والثالث : حق في لسانك بالسكوت عن معايبه مع حضوره وغيبته ، بل تجاهل عنه ، ولا ترّد عليه فيما يتكلّم به ، وعن التجسس وعن أحواله أي تسكت عن أسراره التي ينهيها إليه دون غيره لأحد حتّى أخصّ أصدقائه ولو بعد الوحشة فإنّه من لؤم الطبع وخبث الباطن ، ولذا قيل :
وترى الكريم إذا اتصرّم وصلهوترى اللّئيم إذا تقضى وصله
بل من الجهل والحماقة.
فقد قال علي عليه السلام : « قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه ». (1)
ولذا وجب مقاطعة الحمقى ، قيل لبعضهم : كيف تحفظ السرّ؟ فقال : أستره وأستر أنّي أستره ، وقيل فيه :
ومستودعي سرّاً تبوّءت كتمه
فأودعته صدري فصار له قبرا
وزاد آخر فقال :
وما السرّ في صدري كثاو بقبرهولكنّني أنساه حتى كأنّني
لأني أرى المقبور ينتظر النشرابما كان منه لم أحط ساعة خبرا
والقدح (2) في أهله وولده وأحبّائه بل عن حكايته عن غيره ، فإنّ التأذّي يحصل أوّلاً منه ثم من القائل بخلاف المدح من نفسه أو غيره ، حيث ينبغي إظهاره وافشاؤه لحصول السرور منه أوّلاً ، ثم من القائل إن كان ناقلاً ، والحاصل يسكت عمّا يكرهه مطلقاً الا إذا وجب في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، ولم يكن له رخصة في السكوت فلا يبالي بكراهته ، لأنّه إحسان إليه واقعاً ، وإنّ ظن أنّه إساءة.
وممّا يهوّن عليك السكوت عن معايب أخيك أن تطالع في معايبك ، فإن وجدت لنفسك عيباً فقدّر انّ أخاك مثلك في العجز عن قهر نفسه عنها.
1 ـ نهج البلاغة : الحكمة 41.
2 ـ عطف على التّجسس أي : بالسكوت عن القدح في أهله ...
(432)
وأن تعلم أن المبرى من كل عيب سيما في هذا الزمان كالكبريت الأحمر ، فلو طلبته لزمك الاحتراز والاعتزال عن كل الناس.
فغاية المنى في المصاحب من غلتب محاسنه على مساويه ، والمؤمن لابد أن ينظر إلى محاسن صاحبه لينبعث منه الود والاحترام والشوق إلى تحصيله (1) إن كان فاقداً لها دون المساوي حتى ينتح نقائضها كما هو هو دأب المنافق اللئيم ، وكما ينبغي السكوت لساناً فكذلك قلباً بأن لاتسيء به الظن وتحمل أفعاله على السهو والنسيان مهما أمكن سواء كانت فراسة أي مستندة إلى علامة محركة للظن تحركاً ضرورياً أو ناشة من سوء الاعتقاد فيه حتى إنه يصدر منه فعل ذووجهين فيحمله سوء العقيدة على تنزيله على الوجه الأردى من غير علامة مخصصة ، وإن كان الأخير شاملاً لكل مسلم كما أشير إليه سابقاً.
والباعث الغالب لكشف العيوب والامتناع عن سترها الحقد والحسد لامتلاء باطنه منهما ، فإذا اغتنم فرصة انحلت الرابطة ورشح الباطن بخبثه والانقطاع حينئذ أولى.
وكذا ينبغي السكوت عن مما راته في تكلماته ، فإنها مثيرة لنار الحقد ، مضافاً إلى كونها من رذائل الأعمال في نفسها مع كل أحد ، وكونها موجبة للتكبر بإظهار التميز بمزيد العقل والفضل وتحقير المسلم بنسبته إلى الجهالة أو الحماقة أو السهو أو الغفلة عن فهم الشيء كما هو حقه ، وهو مذموم ، ومناف للاخوة ، ومستلزم للنفرة والوحشة والمعاداة.
