وباعده أبو موسى . فرجع عمرو مغموما . فخرج عمرو ومعه ابن عم له غلام شاب ، وهو يقول :

يا عمرو إنك للأمــور مجـرب * فارفق ولا تقــذف برأيك أجمـع

واستبق منه مـا استطعت فإنــه * لا خير في رأي إذا لــم ينفــع

واخلع معاوية بن حــرب خدعة * يخلع عليــا ساعــة وتصنــع

واجعله قبلك ثم قــل مـا بعـده * اذهب فما لك في ابن هند مطمــع

تلك الخديعة إن أردت خـداعــه * والراقصات إلى منى ، خـذ أودع

فافترصها عمرو (1) وقال : يا أبا موسى ، ما رأيك ؟ قال : رأيى أن أخلع هذين الرجلين ، ثم يختار الناس لأنفسهم من أحبوا . فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون ، فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه فقال : إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر هذه الأمة . قال عمرو : صدق ! ثم قال : يا أبا موسى فتكلم . فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال : ويحك ، إني لأظنه قد خدعك ، إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك فيتكلم بذلك الأمر قبلك ثم تكلم أنت بعده ، فإن عمرا رجل غدار ، ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ، فإذا قمت به في الناس خالفك . وكان أبو موسى رجلا مغفلا ـ فقال : [ إيها عنك ] إنا اتفقنا . فتقدم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يأيها الناس ، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة ، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها وألم لشعثها من ألا تتباين أمورها (2) . وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي عمرو على خلع علي ومعاوية ، و [ أن ] نستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين ، فيولون أمورهم من أحبوا . وإني قد خلعت عليا
____________
( 1 ) يقال : فرص الفرصة وافترصها وتفرصها ، أي أصابها .
( 2 ) في الأصل : « لشعثها الا نبتر أمورها » صوابه في ح .

( 546 )

ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم وولوا من رأيتم لها أهلا . ثم تنحى فقعد .
وقام عمرو بن العاص مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن هذا قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأثبت صاحبي معاوية [ في الخلافة ] فإنه ولي عثمان والطالب بدمه ، وأحق الناس بمقامه . فقال له أبو موسى : مالك لا وفقك الله ، قد غدرت وفجرت . وإنما مثلك مثل الكلب ( إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) إلى آخر الآية . قال : فقال له عمرو : إنما مثلك مثل ( الحمار يحمل أسفارا ) إلى آخر الآية . وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط ، وحمل على شريح ابن لعمرو فضربه بالسوط ، وقام الناس فحجزوا بينهم ، فكان شريح يقول بعد ذلك : ما ندمت على شيء ندامتي أن لا ضربته بالسيف بدل السوط . والتمس أصحاب علي أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة ، فكان ابن عباس يقول : قبح الله أبا موسى ، حذرته وأمرته بالرأي فما عقل (1) . وكان أبو موسى يقول : قد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن اطمأننت إليه ، وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة . ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ، ورجع ابن عباس وشريح بن هانئ إلى علي . وقال الشنى :

ألم تــر أن الله يقضى بحكمــه * وعمــرو وعبد الله يختلفــان

وليسا بمهدي أمــة مــن ضلالة * بدرمــاء سخما فتنة عميـان (2)

أثارا لما في النفس مــن كل حاجة * شديــدان ضراران مؤتلفـان (3)

أصمان عن صوت المنادي تراهمـا * على دارة بيضــاء يعتلجـان

____________
( 1 ) وكذا في الطبري ( 6 : 40 ) وفي ح ( 1 : 199 ) : « وهديته إلى الرأي فما عقل » .
( 2 ) كذا ورد هذا العجز .
( 3 ) كذا .

