مقدم علي من صفين إلى الكوفة
نصر ، عن عمر ، عن عبد الرحمن بن جندب قال : لما أقبل علي من صفين أقبلنا معه ، فأخذ طريقا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه ، فقال علي : " آئبون عائدون ، لربنا حامدون . اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في المال والأهل « . قال : ثم أخذ بنا طريق البر على شاطئ الفرات حتى انتهينا إلى هيت وأخذنا علي صندودا (1) فخرج الأنماريون بنو سعيد ابن حزيم (2) واستقبلوا عليا فعرضوا عليه النزل فلم يقبل ، فبات بها ، ثم غدا وأقبلنا معه حتى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت علي وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه علي ونحن معه حتى سلم عليه وسلمنا عليه . قال : فرد ردا حسنا ظننا أن قد عرفه ، فقال له علي : مالي أرى وجهك منكفتا (3) ، أمن مرض ؟ قال : نعم . قال : فلعلك كرهته . فقال : ما أحب أنه بغيري (4) . قال : أليس احتسابا للخير (5) فيما أصابك منه ؟ قال : بلى . قال : أبشر برحمة ربك وغفران ذنبك ، من أنت يا عبد الله ؟ قال : بلى . قال : أنا صالح بن سليم . قال : ممن أنت ؟ قال : أما الأصل فمن سلامان بن طي ، وأما الجوار والدعوة فمن بني سليم بن منصور . قال : سبحان الله ، ما أحسن
____________
( 1 ) صندوداء ، ضبطت في معجم ياقوت بفتح الصاد وسكون النون وفتح الدل ، مع المد . وهي بلدة في الطريق ما بين الشام والعراق .
( 2 ) كذا . وفي الطبري ( 6 : 33 ) : « الأنصاريون بنو سعد بن حرام » .
( 3 ) الطبري : « منكفئا » وهما بمعنى ، أي متغيرا .
( 4 ) في الأصل : « يعترى » صوابه من الطبري .
( 5 ) في الأصل : « احتساب بالخير » صوابه من الطبري .

( 529 )

اسمك واسم أبيك ادعيائك (1) واسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا والله ما شهدتها ، ولقد أردتها ، ولكن ما ترى بي من لحب الحمى (2) خذلني عنها قال علي : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ) . أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك وبينهم ، وأولئك أغشاء (3) الناس ، ومنهم المكبوت الآسف لما كان من ذلك ، وأولئك نصحاء الناس لك . فذهب لينصرف فقال : صدقت ، جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك ، فإن المرض لا أجر فيه ، ولكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه . إنما الأجر في القول باللسان ، والعمل باليد والرجل ، وإن الله عزوجل يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة [ عالما جما (4) ] من عباده الجنة .
ثم مضى غير بعيد فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري ، فدنا منه وسأله فقال : ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا ؟ قال : منهم المعجب به ، ومنهم الكاره له . والناس كما قال الله تعالى : ( ولا يزالون مختلفين ) . فقال له : فما يقول ذوو الرأي ؟ قال : يقولون : إن عليا كان له جمع عظيم ففرقه ، وحصن حصين فهدمه ، فحتى متى يبني مثل ما قد هدم ، وحتى متى يجمع مثل ما قد فرق . فلو أنه كان مضى بمن أطاعه إذا عصاه من عصاه ، فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك ، إذن كان ذلك هو الحزم . فقال علي : أنا هدمت أم هم
____________
( 1 ) أصل الدعى المنسوب إلى غير أبيه ، وأراد بالأدعياء الأحلاف ، من الدعوة وهي الحلف . يقال دعوة فلان في بني فلان . وفي الأصل : « أعدادك » صوابه من الطبري .
( 2 ) لحب الحمى : إنحالها الجسم ، ويقال لحب الرجل ، بالكسر ، إذا أنحله الكبر
( 3 ) في الأصل : « أغنياء الناس » صوابه من الطبري . وهو في مقابل النصحاء .
(4) هذه التكملة من الطبري (6 : 34) .
( 34 ـ صفين )

( 530 )

