ان حكم قانون الوراثة يجري في الآباء والابناء بمعنى أنّه اذا
كان في الوالد طبيعة أوعيب يرثه الولد ، ولو كان بعد عدة أظهر ، وقد
جّرب هذا المعنى وثبت علميا.
لذا كان أئّمتنا عليهم السلام يخبرون عن أفراد أشياء وأمرون
شيعتهم بانتظارها فيهم اولادهم.
وهكذا يكون العكس ، بعنى أنه ينسب لشخص أمر ولا يكون فيه
ولكن كان في أبيه او أحد آبائه.
1 ـ محمد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن
عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
اذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه ، وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا
تنكروا ذلك فان الله تعالى يفعل ما شاء ، الكافي ج 1 ، باب في انه
اذا قيل في الرجل ، ص 450 ، الحديث 2.
2 ـ الحسين بن علي ، عن معلي بن محمد ، عن الوشاء ، عن احمد
بن عائذ ، عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
قد يقوك الرجل بعدل او بجور ، وينسب اليه ، ولم يكن قام به. فيكون
ذلك ابنه او ابن ابنه من بعده. فهو هو. الكافي ج 1 ، باب في انه
اذا قيل في الرجل ، ص 450 ، الحديث 3.
ان سلطة الأب على الولد مما لا يتنازع فيه اثنان ، ولمّا كان الأب
هو السبب المباشر ظاهرا في كينونه ابنه كان له حق التصرّف في امواله
ومع عدم علمه ، لذا جاء في شرايع الاسلام :
1 ـ في قطع يد السارق : أن لا يكون والداُ من ولده ، ويقطع يد
الولد لو سرق من الوالد.
كما أنّ الوالدين يوثان الابناء ، كذلك الابناء تورث ـ في بعض
الأحايين ـ الوالدين والمشرّع الجليل جلّت عظمته لم يهمل حقّا لأحد
مهما صغرأ وكبر.
1 ـ قال تعالى في محكم كتابه الكريم : يوصيكم الله في اولادكم للذكر
مثل حضّ الانثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهّن ثلثا ما ترك ، وان
كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك
ان كان له ولد ، فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلأمّه الثلث ، فان كان
له اخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصى بها او دين ، آباؤكم وأبناؤكم
لا تدرون ايهّم أقرب لكم نفعا ، فريضة من الله انّ الله كان عليما حكيما
( النساء ـ 11 ).
لا بد للآباء توربث أبنائهم. أما المال فليس بمهم والمهم الادب
والحكمة والمعرفة وما اشبه. والخير كل الخير في توريث العلم.
1 ـ قال ابو ذرجمهر : ما ورّثت الآباء الابناء خيرا من ثلاثة اشياء :
الادب النافع ، والاخوان الصالحون ، والثناء الجميل ... معدن
الجواهر ص 36.
2 ـ من كلمات اميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام : اين من جمع
فأكثر ، اعتقب ، واعتقد ونظر ، بزعمه للولد ... في كتاب درر الكلم
في حرف الألف ، بألف الاستفهام.
3 ـ وقال تعالى بالنسبة للمال : للرجال نصيب مما ترك الوالدان
والأقربون .... ( النساء آيه 7 ).
4 ـ وقال تعالى : يوصيكم الله في أولاكم للذكر مثل حضّ الانثيين
.... ( النساء آية 11 ).
5 ـ وقال القدير جلّت قدرته : ولكل جعلنا موالي مما ترك
الوالدان والأقربون .... ( النساء الآية 33 ).
ان الانسان يوّرث والتوريث له افراد متنوعة ، فبعض يورث العلم
والأدب ، وبعض يورث الشرّفي الورثه كما رأيناه بأم اعيننا في زماننا
هذا ، فان قبل اعوام مات احدهم و اوصا ابنه الاكبر بأنه يبعد عن
العلماء فانهم يتجيّلون عليه وعلى اخوته ويأخذون بعض اموالهم باسم
الحقوق الشرعية ، وهو مات ولم يؤدى فلسا واحدا لاولاده هكذا زرع
التباغض و التباعد في قلوب اولاده بالنسبة للعلماء ولأهل الدين ولكن
ربك بامرصاد فما مضت الليالي والأيام الاّ وقضى على ولده الاكبر
بالسرطان وتشتب التاقون هداهم الله تعالى. اما بالنسبه لتوريث
المال فقد حدّد الله تعالى للذكور والاناث كل حسب ما تقتضيه
المصلحة العامة والخاصة.
1 ـ قال عزّ من قائل : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون
وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه او كثر نصيبا
مفروضا .... النساء آية 7.
2 ـ وقال تبارك وتعالى يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ
الانثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وان كانت واحدة
فلها النصف ولا بويه لكل واحد منها السدس مما ترك ان كان له ولد
(146)
فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلأمه الثلث فان كان له اخوة فلاّمه
السدس من بعد وصيّة يوصي بها اودين ، آباؤكم وابناؤكم لاتدرون
أيهم اقرب لكم نفعا ، فريضة من الله ، ان الله كان عليماً حكيماً ....
( النساء ـ 11 ).
هذا ما وجدته لوالدي قدس سره من كتابه ( الاثر الخالد ) ، وقد
طبعته على ما وجدته ، وقد طبعه بيده بالتايب ـ ولكي يكون
ختامه مسك ارتأيت ان اختمه بدعائين من الصحيفة السجادية
لمولانا وامامنا الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ،
ولكي تعم الفائدة ، نقلتها من كتاب ( في ظلال الصحيفة السجادية )
للكاتب الشهير الشيخ محمد جواد مغنية ( قدّس سره ) ثم أردفتهما
بلمحة من حياة السيد الوالد من كتاب ( الكوكب الدّري في حياة
السيد العلوي ).
أملي من القراء الكرام ان يذكروه بالدعاء وبفاتحة
وسورة مباركة من كتاب الله الكريم ، ولهم من الله الاجر و
الثواب ، ومن أسرته ألف شكر ، ودمتم بخير.
أللهمّ صَلّ عَلى محُمّدٍ عَبْدكَ وَرَسُولكَ ،
وأهْلِ بيْته الطاهِرين ، واخْصُصْهمْ بأفْضَل
صَلواتك وًرَحْمتك وَبَركاتك وَ سَلامكَ ، وَاخْصُصِ
اللهُمّ والديّ بالكَرامة لديْكَ ، وَالصّلاةِ منْكَ
يَا أرْحَمَ الرّاحمينَ.
أللْهُمّ صَلّ عَلى مُحمّدٍ وَآله ، وَ اْلهْمْني
علْم مَا يًجبُ لهَمًا عَلَيّ ألْهَاماً ، وَاجْمَعْ لي علْمَ
ذَلكَ كُلّهُ تمَاماً ، ثُمّ اسْتعْملنْي بمَا تُلهْمُني
منْهُ ، وَوَفَقْني للنُفوذ فيمَا تُبْصّرُني مِنْ علُمِهِ ،
حَتّى لا يفُوتني استْعْمًالُ شيء عَلًمتِْنيِه ، ولا
تثَْقُل أرْكاني عَنِ الْحَفُوفِ فيماَ ألْهّمْتِنيه.
( وألهمني علم ما يجب لهما ... ) العلم بالحلال والحرام لا ينبع من داخل
الانسان وأوهامه ، وانما يؤخذ من الوحي أو من يمضيه الوحي ويقره ، ولذا
طلب الامام من الله سبحانه أن يرشده ويهديه الى ما يجب عليه لوالديه ،
ويتلخص هذا الواجب بطاعتهما في كل شيء الا في معصية الله حيث طاعة
(150)
لمخلوق في معصية الخالق ، وبهذا نجد تفسير الآية 8 من العنكبوت : « ووصينا
الانسان بوالديه حسناً وان جاهداك على أن تشرك ما ليس لك به علم فلا
تطعهما » وغيرها من آيات هذا الباب وأحاديثه.
وبالمناسبة أشير ، لمجرد التنبيه والتحذير ، أني أعرف شيخاً باسمه وشخصه
يحلل و يحرم ويحكم بالفروج والأموال بوحي من فهمه ووهمه ، أما الدرس
والمراجعة والمطالعة فهي للذين يسيرون على الطريق لا لمن يطفر بلا رابطة
وواصلة ! ومع هذا يؤمن ويوقن أنه ألمع من تخرج من مدرسة الامام جعفر
الصادق (ع) ! أعاذنا الله من مضع هذا الهواء.
( واجمع لي علم ذلك ... ) اشارة الى واجبات الوالدين بالكامل ،
والمعنى إجعلني عالماً بكل ما علي لهما ( ثم استعملني بما تلهمني ، ووفقني
للنفوذ ... ) بعد أن طلب الامام من الله الهداية الى العلم بالواجبات سأله
التوفيق الى العمل بموجب العلم ، لأن الهدف الاساس من كل علم هو التفيذ
والتطبيق ، وبتعبير فيلسوف معاصر : « ليست المعرفة ـ أو بناءات ـ
تبني بالذهن ليتعلمها الانسان ، ثم يأوي الى مخدعه ليسريح » وكفي.
( ولا تثقل أركاني عن الحفوف .... ) المراد بالثقل هنا الكسل والفتور
وبالأركان الأعضاء التي يتركب منها البدن ، وبالحفوف الخدمة ، من حفف
الخدم حوله أي أحدقوا به ، والمنى : هب لي من لذنك قوة ونشاطاً في طاعة
والدي ومرضاتهما.
أللّهمّ صَلّ عَلى مُحَمّد وَآلهِ ، كَمَا شرَفْتَنَا
بهِ ، وَصَلّ على مُحمّد وَآله ، كَمَا أوْجَبْت لنَا
الحْقّ عَلى الْخَلْقِِ بِسَببِه.