مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: 91 ـ 100
(91)
سَمَاء أَمْرَهَا ) ( فصّلت/11و12 ).
    فقوله سبحانه : ( وَ أَوحَى فِى كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ) يحتمل وجهين :
    ( الأوّل ) : أودع في كل سماء السنن و الأنظمة الكونية و قدّر عليها دوامها إلى أجل معيّن. و بما أنّ السماوات تلقّت هذه السنن و النظم بالإشارة في خلقتها استعير في التعبير لفظ الوحي.
    ( الثاني ) : إنّ الشعور و الإدراك ساريان في جميع مراتب الوجود من أعلاه كواجبه إلى أدناه كالهيولي في عالم التكوين ، و لكن كل حسب درجته و مرتبته ، فالسماوات تلقّت ما أوحى إليها سبحانه بخفاء فقامت بامتثاله ما أوحى إليها من الوظائف.
    و من هذا القبيل قوله سبحانه : ( اِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَ اَخْرَجَتِ الأَرْضُ اَثْقَالَهَا * وَ قَالَ الإِنْسَانُ مَالَهَا * يَوْمَئِذ تُحَدِّثُ اَخْبَارَهَا * بِاَنَّ رَبَّكَ اَوْحَى لَهَا ) ( الزلزلة/1 ـ 5 ).

2 ـ الإدراك و الغريزة :
    قال سبحانه : ( وَ اَوْحَى رَبُّكَ اِلَى النَّحْلِ اَنِ اتَّخذِى مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً ) ( النحل/68و69 ).
    فالأعمال المدهشة الخلاّبة للعقول التي تقوم بها النحل في صنع بيوته و القيام بشؤون وظائفها ثم التجوّل بين البساتين ، و مص رحيق الأنهار ، ثمّ إيداعها في صفائح الشهد ، شيء تتعلّمه بإيحاء من اللّه سبحانه و ذلك بإيداع الغرائز الكفيلة بذلك ، و بما أنّ تأثّر النحل بها بخفاء و بلا إلتفات من الشعور و الإدراك اُطلق عليه لفظ الوحي.
    و يحتمل أيضاً هناك معنى آخر ذكرناه في الوحي إلى السماء.


(92)
3 ـ الإلهام و الإلقاء في القلب :
    و قداستعمل الوحي في الإلقاء إلى القلب في موارد في الذكر الحكيم.
    منها قوله سبحانه : ( وَ أَوْحَيْنَا اِلَى اُمِّ مُوْسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) ( القصص/7 ).
    و منها قوله : ( وَ اِذْ اَوْحَيْتُ اِلَى الحَوَارِيِّينَ اَنْ آمَنُوا بِى وَبِرَسُولِى ) ( المائدة/111 ).
    و منها قوله تعالى في شأن يوسف ( عليه السلام ) عِندما جعلوه في غيابت الجبّ ، قال سبحانه :
    ( وَ اَوْحَيْنَا اِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِاَمْرِهِمْ هَذَا وَ هُمْ لاَيَشْعُرُونَ ) ( يوسف/15 ).
    إلى غير ذلك من الموارد.
     4 ـ الإشارة :
    قال سبحانه : ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَاَوْحَى اِلَيْهِمْ اَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيّاً ) ( مريم/11 ).
    و بما أنّه استخدم الإشارة في تفهيم مراده فأشبه فعله إلقاء الكلام بخفاء فصار ذلك مصحّحاً لاستعمال لفظ الوحي.
     5 ـ الإلقاءات الشيطانيّة :
    قال سبحانه : ( وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكْلِّ نَبِىّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الاِنْسِ وَ الجِنِّ يُوْحِى بَعْضُهُمْ اِلَى بَعْض زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً ) ( الأنعام/112 ).
    و يعلم وجه استعمال الوحي هنا ممّا ذكرنا فيما سبق.