والرابع : حق فيه أيضاً بالنطق ، بأن تتودد إليه باللسان وتسأل عما لابد منه من أحواله وإظهار السرور مما يسره ، والكراهة مما يكرهه ، فإنه مما تزيد به المحبة المطلوبة بين المؤمنين شرعاً وإفشاء محامدة بين الناس في حضوره وغيبته والدفع عما يقدح فيه فيهما أيضاً ، والشكر له إن كان له حق عليك
1 ـ كذا ، والظاهر : تحصيلها.
(433)
ولو بالقصد ، وتعليمه ونصحه حيث إنّ حاجته إلى العلم أكثر من المال ، فإن كنت غنيّاً فيه لزمتك مواساته بتعليمه وإرشاده ومع عدم عمله نصيحته بتذكيره لفوائده وتحذيره عن آفاته وتخويفه بما يزجره وتنبيهه على عيوبه وتقبيح القبيح في عينه وتحسين الحسن في نظره بحيث لايطّلع عليه أحد حتّى لايخجل ولايفتضح فيحمله على العداوة دون الإشفاق والنصيحة ، فإنّ من العلامات الفارقة بين النصيحة والتفضيح الاعلان والاسرار ، وذلك لأنّ « المؤمن مرآة المؤمن » (1) كما ورد في النبوي ، فيستفيد به من عيوب نفسه ما لايستفيد بنفسه والعاقل يمتنّ من صديقه بإعلامه لما لا يعلمه بنفسه من عيوبه كما تمتن من الذي ينبّهك على حيّة أو عقربة تحت ذيلك همّت بإهلاكك فعيوب المرء حيّات لادعة وتألّم روحه منها أكثر من تألّم جسمه منها.
نعم ، يستوحش بإعلام ما يعلمه سيّما إذا كان مخفياً له عنه فلا ينبغي له كشفه وإظهاره حينئذ أصلاً ، وأمّا مع إظهاره له فلابدّ من التلطّف في النصح تعريضاً وتصريحاً بحيث لايؤدّي إلى الإيحاش ومع العلم بعدم تأثيره فيه وكونه مقهوراً عليه طبعاً ، فالسكوت أولى ، هذا فيما يتعلّق به من مصالحه.
وأمّا ما يتعلّق بك من تقصيره في حقّك فالواجب العفو والتحمّل والتعامي عنه وإن كان بحيث يؤدّي إلى القطيعة فالعتاب سرّاً أولى من التفضيح والتعريض به خير من التصريح ، والاحتمال خير من الكلّ.
والخامس. عفوك عن زلّته ، وهي إمّا في دينه أو في حقّك ، والاولى إن أصرّ عليها وجب عليك التلطّف في نصحه بما يؤدّي به إلى الورع والصلاح فإن لم ينجع قيل : وجب انقطاعه ، لأنّ خير المحبّة والبغض ما كان لله وفي الله.
وقيل لاتتركه لأنّه يعوج مرّة ويستقيم أخرى ، وأنّه أحوج ماكان
1 ـ المحجة البيضاء : 3/334.
(434)
إليك في هذا الوقت بأن تأخذ بيده وتتلطّف في نصحه والدعاء له بالعود إلى ما كان عليه ، وهذا الطف وأفقه ، وإن كان الأول أحسن وأسلم لما فيه من الاستمالة والرفق المفضي إلى الرجوع لاستمرار الحياء عند دوام الصحبة وإذا أيس منها أصرّ واستمرّ ، ولأنّه عقد نزل منزلة القرابة فيتأكّد به الحقّ ويجب الوفاء به.
ومن جملته (1) أن لا يهمله في أيّام فقره وفقر الدين أشدّ ، فينبغي مراعاته والتلطف به حتّى يعان على الخلاص ممّا وقع فيه ، لأنّ الاخوّة عدّة للنوائب والحوادث ، وهذا من أشدّها وهي لحمة كلحمة النسب.
قال الصادق عليه السلام : « مودّة يوم صلة ومودّة شهر قرابة ومودّة سنة رحم ماسّة ، من قطعها قطعه الله ». (2)
ومنه يظهر سرّ عدم جواز مواخاة الفاسق ابتداء وحسن الاستدامة عليها انتهاء ، إذ لم يتقدّم في الأولى له حق بخلاف الثانية ، فنسبة قطع الاخوّة إلى تركها ابتداء كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح ، فإن كانت مخالطة الكفّار من الممحذورات فمفارقة الأحبّة أيضاً من المحضورات ، وليس السالم عن المعارض كغيره.