( 547 )

فيا راكبــا بلغ تميما وعامــرا * وعبسا وبلغ ذاك أهــل عمــان

فما لكم ، إلا تكونـــوا فجرتـم * بإدراك مسعــاة الكرام ، يــدان (1)

بكت عين من يبكي ابن عفان بعدما * نفى ورق الفرقــان كل مكــان

كلا فئتيه عـاش حيــا وميتــا * يكـــادان لولا الحق يشتبهــان

ولما فعل عمرو ما فعل واختلط الناس رجع إلى منزله فجهز راكبا إلى معاوية يخبره بالأمر من أوله إلى آخره . وكتب في كتاب على حدة (2) :

أتتـــك الخلافــة مزفوفـة * هنيئــا مريئا تقـــر العيونا

تزف إليك كــزف العـروس * بأهون مــن طعنك الدارعينــا

ومــا الأشعري بصلد الزنـاد * ولا خامل الذكــر في الأشعرينا

ولكن أتيحــت لــه حيــة * يظل الشجــاع لهــا مستكينا

فقالوا وقلــت وكنت امــرأ * أجهجــه بالخصم حتى يلينــا

فخذها ابن هنــد على بأسهـا * فقد دافع الله مــا تحذرونـــا

وقد صرف الله عــن شامكـم * عــدوا شنيا وحربــا زبونـا (3)

وقام سعيد بن قيس الهمداني فقال : والله لو اجتمتما على الهدى ما زدتمانا على ما نحن الآن عليه ، وما ضلالكما بلازمنا ، وما رجعتما إلا بما بدأتما ، وإنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس .
وتكلم الناس غير الأشعث بن قيس ، وتكلم كردوس بن هانئ فقال :
____________
( 1 ) في الأصل : « معصات » تحريف . وفي اللسان : « والعرب تسمى مآثر أهل الشرف والفضل مساعي ، واحدتها مسعاة ، لسعيهم فيها ، كأنها مكاسبهم وأعمالهم التي أعنوا فيها أنفسهم » . وقال عبدة بن الطبيب في المفضلية 27 :

فلئن هلكت لقــد بنيت مساعيـا * تبقى لكــم منها مآثـر أربــع

( 2 ) في الأصل : « عليحدة » .
( 3 ) ح : « عدوا مبينا » .

( 548 )

أما والله إني لأظنك أول راض بهذا الأمر يا أخا ربيعة . فغضب كردوس فقال :

أياليت من يرضى من الناس كلهــم * بعمرو وعبد الله في لجــة البحـر

رضينا بحكم الله لا حكــم غيــره * وبــالله ربــا والنبي وبالذكــر

وبالأصلع (1) الهادي علي إمامنــا * رضينا بذاك الشيخ في العسر واليسر

رضينــا به حيــا وميتا وإنــه * إمــام هدى في الحكم والنهي والأمر

فمن قال لا قلنــا بلى إن أمــره * لأفضل مــا تعطاه في ليلـة القــدر

وما لابن هنــد بيعة في رقابنــا * وما بيننــا غير المثقفــة السمــر

وبيض تزيل الهــام عـن مستقره * وهيهات هيهات الولا (2) آخر الدهـر

أبت لي أشيــاخ الأراقم سبـه (3) * أسب بهــا حتى أغيب في القبــر

وتكلم يزيد بن أسد القسري ـ وهو من قواد معاوية ـ فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله ، فإن أهون ما يردنا وإياكم إليه الحرب ما كنا عليه أمس ، وهو الفناء . وقد شخصت الأبصار إلى الصلح ، وأشرفت الأنفس على الفناء (4) ، وأصبح كل امرئ يبكي على قتيل . مالكم رضيتم بأول أمر صاحبكم وكرهتم آخره . إنه ليس لكم وحدكم الرضا .
فتشاتم عمرو وأبو موسى من ليلته ، فإذا ابن عم لأبي موسى يقول :

أبا موسى خدعت وكنــت شيخا (5) * قريب القعر مدهوش الجنـــان

رمى عمرو صفاتك يا ابـن قيس * بأمـــر لا تنوء بــه اليــدان

وقــد كنا نجمجم عـن ظنـون * فصرحــت للظنــون عن العيان

____________
( 1 ) انظر ما سبق في ص 233 س 6 ـ 7 .
( 2 ) ح ( 1 : 199 ) : « الرضا » .
( 3 ) انظر للأراقم ما مضى في ص 486 .
( 4 ) في الأصل : « البقاء » صوابه من ح .
( 5 ) في الأصل : « بليت فكنت شيخا » وأثبت ما في ح .