(93)
6 ـ كلام اللّه المنزّل على نبي من أنبيائه :
    قال سبحانه : ( كَذَلِكَ يُوْحِى اِلَيْكَ وَ اِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( الشورى/3 ).
    وقد عرّف هذا النوع من الوحي بأنّه تعليمه تعالى من اصطفاه من عباده كلّما أراد اطّلاعه على ألوان الهداية و أشكال العلم و لكن بطريقة خفيّة غير معتادة للبشر.
    و حصيلة البحث : إنّ للوحي معنى واحداً و له مصاديق متنوّعة و ليست هي بمعان متكثّرة ، و إنّ حقيقة الوحي تعليم غيبي لمن اصطفاه سبحانه من عباده ، لايشابه الطرق المألوفة بين العباد ، وإن أردت المزيد من الإطّلاع فإليك البيان التالي :
     قنوان المعرفة الثلاثة :
    إنّ أمام الإنسان طرق ثلاثة للوصول إلى مقاصده :
    الطريق الأوّل ـ يستفيد منه جموع الناس غالباً ـ بينما يستفيد طائفة خاصّة منهم من الطريق الثاني ، و لايستفيد من الطريق الثالث إلاّ أفراد معدودين تكاملت عقولهم و تسامت أرواحهم و هي كالتالي :
     1 ـ الطريق الحسّي و التجربي :
    و المقصود منه الإدراكات و المعلومات الواردة إلى الذهن عن طريق الحواس الظاهريّة أو بفضل التجربة التي أسّست الحضارة المعاصرة عليها.
     2 ـ الطريق التعقّلي النظري :
    إنّ المفكّرين يتوصّلون إلى كشف الاُمور الخارجة عن إطار الحسّ و التجربة عن طريق الإستدلال و أعمال النظر و إنهاء المجهولات إلى البديهيات ، و قدتوصّل


(94)
البشر بهذا الطريق إلى المسائل الفلسفيّة الكلّية و ما يضاهيها.

3 ـ طريق الإلهام :
    و هذا هو الطريق الثالث و هو فوق نطاق الحس و التعقّل. إنّه نوع جديد من المعرفة ، و نمط متميّز من إدراك الحقائق ليس محالاً من وجهة نظر العلم ، و إن كان يصعب على أصحاب الإتجاه المادي قبوله لكونه طريقاً خارجاً عن إطار الحسّ والتعقّل.
    إنّ طريق التعرّف على حقائق الكون ـ في منهج المادّيين و أصحاب النزعة المادّية ـ ينحصر في قناتين لاغير و هما اللّذان سبق ذكرهما في حين إنّ هناك حسب نظر الإلهيين قناة ثالثة أيضاً.
    إنّ هذا الطريق الثالث أقوى اُسساً و أوسع آفاقاً عند من يدّعون الرسالة و النبوّة من جانب اللّه سبحانه و إنّ نفوس اُولئك الأشخاص لتبدو أكثر صفاءً و طراوة وزهواً.
    كلّما حصل ارتباط بين اللّه سبحانه و فرد من أفراد النوع الإنساني على نحو تلقّي الحقائق من دون توسيط الحواس و أعمال الفكر يسمّى بالإلهام تارة و الإشراق اُخرى و كلّما نتجت من هذا الإرتباط سلسلة تعاليم عامّة يطلق عليها اسم الوحي ويسمّى المتلقّي نبيّاً ، و من هنا اعتبر العلماء « الوحي » الطريقة المطمئنّة الوحيدة إلى المعرفة العامّة.
     أنواع الوحي و أقسامه :
    إنّ النبي تارة يتلقّى الوحي على نحو الإلهام في القلب ، و اُخرى يسمع عبارات و كلمات من وراء حجاب كسماع موسى ( عليه السلام ) كلام اللّه سبحانه في الطور ، و ثالثة تنكشف الحقائق له في عالم الرؤيا انكشاف النهار كرؤيا إبراهيم


(95)
الخليل ( عليه السلام ) ذبح ولده إسماعيل ، و قدينزل عليه ملك من جانب اللّه تعالى معه كلامه سبحانه و هو الذي يسمّى بالروح الأمين.
    و إلى الطرق الثلاثة : « سوى الرؤيا » اُشير بقوله سبحانه : ( وَ مَا كَانَ لِبَشَر اَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ اِلاَّ وَحْياً اَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَاب ) و إلى نزول الملك بقوله : ( اَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) و أمّا الرؤيا الصادقة فيكفي في ذلك قوله سبحانه حاكياً عن الخليل ( عليه السلام ) : ( يَا بُنَىَّ إِنِّى اَرَى فِى المَنَامِ أَنِّى اَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَا ذَا تَرَى قَالَ يَا اَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( الصافّات/102 ).
    فلو لم تكن رؤيا الخليل إدراكاً قطعيّاً و اتّضح بها وجه الحقيقة كفلق الصبح لما أخبر ولده بها و لما أجابه الولد بالإمتثال طائعاً. نعم اُشير إلى الملك الحامل لكلام اللّه سبحانه بقوله : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذَرِينَ ) ( الشعراء/193و194 ).
    إنّ هناك من يحاول أن يفسّر الوحي بالاُصول المادّية و الطرق الحسّية و لهم في ذلك آراء و نظريات يشبه كثيرها بكلام بعض المشركين في تقييم الوحي و القرآن الكريم ، و إليك بيان هذه النظريات واحدة تلو الاُخرى.

