــذار العوالي كالإمــاء العوارك (3)

[ قال نصر ] : و [ حدثنا عمر بن سعد ، عن رجاله ] ، أن معاوية دعا مروان بن الحكم فقال : يا مروان ، إن الأشتر قد غمني [ وأقلقني ] ، فاخرج بهذه الخيل في كلاع ويحصب ، فالقه فقاتل بها . فقال له مروان : ادع لها عمرا فإنه شعارك دون دثارك . قال : وأنت نفسي دون وريدي . قال : لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء ، أو ألحقته بي في الحرمان ، ولكنك أعطيته ما في يديك ومنيته ما في يدي غيرك ، فإن غلبت طاب له المقام ، وإن غلبت خف عليه الهرب . فقال معاوية : يغني الله عنك (4) . قال : أما اليوم فلا . ودعا معاوية عمرا وأمره بالخروج إلى الأشتر فقال : والله إني لا أقول لك كما قال لك مروان . قال : ولم تقوله (5) وقد قدمتك وأخرته ، وأدخلتك وأخرجته . قال عمرو : [ أما ] والله لئن كنت فعلت لقد قدمتني كافيا وأدخلتني ناصحا . وقد أكثر القوم عليك في أمر مصر ، وإن كان لا يرضيهم إلا أخذها فخذها (6) .
____________
( 1 ) ح : « متى شئت » .
( 2 ) انظر ص 81 س 9 .
( 3 ) العوالي : أعالي الرماح . العوارك : الحوائض .
( 4 ) ح ( 1 : 295 ) : « سيغنى الله عنك » .
( 5 ) ح : « وكيف تقوله » .
( 6 ) ح : « فإن كان لا يرضيهم إلا رجوعك فيما وثقت لي به منها فارجع فيه » .

( 440 )

فخرج عمرو في تلك الخيل فلقيه الأشتر أمام الخيل ، [ وقد علم أنه سيلقاه ] ، وهو [ يرتجز ] ويقول :

يا ليـــت شعري كيف لـي بعمرو * ذاك الـــذي أوجبت فيــه نذري

ذاك الــذي أطلبــــه بوتــري * ذاك الـــذي فيــه شفاء صدري

ذاك الــذي إن ألقـــه بعمــري * تغلى بــه عنـــد اللقاء قـدري

أولا فربــــي عـــاذري بعــذري

فعرف عمرو أنه الأشتر ، وفشل حيله (1) وجبن ، واستحيا أن يرجع ، فأقبل نحو الصوت وهو يقول :

ياليت شعري كيـــف لي بمالــك * كـــم كاهل جببته وحـــارك (2)

وفـــارس قتلتـــه وفاتـــك * ونابـــل فتكتـــه وباتـــك (3)

ومقــدم آب بوجــه حالـــك * هـــذا وهـــذا عرضة المهـالك

قال : فلما غشيه الأشتر بالرمح زاغ عنه عمرو ، فطعنه الأشتر في وجهه فلم يصنع [ الرمح ] شيئا ، وثقل عمرو فأمسك [ عنان فرسه وجعل يده ] على وجهه ، ورجع راكضا إلى العسكر ، ونادى غلام من يحصب : يا عمرو ، عليك العفا ، ماهبت الصبا ، يالحمير (4) ، إنما لكم ما كان معكم ، أبلغوني اللواء (5) . فأخذه ثم مضى ـ وكان غلاما شابا (6) ـ وهو يقول :
____________
( 1 ) الفشل : الضعف . والحيل : القوة . وفي الأصل : « خيله » تحريف ، وهذه الكلمة ليست في ح .
( 2 ) الكاهل : مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق . والحارك : أعلى الكاهل . جببته : قطعته . في الأصل : « كداجل خيبته » وفي ح : « كم جاهل جببته » والوجه ما أثبت .
( 3 ) هذا البيت ليس في ح . والمعروف في اللغة « فتكت به » .
( 4 ) ح ( 2 : 295 ) : « يا آل حمير » .
( 5 ) ح : « هاتوا اللواء » .
( 6 ) ح : « غلاما حدثا » .