هدموا ، أم أنا فرقت أم هم فرقوا (1) ؟ وأما قولهم لو أنه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك ، إذن كان ذلك هو الحزم فو الله ما غبى عني ذلك الرأي (2) ، وإن كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا (3) ، طيب النفس بالموت . ولقد هممت بالإقدام [ على القوم (1) ] ، فنظرت إلى هذين [ قد ابتدراني ـ يعني الحسن والحسين - ونظرت إلى هذين (4) ] قد استقدماني ـ [ يعني عبد الله بن جعفر ومحمد بن علي (4) ] ـ فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسل محمد من هذه الأمة ، فكرهت ذلك . وأشفقت على هذين أن يهلكا ، وقد علمت (5) أن لولا مكاني لم يستقدما ـ يعني محمد بن علي وعبد الله بن جعفر ـ (6) وايم الله لئن لقيتهم بعد يومي لألقينهم (7) وليس هما معي في عسكر ولا دار .
قال : ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف ، فإذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية ، فقال أمير المؤمنين : ما هذه القبور ؟ فقال له قدامة بن عجلان الأزدي : يا أمير المؤمنين ، إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك ، فأوصى أن يدفن في الظهر (8) ، وكان الناس [ إنما (9) ] يدفنون في دورهم وأفنيتهم ، فدفن الناس إلى جنبه . فقال علي : رحم الله خبابا ، قد أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلى في جسده أحوالا ، ولن يضيع الله أجر
____________
( 1 ) في الأصل : « تفرقوا » والوجه ما أثبت من الطبري .
( 2 ) غبى عنه : لم يفطن له . وفي الأصل : « ما غنى عن ذلك الرأي » وفي الطبري : « غبى عن رأيي ذلك » ووجههما ما أثبت .
( 3 ) في الأصل : « لسخى النفس بالدنيا » صوابه من الطبري .
( 4 ) التكملة من الطبري .
( 5 ) في الأصل : « ولو علمت » صوابه من الطبري .
( 6 ) في الأصل : « يعني بذلك ابنيه الحسن والحسين » صوابه من الطبري .
( 7 ) في الأصل : « لقيتهم » وأثبت ما في الطبري .
( 8 ) الظهر من الأرض : ما غلظ وارتفع .
( 9 ) هذه من الطبري .

( 531 )

من أحسن عملا . فجاء حتى وقف عليهم ثم قال : عليكم السلام يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة ، من المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، وأنتم لنا سلف وفرط ، ونحن لكم تبع ، وبكم عما قليل لاحقون . اللهم اغفر لنا ولهم ، وتجاوز عنا وعنهم . ثم قال : الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا (1) ، أحياء وأمواتا ، الحمد لله الذي جعل منها خلقنا ، وفيها يعيدنا ، وعليها يحشرنا . طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، ورضى عن الله بذلك . ثم أقبل حتى دخل سكة الثوريين فقال : خشوا بين هذه الأبيات (2)
نصر ، عن عمر قال : حدثني عبد الله بن عاصم القائشي ، قال : لما مر علي بالثوريين ـ يعني ثور همدان ـ سمع البكاء فقال : ما هذه الأصوات ؟ قيل : هذا البكاء على من قتل بصفين . فقال : أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة . ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال مثل ذلك ، ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة وصوتا مرتفعا عاليا ، فخرج إليه حرب ابن شرحبيل الشبامي (3) فقال علي : أيغلبكم نساؤكم ، ألا تنهونهن عن هذا الصياح والرنين ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك ، ولكن من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل ، فليس من دار إلا
____________
( 1 ) الكفات ، بالكسر : الموضع الذي يضم فيه الشئ يقبض . وظهر الأرض كفات للأحياء ، وبطنها كفات للأموات . وفي الكتاب العزيز : ( ألم نجعل الأرض كفاتا . أحياء وأمواتا ) .
( 2 ) خشوا : ادخلوا ، خش في الشيء : دخل . وفي الأصل : « حشوا » تحريف . وكلمة « بين » ليست في الأصل ، وصوابه وتكملته من الطبري ، وعبارته : « خشوا ادخلوا بين هذه الأبيات » .
( 3 ) الشبامي : نسبة إلى شبام ، بالكسر ، وهم حي من همدان . وفي الأصل : « حارب بن شرحبيل الشامي » تحريف .