( 549 )

فعض الكف مــن ندم ومــاذا * يرد عليــك عضـك بالبنــان

قال : وشمت أهل الشام بأهل العراق . وقال كعب بن جعيل الغلتبي (1) ، وكان شاعر معاوية ، قال :

كأن أبــا موسى عشيــة أذرح * يطوف بلقمــان الحكيم يواربــه

فلما تلاقوا فــي تراث محمــد * نمت بابـن هند في قريش مضاربه (2)

سعى بابن عفــان ليـدرك ثأره * وأولى عبــاد الله بالثـــأر طالبه

وقد غشيتنا في الزبير غضاضـة * وطلحــة إذ قامت عليــه نوادبـه

فرد ابــن هند ملكه في نصابـه * ومن غالــب الأقدار فالله غالبــه

وما لابن هند في لؤى بـن غالب * نطير وإن جاشــت عليــه أقاربه

فهذاك ملك الشــام واف سنامـه * وهذاك ملك القوم قد جـب غاربــه

يحاول عبد الله عمــرا وإنــه * ليضرب في بحــر عريض مذاهبـه

دحا دحوة في صدره فهـوت بـه * إلى أسفل المهــوى ظنون كواذبــه

فرد عليه رجل من أصحاب علي فقال :

غدرتم وكان الغــدر منكم سجيــة * فما ضرنــا غدر اللئيم وصاحبــه

وسميتم شــر البريـــة مؤمنــا * كذبتم فشر النــاس للناس كاذبــه

ولكم (3) بـــن حـرب بصيــرة * بلعــن رسول الله إذ كان كاتبــه

____________
( 1 ) في الأصل : « وقال أبا موسى إنما كان غدرا من عمرو » وما بعد « قال » مقحم . وفي الأصل أيضا « كعب بن جعيل الثعلبي » . والصواب ما أثبت ، وهو كعب بن جعيل ابن قمير بن عجزة بن ثعلبة بن عوف بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل . انظر الخزانة ( 1 : 458 ـ 459 ) .
( 2 ) وكذا الرواية في معجم البلدان ( أذرح ) وفي ح : « مناسبه » وهما بمعنى . وفي اللسان : « ابن سيده : ما يعرف له مضرب عسلة ، أي أصل ولا قوم ولا أب ولا شرف » .
( 3 ) كذا وردت هذه الكلمة غير واضحة في الأصل . وهذه المقطوعة لم ترد في ح .

( 550 )

وقال عمرو بن العاص حين خدع أبا موسى :

خدعت أبا موسى خديعــة شيظــم * يخادع سقبــا في فلاة من الأرض (1)

فقلت لــه إنا كرهنـــا كليهمــا * فنخلعهما قبــل التلاتل والدحـض (2)

فإنها لا لا يغضيــان علـى قــذى * من الدهر حتى يفصلان على أمض (3)

فطاوعني حتي خلعــت أخــاهـم * وصار أخونا مستقيما لدى القبــض

وإن ابـن حــرب معطيهــم الولا * ولا الهاشمي الدهر أو بربع الحمض (4)

فرد عليه ابن عباس فقال :

كذبــت ولكن مثلك اليــوم فاسق * على أمركم يبغي لنــا الشر والعزلا

وتزعم أن الأمر منــك خديعــة * إليــه وكل القول في شأنكــم فضلا

فأنتم ورب البيت قد صــار دينكم * خلافا لدين المصطفى الطيــب العدلا

أعاديتم حــب النبـي ونفســه * فمــا لكم مــن سابقـات ولا فضلا

وأنتم ورب البيت أخبث من مشـى * على الأرض ذا نعليـن أو حافيا رجلا

غدرتم وكان الغدر منكــم سجيـة * كأن لم يكن حرثا وأن لم يكن نســلا (5)