1 ـ الوحي وليد النبوغ :
    و يقولون : يتميّز بين أفراد الإنسان المتحضّر أشخاص يملكون فطرة سليمة ، و عقولاً مشرقة تهديهم إلى ما فيه صلاح المجتمع وسعادة الإنسان ، فيضعون قوانين فيها مصلحة المجتمع و عمارة الدنيا ، و الإنسان المتصدّي لهذه الوظيفة هو النبي ، والفكر المترشّح من مكامن عقله و ومضات نبوغه هو الوحي ، و القوانين التي يسنّها لصلاح المجتمع هي الدين ، و الروح الأمين ( جبرئيل ) هو نفسه الطاهرة التي تفيض هذه السنن و القوانين إلى مراكز إدراكه ، و الكتاب السماوي هو كتابه الذي يتضمّن تلك السنن و القوانين ، و الملائكة التي تؤيّده في حلّه و ترحاله هي القوى الطبيعية ،


(96)
و الشيطان الذي ينابذه و ينادده هي النفس الأمّارة بالسوء.
    أقول : إنّ تفسير النبوّة بالنبوغ و إن صيغ في قالب علمي جديد ليس نظرية جديدة بحدّ ذاتها ، فإنّ جذوره تمتد إلى عصر المشركين المعاصرين للنبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإنّهم كانوا يحسّون بحالة الإنجذاب للقرآن وبلاغته الخلاّبة فينسبونه إلى الشعر و يصفون قائله بالشاعر ، قال سبحانه حاكياً عنهم : ( بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَة كَمَا اُرْسِلَ الاَوَّلُونَ ) ( الأنبياء/5 ).
    و يجيبهم القرآن بقوله : ( وَ مَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَ مَا يَنْبَغِى لَهُ إِنْ هُوَ اِلاَّ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ ) ( يس/69 ).
    إنّ هذه النظرية إبتنت على إنكار ماوراء الطبيعة فصار الوجود عندهم مساوقاً للمادّة فلم يجدوا منتدحاً عن تفسير الوحي بما جاء في هذه النظرية.
    إنّا إذا سبرنا تاريخ المصلحين في العالم نجدهم على فئتين.
    فئة تتكلّم باسم الدين الإلهي و تخبر عن اللّه سبحانه و ينسب كل ما يأمر وينهي إلى عالم الغيب و لايرى لنفسه شأناً سوى كونه مبلّغاً لرسالات اللّه و مؤدّيا لبلاغها و إنذارها.
    و فئة تتكلّم باسم المصلح الإجتماعي و ينسب كل ما يتفوّه به إلى بنات فكره و عقله ، فلو صحّت تلك النظرية لما كان لهذا التقسيم مفهوم صحيح و عندئذ يتساءل : لماذا نسبت الفئة الاُولى ما جاؤوا به من التعاليم إلى عالم الغيب مع أنّه من ومضات فكرتهم هذا ، و من جانب آخر إنّ المصلحين بإسم الأنبياء كانوا رجالاً صادقين و صالحين لم يبدر منهم ما ينافي صدقهم و صلاحهم ، و هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّهم كانوا يحسّون من صميم ذاتهم بأنّهم مبعوثون من جانبه سبحانه.
    إنّ هذه النظرية التي تفسّر الوحي بالنبوغ و توسّم الأنبياء بالنوابغ لم تدرس أحوال النوابغ و العلل و المبادئ التي يرتكز عليها النبوغ حتّى تقف على أنّ أحوال


