الظفر إن لم تجمعوا على الخور ؟ ! فقال له رجل من الناس : إنك والله رأيت ظفرا ولا خورا ، هلم فأشهد على نفسك ، وأقرر بما كتب في هذه الصحيفة فإنه لا رغبة بك عن الناس . قال : بلى والله ، إن بي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا وفي الآخرة للآخرة . ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي ولا أحرم دما . فقال عمار بن ربيعة : فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قصع على أنفه الحمم (1) ، وهو الأشعث بن قيس . ثم قال : ولكن قد رضيت بما صنع علي أمير المؤمنين ، ودخلت فيما دخل فيه ، وخرجت مما خرج منه ، فإنه لا يدخل إلا في هدى وصواب .
نصر ، عن عمر ، عن أبي جناب ، عن إسماعيل بن سميع (2) ، عن شقيق بن سلمة (3) وغيره ، أن الأشعث خرج في الناس بذلك الكتاب يقرؤه على الناس ، ويعرضه عليهم ويمر به على صفوف أهل الشام وراياتهم فرضوا بذلك ، ثم مر به على صفوف أهل العراق وراياتهم يعرضه عليهم حتى مر برايات عنزة وكان مع علي من عنزة بصفين أربعة آلاف مجفف (4) ـ فلما مربهم الأشعث فقرأه عليهم قال فتيان منهم : لا حكم إلا لله . ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما [ فقاتلا ] حتى قتلا على باب رواق معاوية ، وهما أول من حكم (5) واسماهما معدان وجعد ، أخوان . ثم مر بها على مراد فقال صالح بن شقيق وكان من رؤسائهم :
____________
( 1 ) القصع : الضرب والدلك . والحمم : الرماد والفحم وكل ما احترق من النار ، واحدته حمة . وفي ح ( 1 : 192 ) : « الحميم » . وما أثبت من الأصل يطابق ما في الطبري .
( 2 ) ح : « شفيع » .
( 3 ) ح : « سفيان بن سلمة » .
( 4 ) المجفف : لابس التجفاف ، وأصله ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراحة .
( 5 ) في اللسان : « والخوارج يسمون المحكمة ، لإنكارهم أمر الحكمين وقولهم لا حكم إلا لله » .

( 513 )

ما لعلي في الدمـــاء قـد حكـم * لو قاتــل الأحزاب يومــا ما ظلم

لا حكم إلا لله ولو كره المشركون . ثم مر على رايات بني راسب فقرأها عليهم فقالوا : لا حكم إلا لله ، لا نرضى ولا نحكم الرجال في دين الله . ثم مر على رايات بني تميم (1) فقرأها عليهم فقال رجل منهم : لا حكم إلا لله ، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين . فقال رجل منهم لآخر : أما هذا فقد طعن طعنة نافذة . وخرج عروة بن أدية أخو مرداس بن أدية التميمي فقال : أتحكمون الرجال في أمر الله ، لا حكم إلا لله ، فأين قتلانا يا أشعث . ثم شد بسيفه ليضرب به الأشعث ، فأخطأه وضرب به عجز دابته ضربة خفيفة ، فاندفع به الدابة وصاح به الناس أن أمسك يدك . فكف ورجع الأشعث إلى قومه ، فأتاه ناس كثير من أهل اليمن ، فمشى إليه الأحنف بن قيس ، ومعقل بن قيس ، ومسعر بن فدكي ، ورجال من بني تميم ، فتنصلوا إليه واعتذروا ، فقبل منهم الأشعث فتركهم وانطلق إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عرضت الحكومة على صفوف أهل الشام وأهل العراق ، فقالوا جميعا : قد رضينا . حتى مررت برايات بني راسب ونبذ من الناس سواهم (2) ، فقالوا : لا نرضى ، لا حكم إلا لله . فلنحمل بأهل العراق وأهل الشام عليهم فنقتلهم . فقال علي : هل هي غير راية أو رايتين ونبذ من الناس ؟ قال : بلى (3) . قال : دعهم . قال : فظن علي عليه السلام أنهم قليلون لا يعبأ بهم . فما راعه إلا نداء الناس من كل جهة وفي كل ناحية : لا حكم إلا لله ، الحكم لله يا علي لا لك ، لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين الله . إن الله قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه ، أن يقتلوا
____________
( 1 ) ح ( 1 : 192 ) : « رايات تميم » .
( 2 ) النبذ ، بالفتح : الشئ القليل ، وجمعه أنباذ .
( 3 ) في الأصل وح ( 1 : 193 ) : « لا » .
( 33 ـ صفين )