( 532 )

وفيها بكاء ، أما نحن معشر الرجال فإنا لا نبكي ، ولكن نفرح لهم [ ألا نفرح لهم (1) ] بالشهادة ؟ ! فقال علي : رحم الله قتلاكم وموتاكم . وأقبل يمشي معه وعلي راكب ، فقال له علي : ارجع . ووقف ثم قال له : ارجع ، فإن مشى مثلك فتنة للوالي ومذلة للمؤمنين . ثم مضى حتى مر بالناعطيين (2) فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرثد (3) ، فقال : ما صنع علي والله شيئا ، ذهب ثم انصرف في غير شيء . فلما نظر أمير المؤمنين أبلس (4) فقال علي : وجوه قوم ما رأوا الشام العام . ثم قال لأصحابه : قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء . ثم قال :

أخوك الذي إن أحرضتـك ملمــة * من الدهــر لم يبرح لبثك واجما (5)

وليس أخوك بالـذي إن تمنعــت * عليك أمــور ظل يلحــاك لائما (6)

ثم مضى ، فلم يزل يذكر الله حتى دخل الكوفة (7) .
قال نصر : وفي حديث عمرو بن شمر قال : لما صدر علي من صفين . أنشأ يقول (8) :

وكم قد تركنــا في دمشق وأرضها * من أشمط موتور وشمطــاء ثاكل

____________
( 1 ) التكملة من الطبري .
( 2 ) الناعطيون ، بالنون : حي من همدان ، نسبة إلى جبل لهم يسمى « ناعط » . الاشتقاق 251 ومعجم البلدان . وفي الأصل : « الباعطيين » تحريف ، وهو على الصواب الذي أثبت في الطبري .
( 3 ) الطبري : « عبد الرحمن بن يزيد ، من بني عبيد من الناعطيين » .
( 4 ) الطبري : « فلما نظروا إلى علي أبلسوا » . والإبلاس : أن تنقطع به الحجة ويسكت .
( 5 ) أحرضه : أفسده وأشفى به على الهلاك . الطبري : « أجرضتك » ، أي أغصتك .
( 6 ) الطبري : « إن تشعيت » .
( 7 ) الطبري : « القصر » .
( 8 ) سبقت هذه الأبيات في ص 492 ـ 493 .

( 533 )

وغانية صاد الرمـــاح حليلهــا * فأضحت تعــد اليوم إحدى الأرامل

تبكي على بعــل لهــا راح غاديا * فليس إلى يــوم الحساب بقافــل

وإنا أنــاس مــا تصيب رماحنـا * إذا مــا طعنا القوم غيـر المقاتل

قال : وفي حديث يوسف قال : وقال أبو محمد نافع بن الأسود التميمي (1) :

ألا أبلغا عنـي عليـــا تحيــة * فقــد قبل الصماء لمــا استقلـت

بني قبــة الإسلام بعد انهدامهــا * فقامــت عليه قصـــرة فاستقرت

كأن نبيــا جاءنــا بعد هدمهــا * بمــا سن فيها بعد مــا قـد أبرت

قال : لما (2) بعث علي أبا موسى لدى يوم الحكمين .
نصر : عمر بن سعد ، عن مجالد (3) ، عن الشعبي ، عن زياد بن النضر أن عليا بعث أربعمائة رجل ، وبعث عليهم شريح بن هانئ الحارثي ، وبعث عبد الله بن عباس يصلي بهم ويلي أمورهم ، وأبو موسى الأشعري معهم . وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل . قال : فكان إذا كتب علي بشيء أتاه أهل الكوفة فقالوا : ما الذي كتب به إليك أمير المؤمنين ؟ فيكتمهم فيقولون له : كتمتنا ما كتب به إليك ، إنما كتب في كذا وكذا ثم يجيء رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدري في أي شيء جاء ولا في أي شيء ذهب ، ولا يسمعون حول صاحبهم لغطا . فأنب ابن عباس أهل الكوفة بذاك وقال : إذا جاء رسول قلتم بأي شيء جاء ، فإن كتمكم قلتم لم
____________
( 1 ) سبقت ترجمته في 492 . وفي الأصل : « أبو مجيد » تحريف سلف نظيره . والأبيات التالية تقدمت روايتها في ص 492 .
( 2 ) في الأصل : « ولما » وأرى الكلام تعقيبا على الشعر .
( 3 ) هو مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي ، توفى سنة 144 . وفي الأصل : « عمر بن سعد بن مجالد » تحريف .