( 441 )

إن يـــــك عمرو قد علاه الأشتر * بأسمــــر فيه سنــان أزهــر

فــذاك والله لعمـــري مفخـر * يا عمـــرو هيهات الجناب الأخضر (1)

يــا عمرو يكفيك الطعــان حمير * واليحصبـــي بالطعـان أمهـــر

* دون اللواء اليــــوم موت أحمـــر *

فنادى الأشتر إبراهيم ابنه : خذ اللواء ، فغلام لغلام . فتقدم وهو يقول :

يا أيها السائـــل عني لا تــرع * أقــــدم فإني من عرانين النخــع

كيف ترى طعن العراقـــي الجذع * أطيـــر في يوم الوغى ولا أقــع

ما ساءكم سر ومــا ضر نفـع (2) * أعـــددت ذا اليوم لهول المطلــع

ويحمل على الحميري فالتقاه الحميري بلوائه ورمحه ، ولم يبرحا يطعن كل منهما صاحبه حتى سقط الحميري قتيلا ، وشمت مروان بعمرو ، وغضب القحطانيون على معاوية فقالوا : تولى علينا من لا يقاتل معنا ؟ ! ول رجلا منا ، وإلا فلا حاجة لنا فيك . فقال المزعف اليحصبي ـ وكان شاعرا ـ أيها الأمير ، اسمع :

معاوي إما تدعنــــا لعظيمـــة
يلبس من نكرائها الغرض بالحقــب (3)
فول علينا مـــن يحوط ذمارنــا
من الحميريين الملوك على العــرب

____________
( 1 ) يشير إلى مصر .
( 2 ) أي ما ساءكم سرنا وما ضركم نفعنا . في الأصل : « ولا ضر » صوابه في ح .
( 3 ) الغرض : حزام الرحل . وفي الأصل : « العرض » صوابه في ح . والحقب ، بالتحريك : حبل يشد به الرحل في بطن البعير مما يلي ثيله لئلا يؤذيه التصدير .

( 442 )

ولا تأمرنا بالتـــي لا نريـــدهــا
ولا تجعلنا للهــوى موضـــع الذنب
ولا تغضبنــا ، والحــوادث جمــة
عليك ، فيفشو اليوم في يحصب الغضب
فإن لنا حقا عظيمــــا وطاعـــة
وحبـا دخيلا في المشاشة والعصب (1)

فقال لهم معاوية : [ والله ] لا أولى عليكم بعد موقفي هذا (2) إلا رجلا منكم . [ قال نصر ] : و [ حدثنا عمر بن سعد قال ] : إن معاوية لما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال : هذا يوم تمحيص ، [ وإن لهذا اليوم ما بعده ] . إن القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم ، فاصبروا وكونوا كراما (3) .
قال : وحرض علي بن أبي طالب أصحابه ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين ، قدمني في البقية من الناس ، فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا . أما أهل الشام فقد أصبنا منهم ، وأما نحن ففينا بعض البقية ، ائذن لي فأتقدم . فقال علي : تقدم باسم الله والبركة . فتقدم وأخذ رايته ، فمضى وهو يقول :

حتى متى ترجو البقايــا أصبغ * إن الرجـــاء بالقنوط يدمـغ

أما ترى أحداث دهـر تنبــغ * فادبغ هـــواك ، والأديم يدبـغ

____________
( 1 ) المشاشة : واحدة المشاش ، وهي رءوس العظام . ح : « في المشاش وفي العصب » .
( 2 ) ح : « بعد هذا اليوم » .
( 3 ) ح : « وموتوا كراما » .