قال : ولحق أبو موسى وهو يطوف بالبيت بمكة .
نصر ، قال : فحدثني عمر بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن طاوس
____________
( 1 ) في الأصل : « خداعة شيظم » وإنما هي الخديعة . والشيظم : الطويل الجسيم الفتى من الناس والخيل والإبل . والسقب : ولد الناقة .
( 2 ) التلاتل : الشدائد . والدحض : الزلق والزلل .
( 3 ) الأمض : الباطل والشك . وحتى ، في البيت ، ابتدائية ، كما في قوله :

* ولا صلح حتى تضبعون ونضبعا *

انظر الخزانة ( 3 : 599 ) .
( 4 ) كذا ورد هذا العجز .
( 5 ) في الأصل : « فإن لم يكن حرثا » .

( 551 )

قال : سألت أبا موسى وهو يطوف بالبيت فقلت له : أهذه الفتنة التي كنا نسمع بها ؟ قال : ابن أخي ، هذه حيصة من حيصات الفتن ، فكيف بكم إذا جاءتكم المثقلة الرداح ، تقتل من أشرف لها ، وتموج بمن ماج فيها .
وقال الهيثم بن الأسود النخعي :

لما تداركــت الوفــود بــأذرح * وبأشعــري لا يحل لــه الغـدر (1)

أدى أمانتـــه وأوفــى نــذره * وصبــا فأصبح غـادرا عمــرو (2)

يا عمـرو إن تدع القضية تعتـرف * ذل الحيــاة وينــزع النصـــر

ترك القــران فمــا تأول آية (2) * وارتــاب إذ جعلت لــه مصــر

قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد : ودخل عبد الله بن عمر ، وسعد ابن أبي وقاص ، والمغيرة بن شعبة مع أناس معهم ، وكانوا قد تخلفوا عن علي ، فدخلوا عليه فسألوه أن يعطيهم عطاءهم ـ وقد كانوا تخلفوا عن علي حين خرج إلى صفين والجمل ـ فقال لهم علي : ما خلفكم عني ؟ قالوا : قتل عثمان ، ولا ندري أحل دمه أم لا ؟ وقد كان أحدث أحداثا ثم استتبتموه فتاب ، ثم دخلتم في قتله حين قتل ، فلسنا ندري أصبتم أم اخطأتم ؟ مع أنا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين وسابقتك وهجرتك . فقال علي : ألستم تعلمون أن الله عز وجل قد أمركم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فقال : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) ؟ قال سعد : يا علي ، أعطني
____________
( 1 ) كذا ورد هذا العجز . وفي معجم البلدان ( أذرح ) : « وفي أشعري لا يحل له غدر » وهذا العجز في هذه الرواية من بحر الطويل ، والأبيات من الكامل .
( 2 ) صبا : خرج ومال بالعداوة . وفي الأصل : « وسما » وبدلها في معجم البلدان : « عنه وأصبح » .
( 3 ) في الأصل : « ترك القرآن فأول » وصوابه من معجم البلدان .

( 552 )

سيفا يعرف الكافر من المؤمن ، أخاف أن أقتل مؤمنا فأدخل النار . فقال لهم علي : ألستم تعلمون أن عثمان كان إماما بايعتموه على السمع والطاعة ، فعلام خذلتموه إن كان محسنا ، وكيف لم تقاتلوه إذ كان مسيئا ؟ ! فإن كان عثمان أصاب بما صنع فقد ظلمتم إذ لم تنصروا إمامكم ، وإن كان مسيئا فقد ظلمتم إذ لم تعينوا من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر . وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدونا بما أمركم الله به ، فإنه قال : ( قاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله (1) ) . فردهم ولم يعطهم شيئا .
وكان علي عليه السلام إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول (2) « اللهم العن معاوية ، وعمرا ، وأبا موسى (3) ، وحبيب بن مسلمة ، والضحاك بن قيس ، والوليد بن عقبة ، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد » ، فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت (4) لعن عليا ، وابن عباس ، وقيس بن سعد ، والحسن والحسين .
وقال الراسبي ، من أهل حرورا ـ :