( 534 )

تكتمنا ؟ جاء بكذا وكذا . فلا تزالون توقفون وتقاربون حتى تصيبوا ، فليس لكم سر . ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي عبد الله بن قيس أبو موسى في ابن عمر . وكان يقول : والله أن لو استطعت لأحيين سنة عمر .
قال نصر : وفي حديث محمد بن عبيدالله ، عن الجرجاني قال : لما أراد أبو موسى المسير قام شريح فأخذ بيد أبي موسى فقال : يا أبا موسى ، إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه ، ولا يستقال فتقه (1) ، ومهما تقل شيئا لك أو عليك يثبت حقه وير صحته وإن كان باطلا (2) ، وإنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكها معاوية ، ولا بأس على أهل الشام إن ملكها علي . وقد كانت منك تثبيطة أيام قدمت الكوفة ، فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا ، والرجاء منك يأسا . وقال شريح في ذلك :

أبا موسى رميت بشــر خصــم * فلا تضــع العراق . فدتــك نفسي

وأعط الحــق شامهــم وخــذه * فــإن اليــوم في مهـــل كأمس

وإن غـــدا يجيء بمــا عليـه * يـــدور الأمر مــن سعد ونحـس

ولا يخدعــك عمرو ، إن عمـرا * عــدو الله ، مطلع كــل شمـــس

له خـــدع يحــار العقل فيهـا * ممـــوهة مزخـــرفة بلبــــس

فلا تجعل معـــاوية بن حـرب * كشيـــخ في الحوادث غيــر نكـس

هــداه الله للإســـلام فــردا * ســوى بنــت النبي ، وأي عــرس

ـ في غير كتاب ابن عقبة : « سوى عرس النبي وأي عرس » ـ
فقال أبو موسى : ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلا
____________
( 1 ) ح ( 1 : 195 ) : « ولا تستقال فتنته » .
( 2 ) في الأصل : « ثبت حقه ويزول باطله » والوجه ما أثبت من ح .

( 535 )

أو أجر إليهم حقا . وكان النجاشي بن الحارث بن كعب صديقا لأبي موسى ، فبعث إليه :

يؤمــل أهل الشام عمــرا وإنني * لآمــل عبد الله عنـــد الحقائــق

وإن أبــا موسى ، سيدرك حقنــا * إذاما رمى عمرا بإحدى الصـواعق (1)

وحققـــه حتى يــدر وريــده * ونحــن على ذاكم كأحنـق حانــق

على أن عمــرا لا يشــق غباره * إذا مـــا جرى بالجهد أهل السوابـق

فلله مـــا يرمى العــراق وأهله * بــه منه إن لم يرمـه بالبوائــق (2)

فقال أبو موسى : والله إني لأرجو أن ينجلي هذا الأمر وأنا فيه على رضا الله .
[ قال نصر ] : وإن شريح بن هانئ جهز أبا موسى جهازا حسنا وعظم أمره في الناس ، ليشرف أبا موسى في قومه ، فقال الشنى في ذلك لشريح :

زففت ابــن قيس زفاف العـروس * شريـــح إلى دومــة الجنــدل

وفي زفك الأشعـــري البـــلاء * ومــا يقض مــن حادث ينــزل

وما الأشعــري بـــذي إربــة * ولا صــاحب الخطبــة الفيصل (3)

ولا آخذا حـــظ أهــل العـراق * ولـــو قيل هــا خذه لم يفعــل

يحاول عمـــرا وعمــرو لــه * خدائـــع يأتي بهــا مـن علي (4)

فإن يحكمـــا بالهــدى يتبعــا * وإن يحكمـــا بالهــوى الأميــل

يكونــا كتيسيـــن في قفـــرة * أكيلي نقيــف مــن الحنظــل (5)

____________
( 1 ) ح ( 1 : 196 ) : « البوائق » .
( 2 ) ح : « بالصواعق » .
( 3 ) ح : « صاحب الخطة » .
( 4 ) من على ، بياء ساكنة : من أعلى ، وهي إحدى لغات عل .
( 5 ) التيس ، هنا : الذكر من الظباء . والنقيف : المنقوف ، الذي يكسر ليستخرج حبه .

( 536 )