( 443 )

والرفق فيما قـــد تريـد (1) أبلغ * اليـــوم شغل وغـــدا لا تفرغ

فرجع الأصبغ وقد خصب سيفه دما ورمحه ، وكان شيخا ناسكا عابدا ، وكان إذا لقى القوم بعضهم بعضا يغمد سيفه ، وكان من ذخائر على ممن قد بايعه على الموت ، وكان من فرسان أهل العراق ، وكان علي عليه السلام يضن به على الحرب والقتال .
وقال : وكانوا قد ثقلوا عن البراز حين عضتهم الحرب ، فقال الأشتر : يا أهل العراق ، أما من رجل يشري نفسه [ لله ] ؟ ! فخرج أثال بن حجل فنادى بين العسكرين : هل من مبارز ؟ فدعا معاوية حجلا فقال : دونك الرجل . وكانا مستبصرين في رأيهما ، فبرز كل واحد منهما إلى صاحبه فبدره الشيخ بطعنة فطعنه الغلام ، وانتمى (2) فإذا هو ابنه ، فنزلا فاعتنق كل وأحد منهما صاحبه وبكيا ، فقال له الأب : أي أثال ، هلم إلى الدنيا . فقال له الغلام : يا أبه ، هلم إلى الآخرة ، والله : يا أبه ، لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام لوجب عليك أن يكون من رأيك لي أن تنهاني . واسوأتاه (3) ، فماذا أقول لعلي وللمؤمنين الصالحين ؟ ! كن على ما أنت عليه ، وأنا أكون على ما أنا عليه . وانصرف حجل إلى أهل الشام ، وانصرف أثال إلى أهل العراق ، فخبر كل واحد منهما أصحابه . وقال في ذلك حجل :

أن حجـل بن عامــر وأثـــالا * أصبحــا يضربــان في الأمثــال

أقبل الفـــارس المدجـج في النق‍ * ع أثـــال يدعو يريـــد نزالــي

دون أهل العــراق يخطـر كالفح‍ * ل علـــى ظهــر هيكـل ذيــال

____________
( 1 ) في الأصل : « قديدين » صوابه في ح ( 2 : 296 ) .
( 2 ) انتمى : انتسب . وفي ح : « وانتسبا » .
( 3 ) في الآصل : « واسوأتنا » وأثبت ما في ح .

( 444 )

فدعاني له ابــن هنـد ومــا زا * ل قليــلا في صحبــه أمثالي (1)

فتناولتـــه ببـــادرة الرمــ‍ * ح وأهـــوى بأسمر عســال

فاطعنا وذاك مـــن حدث الدهر * عظيـــم ، فتـى لشيـخ بجال (2)

شاجرا بالقنـاة صــدر أبيـــه * وعظيـــم علي طعـن أثـال

لا أبالي حيـــن اعترضـت أثالا * وأثـــال كذاك ليس يبــالي

فافترقنـــا على السلامـة والنفـ * س يقيهـــا مؤخر الآجــال

لا يراني علـــى الهــدى وأراه * من هداي على سبيـــل ضلال

فلما انتهى شعره إلى أهل العراق قال أثال ـ وكان مجتهدا مستبصرا :

إن طعني وســط العجاجــة حجلا * لم يكــن في الذي نويـت عقوقا

كنت أرجو بــه الثواب مــن اللـ‍ * ـه وكونــي مع النبي رفيقــا

لم أزل أنصـــر العراق على الشـا * م (3) أرانــي بفعـل ذاك حقيقا

قال أهل العــراق إذ عظم الخــط * ب ونـــق المبارزون نقيقــا

من فتى يـأخذ الطريق إلـى اللــ‍ * ـه فكنـت الذي أخذت الطريقـا (4)

حاســر الرأس لا أريد سوى المـو * ت أرى كـــل ما يرون دقيقا (5)

فــإذا فارس تقحــم فـي النقــ‍ * ع خدبــا مثل السحوق عتيقـا (6)

فبــداني حجل ببــادرة الطعــ‍ * ن ومــا كنت قبلها مسبوقـــا

____________
( 1 ) في الأصل : « وما ذاك قليلا » صوابه في ح .
( 2 ) البجال ، بالفتح : الكبير العظيم . ح : « بشيخ بجال » .
( 3 ) في الأصل : « من الشام » وأثبت ما في ح .
( 4 ) ح : « يسلك الطريق » و « سلكت الطريق » .
( 5 ) ح : « أرى الأعظم الجليل دقيقا » .
( 6 ) الخدب : الضخم العظيم . والسحوق : النخلة الطويلة .