( 514 )

أو يدخلوا في حكمنا عليهم (1) . وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين ، فرجعنا وتبنا ، فارجع أنت يا علي كما رجعنا ، وتب إلى الله كما تبنا ، وإلا برئنا منك . فقال علي : ويحكم ، أبعد الرضا [ والميثاق ] العهد نرجع . أو ليس الله الله تعالى قال : ( أوفوا بالعقود (2) ) ، وقال : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ) . فأبى على أن يرجع ، وأبت الخوارج إلا تضليل التحكيم والطعن فيه ، وبرئت من علي عليه السلام ، وبرئ منهم ، وقام خطيب أهل الشام حمل بن مالك بين الصفين فقال : أنشدكم الله يا أهل العراق إلا أخبرتمونا لم فارقتمونا ؟ قالوا : فارقناكم لأن الله عز وجل أحل البراءة ممن حكم بغير ما أنزل الله ، فتوليتم الحاكم بغير ما أنزل الله ، وقد أحل عداوته وأحل دمه إن لم يرجع إلى التوبة ويبؤ بالدين (3) . وزعمتم أنتم خلاف حكم الله فتوليتم الحاكم بغير ما أنزل الله وقد أمر الله بعداوته ، وحرمتم دمه وقد أمر الله بسفكه ، فعاديناكم لأنكم حرمتم ما أحل الله ، وحللتم ما حرم الله ، وعطلتم أحكام الله واتبعتم هواكم بغير هدى من الله . قال الشامي حمل بن مالك (4) : قتلتم أخانا وخليفتنا ونحن غيب عنه ، بعد أن استتبتموه فتاب ، فعجلتم عليه فقتلتموه ، فنذكركم الله لما أنصفتم الغائب (5) المتهم لكم ، فإن قتله لو كان عن ملأ من الناس ومشورة كما كانت إمرته ، لم يحل لنا الطلب بدمه ، وإن أطيب التوبة والخير في العاقبة أن يعرف من لا حجة له الحجة عليه
____________
( 1 ) ح : « تحت حكمنا عليهم » .
( 2 ) من الآية الأولى في سورة المائدة . وفي الأصل : « بالعهود » تحريف .
( 3 ) يبوء : يقر ويعترف . وفي الأصل : « ويبوء بالدين » .
( 4 ) في الأصل : « حمزة بن مالك » .
( 5 ) لما ، هنا ، بمعنى إلا ، كما في قول الله : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) .

( 515 )

وذلك أقطع للبغي ، وأقرب للمناصحة . وقد رضينا أن تعرضوا ذنوبه على كتاب الله أولها وآخرها ، فإن أحل الكتاب دمه برئنا منه وممن تولاه ومن يطلب دمه ، وكنتم قد أجرتم في أول يوم وآخره . وإن كان كتاب الله يمنع دمه ويحرمه تبتم إلى الله ربكم ، وأعطيتم الحق من أنفسكم في سفك دم بغير حله بعقل أو قود ، أو براءة ممن فعل ذلك وهو ظالم . ونحن قوم نقرأ القرآن وليس يخفى علينا منه شئ ، فأفهمونا الأمر الذي استحللتم عليه دماءنا . قالوا : نعم ، قد بعثنا منا رجلا ومنكم رجلا يقرآن القرآن كله ويتدارسان ما فيه ، وينزلان عند حكمه علينا وعليكم . وإنا قد بعثنا منا من هو عندنا مثل أنفسنا ، وجعلنا لهما أن ينتهيا إليه ، وأن يكون أمرهما على تؤدة ، ونسأل عما يجتمعان عليه وما يتفرقان عنه ، فإنما فارقناكم في تفسيره ولم نفارقكم في تنزيله . ونحن وأنتم نشهد أنه من عند الله ، فإنما نريد أن نسأل عنه مما تفسرون ، مما جهلنا (1) نحن تفسيره ، فنسأل عنه أهل العلم (2) منا ومنكم ، فأعطيناكم على هذا الأمر ما سألتم من شأن الحكمين . وإنما بعثا ليحكما بكتاب الله ، يحييان ما أحيا الكتاب ويميتان ما أمات الكتاب ، فأما ما لم يجدا في الكتاب فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة . ولم يبعثا ليحكما بغير الكتاب . ولو أرادا اللبس على أمة محمد لبرئت منهما الذمة (3) وليس لهما على أمة محمد حكم . فلما سمع المسلمون قولهم علموا أن على كل مخاصم إنصاف خصيمه وقبول الحق منه وإن كان قد منعه فقاتل عليه ، لأنهم إلى الحق دعوا أول يوم ، وبه عملوا يقينا غير شك ، ومن الباطل استعتبوا ، وعلى عماية قتلوا من قتلوا . ونظر القوم في أمرهم ، وشاوروا قائدهم ، وقالوا : قد قبلنا من عثمان بن عفان حين
____________
( 1 ) في الأصل : « ما جعلنا » .
( 2 ) في الأصل : « السلم » .
( 3 ) في الأصل : « فبرئت منهما الذمة » .