وقال شريح بن هانئ : والله لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى ، وطعنوا عليه بسوء الظن (1) وما الله عاصمه منه (2) ، إن شاء الله .
وسار مع عمرو بن العاص شرحبيل بن السمط الكندي في خيل عظيمة ، حتى إذا أمن عليه خيل أهل العراق ودعه ثم قال : يا عمرو ، إنك رجل قريش ، وإن معاوية لم يبعثك إلا ثقة بك ، وإنك لن تؤتى من عجز ولا مكيدة ، وقد عرفت أن وطأت (3) هذا الأمر لك ولصاحبك ، فكن عند ظننا بك . ثم انصرف ، وانصرف شريح بن هانئ حين أمن أهل الشام علي أبي موسى ، وودعه هو ووجوه الناس .
وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس ، أخذ بيده ثم قال له : « يا أبا موسى ، اعرف خطب هذا الأمر ، واعلم أن له ما بعده ، وأنك إن أضعت العراق فلا عراق . فاتق الله فإنها تجمع لك دنياك وآخرتك ، وإذا لقيت عمرا غدا فلا تبدأه بالسلام ، فإنها وإن كانت سنة إلا أنه ليس من أهلها ، ولا تعطه يدك (4) فإنها أمانة وإياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة . ولا تلقه وحده ، واحذر أن يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ فيه الرجال والشهود » . ثم أراد أن يبور (5) ما في نفسه لعلي فقال له : « فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخيره أن يختار أهل العراق من قريش الشام من شاءوا ، فإنهم يولونا الخيار فنختار من نريد . وإن أبوا فليختر أهل الشام من قريش العراق
____________
( 1 ) ح : « بأسوأ الطعن » .
( 2 ) أي وبما الله عاصمه منه .
( 3 ) ح ( 1 : 196 ) : « أني وطأت » .
( 4 ) في الأصل : « بيدك » وأثبت ما في ح .
( 5 ) ح : « يبلو » ، وهما بمعنى .

( 537 )

من شاءوا ، فإن فعلوا كان الأمر فينا » . قال أبو موسى : قد سمعت ما قلت : ولم يتحاش لقول الأحنف .
قال : فرجع الأحنف فأتى عليا فقال : يا أمير المؤمنين ، أخرج والله أبو موسى زبدة سقائه في أول مخضه ، لا أرانا إلا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك . فقال علي : يا أحنف ، إن الله غالب على أمره . قال : فمن ذلك نجزع يا أمير المؤمنين . وفشا أمر الأحنف وأبي موسى في الناس ، فجهز الشنى راكبا فتبع به أبا موسى بهذه الأبيات :

أبـــا موسى جزاك الله خيــرا * عراقـــك إن حظك في العــراق

وإن الشام قـــد نصبـوا إمامـا * مــن الأحزاب معــروف النفـاق

وإنــا لا نـزال لهــم عــدوا * أبــا موســى إلى يــوم التلاقي

فلا تجعـــل معاوية بــن حرب * إمامــا ما مشــت قدم بســـاق

ولا يخــدعك عمــرو إن عمـرا * أبـــا موسى تحامــاه الرواقي (1)

فكن منــه على حــذر وأنهـج * طريقــك لا تزل بــك المراقــي

ستلقاه أبـــا موســى مليـــا * بمـــر القول مــن حق الخنـاق

ولا تحكم بـــأن ســوى علـي * إمامـــا إن هــذا الشــر بـاق

قال : وبعث الصلتان العبدي (2) وهو بالكوفة بأبيات إلى دومة الجندل :

لعمرك لا ألفي مدى الدهــر خالعا * عليا بقول الأشعــري ولا عمرو

فإن يحكما بالحق نقبلــه منهمــا * وإلا أثرنـــاها كراغية البكـر (3)

____________
( 1 ) عني أنه حية يعجز الراقون عن استخراجها بالرقي لخبثها .
( 2 ) هو قثم بن خبية ، أحد بني محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس . انظر خزانة الأدب ( 1 : 308 بولاق ) .
( 3 ) انظر ما سبق في نهاية ص 45 .

( 538 )

ولسنا نقول الدهــر ذاك إليهمــا * وفي ذاك لو قلنــاه قاصمــة الظهر

ولكن نقول الأمر والنهى كلــه (1) * إليــه ، وفي كفيــه عاقبــة الأمر

وما اليوم إلا مثل أمـس وإننــا * لفي وشل الضحضاح أو لجـة البحر (2)

فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى ، واستبطأه القوم وظنوا به الظنون . وأطبق الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا .
وكان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليا ومعاوية ، فنزل علي ماء لبني سليم بأرض البادية يتشوف الأخبار ، وكان رجلا له بأس ورأي [ ومكان ] في قريش ، ولم يكن له في علي ولا معاوية هوى ، فأقبل راكب يوضع من بعيد فإذا هو بابنه عمر بن سعد ، [ فقال له أبوه : مهيم (3) ] . فقال : يا أبي ، التقى الناس بصفين فكان بينهم ما قد بلغك ، حتى تفانوا ، ثم حكموا الحكمين : عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص ، وقد حضر ناس من قريش عندهما ، وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه ومن أهل الشورى ، ومن قال له رسول الله : « اتقوا دعواته » ، ولم تدخل في شيء مما تكره هذه الأمة (4) ، فاحضر دومة الجندل فإنك صاحبها غدا . فقال : مهلا يا عمر ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول : « يكون من بعدي فتنة خير الناس فيها الخفي التقى » . وهذا أمر لم أشهد أوله فلا أشهد آخره (5) ، ولو كنت غامسا يدي في هذا الأمر لغمستها مع علي . قد رأيت القوم حملوني على حد السيف فاخترته على النار . فأقم عند أبيك ليلتك هذه . فراجعه حتى طمع في الشيخ . فلما جنه
____________
( 1 ) في الأصل : « الأمر بالحق كله » وأثبت ما في ح ( 1 : 197 ) .
( 2 ) الوشل : الماء القليل . وفي الأصل : « رهق الضحضاح » صوابه في ح .
( 3 ) مهيم : كلمة يمانية ، معناه ما أمرك وما شأنك .
( 4 ) في الأصل : « ما تكن هذه الأمة » صوابه في ح .
( 5 ) في الأصل : « ولن أشهد آخره » والوجه ما أثبت من ح .

( 539 )

الليل رفع صوته ليسمع ابنه (1) فقال :

دعــوت أبـــاك اليــوم والله * دعاني إليــه القوم والأمر مقبــل

فقلت لهم : للمــوت أهون جرعة * من النار فاستبقوا أخاكــم أو اقتـلوا

فكفوا وقالوا إن سعــد بن مالـك * مزخرف جهل والمجهــل أجهـــل

فلما رأيت الأمر قد جــد جــده * وكاشفنا يـــوم اغــر محجـــل

هربت بديني والحــوادث جمـة * وفي الأرض أمـــن واسـع ومعول

فقلت معاذ الله من شــر فتنــة * لهـــا آخـــر لا يستقــال وأول

ولو كنت يوماً لا محالـة وافــداً * تبعـــت عليا والهوى حيث يجعـل

فارتحل عمر وقد استبان له أمر أبيه .
وقد كانت الأخبار أبطأت على معاوية ، فبعث إلى رجال من قريش من الذين كرهوا أن يعينوه في حربه : « إن الحرب قد وضعت أوزارها ، والتقى هذان الرجلان بدومة الجندل فأقدموا على » . فأتاه عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وأبو الجهم بن حذيفة ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري ، وعبد الله بن صفوان الجمحي ، ورجال من قريش ، وأتاه المغيرة بن شعبة وكان مقيما بالطائف لم يشهد صفين . فقال : يا مغيرة ما ترى ؟ قال : يا معاوية ، لو وسعني أن أنصرك لنصرتك ، ولكن على أن آتيك بأمر الرجلين .
____________
( 1 ) في الأصل : « أبوه » والصواب ما أثبت .
( 540 )

فركب حتى أتى دومة الجندل فدخل على أبي موسى كأنه زائر له ، فقال : يا أبا موسى ، ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء ؟ قال : أولئك خيار الناس ، خفت ظهورهم من دمائهم ، وخمصت بطونهم من أموالهم . ثم أتى عمرا فقال : يا أبا عبد الله ، ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره هذه الدماء ؟ قال : أولئك شرار الناس ، لم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا . فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له : قد ذقت الرجلين ، أما عبد الله بن قيس فخالع صاحبه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر ، وهواه في عبد الله بن عمر . وأما عمرو فهو صاحبك الذي تعرف ، وقد ظن الناس أنه يرومها لنفسه ، وأنه لا يرى أنك أحق بهذا الأمر منه .

ـــــــــ

آخر الجزء الثالث عشر من أجزاء شيخنا عبد الوهاب

ــــــــ

نصر : في حديث عمرو ، قال : أقبل أبو موسى إلى عمرو فقال : يا عمرو ، هل لك في أمر هو للأمة صلاح ولصلحاء الناس رضا ؟ نولي هذا الأمر عبد الله ابن عمر بن الخطاب ، الذي لم يدخل في شئ من هذه الفتنة ولا هذه الفرقة ـ وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير قريبان يسمعان هذا الكلام ـ فقال عمرو : فأين أنت عن معاوية ؟ فأبي عليه أبو موسى .
قال : وشهدهم عبد الله بن هشام ، وعبد الرحمن بن [ الأسود بن ]


