مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: 251 ـ 260
(251)
سبحانه منزّه ، عن أن تكون له زوجة.
    د ـ ( وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْء ) : فإذا كان هو خالق كل شيء ، و الكل مخلوق له فلايتصوّر كون المخلوق ولداً ، لأنّ الولد يشاطر الوالد في الطبيعة و النوعيّة فإذا كان سبحانه واجب الوجود لاستغنى عن العلّة و الخالق و لترفّع عن حيز الإمكان ، والمفروض خلافه.
     3 ـ يونس/68 :
    ( قَالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغَنِىُّ لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَ مَا فِى الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَان بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَتَعْلَمُونَ ).
    و هذه الآية تشتمل على مثل ما إشتملت عليه الآيات السابقة و إليك تفصيل جملها.
    أ ـ ( سُبْحَانَهُ هُوَ الغَنِىُّ ) : و قد عرفت أنّ إتّخاذ الولد إمّا لغاية إشباع الغريزة الجنسية أو لاستعانة به في أيّام الكهولة أو لبسط نفوذ الشخصية ، و اللّه غني عن الجميع.
    ب ـ ( لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَ مَا فِى الأَرْضِ ) : و فيه إشارة إلى أنّ كل ما في الكون مقهور و مسخّر فكيف يكون شيء منه ولداً له مع لزوم المماثلة بين الولد والوالد.
    ج ـ ( إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَان بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَتَعْلَمُونَ ) : و هو إشارة اُخرى إلى أنّه إنّما تبنّوا هذه الفكرة تقليداً بلا علم و برهان ، و قد تقدّم في الآيات السابقة ( بغير علم سبحانه ).
     4 ـ الكهف/4و5 :
    ( وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتْخَذَ اللّهُ وَلَداً * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم وَ لاَ لاِبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً ).


(252)
    و في هذه الآية إكتفاء ببرهان واحد و هو أنّ القوم يتفوّهون بذلك بلا علم لهم ولا لآبائهم.
     5 ـ مريم/35 :
    ( مَا كَانَ للّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَد سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) وفي الآية إشارة إلى برهانين أحدهما قوله ( سبحانه ) و الثاني ( إذا قضى ) ، و قد مرّ تفسيرهما فلانعيد.
     6 ـ مريم/88 ـ 95 :
    ( وَ قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً ).
    ( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً ).
    ( تَكَادُ السَّموَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدّاً ).
    ( أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً ).
    ( وَ مَا يَنْبَغِى لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً ).
    ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِى السَّموَاتِ وَ الأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمن عَبْداً ).
    ( لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ).
    ( وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً ).
    و قد ركّزت الآيات على برهانين :
    أحدهما قولهُ : ( وَ مَا يَنْبَغِى لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً ) و هذه الجملة واقعة مكان لفظة ( سبحانه ) في الآيات السابقة.
    و ثانيهما : قوله : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِى السَّموَاتِ وَ الأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمنِ عَبْداً ) وهو يفيد نفس ما يفيده قوله : ( بَلْ لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَ مَا فِى الأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) في الآيات السابقة و المعنى بعد التطبيق واضح و محصّله أنّ من في الكون عبد


(253)
مسخّر للّه سبحانه ، و هو لايجتمع مع كون واحد منهم ولداً لأنّه يقتضي المماثلة والمشاركة في الوجوب و الإستغناء عن العلّة مع أنّ المفروض كونه ممكناً.
     7 ـ الأنبياء/26و27 :
    ( وَ قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ).
    ( لاَيَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ).
    فلفظة ( سُبْحَانَهُ ) مشيرة إلى أنّ إتّخاذ الولد ملازم للنقص و العيب و هو سبحانه منزّه عنه.
    و قوله : ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ) إشارة إلى ما مرّ من أنّ العبودية لاتجتمع مع البنوّة لأنّ مقتضى البنوّة المشاركة و المسانخة مع الوالد في الطبيعة ، و المفروض وجوب وجود الوالد فيكون الولد واجباً و هو محال.
     8 ـ المؤمنون/91 :
    ( مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَد وَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِله ).
    و الآية تشير إلى أنّ اتّخاذ الولد ينافي التوحيد و الوحدانية لأنّ الولد يجب أن يكون مماثلاً للوالد على نحو ما مرّ ذكره و عندئذ يكون إلهاً مثله ، و المفروض أنّه ليس معه إله.
     9 ـ الزمر/4 :
    ( لَوْ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاَصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ ).
    و في الآية إشارة إلى دحض تلك العقيدة المنحرفة باُمور ثلاثة :
    أ ـ ( سُبْحَانَهُ ).