( 516 )

دعى إلى الله والتوبة من بغيه وظلمه ، وقد كان منا عنه كف حين أعطانا أنه تائب حتى جرى علينا حكمه بعد تعريفه ذنوبه ، فلما لم يتم التوبة وخالف بفعله عن توبته قلنا اعتزلنا ونولي أمير المؤمنين رجلا يكفيك ويكفينا ، فإنه لا يحل لنا أن نولي أمر المؤمنين رجلا نتهمه في دمائنا وأموالنا ، فأبى ذلك وأصر ، فلما أن رأينا ذلك منه قتلناه ومن تولاه بعد قتلنا إياه ، وهم يعرضون كتاب الله بيننا وبينهم ، ويسألونا حجتنا عليهم ، وإنما هم صادقون أو كاذبون في نيتهم ، وليس لنا عذر في إنصافهم والموادعة والكف عنهم حتى يرجعوا بتوبة أو مناصحة بعد أن نقررهم ونعرفهم ظلمهم وبغيهم ، أو يصروا فيغلبنا عليهم ما غلبنا على قائدهم فنقتلهم ، فإنما نطلب الحجة بعد العذر ، ولا عذر إلا ببينة ، ولا بينة إلا بقرآن أو سنة (1) . وهم خلطاء في الدين ، ومقرون بالكتاب والنبي صلى الله عليه ، ليسوا بمنزلة أحد ممن حارب المسلمين ، أهل بغى أمر الله أن يقاتلوا حتى يفيئوا من بغيهم إلى أمر الله ، وبرئوا ببغيهم من الإيمان . قال الله عز وجل على لسان نبيه داود : ( وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) . هؤلاء منافقون ، لأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف وقتالهم عليه ، ولا تباعهم ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم . بذلك تفنى حسناتهم ، وذلك أنه كانت لهم حسنات لم تنفعهم حين عاداهم . فقبل أمير المؤمنين مناصفتهم في المنازعة عند الحكمين بالدين بأن يحكم بكتاب الله ويرد المحق والمبطل إلى أمره ، و [ ما (2) ] يرضى به ، وفيما نزل بهم أمر ليس فيه قرآن يعرفونه فالسنة الجامعة العادلة غير المفرقة ،
____________
( 1 ) في الأصل : « وسنة » .
( 2 ) ليست في الأصل .

( 517 )

فلم يكن يسع أحدا من الفريقين ترك كتاب الله والسنة بعد قول الله عزوجل في صفة عدوه ومن يرغب عن كتابه وهو مقر بتنزيله ، حامل لميثاقه : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ) . وقال الله تعالى يعيرهم بذلك : ( أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون ) . وما أولئك بالمؤمنين ، إنهم لو كانوا مؤمنين رضوا بكتابي ورسولي . ثم أنزل : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ) . يعني أنهم أصابوا حقائق الإيمان والصلح . فلم يسع عليا أمير المؤمنين إلا الكف بعد توكيدهم الميثاق ، وضربهم الأجل ، والرضا بأن يحكم بينهم رجلان بكتاب الله ـ فيما تنازع فيه عباد الله ـ بما أنزل الله وسنة رسوله ، ليبلغ الشاهد الغائب منهم سبيل المحق من المبطل ، ألا يغير بمؤمن غائب برضا غوى (1) أو عم (2) غير مهتد ، فيسمى أمير المؤمنين من كل باسمه حتى يقره الكتاب (3) على منزلته .
قال : فنادت الخوارج أيضا في كل ناحية : لا حكم إلا الله ، لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله ، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم ، وقد كانت منا خطيئة وزلة حين رضينا بالحكمين ، وقد تبنا إلى ربنا ورجعنا عن ذلك ، فارجع كما رجعنا ، وإلا فنحن منك براء . فقال علي : ويحكم ، بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع ؟ أو ليس الله يقول : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها
____________
( 1 ) كذا وردت هذه العبارة .
( 2 ) في الأصل : « عمى » .
( 3 ) في الأصل : « يفرده الكتاب » .