( 541 )

عبد يغوث (1) ، وأبو الجهم بن حذيفة العدوي ، والمغيرة بن شعبة ، فقال عمرو ، ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما ؟ قال : بلى . قال اشهدوا ، فما يمنعك يا أبا موسى من معاوية ولى عثمان ، وبيته في قريش ما قد علمت ؟ فإن خشيت أن يقول الناس ولى معاوية وليست له سابقة ، فإن لك بذلك حجة ، تقول : إني وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم ، والطالب بدمه ، الحسن السياسة الحسن التدبير ، وهو أخو أم حبيبة (2) أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه ، وقد صحبه وهو أحد الصحابة . ثم عرض له بالسلطان فقال : إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط [ مثلها ] . فقال أبو موسى : اتق الله يا عمرو ، أما ذكرك شرف معاوية فإن هذا الأمر ليس على الشرف يولاه أهله ، ولو كان على الشرف كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح . إنما هو لأهل الدين والفضل . مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي طالب . وأما قولك إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر ، فإني لم أكن أوليه معاوية وأدع المهاجرين الأولين . وأما تعريضك بالسلطان فوالله لو خرج لي من سلطانه ما وليته ، ولا كنت لأرتشي في الله ، ولكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن أبي جناب (3) أنه قال : « والله أن لو استطعت
____________
( 1 ) هو عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري ، ولد على عهد رسول الله ، ومات أبوه في ذلك الزمان ، فلذلك عد في الصحابة . وقال العجلي : من كبار التابعين . الإصابة 5072 وتهذيب التهذيب . وكلمة « الأسود » ساقطة من الأصل وح ، وقد سبق الاسم كاملا في ص 539 .
( 2 ) سبقت ترجمتها في ص 518 .
( 3 ) أبو جناب ، أوله جيم مفتوحة فنون خفيفة ، هو يحيى بن أبي حية الكلبي ، وشهرته بكنيته . ضعفوه لكثرة تدليسه . مات سنة 150 . تهذيب التهذيب . وفي الأصل : « أبي خباب » وفي ح : « أبي حباب » والوجه ما أثبت .

( 542 )

لأحيين اسم عمر بن الخطاب » . فقال عمرو بن العاص : إن كنت تريد أن تبايع ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصلاحه ؟ قال : إن ابنك رجل صدق ، ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة .
نصر : عمر بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال أبو موسى لعمرو : إن شئت ولينا هذا الأمر الطيب ابن الطيب عبد الله ابن عمر . فقال عمرو : إن هذا الأمر لا يصلح له إلا رجل له ضرس (1) يأكل ويطعم ، وإن عبد الله ليس هناك . وكان في أبي موسى غفلة (2) . فقال ابن الزبير لابن عمر : اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه . فقال عبد الله ابن عمر : لا والله ما أرشو عليها أبدا ما عشت . ولكنه قال له : ويلك يا ابن العاص ، إن العرب قد أسندت إليك أمرها بعدما تقارعت بالسيوف وتشاجرت بالرماح ، فلا تردهم في فتنة واتق الله .
نصر : قال عمر : عن أبي زهير العبسي ، عن النضر بن صالح قال : كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان ، فحدثني أن عليا أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص ، قال له : قل لعمرو إن لقيته : إن عليا يقول لك : إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه ، وإن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب إليه وإن زاده . والله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق ، فلم تتجاهل ؟ أبأن أوتيت طمعا (3) يسيرا فكنت لله ولأوليائه عدوا ، فكأن والله ما أوتيت قد زال عنك فلا تكن للخائنين خصيما ، ولا للظالمين ظهيرا . أما إني أعلم أن يومك الذي
____________
( 1 ) في الأصل : « إلا كل رجل ضرس » صوابه في ح ( 1 : 198 ) والطبري ( 6 : 39 ) .
( 2 ) الطبري فقط : « في ابن عمر غفلة » .
( 3 ) كذا في الأصل وح والطبري . وأراها : « طعما » .