( 445 )

فتلافيتـــه بعاليــة الرم‍ــ * ح ، كلانـــا يطـاول العيوقــا (1)

أحمد الله ذا الجلالـــة والقـد * رة حمـــدا يــزيدنـي توفيقــا

لم أنل قتلـــه ببادرة الطعــ‍ * نــة مني ولــم أنـل ثفروقـــا (2)

قلت للشيخ لست أكفرك الده‍ــ * ر لطيــف الغــذاء والتفنيقـــا (3)

غير أني أخاف أن تدخل النــا * ر فلا تعصنــي وكن لـي رفيقــا

وكذا قــال لي ، فغـرب تغري‍ * بــا وشــرقت راجعا تشريقـــا

وإن معاوية دعا النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ، ومسلمة بن مخلد الأنصاري ، ولم يكن معه من الأنصار غيرهما ، فقال : يا هذان ، لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج ، صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال ، حتى والله جبنوا أصحابي ، الشجاع والجبان ، وحتى والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قالوا قتلته الأنصار . أما والله لألقينهم بحدي وحديدي ، ولأعبين لكل فارس منهم فارسا ينشب في حلقه ، ثم لأرمينهم بأعدادهم من قريش ، رجال لم يغذهم التمر والطفيشل (4) ، يقولون نحن الأنصار ، قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم .
____________
( 1 ) التلافي : التدارك . وعالية الرمح : أعلاه . وفي الأصل : « ببادرة الرمح » صوابه في ح . وفي ح أيضا : « فتلقيته » .
( 2 ) الثفروق : قمع البسرة والتمرة ، يقول : لم أنل منه أقل شئ . وفي الأصل : « لم أكن مفروقا » وفي ح :

إذا كففت السنان عند ولم أد * ن فتيلا أبي ولا ثفروقا
وصواب إنشاد هذا : « منه ولا ثفروقا » .
( 3 ) التفنيق : التنعيم . ح : « لست أكفر نعماك » .
( 4 ) الطفيشل ، بوزن سميدع ، كما في القاموس ، ويقال له أيضا « طفشيل » . ولفظه فارسي معرب ، وهو بالفارسية « تفشله » أو « تفشيله » وقد فسره استينجاس في 313 بأنه ضرب من اللحم يعالج بالبيض والجزر والعسل ، وفسر في القاموس بأنه نوع من المرق . وجعله البغدادي في كتاب الطبيخ ضربا من التنوريات ، أي الأطعمة التي تنضج في التنور . وفي منهاج الدكان 220 : « طفشيل كل طعام يعمل من القطاني ، أعتى الحبوب كالعدس والجلبان وما أشبه ذلك » . انظر حواشي الحيوان ( 3 : 24 / 5 : 226 ) .

( 446 )