( 518 )

وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ) . فبرئوا من علي وشهدوا عليه بالشرك ، وبرئ علي منهم .
نصر ، عن عمر بن سعد قال : حدثني أبو عبد الله يزيد الأودي أن رجلا منهم كان يقال له عمرو بن أوس ، قاتل مع علي يوم صفين وأسره معاوية في أسرى كثيرة ، فقال له عمرو بن العاص : اقتلهم . قال عمرو بن أوس لمعاوية : إنك خالي فلا تقتلني . فقامت إليه بنو أود (1) فقالوا : هب لنا أخانا . فقال : دعوه فلعمري لئن كان صادقا ليستغنين عن شفاعتكم ، وإن كان كاذبا فإن شفاعتكم لمن ورائه . فقال له معاوية : من أين أنا خالك ؟ فما بيننا وبين أود من مصاهرة . فقال : فإذا أخبرتك فعرفت فهو أماني عندك ؟ قال : نعم . قال : ألست تعلم أن أم حبيبة (2) ابنة أبي سفيان زوجة النبي صلى الله عليه هي أم المؤمنين ؟ قال : بلى . قال : فأنا ابنها وأنت أخوها ، فأنت خالي . فقال معاوية : ما له لله أبوه ، ما كان (3) في هؤلاء الأسرى أحد يفصن لها غيره . وقال : خلوا سبيله .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن الشعبي قال : أسر علي أسرى يوم صفين ، فخلى سبيلهم فأتوا معاوية ، وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية : اقتلهم . فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم علي فقال
____________
( 1 ) أود ، بالفتح . وهم من بني معن بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان .
( 2 ) أم حبيبة كنية لها . واسمها رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس . وقيل بل اسمها هند . وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية . وقد تزوجها رسول الله وهي في الحبشة ، زوجه إياها سعيد بن العاص ، وأصدقها النجاشي عن رسول الله أربعمائة . دينار ، وعمل النجاشي لذلك طعاما . وقد دخل بها الرسول قبل إسلام أبيها . وماتت بالمدينة سنة 44 . انظر الإصابة ( قسم النساء ) والروض الأنف ( 2 : 368 ) . وفي الأصل : « أن حبيبة » صوابه « أن أم حبيبة » .
( 3 ) ح ( 1 : 193 ) : « أما كان » .

( 519 )

معاوية : يا عمرو ، لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر . ألا تراه (1) قد خلى سبيل أسرانا . فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي . وكان علي إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلى سبيله ، إلا أن يكون قد قتل أحدا من أصحابه فيقتله به ، فإذا خلى سبيله فإن عاد الثانية قتله ولم يخل سبيله . وكان علي لا يجهز على الجرحى (2) ولا علي من أدبر بصفين ، لمكان معاوية .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة (3) قال : أتى سليمان بن صرد عليا أمير المؤمنين بعد الصحيفة ، ووجهه مضروب بالسيف ، فلما نظر إليه علي قال : ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) . فأنت ممن ينتظر وممن لم يبدل . فقال : يا أمير المؤمنين ، أما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة أبدا . أما والله لقد مشيت في الناس ليعودوا إلى أمرهم الأول فما وجدت أحدا عنده خير إلا قليلا .
وقام إلى علي محرز بن جريش (4) بن ضليع فقال : يا أمير المؤمنين ، ما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل ، فو الله إني لأخاف أن يورث ذلا . فقال علي : أبعد أن كتبناه ننقضه (5) ، إن هذا لا يحل . وكان محرز يدعى « مخضخضا » وذاك أنه أخذ عنزة بصفين (6) ، وأخذ معه إداوة من ماء ، فإذا وجد رجلا من أصحاب علي جريحا سقاه من الماء ، وإذا وجد رجلا من أصحاب معاوية خضخضه بالعنزة حتى يقتله .
____________
( 1 ) في الأصل : « ألا ترى » .
( 2 ) أجهز على الجريح : أسرع قتله . وفي اللسان : « ومنه حديث علي رضوان الله عليه : « لا يجهز علي جريحهم » . وفي الأصل : « لا يجبر » تحريف .
( 3 ) عون بن أبي جحيفة ، بتقديم الجيم وبهيئة التصغير ، السوائي ، بضم السين ، الكوفي . ثقة من الرابعة . مات سنه 116 . تقريب التهذيب .
( 4 ) ح ( 1 : 193 ) : « محمد بن جريش » .
( 5 ) في الأصل : « أما بعد » بإقحام « ما » ، صوابه في ح .
( 6 ) العنزة ، بالتحريك : رميح صغير .