( 543 )

أنت فيه نادم هو يوم وفاتك ، وسوف تتمنى أنك لم تظهر لمسلم عداوة ولم تأخذ على حكم رشوة .
قال شريح : فأبلغته ذلك فتمعر وجه عمرو وقال : متى كنت أقبل مشورة على أو أنيب إلى أمره وأعتد برأيه ؟ ! فقلت : وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه مشورته . لقد كان من هو خير منك ، أبو بكر وعمر ، يستشيرانه ويعملان برأيه . فقال : إن مثلي لا يكلم مثلك (1) . فقلت : بأي أبويك ترغب عن كلامي ؟ بأبيك الوشيظ (2) ، أم بأمك النابغة ؟ فقام من مكانه ، وأقبلت رجال من قريش على معاوية فقالوا : إن عمرا قد أبطأ بهذه الحكومة ، وهو يريدها لنفسه ، فبعث إليه معاوية :

نفى النوم ما لا تبتغيـــه الأضالـع * وكل امرئ يومـا إلى الصدق راجع (3)

فيا عمـــرو قد لاحت عيون كثيرة * فياليت شعري عمرو ما أنت صانــع

ويا ليت شعري عن حديث ضمنتــه * أتحمله يا عمرو ؟ ما أنـت ضالـع (4)

وقال رجـــال إن عمرا يريدهــا * فقلت لهـــم عمرو لي اليوم تابــع

فإن تـــك قد أبطأت عني تبـادرت * إليــــك بتحقيق الظنون الأصابـع

فإنـي ورب الراقصــات عشيــة * خواضـــع بالركبان والنقـع ساطـع

بك اليــوم في عقــد الخلافة واثق * ومن دون ما ظنــوا به السـم ناقــع

____________
( 1 ) في الأصل : « إلا مثلك » ، وكلمة « إلا » مقحعة .
( 2 ) الوشيظ : الخسيس ، والتابع ، والحليف ، والدخيل في القوم ليس من صميمهم ، وفي الأصل : « الوسيط » صوابه في ح والطبري .
( 3 ) في الأصل : « ما لا يبلغنه » .
( 4 ) ضالع ، أراد به المطيق القوى ، من الضلاعة وهي القوة وشدة الأضلاع . ولم يرد هذا المشتق في المعاجم ، وفيها « الضليع » .

( 544 )

فأسرع بهــا ، أو أبط في غير ريبــة * ولا تعــد ، فالأمر الذي حــم واقع (1)

عمر بن سعد قال : حدثني أبو جناب الكلبي (2) ، أن عمرا وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم عبد الله بن قيس في الكلام ويقول : إنك قد صحبت رسول الله صلى الله عليه قبلي وأنت أكبر مني فتكلم ثم أتكلم (3) . وكان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في كل شيء (4) وإنما اغتره بذلك ليقدمه (5) فيبدأ بخلع علي . قال : فنظرا في أمرهما وما اجتمعا عليه فأراده عمرو على معاوية فأبى ، وأراده على ابنه فأبى ، وأراده أبو موسى على عبد الله بن عمر فأبى عليه عمرو . قال : فأخبرني ما رأيك يا أبا موسى ؟ قال : رأيى أن أخلع هذين الرجلين عليا ومعاوية ، ثم نجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين يختارون لأنفسهم من شاءوا ومن أحبوا . فقال له عمرو : الرأي ما رأيت . وقال عمرو : يا أبا موسى ، إنه ليس أهل العراق بأوثق بك من أهل الشام ، لغضبك لعثمان وبغضك للفرقة ، وقد عرفت حال معاوية في قريش وشرفه في عبد مناف ، وهو ابن هند وابن أبي سفيان فما ترى ؟ قال أرى خيرا . أما ثقة أهل الشام بي فكيف يكون ذلك وقد سرت إليهم مع علي . وأما غضبي لعثمان فلو شهدته لنصرته . وأما بغضي للفتن فقبح الله الفتن . وأما معاوية فليس بأشرف من علي .
____________
( 1 ) في الأصل : « وكم تعدوا الأمر » .
( 2 ) في الأصل : « أبو خباب » وفي ح ( 1 : 198 ) : « أبو حباب » صوابهما ما أثبت . وانظر ما سبق في ص 541 .
( 3 ) ح : « فتكلم أنت وأتكلم أنا » . الطبري ( 6 : 39 ) : « فتكلم وأتكلم » .
( 4 ) في الأصل : « قد أعد أبا موسى يقدمه في كل شيء » صوابه وتكملته من الطبري .
( 5 ) الطبري : « اغتزى بذلك كله أن يقدمه » وهي صحيحة ، ففي اللسان : اغتزاه : قصده . وأنشد ابن الأعرابي ( اللسان 19 : 359 ) :

* قــد يغتزي الهجــران بالتجــرم *