(97)
الأنبياء على طرف نقيض من أحوال النوابغ ، فإنّ أفكار النوابغ تتوقّد و تزدهر تحت لواء المجتمعات الراقية ، و تحت ظل الحضارات الإنسانية ، و أمّا المجتمعات المتخلّفة فلو كانت تمتلك نوابغاً بالذات لاُخمد فيها ذكاؤهم و بارت فيها فطنتهم.
    و أمّا الظروف التي كان يعيش فيها الأنبياء خصوصاً النبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد كانت على نقيض هذا الجانب ، فقد بعث ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين قوم يغطّون في سبات التخلّف و الإنحطاط ، فكيف يمكن تفسير النبوّة الخاتمة بالنبوغ مع هذا البون الشاسع بين ظروف النوابغ و ظروف خاتم المرسلين ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    أضف إلى ذلك : إنّ النوابغ تسودهم العزلة و الإنزواء مع أنّ النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان بين الناس يعيش معهم في حياتهم الإجتماعية و إن لميكن على سيرتهم و سلوكهم ، فقد قضى عمره في الرعي و التجارة إلى أن بعثه اللّه سبحانه نبيّاً لهداية الاُمّة.
    و إنّى للنوابغ الكتاب الذي حارت فيه العقول و خرست الألسن عن النطق بمثله ؟ و أين لهم هذه النظم و التشريعات الحيّة النابضة التي تتلائم و تنسجم مع جميع الحضارات الإنسانية ، فهي كما وصفها شبلي شمّيل اللبناني المتوفّى عام1335ه ـ ق في رسالته إلى صاحب المنار :
    إلى السيّد محمد رشيد رضا صاحب ( المنار ) :
    أنت تنظر إلى محمّد كنبيّ و تجعله عظيماً ، و أنا أنظر إليه كرجل و أجعله أعظم ، و نحن و إن كنّا في الاعتقاد على طرفيّ نقيض ، فالجامع بيننا العقل الواسع والإخلاص في القول ، و ذلك أوثق لنا لعرى المودّة ( الحق أولى أن يقال ) :
دع من محمّد في صدى قرآنه إنّي وإن أك قد كفرت بدينه أو ما حوت في ناصع الألفاظ من ما قد نحاء للحمة الغايات هل أكفرن بمحكم الآيات ؟ حكم روادع للهوى وعظات



(98)
و شرايع لو أنّهم عقلوا بها نعم المدبّر و الحكيم و إنّه رجل الحجى رجل السياسة والدهاء ببلاغة القرآن قد خلب النهى من دونه الأبطال في كل الورى ما قيّدو ا العمران بالعادات ؟ ربّ الفصاحة مصطفى الكلمات بطل حليف النصر في الغارات و بسيفه أنحى على الهامات من سابق أو غائب أو آت
2 ـ الوحي ثمرة الأحوال الروحيّة :
    هذه النظرية هي التي يعتمد عليها المستشرقون في تحليل نبوّة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و فسّرها من بينهم « اميل درمنغام » ، وخلاصتها :
    إنّ الوحي إلهام يفيض من نفس النبي الموحى إليه لا من الخارج ، وذلك إنّ سريرته الطاهرة ، وقوّة إيمانه باللّه ، والإعتقاد بوجوب عبادته ، وترك ما سواها من عبادة وثنيّة وتقاليد وراثيّة موبؤة ، يحدث في عقله الباطن ، الرؤى والأحوال الروحيّة فيتصوّر ما يعتقد وجوبه ، إرشاداً إليه ، نازلاً عليه من السماء بدون وساطة ، أو يتمثّل له رجل يلقّنه ذلك ، يعتقد انّه ملك من عالم الغيب ، وقد يسمعه يقول ذلك ولكنّه إنّما يرى ويسمع ما يعتقده في اليقظة كما يرى ويسمع مثل ذلك في المنام الذي هو مظهر من مظاهر الوحي عند جميع الأنبياء ، فكلّما يخبر به النبي انّه كلام القى في روعه ، أو ملك ألقاه على سمعه ، فهو خبر صادق عنده (1).
     نبوّة أو أضغاث أحلام ؟!
    وممّا يلاحظ على تلك النظرية إنّها ليست بشيء جديد وإن كانت ربّما تنطلي
1 ـ الوحي المحمدي ص66.

(99)
على السذج من الناس بأنّها نظرية جديدة ذات قيمة علمية.
    إنّ الذكر الحكيم يحكي لنا مقالة المشركين في سالف عهدهم في حقّ ا لنبي الأكرم وكتابه حيث كا نوا يحلّلون نبوّته والوحي المنزّل عليه ، بأنّها أضغاث أحلام ، قال تعالى حاكياً عنهم : ( أَضغاث أَحلام ) أي أنّ ما يحكيه عن اللّه تبارك وتعالى إنّما هو وحي الأحلام يجري على لسانه ، وعلى ذلك فليست تلك النظرية إلاّ تفسير للنبوّة بالجنون الذي هو في مرتبة عالية وشديدة من تجلّي النزعات الخيالية فاستغلّه المستشرقون ، واستعرضوه بثوب جديد يوهم السذّج أنّها تحليل علمي بني على أساس علمي رصين ، ولكن المساكين غير و اقفين على أنّه نفس النظرية الجاهلية التي جوبه بها النبي حيث قالوا : ( يَا اَيُّها الّذى نُزِّل عَليِْه الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) ( الحجر/6 ).
    وقد حكيت هذه التهمة عن لسان المشركين في غير سورة. سبحانك يا رب ما أعظم جناية الإنسان على الصالحين البالغين ، ذروة الكمال في العقل والدراية حتى وسمهم هؤلاء المفترون تارة بالخبطة وأُخرى بالمسّ والجنون.
مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: فهرس