( 520 )

نصر ، عن عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن أبي الوداك قال : لما تداعى الناس إلى الصلح بعد رفع المصاحف ـ قال ـ قال علي : إنما فعلت ما فعلت لما بدا فيكم الخور والفشل ـ هما الضعف ـ فجمع سعيد بن قيس قومه ، ثم جاء في رجراجة (1) من همدان كأنها ركن حصير (2) ـ يعني جبلا باليمن ـ فيهم عبد الرحمن (3) ، غلام له ذؤابة ، فقال سعيد : هأنذا وقومي ، لا نرادك ولا نرد عليك (4) ، فمرنا بما شئت . قال : أما لو كان هذا قبل رفع المصاحف (5) لأزلتهم عن عسكرهم أو تنفرد سالفتي قبل ذلك ، ولكن انصرفوا راشدين ، فلعمري ما كنت لأعرض قبيلة واحدة للناس .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن إسحاق بن يزيد ، عن الشعبي ، أن عليا قال يوم صفين حين أقر الناس بالصلح : إن هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيئوا إلى الحق (6) ، ولا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر ، وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب ، وحتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس ، وحتى يدعوا الخيل في نواحي أرضهم وبأحناء مساربهم ومسارحهم ، وحتى تشن عليهم الغارات من كل فج ، وحتى يلقاهم قوم صدق صبر ، لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله ، وحرصا على لقاء الله . ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ، ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا
____________
( 1 ) كلمة : « في » ليست في الأصل .
( 2 ) حصير : حصن باليمن من أبنية ملوكهم القدماء ، عن ياقوت . وفي الأصل وح : « حصين » تحريف .
( 3 ) هو عبد الرحمن بن سعيد بن قيس ، كما في ح .
( 4 ) بدلهما في ح : « لا نرد أمرك » .
( 5 ) بدلها في ح : « قبل سطر الصحيفة » أي كتابتها .
( 6 ) ح : « لينيبوا إلى الحق » وهما بمعنى .

( 521 )

على أمض الألم ، وجدا على جهاد العدو ، والاستقلال بمبارزة الأقران . ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين ، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقى صاحبه كأس المنون ، فمرة لنا من عدونا ، ومرة لعدونا منا . فلما رآنا الله صبرا صدقا أنزل الله بعدونا الكبت ، وأنزل علينا النصر . ولعمري لو كنا نأتي مثل الذين أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام . وايم الله لتحلبنها دما ، فاحفظوا ما أقول لكم ـ يعني الخوارج .
نصر ، عن عمر ، عن فضيل بن خديج قال : قيل لعلي لما كتبت الصحيفة إن الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة ، ولا يرى إلا قتال القوم . فقال علي : بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضيت ، وقد رضيت ورضيتم ، ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ، ولا التبديل بعد الإقرار ، إلا أن يعصي الله ويتعدى ما في كتابه . وأما الذي ذكرتم من تركه أمرى وما أنا عليه فليس من أولئك ، وليس أتخوفه على ذلك (1) ، وليت فيكم مثله اثنين ، بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوه مثل رأيه ، إذن لخفت على مؤونتكم ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم . وأما القضية فقد استوثقنا لكم فيها ، فقد طمعت ألا تضلوا إن شاء الله رب العالمين . وكان الكتاب في صفر ، والأجل في شهر رمضان لثمانية أشهر يلتقى الحكمان .
ثم إن الناس أقبلوا على قتلاهم يدفنونهم . قال : وكان عمر بن الخطاب دعا حابس بن سعد الطائي فقال له : إني أريد أن أوليك قضاء حمص فكيف أنت صانع . قال : أجتهد رأيي ، وأستشير جلسائي . فانطلق فلم يمض إلا يسيرا حتى رجع فقال : يا أمير المؤمنين ، إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك . قال : هاتها . قال : رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق ومعها جمع عظيم ،
____________
( 1 ) ح : « ولا أعرفه على ذلك » .
( 522 )