والثانية لابدّ فيه من الصفح والتحمّل ، بل تنزيل أفعاله على الوجه الأحسن مهما أمكن ، وإن لم يمكن فضبط النفس عن الغضب المجبول عليه الطبع الزكي بكظم الغيظ والعمل بخلاف مقتضاه ممكن.
وقد قيل : الصبر على مضض الأخ خير من العتاب ، وهو خير من القطيعة ، وهي خير من الواقيعة ، ولاتبالغ في البغض مع الوقيعة عسى الله أن يجعل بينك وبينه مودّة.
والسادس : حقّ الدعاء له في حياته ومماته بما تحبّه لنفسك فإنّه في
1 ـ أي من جملة الوفاء به.
2 ـ المحجة البيضاء : 3/338.
(435)
الحقيقة دعاء لنفسك.
قال النبي صلى الله عليه وآله : « إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب قال الملك : ولك مثل ذلك. ». (1)
والأخبار بهذا المضمون أو ما يقرب منه كثيرة من الطريقين.
والسابع : الوفاء أي الثبات على الحب حتّى بعد الموت مع أولاده وأصدقائه لأنّه يراد للآخرة فقطيعته به إضاعة للسعي.
وكان صلى الله عليه وآله يكرم عجوزاً لأنّها كانت تأتيه في أيّام خديجة (2) ، والصديق يفرح بمراعاة صديقة لأجله أكثر ممّا يفرح بمراعاته ، إذ تدلّ على قوّة المحبّة ، والشيطان يجتهد في القطيعة فمعها يشمت بهما.
قال الله تعالى : « وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن ، إنّ الشيطان ينزغ بينهم ». (3)
ومن الوفاء أن لا يتغيّر حاله في التواضع مع أخيه وإن ارتفع شأنه وعظم جاهه.
إن الكرام إذا [ ما ] أسهلوا ذكروا
من كان يألفهم بالمنزل الخشن
ومن تمامه أن يكون شديد الجزع من فراقه ، نفور الطبع من أسبابه كما قيل :
وجدت مصيبات الزمان جميعها
سوى مفارقة الأحباب هيّنة الخطب
وقال الآخر :
يقولون إنّ الموت صعب على الفتى
وإنّ مفارقة الأحباب والله أصعب
وأن لايسمع بلاغات الناس على صديقه ، فإنّ بها تنقطع المودّة ، وأن لايصدّق عدوّه.
1 ـ المحجة البيضاء : 3/340.
2 ـ المحجة البيضاء : 3/342.
3 ـ الأسرار : 533.
(436)
والثامن : تسهيل الأمور عليه وترك التكليف بما يشقّ عليه وترفيهه عن حمل شيء من أعبائك وأن لاتستمدّ منه بحاه أو مال ولا تكلفه التواضع والتفقّد والقيام بحقوقك ، بل لاتقصد بمحبتّه الا الله تعالى بالتبرّك بدعائه والاستيناس من لقائه والاستعانة على دينه والتقرّب إلى الله بتحمّل أعبائه وقضاء حوئجه.
ولذا قيل : من جعل نفسه عند الإخوان فوق قدره أثم وأثموا ، ومن جعل نفسه في قدره أتعب نفسه وأتعبهم ، ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا ، بل من تمام التخفيف طيّ بساط التكليف حتّى لايستحيي منه.
ولذا قيل : إذا وقعت الالفة بطلت الكلفة.
وقال الآخر : بين الأحباب تسقط الآداب.
هذا ، وقد قيل : لاتصحب الا من يتوب عنك إن أذنبت ويعتذر عنك إن أسأت ، ويحمل عنك مؤونتك ويكفيك مؤونته.