فغضب النعمان فقال : يا معاوية ، لا تلومن الأنصار بسرعتهم في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية . فأما دعاؤهم الله فقد رأيتهم مع رسول الله صلى الله عليه [ يفعلون ذلك كثيرا ] . وأما لقاؤك إياهم في أعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم [ قديما ] ، فإن أحببت أن ترى فيهم مثل ذلك آنفا فافعل . وأما التمر والطفيشل فإن التمر كان لنا ، فلما أن ذقتموه شاركتمونا فيه . وأما الطفيشل فكان لليهود ، فلما أكلناه غلبناهم عليه ، كما غلبت قريش على السخينة (1) .
ثم تكلم مسلمة بن مخلد فقال : يا معاوية ، إن الأنصار لا تعاب أحسابها ولا نجداتها . وأما غمهم إياك فقد والله غمونا ، ولو رضينا ما فارقونا وما فارقنا جماعتهم ، وإن في ذلك لما فيه من مباينة العشيرة ، ومباعدة الحجاز وحرب العراق ، ولكن حملنا ذلك لك ، ورجونا منك عوضه . وأما التمر والطفيشل فإنهما يجران (2) عليك نسب السخينة والخرنوب .
وانتهى الكلام إلى الأنصار ، فجمع قيس بن سعد الأنصاري ، الأنصار ثم قام خطيبا فيهم فقال : إن معاوية قد قال ما بلغكم ، وأجاب عنكم صاحباكم (3) ، فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس ، وإن وترتموه في الإسلام فقد وترتموه في الشرك ، ومالكم إليه من ذنب [ أعظم ] من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه ، فجدوا اليوم جدا تنسونه [ به ] ما كان أمس ، وجدوا غدا [ جدا ] تنسونه (4) [ به ] ما كان اليوم ، وأنتم مع هذا
____________
( 1 ) السخينة : طعام يتخذ من دقيق وسمن ـ وقيل من دقيق وتمر ـ أغلظ من الحساء وأرق من العصيدة . وكانت قريش تكثر من أكلها فعيرت بها حتى سموا سخينة .
( 2 ) في الأصل : « يجبران » وأثبت ما في ح ( 4 : 297 ) .
( 3 ) أي النعمان ومسلمة . وفي الأصل : « صاحبكم » صوابه في ح .
( 4 ) في الأصل : « فتنسونه » وأثبت ما في ح .

( 447 )

اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل ، والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب . وأما التمر فإنا لم نغرسه ، ولكن غلبنا عليه من غرسه . وأما الطفيشل فلو كان طعامنا لسمينا به اسما كما سميت قريش السخينة . ثم قال قيس بن سعد في ذلك :

يا ابن هند دع التوثب في الحــر * ب إذا نحــن في البــلاد نأينــا (1)

نحن من قد رأيت فـادن (2) إذ شئـ‍ * ت بمــن شئت في العجــاج إلينا

إن برزنا بالجمع نلقك فـي الجمــ‍ * ع وإن شئــت محضـة أسرينــا

فالقنـــا في اللفيف نلقك في الخـز * رج ندعــو في حربنــا أبوينـا

أي هذيــن مــا أردت فخـــذه * ليــس منا وليس منــك الهوينـا

ثم لا تنـــزع العجاجــة حتـى * تنجلــي حربنا لنــا أو علينــا (3)

ليــت ما تطلب الغـداة أتانـــا * أنعـــم الله بالشهــادة عينـــا

إننا إننـــا الذيـــن إذا الفتــ‍ * ح شهدنــا وخيبــرا وحنينـــا

بعـــد بدر وتلك قاصمـــة الظهر وأحــــد وبالنضيـــر ثنينـا

يوم الاحــزاب ، قــد علم النا * س ، شفينــا من قبلكــم واشتفينـا (4)

فلما بلغ شعره معاوية دعا عمرو بن العاص فقال : ما ترى في شتم الأنصار ؟ قال : أرى أن توعد ولا تشتم ، ما عسى أن نقول لهم ؟ إذا أردت ذمهم فذم أبدانهم ولا تذم أحسابهم . قال معاوية : إن خطيب الأنصار قيس بن سعد يقوم كل يوم خطيبا ، وهو والله يريد أن يفنينا غدا إن لم يحبسه عنا حابس الفيل ، فما الرأي ؟ قال : الرأي التوكل والصبر . فأرسل معاوية إلى رجال
____________
( 1 ) ح : « بالجياد سرينا » .
( 2 ) في الأصل : « فأذن » صوابه في ح ( 2 : 297 ) .
( 3 ) العجاجة : واحدة العجاج ، وهو ما ثورته الريح . تنزع : تكف . وفي الأصل : « ينزع » وفي ح : « لا نسلخ » .
( 4 ) لعلها : « وبيوم الأحزاب » .