وكأن القمر أقبل من المغرب ومعه جمع عظيم ، فقال له عمر : مع أيهما كنت ؟ قال : كنت مع القمر . قال عمر : كنت مع الآية الممحوة ، [ اذهب ، ف‍ ] لا والله لا تعمل لي عملا . فرده فشهد مع معاوية صفين وكانت راية طيئ (1) معه ، فقتل يومئذ فمر به عدي بن حاتم ، ومعه ابنه زيد بن عدي فرآه قتيلا فقال : يا أبه ، هذا والله خالي . قال : نعم ، لعن الله خالك فبئس والله المصرع مصرعه . فوقف زيد فقال : من قتل هذا الرجل ـ مرارا ـ فخرج إليه رجل من بكر بن وائل طوال يخضب ، فقال : أنا والله قتلته . قال له : كيف صنعت به (2) . فجعل يخبره ، فطعنه زيد بالرمح فقتله ، وذلك بعد أن وضعت الحرب أوزارها . فحمل عليه عدي يسبه ويسب أمه ويقول : يا ابن المائقة ، لست على دين محمد إن لم أدفعك إليهم . فضرب [ زيد ] فرسه فلحق بمعاوية ، فأكرمه معاوية وحمله وأدنى مجلسه ، فرفع عدي يديه فدعا عليه فقال : اللهم إن زيدا قد فارق المسلمين ، ولحق بالمحلين (3) اللهم فارمه بسهم من سهامك لا يشوى (4) ـ أو قال : لا يخطئ ـ فإن رميتك لا تنمي (5) ، لا والله لا أكلمه من رأسي (6) كلمة أبدا ، ولا يظلني وإياه سقف بيت أبدا . قال وقال زيد في قتل البكري :

من مبلغ أبناء طــي بأننــي * ثأرت بخــالي ثم لــم أتأثـم

____________
( 1 ) في الأصل : « راية علي » صوابه في ح ( 1 : 194 ) .
( 2 ) في الأصل : « له » وأثبت ما في ح .
( 3 ) ح : « بالملحدين » .
( 4 ) أشوى : رمى فأصاب الشوى ـ وهي الأطراف ـ ولم يصب المقتل .
( 5 ) الإنماء : أن ترمى الصيد فيغيب عنك فيموت . والإصماء : أن ترميه فتقتله على المكان بعينه قبل أن يغيب عنه . وفي حديث ابن عباس : « كل ما أصميت ودع ما أنميت » وفي قول امرئ القيس :

فهو لا تنمـــى رميتـــه * مالـــه لا عـــد مـن نفره

وفي الأصل : « لا تمنى » تحريف . وهذه العبارة ليست في ح .
( 6 ) في الأصل : « رأس » صوابه في ح ( 1 : 194 ) .

( 523 )

تركت أخـــا بكر ينــوء بصدره * بصفين مخضوب (1) الجيوب من الدم

وذكرنـــي ثأري غـداة رأيتــه * فأوجرتـــه رمحي فخـر على الفم

لقد غادرت أرمـــاح بكر بن وائل * قتيلا عـــن الأهوال ليس بمحجـم

قتيلا يظل الحــي يثنـون بعــده * عليـــه بأيد من نــداه وأنعـــم

لقد فجعــت طي بحلــم ونائــل * وصاحــب غارات ونهـب مقسـم

لقد كان خالــي ليس خال كمثلــه * دفاعـــا لضيم واحتمــالا لمغرم (2)

قال : ولما لحق زيد بن عدي بمعاوية تكلم رجال من أهل العراق في عدي بن حاتم ، وطعنوا في أمره ، وكان عدي سيد الناس مع علي في نصيحته وغنائه ، فقام إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، أما عصم الله رسوله من حديث النفس والوساوس وأماني الشيطان بالوحي ؟ وليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه . وقد أنزل في عائشة وأهل الإفك . والنبي صلى الله عليه خير منك ، وعائشة يومئذ خير مني . وقد قربني زيد للظن وعرضني للتهمة . غير أني إذا ذكرت مكانك من الله ومكاني منك ارتفع حناني (3) ، وطال نفسي . ووالله أن لو وجذت زيدا لقتلته ، ولو هلك ما حزنت عليه . فأثنى عليه علي خيرا . وقال عدي في ذلك :

يا زيد قــد عصبتني بمصابــة * وما كنت للثــوب المدنس لابســا

فليتك لــم تخلق وكنت كمن مضى * وليتك إذ لــم تمض لم تـر حابسا

ألا زاد أعداء وعق ابــن حاتــم * أبــاه وأمسى بالفريقيــن ناكسـا

وحامت عليه مذحـج دون مذحــج * وأصبحت للأعداء ساقــا ممارسـا

____________
( 1 ) ح ( 1 : 195 ) : « مخضوب الجبين » .
( 2 ) المغرم : ما يلزم أداؤه من حمالة وغيرها . وفي الأصل : « لمعدم » صوابه في ح .
( 3 ) أراد ذهب حناني . وفي الأصل : « أرانسع حناني » .