ندمنــا على ما كان منا ومن يــرد * سوى الحق لا يــدرك هواه وينــدم

خرجنا على أمــر فلم يـك بيننــا * وبيــن علي غيــر غاب مقـــوم

وضــرب يزيل الهام عن مستقـره * كفاحــا كفاحــا بالصفيح المصمــم

فجاء علي بالتــي ليـس بعدهــا * مقــال لـذي حلــم ولا متحلــــم

____________
( 1 ) من الآية 9 في سورة الحجرات . وقد اشتشهد بالآية مع إسقاط الفاء في أولها ، وهو جائز . انظر حواشي الحيوان ( 4 : 57 ) .
( 2 ) في الطبري ( 6 : 40 ) : « وكان إذا صلى الغداة يقنت » .
( 3 ) وكذا في ح ( 1 : 200 ) لكن بدله في الطبري : « وأبا الأعور السلمي » .
( 4 ) وكذا في الطبزي ، لكن في ح : « فكان إذا صلى » .

( 553 )

رمانــا بمر الحق إذ قال جئتــم * إلى بشيــخ للأشاعــر قشعـم

فقلتم رضينا با بن قيس ومــا لنا * رضا غير شيخ ناصح الجيب مسلم

وقال : ابن عباس يكون مكانـــه * فقالوا لــه : لا لا ألا بالتهجــم

فمــا ذنبه فيه وأنتــم دعوتــم * إليه عليــا بالهـوى والتقحــم

فأصبح عبد الله بالبيــت عائــذا * يريد المنى بين الحطيم وزمــزم

ـ من هنا إلى موضع العلامة ليس عند ابن عقبة ـ
وقال نابغة بني جعدة . وقال : [ هي ] عندنا أكثر من مائة بيت فكتبت الذي يحتاج إليه :

سألتني جارتـــي عن أمتــي * وإذا مــا عــي ذو اللب سـأل

سألتني عـن أنــاس هلكــوا * شرب الدهـــر عليهـم وأكــل (1)

بلغوا الملــك فلمــا بلغــوا * بخســار وانتهــى ذاك الأجــل

وضع الدهــر عليهم بركــه * فأبيــدوا لم يغــادر غيــر تـل

فأراني طربـــا في إثرهــم * طــرب الوالــه أو كالمختبــل (2)

أنشد النــاس ولا أنشــدهـم * إنمــا ينشــد مــن كان أضـل (3)

ليت شعري إذ مضى ما قد مضى * وتجــلــى الأمــر لله الأجــل

مـــا يظنن بنــاس قتلــوا * أهــل صفين وأصحــاب الجمـل

أينامـــون إذا مــا ظلمــوا * أم يبيتـــون بخــوف ووجــل

وقال طلبة بن قيس بن عاصم المنقري :
____________
( 1 ) انظر للكلام على نسبة هذا البيت وروايته الحيوان ( 5 : 28 ) .
( 2 ) الطرب ، هاهنا : الحزن . والواله : كل أنثى فارقت ولدها . وفي الأصل : « الوالد » تحريف .
( 3 ) أنشد : أطلب . ولا أنشدهم : لا أدل عليهم . وفي الأصل : « من قال أضل » وصوابه من اللسان ( 4 : 433 ) .

( 554 )