قال الغزالي : « وهذا تضييق لطريق المواخاة على الناس ، بل ينبغي أن يواخي كلّ متديّن عاقل ويعزم علىأن يقوم بهذه الشروط ، ولايكلّفه إيّاها حتّى يكثر إخوانه وتكون اخّوته في الله دون حظوظ نفسه خاصّة. ولذا قال رجل للجنيد : قد عزّ الاخوان في هذا الزمان ، أين أخ في الله؟ فأعرض عنه حتّى أعاده ثلاثاً ، فلمّا أكثر قال : إن أردت أخاً في الله تحمّل أنت مؤونته وتصبر على أذاه فعندي جماعة أعرفهم لك ، فسكت الرجل ». (1)
أقول : لعلّ مراد القائل أنّ الحري بالمواخاة من يكون متّصفاً بهذه الصفات في نفسه لا أن يكون المطلوب من مواخاته تكلّفه له ، فلابدّ لك أن لاتتواخى الا من يتّصف بها ، والا لما كان أخاً في الله ، ولما كان حرّياً من حيث الاخوّة بهذه الحقوق ، وقد مرّ نظائر ذلك من الأخبار وغيرها الدالّة
1 ـ المحجة البيضاء : 3/345.
(437)
على أنّه لاينبغي المواخاة الا مع من يتّصف بهذه الصفات.
نعم ، ينبغي لك أن يكون قصدك من مواخاته الاخلاص والتقرّب إلى الله دون الحظوظ النفسانية ، فبعد ما واخيته لاتطلبها منه بل تعزم على قيامك بها مع عدم توقّعك منه شيئاً منها وإن كان فاعلاً لها ، حتى تكون مواخاتك له في الله دون حظوظ نفسك ، وهذا واضح.
قال الغزالي : « ومن ترك التكليف والتخفيف أن لاتعترض عليه في نوافل العبادات ، لأنّ طائفة من الصوفية كانوا يصحبون على شرط المساواة في أربعة : إن أكل أحدهم الدهر كلّه لم يقل صاحبه : صم ، وإن صام الدهر كلّه لم يقل له : لاتصم ، وإن نام الليل كلّه لم يقل له : قم ، وإن قام الليل كلّه لم يقل له : نم ـ إلى آخر ما قال ... ». (1)
أقول : بل من لوازم الوفاء بحقوق لاخوّة أن ينظر أنّ الباعث له على تركها ماذا؟ فإن كان من عذر أو اشتغال بما هو الأهمّ شرعاً أو عرفاً أو عقلاً سكت عنه ، وإن كان من كسل أو تكاهل أو عدم مبالاة منعه رفقاً ونصحه بما يرغّبه فيها ، نعم لايسيء به الظنّ ولا يتفاوت حاله عنده بزيادة ونقصان حتى يحرّكه ذلك إلى الرياء ونحوه الا من جهة الدين والشرع ، فافهم.
وبالجملة فالتكليف مذموم والنهي عنه في الشرع كثير.
قال الله تعالى : « قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلّفين ». (2)
فليس التكليف من أخلاق الصلحاء وشعار المتّقين ، ولايتمّ تركه إلا بأن يرى نفسه دون إخوانه ويحسن الظنّ بهم ويسيئه بنفسه وأن يشاورهم فيما يقصده ويقبل مشورتهم ، فهذه هي الحقوق الثابتة للاخوّة والصداقة ، وحاصلها أن تقيّد بحقوقهم جميع جوار حك.
1 ـ المحجة البيضاء : 3/346.
2 ـ ص : 86.
(438)
أمّا النظر فبأن يكون مودّة فلا ترى منهم الا المحاسن ، ولا تصرفه عنهم حين إقبالهم عليك.
وأمّا السمع فبالاستماع لكلامهم والتلذّذ منه والتصديق لهم.
وأمّا اللسان ففيما ذكر ، وأن لاترفع صوتك عليهم وتفهّمهم مرادك.
وأمّا اليدان فبأن لاتقبضهما عن مؤونتهم فيما يتعاطى بهما وأمثال ذلك.
وأمّا الرجلان فأن تمشي وراءهم مشي الاتّباع والتعظيم لهم والسعي في قضاء حوائجهم فيما يتعاطى بهما وأمثال ذلك.