( 524 )

نكصت على العقبين يا زيــد ردة * وأصبحت قــد جدعت منا المعاطسا

قتلت امرأ مــن آل بكر بحابـس * فأصبحت ممــا كنت آمل آيســـا

نصر عن عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي قال : حدثني نويرة بن خالد الحارثي ، أن ابن عمه النجاشي قال في وقعة صفين ـ رواه نصر قال : رواه أيضا عن عمر بن سعد بإسناده ـ :

ونجى ابــن حرب سابــح ذو علالة * أجش هزيــم والرمــاح دوانـي

سليم الشظاعبــل الشوى شنج النسـا * أقب الحشــا مستطلــع الرديـان

إذا قلت أطــراف العـوالي ينلنه (1) * مرتــه به الساقــان والقدمــان

حسبتم طعان الاشعريــن ومذحــج * وهمدان أكــل الزبـد بالصرفان (2)

فما قتلت عــك ولخــم وحميــر * وعيلان إلا يــوم حرب عــوان

وما دفنت قتلـى قريــش وعامــر * بصفيــن حتى حكـم الحكمــان

غشيناهم يــوم الهريــر بعصبـة * يمانيــة كالسيل سيــل عـران (3)

____________
( 1 ) في كتاب الخيل لأبي عبيدة ص 162 : « تناله » . وبعض أبيات هذه القصيدة فيه ، وهي على هذا الترتيب : 1 ، 3 ، 2 ، 30 ثم بيتان آخران ، وهما :

من الأعوجيات الطوال كأنـه * على شـرف التقريب شاة إران
أجش هزيم مقبل مدبر معـا * كتيس ظبـاء الحلب الغذوان

وروى ابن الشجري في حماسته ص 33 قبل الأبيات :

أيا راكبا إما عرضت فبلغـن * تميمـا وهذا الحي من غطفان
فما لكم لو لم تكونوا فخرتـم * بإدراك مسعـاة الكرام يدان
وكنتم كذي رجلين رجل سويـة * ورجل بهـا ريب من الحدثان
فأما التي شلت فأزد شنـوءة * وأما الثي صحـت فأزاد عمان

( 2 ) الصرفان ، بالتحريك : ضرب من التمر أخمر مثل البرني إلا أنه صلب الممضغة علك ، لواحدة صرفانة . وفي الاصل : « حسبت » صوابه من اللسان ( صرف ) . وفي حماسة ابن الشجري : « أخلتم » . ونحوه قول عمران الكلي :

أكنتم حسبتـم ضربنا وجلادنا * على الحجـر أكل الزيد بالصرفان

( 3 ) عران ، بالكسر : موضع قرب اليمامة .

( 525 )

فأصبح أهل الشــام قد رفعوا القنـا * عليهـــا كتـاب الله خير قــران

ونادوا : عليا ، يا ابن عــم محمـد * أمــا تتقـى أن يهلــك الثــقلان

فمن للذراري بعــدهــا ونسائنـا * ومــن للحريــم أيهــا الفتيــان

أبكي عبيدا إذ ينــوء بصــدره (1) * غداة الوغى يــوم التقــى الجبلان

وبتنا نبكــي ذا الكلاع وحوشبــا * إذا مــا أني أن يذكـر القمــران (2)

ومالك واللجلاج والصخــر والفتى * محمــد قد ذلت لــه الصدفــان (3)

فلا تبعـدوا لقاكــم الله حبــرة * وبشركـــم من نصـره بجنـــان (4)

وما زال من همدان خيل تدوسهــم * سمــان وأخرى غير جـد سمــان

فقاموا ثلاثا يأكل الطيــر منهــم * على غير نصــف والأنــوف دوان

ومــا ظن أولاد الإماء بنو استهـا * بكل فتـــى رخــو النجاد يمــان

فمن يــر خيلينا غــداة تلاقيــا * يقــل جبلا جيـــلان ينتطحـان (5)

كأنهما نار ان في جــوف غمـرة * بلا حطــب حــد الضحى تقــدان

وعارضـة براقــة صوبهــا دم * تكشف عــن برق لهــا الافقـــان

تجود إذا جــادت وتجلو إذا انجلت * بلبـس ولا يحمــا لهــا كربــان (6)