(254)
    ب ـ ( الوَاحِدُ ).
    ج ـ ( القَهَّارُ ).
    أمّا الأوّل فدلالته على نفي البنوّة مثل الآيات السابقة.
    و أمّا الثاني أعني كونه واحداً ، فهو يدلّ على نفي البنوّة لأنّ اتّخاذ الابن يستلزم المماثلة بين الأب و الولد ، فيلزم تعدّد الإله و واجب الوجود.
    و أمّا الثالث أعني كونه قهّاراً و غيره مقهوراً عليه فدلالته مثل دلالة قوله : ( إِنَّ كُلَّ مَنْ فِى السَّموَاتِ وَ الأَرْضِ إِلاَّ آتَى الرَّحْمن عَبْداً ) و قوله : ( بَلْ لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَ الأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) و قوله : ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ) و ذلك لأنّ اتّخاذ الابن يستلزم أن يكون له مماثل من ذاته لأنّ الولد يماثل الوالد في النوعية و الطبيعة فيلزم أن يكون الولد واجب الوجود ، و المفروض أنّه مقهور و مسخّر للّه سبحانه.
    و أنت إذا قارنت هذه الآيات بعضها ببعض لوقفت على أنّ الجميع في المادة و المعنى و كيفيّة الإستدلال مصبوب في قالب واحد بينها كمال الإئتلاف والتناسب ، و العبارات الواردة في المقام و إن كانت مختلفة المواضع و لكنّ المؤدّى والمعنى واحد ، و تلك الآيات نزلت على النبيّ في ظروف مختلفة و أجواء متباينة والنبيّ لم يزل بين كونه منهمكاً في الحرب وهادئ البال في الصلح و السلم ومع ذلك يتكلّم على نسق واحد مع كونه أمّيّاً لم يقرأ قطّ و لم يكتب. صدق اللّه العليّ العظيم حيث قال : ( وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) ( النساء/82 ).

قسمة ضيزي :
    و من عجائب اُمورهم أنّهم اتّخذوا لأنفسهم البنين و نسبوا إلى اللّه عزّ و جلّ الإناث من الملائكة ، قال سبحانه : ( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالبَنِينِ وَ اتَّخَذَ مِنَ المَلاَئِكَةِ إِنَاثاً ) ( الإسراء/40 ).


(255)
    و قال تعالى : ( أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَات وَ أَصْفَاكُمْ بِالبَنِينَ ) ( الزخرف/16 ).
    و قال تعالى : ( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الاُنْثَى * تِلْكَ إِذَاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ) ( النجم/21 ـ 22 ).
    ثمّ إنّه سبحانه أبطل ادّعاءهم بكون الملائكة إناثاً و قال : ( وَ جَعَلُوا المَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) ( الزخرف/19 ) فكيف يدّعون ما لم يشهدوه ؟!
    إلى هنا تمّ حوار القرآن مع اليهود و النّصارى في اتّخاذه سبحانه و لداً من الإنس و الجنّ و الملائكة ، و قوّة البرهان القرآني و إتقانه و تعاضد بعضه بعضاً يدلّ على أنّه وحي إلهي نزل به الروح الأمين على قلبه ، و انّى للإنسان الغارق في الحياة البدائيّة أن يأتي بمثل ذلك لولا كونه مسدّداً بالوحي ، مؤيّداً بالمدد الغيبي منه سبحانه.
    و إليك بقية المناظرات الواردة في القرآن الكريم.

اليهود و نقض المواثيق و العهود
    حطّ النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رحاله بالمدينة ، و التفّ حوله الأوس و الخزرج ، ففشى أمر الإسلام و شاع خبره و ذكره بين الناس و القبائل القاطنة بأطراف المدينة ، و كان ذلك بمثابة جرس إنذار لليهود ينبئ عن إقتراب اُفول شوكتهم في المدينة و ماوالاها بل في شبه الجزيرة العربية برمّتها.
    و كانت اليهود في سابق عهدها تفتخر على سائر الاُمم بأنّها تقتفي أثر التوحيد و أنّ لهم كتاباً سماويّاً يجمع بين دفّتيه الأحكام الإلهية ، و لكنّ تلك المفخرة أو شكت أن تذهب أدراج الرياح بدعوة النبيّ الأكرم الناس كافّة إلى التوحيد الأصيل ونزول القرآن عليه ، فما كانت لهم بعد إذ ذاك ميزة يمتازون بها على العرب.
    و كانت اليهود لفرط حبّهم للدنيّا و زبرجها تمكّنوا من السيطرة على مقاليد أزّمة