إذا فــاز دوني بالمودة مالــك (1) * وصاحبـه الأدنى عدي بــن حاتم

وفاز بــها دوني شريح بن هانئ * ففيــم ننــادي للأمور العظائــم

ولو قيل من يفدي عليا فديته (2) * بنفسك يا طلب بن قيس بن عاصــم

لقلت نعم تفديــه نفس شحيحـة * ونفدي بسعـــد كلها حــي هاشم

نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي قال : سمعت تميم بن حذيم (3) الناجي يقول : لما استقام لمعاوية أمره لم يكن شيء أحب إليه من لقاء عامر بن واثلة ، فلم يزل يكاتبه ويلطف حتى أتاه ، فلما قدم ساءله عن عرب الجاهلية . قال : ودخل عليه عمرو بن العاص ونفر معه فقال لهم معاوية : تعرفون هذا ؟ هذا فارس صفين وشاعرها ؟ هذا خليل أبي الحسن . قال : ثم قال : يا أبا الطفيل ، ما بلغ من حبك عليا ؟ قال : « حب أم موسى لموسى » . قال : فما بلغ من بكائك عليه ؟ قال : « بكاء العجوز المقلات (4) ، والشيخ الرقوب (5) . إلى الله أشكو تقصيري « فقال معاوية : ولكن أصحابي هؤلاء لو كانوا سئلوا عني ما قالوا في ما قلت في صاحبك . قال : « إنا والله لا نقول الباطل » : فقال لهم معاوية : لا والله ولا الحق . قال : ثم قال معاوية : هو الذي يقول :

إلى رجب السبعيــن تعترفوننــي * مع السيــف في خيـل وأحمي عديدها (6)

وقال معاوية : يا أبا الطفيل ، أجزها . فقال أبو الطفيل :

زحوف كركــن الطود كل كتيبــة * إذا استمكنــت منها يفــل شديدها

____________
( 1 ) مالك ، هو مالك بن الحارث ، المعروف بالأشتر النخعي . وفي الأصل : « هالك »
( 2 ) في الأصل : « ولو قيل بعدي من علي » صوابه ما أثبت .
( 3 ) الوجه فيه : « بن حذلم » كما سبق في ص 169 ، 245 .
( 4 ) المقلات : التي لا يبقى لها ولد . وفي الأصل : « الملغاة » تحريف .
( 5 ) الرقوب : الذي لا يبقى له ولد .
( 6 ) الإجازة هنا تقتضي أن يكون « عديدها » بالرفع ، فيبدو أن في البيت تحريفا

( 555 )

كأن شعاع الشمس تحــت لوائهــا * مقارمهــا حمر النعـام وسودها (1)

شعارهم سيمــا النبــي ورايــة * بها ينصــر الرحمن ممن يكيدهـا

لها سرعان مــن رجــال كأنهـا * دواهـــي السباع نمرها وأسودها (2)

يمورون مــور الموج ثم ادعاؤهـم * إلى ذات أنــداد كثير عديــدهـا

إذا نهضت مدت جنــاحين منهــم * على الخيل فرسان قليل صدودهــا

كهول وشبان يــرون دمــاءكـم * طهــورا وثارات لهــا تستقيدها (3)

كأني أراكم حين تختلــف القنــا * وزالت بأكفــال الرجــال لبودها (4)

ونحن نكــر الخيل كــرا عليكم * كخطف عتاق الطير طيـرا تصيدهــا

إذا نعيت مــوتي عليكم كثيــرة * وعيت أمور غاب عنكــم رشيدهــا

هنالك النفــس تابعــة الهـدى * ونــار إذا ولــت وأز شديـدهــا (5)

فلا تجزعوا إن أعقب الدهر دولـة * وأصبــح منآكــم قريبــا بعيدهــا

فقالوا : نعم ، قد عرفناه ، هذا أفحش شاعر ، وألام جليس (6) فقال معاوية يا أبا الطفيل ، أتعرف هؤلاء ؟ قال : ما أعرفهم بخير ولا أبعدهم من شر . فأجابه [ أيمن بن (7) ] خريم الأسدي :

إلى رجب أو غرة الشهــر بعــده * يصبحكــم حمر المنايــا وسودها

____________
( 1 ) مقارمها ، كذا وردت .
( 2 ) السرعان ، بالتحريك : أوائل القوم المستبقون إلى الأمر . وفي الأصل : « لها شرعاء » والوجه ما أثبت . وفي الأصل أيضا : « دواعي السباع » تحريف .
( 3 ) تستقيدها : تطلب القود فيها . والقود ، بالتحريك : قتل النفس بالنفس . وفي الأصل : « يستعيدها » محرفة .
( 4 ) الأكفال : جمع كفل ، بالكسر ، وهو الذي لا يثبت على ظهور الخيل .
( 5 ) كذا ورد هذا البيت .
( 6 ) في الأصل : « والم جليس » .
( 7 ) هاتان الكلمتان ساقطتان من الأصل . وانظر 431 ، 502 ، 503 .