( 448 )

من الأنصار فعاتبهم ، منهم عقبة بن عمرو ، وأبو مسعود ، والبراء بن عازب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وخزيمة بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وعمرو بن عمير (1) والحجاج بن غزية ، وكان هؤلاء يلقون في تلك الحرب ، فبعث معاوية بقوله : لتأتوا قيس بن سعد . فمشوا بأجمعهم إلى قيس ، فقالوا : إن معاوية لا يريد شتما فكف عن شتمه . فقال : إن مثلي لا يشتم ، ولكني لا أكف عن حربه حتى ألقى الله . وتحركت الخيل غدوة فظن قيس بن سعد أن فيها معاوية ، فحمل على رجل يشبهه فقنعه بالسيف فإذا غير معاوية ، وحمل الثانية [ على آخر ] يشبهه أيضا فضربه ، ثم انصرف وهو يقول :

قولوا لهــذا الشاتمــي معاويــه * إن كــل ما أوعدت ريـح هاويـه

خوفتنا أكلـــب قــوم عاويــه * إلى يــا بــن الخاطئين الماضيـة

ترقل إرقــال العجوز الجارية (2) * في أثــر الساري ليالــى الشاتيــه (3)

فقال معاوية : يا أهل الشام ؛ إذا لقيتم هذا الرجل فأخبروه بمساويه . وغضب النعمان ومسلمة على معاوية فأرضاهما بعد ما هما أن ينصرفا إلى قومهما ، ولم يكن مع معاوية من الأنصار غيرهما . ثم إن معاوية سأل النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله السلم . فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين فقال : يا قيس ، أنا النعمان بن بشير . فقال قيس : هيه يا ابن بشير فما حاجتك ؟ فقال النعمان : يا قيس ، إنه قد أنصفكم من دعاكم إلى ما رضى لنفسه ، ألستم معشر الأنصار ،
____________
( 1 ) عمرو بن عمير الأنصاري ، أحد الصحابة ، وقد اختلف في اسمه فقيل عمرو بن عمرو ، وقيل عامر بن عمير أيضا . وفي الأصل : « عمير بن عمر » تحريف . الإصابة 4404 ، 5914 .
( 2 ) العجوز : الكلبة . وفي الأصل : « العجوز الحاوية » .
( 3 ) الساري : السحاب الذي يسري ليلا . والكلاب تنبح السحاب . انظر الحيوان ( 2 : 73 ) .

( 449 )

تعلمون أنكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار ، وقتلتم أنصاره يوم الجمل وأقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين ، فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة ، ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا ، ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى أعلمتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ، ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة ، ووعدتموه الظفر . وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم . فاتقوا الله في البقية .
فضحك قيس ثم قال : ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة ، إنه لا ينصح أخاه من غش نفسه ، وأنت والله الغاش الضال المضل . أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها مني ، واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه ، وخذله من هو خير منك . وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث . وأما معاوية فو الله أن لو اجتمعت عليه العرب [ قاطبة ] لقاتلته الأنصار . وأما قولك إنا لسنا كالناس ، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله ، نتقي السيوف بوجوهنا ، والرماح بنحورنا ، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ، ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور . انظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان ، الذين رضي الله عنهم ، ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك ، ولستما والله ببدريين [ ولا عقبيين ] ولا أحديين ، ولا لكما سابقة في الإسلام ولا آية في القرآن . ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك » .
وقال قيس في ذلك :

والراقصات بكل أشعث أغبـــر * خوص العيــون تحثها الركبــان

ما ابن المخلد ناسيـــا أسيافنــا * في من نحاربـــه ولا النعمـان (1)

____________
( 1 ) ابن المخلد يعني به مسلمة بن مخلد الآنصاري . وفي الأصل : « عمن تحاربه » والوجه ما أثبت . والمقطوعة لم ترد في مظنها من ح .
( 29 ـ صفين )