(256)
إدارة التجارة ، و كان وجود الشّقة السحيقة بين الأوس و الخزرج ، و النزاعات القبلية بينهما ، خير معين للإنفراد بإدارة دفّة القوافل التجارية ، غير أنّ تلك الأرضية التي فسحت لهم المجال لتسلّم زمام التجارة فيما مضى كادت تنعدم بالاُخوّة الإسلامية التي جاء بها الإسلام ، فصار المتصارعان متصافيين متآخيين متآلفين في مقابل اليهود و أطماعهم.
    كلّ ذلك صار سبباً لتحفيز اليهود لإثارة الشبهات حول رسالة الرسول الأكرم وبثّ السموم و تشوية معالم الرسالة الجديدة ليضعضعوا أركان الإيمان الفتي في قلوب المؤمنين بالإسلام ، و قد غاب عن خلدهم أنّ سنّة اللّه الحكيمة تتكفّل بنصر رسله. قال سبحانه :
    ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) ( غافر/51 ).
    و إليك نماذج من أسئلتهم و شبهاتهم التي أثاروها حول الرسالة النبويّة :

1 ـ إفشاء علائم النبوّة :
    إنّ أوّل خطوة خطوها لأجل إيقاف مدّ الصحوة الدينية و الإيمان برسالة النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو إصدار مرسوم يقضي بكتمان علائم نبوّته التي وردت في التوراة حتى لاتقع للمسلمين ذريعة يتمسّكون بها ضدّهم في عزوفهم عن قبول الدعوة ، و هذا ما يحكي عنه الذكر الحكيم بقوله :
    1 ـ ( وَ إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَ إِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاتَعْقِلُونَ ) ( البقرة/76 ).
    و روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنّه قال : كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التوراة من صفة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فنهاهم كبراؤهم عن ذلك و قالوا : لاتخبروهم بما


(257)
في التوراة من صفة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيحاجّوكم به عند ربّكم (1).
    و ردّ سبحانه عليهم بقوله : ( أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَ مَا يُعْلِنُونَ ) ( البقرة/77 ) فاللّه سبحانه يحتجّ بكتابهم عليهم سواء تفوّهوا بسمات النبيّ الأكرم المذكورة في التوراة أم لم يتفوّهوا بها على الرّغم من أنّهم كانوا يستفتحون ويستنصرون على الأوس و الخزرج برسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل مبعثه فلمّا بعثه اللّه من بين العرب و لم يكن من بني إسرائيل ، كفروا به و جحدوا ما كانوا يقولون فيه ، فقال لهم معاذبن جبل و بشر بن البراء ابن معرور : يا معشر اليهود اتّقوا اللّه و أسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد و نحن أهل الشرك ، و تصفونه وتذكرون أنّه مبعوث ، فقال سلام بن مثكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه وماهو بالذي كنّا نذكر لكم ، فأنزل اللّه تعالى قوله :
    ( وَ لَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَ كَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الكَافِرِينَ ) ( البقرة/89 ).

2 ـ السؤال عن الروح الأمين :
    إنّ نفراً من أحبار اليهود جاؤا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالوا : يامحمداً أخبرنا عن أربع نسألك عنهنّ ، فإن فعلت ذلك اتّبعناك و صدّقناك و آمنّا بك ، فقال لهم رسول اللّه : عليكم بذلك عهداللّه وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدّقنّني ، قالوا : نعم ، قال : فسألوا عمّا بدا لكم ... و ممّا سألوا عنه نوم النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالوا : كيف نومك ؟ فقال : تنام عيني و قلبي يقظان. قالوا فاخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه ؟ قال : حرّم على نفسه لحوم الإبل و ألبانها ، فصدّقوه في الإجابة عن هذاين السؤالين ، ثمّ قالوا له : فاخبرنا عن الروح ،
1 ـ مجمع البيان : ج1 ص286 ( طبع بيروت ).