قتلنا وأبقينا ومـــا كـل ما ترى * بكــف المــذرى يأكــل الرحيـان

وفرت ثقيــف فرق الله جمعهــا * إلى جبــل الزيتــون والقطـــران

كأني أراهـــم يطرحون ثيابهـم * مــن الروع ، والخيــلان يطــردان

____________
( 1 ) في الاصل : « أبعد عبيد الله ينوء » . والوزن والمعنى فاسدان .
( 2 ) أني : حان وقته . وفي الاصل : « إذا ما أشا » .
( 3 ) الصدفان ، بضمتين : ناحيتا الشعب أو الوادي ، ويقال لجانبي الجبل إذا تحاذيا صدفان وصدفان ، بضمتين وبفتحتين .
( 4 ) الحبرة ، بالفتح : السرور . وفي الاصل : « خيره » .
( 5 ) جيلان : قرى من وراء طبرستان في مروج بين جبال .
( 6 ) كذا ورد هذا الشطر .

( 526 )

فيا حزنــا ألا أكــون شهدتهــم * فأدهــن من شحــم العبيد سناني (1)

وأما بنـــو نصر ففـر شريدهــم * إلى الصلتــان الخور والعجــلان
وفرت تميم سعدهــا وربابهــا
إلى حيث يضفــو الحمض والشبهـان (2)

فأضحى ضحى من ذي صباح كأنه * وإيــــاه رامــا حفرة قلقــان (3)

إذا ابتل بالماء الحميـــم رأيتـه * كقادمــة الشـؤبوب ذي النفيــان (4)

كأن جنابـي سرجــه ولجامــه * إذا ابتــل ثوبا ماتــح خضـلان (5)

جزاه بنعمى كـان قدمهــا لــه * وكــان لدى الاسطبــل غير مهان

فرد عليه ابن مقبل العامري :
تأمل خليلي هل ترى مــن ظعائـن * تحملـــن بالجرعاء فوق ظعــان

على كل حياد اليـــدين مشهــر * يمـــد بـذفــرى درة وجــران

فصبحن من مـــاء الوحيدين نقرة * بميزان رعــم إذ بــدا ضــدوان (6)

____________
( 1 ) في الأصل : « من شحم الثمار » وأثبت ما في حماسة ابن الشجري .
( 2 ) يضفو : يكثر ويطول . وفي الأصل : « يصفو » . والشبهان : ضرب من العضاه . وفي البيت إقواء .
( 3 ) ذو صباح ، بضم الصاد : موضع . والرام : ضرب من الشجر .
( 4 ) الشؤبوب : الدفعة من المطر . ونفيان السيل : ما فاض من مجتمعه . وفي الأصل : « كقادمتي الشؤبوب ذي نفيان » .
( 5 ) الماتح : المستقى من البئر . وفي الأصل : « ثوبا أنجد » ولا وجه له ، وأثبت ما في كتاب الخيل لابي عبيدة ص 162 .
( 6 ) الوحيدان : ماءان في بلاد قيس . والنقرة : الموضع يجتمع فيه الماء . ورعم ، بالفتح : اسم جبل في ديار بجيلة . بميزانه ، أي بما يوازنه ، كما فسر ياقوت في ( رعم ) . وضدوان : جبلان . وقد ورد البيت محرفا :
فأصبح من مــاء الوحيدين فقره * بميزان زعــم قد بدا ضدوان
وصوابه من معجم البلدان ( رعم ، ضدوان ، الوحيدان ) .

( 527 )

وأصبحن لم يبركن في ليلــة السرى * مــن السوق إلا عقبــة الدبران (1)

وعرسن والشعــري تغور (2) كأنهـا * شهاب غضــا يرمى بـه الرجوان

فهل يبلغني أهل دهمــاء حـــرة * وأعيس نضـــاح القفا مرجـــان (3)

____________
( 1 ) الدبران : نجم من منازل القمر . وعقبته : نزول القمر به في كل شهر مرة .
( 2 ) في الأصل : « في الشعري » .
( 3 ) دهماء : موضع في بلاد مزينة من نواحي المدينة ، يقال له دهماء مرضوض . حرة ، عنى بها الناقة الكريمة . والأعيس : ما فيه أدمة من الإبل ، والأنثى عيساء . وفي الأصل : « أغبس » تحريف . وفي الأصل أيضا : « نضاح القرى » ولا وجه له . أراد أنه ينضح ذفراه بالعرق ، والذفري من القفا هو الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن . والمرج ، بالتحريك : الذي يخلى في المرعى يذهب حيث شاء .