( 556 )

ثمانين ألفا ديـــن عثمان دينهــم * كتائــب فيها جبرئيـل يقودها

فمن عاش عبدا عاش فينا ومن يمت * ففي النار يسقى ، مهلها وصديدها

ـ من هنا عند ابن عقبة ـ
نصر ، عن عمرو بن شمر عن جابر قال : سمعت تميم بن حذيم (1) الناجي يقول : أصيب في المبارزة من أصحاب علي (2) :
عامر بن حنظلة الكندي يوم النهر ، وبسر بن زهير الأزدي ، ومالك بن كعب العامري ، وطالب بن كلثوم الهمداني ، والمرتفع بن الوضاح الزبيدي أصيب بصفين ، وشرحبيل بن طارق البكري ، وأسلم بن يزيد الحارثي ، وعلقمة بن حصين الحارثي ، والحارث بن الجلاح الحكمي ، وعائذ بن كريب الهلالي ، وواصل بن ربيعة الشيباني ، وعائذ بن مسروق الهمداني ، ومسلم بن سعيد الباهلي ، وقدامة بن مسروق العبدي ، والمخارق بن ضرار المرادي ، وسلمان بن الحارث الجعفي ، وشرحبيل بن الأبرد الحضرمي ، والحصين بن سعيد الجرشي ، وأبو أيوب بن باكر الحكمي ، وحنظلة بن سعد التميمي ، ورويم بن شاكر الأحمري ، وكلثوم بن رواحة النمري ، وأبو شريح بن الحارث الكلاعي ، وشرحبيل بن منصور الحكمي ، ويزيد بن واصل المهري ، وعبد الرحمن بن خالد القيني ، وصالح بن المغيرة اللخمي ، وكريب بن الصباح الحميري من آل ذي يزن قتله علي (3) ، والحارث بن وداعة الحميري ، وروق بن الحارث الكلاعي ، والمطاع بن المطلب القيني ، والوضاح بن أدهم السكسكي ،
____________
( 1 ) انظر ما سبق في ص 555 .
( 2 ) كذا . ونجد في جملة من سرد من الأعلام أسماء كثير من أصحاب معاوية . وقد تعذر التمييز الدقيق بين هؤلاء وهؤلاء لندرة تراجمهم . كما أن هذه الأسماء تضمنت بعض من قتل في غير صفين .
( 3 ) قتله علي يوم صفين . انظر الإصابة 7483 .

( 557 )

وجلهمة بن هلال الكلبي ، وابن سلامان الغساني ، وعبد الله بن جريش العكي وابن قيس ، والمهاجر بن حنظلة الجهني ، والضحاك بن قيس ، ومالك بن وديعة القرشي ، وشريح بن العطاء الحنظلي ، والمخارق بن علقمة المازني ، وأبو جهل بن ظالم الرعيني ، وعبيدة بن رياح الرعيني ، ومالك بن ذات (1) الكلبي ، وأكيل بن جمعة الكناني ، والربيع بن واصل الكلاعي ، ومطرف بن حصين العكي ، وزبيد بن مالك الطائي ، والجهم بن المعلي ، والحصين بن تميم الحميريان والأبرد بن علقمة الحرقي من أصحاب طلحة والزبير ، والهذيل بن الأشهل التميمي والحارث بن حنظلة الأزدي ، ومالك بن زهير الرقاشي ، وعمرو بن يثربي الضبي (2) ، والمجاشع بن عبد الرحمن ، والنعمان بن جبير اليشكري (3) ، والنضر بن الحارث الضبي ، والقاسم بن منصور الضبي ، وزامل بن طلحة الأزدي ، وكرز بن عطية الضبي ، ورفاعة بن طالب الجرهمي ، والأشعث بن جابر ، وعبد الله بن المنهال الساعدي ، وعبد الله بن الحارث المازني ، والحكم بن حنظلة الكندي ، وأبرهة بن زهير المذحجي ، وهند الجملي (4) ، ورافع بن زيد الأنصاري ، وزيد
____________
( 1 ) كذا . ولعلها : « زرارة » .
( 2 ) عمرو بن يثربي الضبي ، كان من رءوس ضبة في الجاهلية ثم أسلم . وهو قاتل علباء بن الهيثم السدوسي ، وهند بن عمرو الجملي ، وزيد بن صوحان العبدي ، قتلهم يوم الجمل ، فأسره عمار بن ياسر فجاء به إلى علي رضى الله عنه فأمر بقتله . ولم يقتل أسيرا غيره . وهو القائل :