تتميم
قال بعض الحكماء : إذا أردت حسن المعيشة فالق صديقك وعدوّك بعين الرضا من غير ذلّة ولا وحشة وتوقّر في غير كبر وتواضع في غير مذلّة ، وكن في جميع أمورك متوسّطاً ، ولاتنظر في عطفيك ، ولاتكثر الالتفات ، ولاتقف على الجماعات وتحفّظ من تشبيك أصابعك والعبث بلحيتك وخاتمك وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك وكثرة بصاقك وتنخّمك وذبّ الذباب عن ووجهك وكثرة التمطّي والتّثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة وغيرها ، وليكن مجلسك هاوياً (1) وحديثك منظوماً ، وأصغ إلى الكلامالحسن ممّن حدّثك بغير إظهار تعجّب مفرط ، ولاتسأله إعادته ، واسكت عن المضاحك والحكايات ، ولاتحدّث عن الإعجاب بولدك ولا جاريتك ولا شعرك ولا تصنيفاتك وسائر ما يخصّك ، ولاتتزيّن كما تتزيّن المرأة ولاتبتذل تبذّل العبيد وتوقّ كثرة الكحل والاسراف في الدهن ولاتلحّ في الحاجات ولاتشجّع الظالم في ظلمه ، ولا تخبر أهلك وولدك فضلاً عن غيرهم بمقدار ما لك فإنّهم إن رأوه قليلاً وهنت عندهم وإن روه كثيراً لم يمكنك إرضاؤهم واجفهم (2) من غير عنف ولن لهم من غير ضعف ولا
1 ـ كذا في النسخ ، وفي المحجة البيضاء : هادياً.
2 ـ كذا في النسخ : وفي المحجة البيضاء : وأخفهم.
(439)
تهازل العبيد والاماء فيسقط وقارك ، وإذا خاصمت فتوقّر وتحفّظ من جهلك وتفكّر في حجّتك ولا تكثر من الاشارة بيديك ولا تكثر الالتفات إلى ماوراءك ، وإذا هدأ غيظك فتكلم وإن تقرّبت إلى السلطان فكن منه على حدّ السنان ولاتأمن انقلابه عليك وارفق به رفقك بالصبي وكلّمه بما يشتهيه ولاتدخل بينه وبين أهله وولده وجيشه وإن كان معك في غاية اللطف.
وإيّاك وصديق العافية ، ولايكن مالك عندك أعزّ من عرضك ، وإذا دخلت مجلساً فسلّم على أهله ولاتتخطّ من سبقك واجلس حيث وسعك ، وكلّما كان أقرب إلى لتواضع كان أحسن ، ولاتجلس على الطريق وإن جلست فغضّ بصرك وانصر المظلوم وأغث الملهوف وأعن الضعيف وأرشد الضالّ وردّ السلام وأعط السائل وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وارتد لموضع البصاق مايكون عن يسارك وتحتت قدمك اليسرى ولاتستقبل به وال تجالس الملوك ، وإن فعلت فلا تغتب ولا تكذب ، وأقلل حوائجك واحفظ أسرارهم وعذّب ألفاظك وإعرب في خطابك ، واذكر أخلاق الملوك وقلّل المداعبة وأكثر الحذر منهم وإن أظهروا المودّة ، ولا تجالس العامة ، فإن فعلت فلا تخض في حديثهم وقلّل الإصغاء إلى أراجيفهم ، وتجاهل عمّا يجري في سوء ألفاظهم.
واترك المزاح رأساً ، فإن اللبيب يحقد عليك والسفيه يجترىء عليك ، فإنّه مسقط لماء الوجه ومخرق للهيبة ، وهو يميت القلب ، ويباعد عن الربّ ، ويكسب الغفلة ، ويورث الذلّة ، والله المستعان. (1)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية ، ويدلّ عليه الإجماع والكتاب والسنّة والاعتبار.
1 ـ المحجة البيضاء : 3/350 ـ 352.
(440)
أمّا الأول : فمن المسلمين كافّة.
وأما الثاني : فقال تعالى :
« ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ». (1)
والأمر يدلّ على الوجوب ، والنسبة إلى الأمّة منكّرة تدلّ على كونه كفائياً.
وقال تعالى :
« ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون إلى آيات الله آناء اللّيل وهم يسجدون* يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ». (2)
وقال : « الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ». 3 ـ
وقال : « كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ». (4)
وقال : « الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ». (5) وغير ذلك.
وأما الثالث : فقد أشير إلى بعضها.
وقال الباقر عليه السلام في حديث طويل : « إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء
1 ـ آل عمران : 104.
2 ـ آل عمران : 113 ـ 114.
3 ـ التوبة : 71.
4 ـ آل عمران : 110.
5 ـ الحج : 41.