(258)
قال : أنشدكم باللّه و بأيّامه عند بني إسرائيل هل تعلمونه جبرئيل و هو الذي يأتيني ؟ قالوا : اللّهم نعم ، و لكنّه يا محمد لنا عدوّ و هو ملك إنّما يأتي بالشدّة و سفك الدماء و لولا ذلك لاتّبعناك ، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيهم : ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوّاً للّهِ وَ مَلاَئِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوُّ لِلْكَافِرِينَ ) ( البقرة/97و98 ) (1).
    و ما ذكرنا من شأن النزول يؤيّد ما ذكرناه سابقاً من أنّ المقصود من الروح في قوله سبحانه : ( وَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) ( الإسراء/85 ) هو الروح الأمين لا الروح الإنسانية ، و أنّ ما اُثير حولها في التفاسير المختلفة مبني على تفسير الروح بالروح الإنسانية و هو غير صحيح.
    و على أي تقدير فنصب العداء لجبرئيل نصب للعداء له سبحانه ، لأنّ جبرئيل مأمور من جانبه و مبلّغ عنه هو و جميع الملائكة : ( لاَيَعْصُونَ اللّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم/6 ).

3 ـ إنكار نبوّة سليمان ( عليه السلام ) :
    إنّ رسول اللّه لمّا ذكر سليمان بن داود في المرسلين ، قال بعض أحبارهم ألا تعجبون من محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يزعم أنّ سليمان بن داود كان نبيّاً ، واللّه ما كان إلاّ ساحراً ، فأنزل اللّه تعالى في ذلك : ( وَ اتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَ مَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَ لَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ( البقرة/102 ) (2).
1 ـ السيرة النبويّة : ج1 ص543. مجمع البيان : ج2 ص324 ( طبع بيروت ).
2 ـ السيرة النبوية : ج1 ص540. مجمع البيان : ج2 ص336 ( طبع بيروت ).


(259)
4 ـ كتابه إلى يهود خيبر :
    كتب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى يهود خيبر بكتاب جاء فيه :
    بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللّه صاحب موسى و أخيه والمصدّق لما جاء به موسى على أنّ اللّه قد قال لكم يا معشر أهل التوراة ، و أنّكم لتجدون ذلك في كتابكم : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْوَانَاً سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِى الإِنْجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوْقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْرَاً عَظِيماً ).
    و إنّي انشدكم باللّه ، و انشدكم بما أنزل عليكم و انشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المنّ و السلوى ، و انشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون و عمله إلاّ أخبرتموني : هل تجدون فيما أنزل اللّه عليكم أن تؤمنوا بمحمد ؟ فإن كنتم لاتجدوني ذلك في كتابكم فلاكره عليكم ( قَدْتَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَىّ ) فأدعوكم إلى اللّه و إلى نبيّه (1).
     5 ـ إنكار أخذ الميثاق منهم :
    إنّ أحد أحبار اليهود قال لرسول اللّه : يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه و ما أنزل اللّه عليك من آية بيّنة فنتّبعك لها ، و قد كانوا ينكرون العهد الذي أخذه الأنبياء عليهم أن يؤمنوا بالنبيّ الاُمّي ، فأنزل اللّه سبحانه في ردّهم : ( وَ لَقَد أَنْزَلْنَا آيَات بَيِّنَات وَمَايَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الفَاسِقُونَ * أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَيُؤْمِنُونَ ) ( البقرة/99و100 ).
1 ـ السيرة النبويّة : ج1 ص544 ـ 545.

(260)
    و لفظة « كلّما » تفيد التكرّر فيقتضي تكرّر النقض منهم (1).

6 ـ الإقتراحات التعجيزيّة :
    و قد كان اليهود قد تقدّموا بإقتراحات تعجيزيّة على غرار ما بدر من المشركين فقد سألت العرب محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يأتيهم باللّه فيروه جهرة ، فنزل قوله سبحانه : ( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) ( البقرة/108 ).
    و قال رافع بن حريملة لرسول اللّه : يا محمد إن كنت رسولاً من اللّه كما تقول فقل للّه فيكلّمنا حتى نسمع كلامه ، فنزل قوله سبحانه : ( وَ قَالَ الَّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَا الآيَاتِ لِقَوْم يُوقِنُونَ ) (2).
     7 ـ تنازع اليهود و النصارى عند الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    لمّا قدم أهل نجران من النصارى على رسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء ، و كفر بعيسى و بالإنجيل ، فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شيء ، وجحد نبوّة موسى و كفر بالتوراة ، فأنزل اللّه في ذلك قولهم :
    ( وَ قَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْء وَ قَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيْء وَ هُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( البقرة/113 ).
1 ـ مجمع البيان : ج1 ص327.
2 ـ السيرة النبوية : ج1 ص549.
مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: فهرس