إن تقتلونــي فأنا ابــن يثربـي * قاتــل علبــاء وهنــد الجملي
ثم ابن صوحان على دين علي


انظر الإصابة 6513 والاشتقاق 246 - 247 .
( 3 ) في الأصل : « والمجاشع بن عبد الرحمن النعماني بن حبير اليشكري » . والوجه ما أثبت .
( 4 ) هو هند بن عمرو الجملي ، نسبة إلى جمل بن سعد العشيرة ، حي من مذحج . انظر المعارف 48 والاشتقاق 246 واللسان ( مادة جمل ) ، قتله عمرو بن يثربي ، كما سبقت الإشارة إليه في التنبيه الثاني . انظر الإصابة 9056 . وفي الأصل : « همد الحملي » تحريف .

( 558 )

ابن صوحان العبدي (1) ، ومالك بن حذيم الهمداني (2) ، وشرحبيل بن امرئ القيس الكندي ، وعلباء بن الهيثم البكري (3) ، وزيد بن هاشم المري ، وصالح بن شعيب القيني ، وبكر بن علقمة البجلي ، والصامت بن قنسلي الفوطي (4) ، وكليب بن تميم الهلالي ، وجهم الراسبي ، والمهاجر بن عتبة الأسدي ، والمستنير بن معقل الحارثي ، والأبرد بن طهرة الطهوي ، وعلباء بن المخارق الطائي ، وبواب بن زاهر (5) ، وأبو أيوب بن أزهر السلمي . زهاء عشرة آلاف .
وأصيب يوم الوقعة العظمي أكثر من ذلك ، وأصيب فيها من أصحاب علي ما بين السبعمائة إلى الألف .
وأصيب بصفين من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا .
وأصيب بها من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا .
وأصيب يوم النهروان على قنطرة البردان (6) من المحكمة خمسة آلاف .
____________
( 1 ) وهذا زبد قتله كذلك عمرو بن يثربي الضبي في وقعة الجمل . اختلف في صحبته . الإصابة 2991 .
( 2 ) هذا غير مالك بن حريم الهمداني الشاعر الجاهلي الذي ذكره المرزباني في معجمه ص 357 .
( 3 ) هو علباء بن الهيثم بن جرير السدوسي البكري ، نسبة إلى سدوس بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل . استشهد في وقعة الجمل ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في ترجمة عمرو بن يثربي ص 557 .
( 4 ) كذا ورد هذا الاسم .
( 5 ) المعروف في أعلامهم « ثواب » . ومنه المثل : « أطوع من ثواب » .
( 6 ) قنطرة البردان ، بفتح الباء والراء . والبردان : محلة ببغداد . انظر معجم البلدان . وفي الأصل : « البودان » تحريف .

( 559 )

وأصيب منهم ألف بالنخيلة بعد مصاب علي .
وأصيب من أصحاب علي يوم النهروان ألف وثلاثمائة .
قال : وذكر جابر عن الشعبي وأبي الطفيل ، ذكروا في عدة قتلى صفين والنهروان والنخيلة نحوا مما ذكر تميم الناجي .

ـــــــــ

آخر كتاب صفين
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا