مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: 491 ـ 500
(491)
    2 ـ قوله سبحانه : ( اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ) يدلّ على أنّ المأذون في القتال مقاتَل ( بالفتح ) لامقاتِل ( بالكسر ) فليس المسلم هو البادئ بالقتال بل الكافر هو البادئ ، فعند ذلك يعدّ قتال المسلم دفاعاً.
    3 ـ قوله سبحانه : ( بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) يدلّ بوضوح على أنّ القتال لأجل رفع الظلم.
    4 ـ قوله سبحانه : ( اُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ) يدلّ على كونهم مشرّدين من ديارهم بغير سبب و أي ظلم أعظم من إبعاد الإنسان عن موطنه ؟!
    5 ـ قوله سبحانه : ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ ... ) يدلّ على أنّ الكافر لو ترك بحاله لهدّم البيوت المقدّسة و أماكن العبادة التي بنيت لعبادة اللّه سبحانه و تربية الناس و تزكيتهم ، فيجب قتاله حتى لايرتكب تلك الجريمة الأثيمة.
    6 ـ قوله سبحانه : ( الَّذِينَ إِنْ مَكَنَّاهُمْ ... ) يشير إلى أنّ الغاية من تمكين المسلمين في الأرض هو إحياء المثل الإنسانية و هي عبارة عن إقامة الصلاة التي هي رمز لصلة الإنسان باللّه سبحانه ، و إيتاء الزكاة التي هي رمز للتعاون الإنساني ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هما كناية عن إقامة النظام الصحيح و النضال ضد كل نظام فاسد.
    و قد تجلّت في ضوء هذا البحث حقيقة ناصعة هي من احدى الحقائق القرآنية و هي أنّ تشريع الجهاد الإبتدائي أو التحريري لم يكن لأجل الاعتداء على حقوق الإنسان ، بل كان لأجل الدفاع عن حقوق المستضعفين ، و غيرهم.
    و لمّا بلغ الكلام إلى هنا ، نرى أن نخوض في فلسفة الجهاد الإسلامي بصورتيه : الدفاعي و الإبتدائي و الدوافع إلى تشريعه و ما يجب على المجاهد من رعاية اُصول و قيم في الجهاد. و هذا بحث مستقل أتينا به لمناسبة خاصّة.


(492)
(12)
الجهاد في الإسلام
دفاعيّاً أو تحريريّاً
    يعتبر الجهاد في منطق الدين الإسلامي و سيلة إلى بقاء الدين ، و إستمرار وجوده ، بل و بقاء الاُمّة الإسلاميّة و صيانة كيانها من السقوط و الانهيار و لابد للوقوف على هذه الحقيقة من تقديم مقدمة ضرورية ، فنقول :

الجهاد ضرورة حياتية
    عندما نطالع حياة الموجودات الحيّة نجد أنّها تقوم بثلاثة نشاطات تضمن بقاءها و حياتها.
    و هذه النشاطات هي :
    أوّلاً : التنفّس وجذب الغذاء المناسب.
    ثانياً : التوالد و التكاثر ، وهي صفة كلّ خليّة من خلايا الكائنات الحيّة.
    ثالثاً : دفع الموانع ، ودفع المزاحم وطرد المواد الزائدة ، والمضرّْة.
    إنّ حياة كل كائن حي ملازمة لهذه النشاطات الثلاثة ، بل ومدينة لها ، فلا تخلو عنها ولا تفارقها.
    و لمّا كان الإسلام ظاهرة حياتية ـ وإن لم تكن ظاهرة ماديّة بل ظاهرة إلهية ـ فإنّه لا يخلو بدوره عن هذه النشاطات والفعاليّات الثلاث ولا يستغني عنها.


(493)
    فالدين الإسلامي بحاجة ـ في بقائه ، واستمرار حياته ووجوده ـ إلى هذه الاُمور الثلاثة ، وأخصّ بالذكر الأمر الثالث.
    فإنّ الإسلام ، لكونه رسالة إلهية منزلة لهداية البشريّة ، يسعى إلى تغيير العادات والتقاليد البالية ، والأوضاع الفاسدة والنظم الباطلة ... ولذلك من الطبيعي أن يواجه معارضة من يخالف هذا التغيير مصالحهم ، ويتعارض مع أهدافهم ومطامعهم ... وعند ئذ يجب على هذا الدين أن يقوم بدفع هذه الموانع ويكتسح تلكم الحواجز ، ليمضي قدماً في إداء رسالته ، وتحقيق أهدافه.
    إنّ هناك فرقاً واضحاً بين ( المذهب الفلسفي ) و ( الدين الإلهي ).
    فالفيلسوف ، يكتفي ببحث الاُمور الفلسفية لمجرّد التوضيح ، أو النقد وينشر أفكاره وتحليلاته بين الناس ليقفوا عليها ويعرفوها دون أن يرى إلزامهم بشيء منها.
    فهو لا يهمّه سوى طرح أفكاره والدفاع عنها بقاطع البرهان ، وواضح الدليل.
    وأمّا ( الدين الإلهي ) فليس مذهباً فلسفيّاً ليكتفي بمجرّد البيان والتوضيح ويحصر همّته في النقد والإشكال إنّما هو ثورة إصلاحية ، وعملية تغييريّة تهدف إلى إقامة نظام صالح عادل فوق رُكام الأنظمة الفاسدة ، والأوضاع المنحطّة.
    وبديهي أنّه لا يتحقّق ذلك دون مواجهة الموانع ، وقيام الصراعات والحروب ، مع الجهات والقوى المعارضة لهذا التغيير.
    فهل في العالم حركة تغييريّة إستطاعت تحقيق أهدافها دون خوض الصراعات الحامية ، ودون نشوب الحروب وسقوط الضحايا ، أو إراقة محجمة دم ؟
    فهل إستطاعت ( الثورة الفرنسية ) أن تتجنّب إراقة الدماء ؟
    وهل نجحت ( الثورة الروسية ) إلاّ بعد سقوط الملايين من القتلى ؟
    وهل حقّقت ( الثوره الهندية ) أهدافها إلاّ عبر المئات من القرابين البشرية ؟
    نعم إنّ ما يفترق به ( الجهاد الإسلامي ) عن الحروب الاُخرى التي تفرضها


(494)
الحركات التغييريّة الاُخرى هو : تجنّب الإسلام عن الحروب ، وإراقه الدماء قدر الإمكان ، والقيام بذلك من باب الضرورة وفي حدود الإنسانية والرحمة.
    هذا مضافاً إلى بقيّة الفوارق التي تتجسّد في أحكام ( الجهاد الإسلامي ) كما سيأتي تفصيلها.
    وصفوة القول : إنّ أيّة ثورة إصلاحية وحركة تغييريّة تتطلّب ـ بحكم الضرورة ـ هذه المواجهات الساخنة ، دفعاً للمزاحم ودفعاً للموانع والحواجز ، وإلاّ ماتت هذه الثورة في المهد ، كما تموت الخليّة الحيّة إذا تركت ذلك.
    ولهذا وصفه القرآن بأنّه وسيلة للحياة والبقاء والإستمرار إذ قال :
    ( يَا اَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ اِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا اَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ( الأنفال/24 ).
    وبعبارة واضحة ، إنّ الإسلام نظام إجتماعي ثوري ، لم ير العالم نظيره قط ، فهو بما أنّه رسالة إلهية ، تضمن سعادة البشر ، يرى لنفسه حق التوسعة و التعميم.
    ولأجل ذلك يسعى لرفع الموانع والحوجز بأسهل الطرق وأعدلها.
    فيبتدئ بالتبلييغ والتعليم والبحث والمجادلة والتوجيه والإرشاد ، فإذا رأى أنّ المانع لا يرتفع إلاّ بقّوة قاهرة يسعى لرفع الموانع بتلك القوّة ، وإليه يشير قوله سبحانه :
    ( وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَتَعْتَدُوا اِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ) ( البقرة/190 ).
    وليس هذا يختصّ بالدين الإسلامي بل كان هذا هو طريق الأنبياء ومنهاجهم في الدعوة إلى طريق الحق. و في ذلك يقول سبحانه :
    ( لَقَدْ اَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَاَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ وَاَنْزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) ( الحديد/25 ).


(495)
    والكتاب والميزان إشارة إلى أنّهم كانوا يتوسّلون في بدء الأمر بأسهل الطرق ، وهو تنوير الأفكار وإقناعها بمنطق العقل.
    وأمّْا إذا رأوا أنّ ذلك المنطق لا يجدي في رفع الموانع يتوسّلون بمنطق القوّة ، فالحديد في الآية كناية عن ذلك المنطق ، وحياة الأنبياء وتاريخهم خير شاهد على ذلك.
    وها هنا نقطة اُخرى نلفت نظر القارئ الكريم إليها ، وهي : إنّ الإسلام يريد أن يعمّم العدالة الإجتماعية في جميع مناحي الحياة.
    ومن الطبيعي أنّ كل ثورة ـ من هذا القبيل ـ لا تضمن منافع جميع الطبقات بل ربّما تكون مضرّة بمصالح البعض كالطغاة والمستثمرين والمترفين ، ولأجل ذلك كان المترفون يعارضون كل حركة إصلاحية إلهية ويصدّون عن وجه الحق. كما قال القرآن :
    ( وَمَا اَرْسَلْنَا فِى قَرْيَة مِنْ نَذِير اِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا اِنَّا بِمَا اُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ) ( سبأ/34 ).
    ولأجل ذلك يجب على صاحب الرسالة التوسّل بمنطق القوّة ( حين لا تجدي قوّة المنطق ) في رفع الحواجز والموانع ، والتخلّص ممّن يسد طريق الحق والعدالة.
    هذا وأشباهه تمثّل فلسفة الجهاد الإسلامي وتشريعه لنوعين من الجهاد ( الدفاعي والتحريري ) ، وخصائصهما ، وأحكامهما : على نحو الإيجاز والإجمال.

الجهاد الدفاعي
    والمراد من هذا الجهاد هو مقاتلة الأعداء المعتدين ، دفاعاً عن النفس ، والمال ، و ذبّاً عن الوطن والحرية ، وذوداً عن الشرف والإستقلال.
    إنّ الدفاع المذكور على قسمين :


(496)
    أوّلاً : الدفاع عن حوزة الإسلام.
    ثانياً : الدفاع عن النفس والمال وماشابههما وأمّا البحث عن القسم الثاني فموكول إلى الكتب الفقهية المعدّة لتفصيل ذلك. ( راجع شرائع الإسلام الباب السادس في حدود المحارب من كتاب الحدود والتعزيرات ، تجد فيه فروع وتفاصيل هذا المبحث ).
    وأمّا القسم الأوّل فمنه ما إذا غشى بلاد المسلمين أو ثغورها عدوّ يخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمع المسلمين ، فيجب عليهم الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس.
    ولو خيف من زيادة الإستيلاء على بلاد المسلمين وتوسعة ذلك ، وأخذ بلادهم ، أو أسرهم ، وجب الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة ، كما لو خيف على حوزة الإسلام من الإستيلاء السياسي ، والإقتصادي المنجرّ إلى أسرهم السياسي والإقتصادي ، ووهن الإسلام والمسلمين وضعفهم يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومة السلبية المتنوّعة ، فرض الحصار الإقتصادي على أمتعتهم وبضائعهم وترك استعمالها وترك المعاملة والمراودة معهم مطلقاً ، إلى غير ذلك من أنواع المقاومة التي تختلف مع إختلاف نوع الإستيلاء ، وإختلاف الظروف والمقتضيات.
    هذا وقد وردت حول الدفاع عن النفس روايات وأحاديث منها :
    قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « من قتل دون ماله فهو شهيد ».
    وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يبغض الله تعالى رجلاً يدخل عليه في بيته فلا يقاتل ».
    وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « من قتل دون مظلمته فهو شهيد » (1).
    وعلى كل تقدير فالجهاد الدفاعي جهاد شرّعه الإسلام عندما تتعرّض الاُمّة
1 ـ راجع وسائل الشيعة ج11 ص91 ـ 92 ، و قد وردت روايات مماثلة في المضاء أو النص عن أهل البيت تركناها اختصاراً.

(497)
الإسلامية لمهاجمة الأعداء ، وعدوانهم وتصبح غرضاً لأطماعهم ومؤامراتهم.
    وهذا ممّا تقتضيه طبيعة الحياة ، وتحكم به الفطرة ، ويحكم بحسنه وضرورته العقل السليم ، كما تؤيّده كافّة المدارس والمذاهب الحقوقية والسياسية والإجتماعية.
    وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الجهة الموجبة للجهاد والقتال بقوله :
    ( وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ) ( البقرة/190 ).
    وقوله سبحانه :
    ( اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَاِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِم لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقّ اِلاَّ اَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْض لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ اِنَّ اللَّهَ لَقَوىُّ عَزِيزٌ ) ( الحج/39 ـ 40 ).
    وعلى هذا الأساس كانت أغلب الحروب والغزوات التي قام بها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووقعت في حياته.
    فهي كانت حروباً دفاعية قام بها المسلمون بقيادة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمره ، دفاعاً عن حوزة الدين ، وحياة المسلمين.
    فإنّ غزوات بدر واُحد والأحزاب ، إلى آخر الغزوات والحروب كانت لدفع الحملات التي كان يقوم بها الأعداء ضد المسلمين.
    كما أنّ ( السرايا ) التي بعثها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانت لأجل إطفاء نيران الفتن وإحباط المؤامرات التي كان يشعلها ويحيكها أعداء الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية للقضاء على الدين الجديد ، واستئصال جذوره وهدم بنيانه.


(498)
خصائص الجهاد الدفاعي
    إنّ للجهاد الدفاعي في الإسلام حدوداً وأحكاماً تميّزه عن الحروب التي يقوم بها الآخرون في عالمنا المعاصر.
    ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الخصائص ـ فى آية واحدة ـ إذ قال سبحانه :
    ( وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم وَلاَ تَعْتَدُوا اِنَّ اللَّهَ لاَيُحِبُّ المُعْتَدِينَ ) ( البقرة/190 ).
    والخصائص التي ذكرتها هذه الآية هي باختصار :
     أ ـ كون الجهاد في سبيل الله ( الهدف ).
    إنّ الجهاد والقتال يجب أن يكون لله تعالى ، ولكسب رضاه سبحانه ، لالتوسيع السيطرة ، ونشر النفوذ ، وضم بلد إلى بلد.
    وهذا هو أهم خصائص الجهاد الإسلامي.
    نظراً لأهميّتها القصوى أكّد عليها القرآن الكريم في آيات متعدّدة ، واعتبره الفرق الجوهري بين الحرب الإسلامية والحرب غير الإسلامية ، وبين الجهاد الذي يقوم به المسلمون ، والقتال الذي تمارسه دول العالم ، والجماعات غير المسلمة المؤمنة ، إذ يقول :
    ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) ( النساء/76 ).
    ولأجل ذلك يذمّ الله سبحانه كل قتال أو قيام يراد به التسلّط على حطام الدنيا ومتاعها ويقول سبحانه :
    ( يَا اَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِذَا ضَرَبْتُم فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ اَلْقَى اِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) ( النساء/94 ).


(499)
    ويقول سبحانه :
    ( مَا كَانَ لِنَبِىّ اَنْ يَكُونَ لَهُ اَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( الأنفال/67 ).
    ويقول سبحانه :
    ( لَوْ كَانَ عَرَضَاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَ تَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَت عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ اَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ اِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) ( التوبة/42 ).

ب ـ القتال ضدّ المعتدي
    إنّ القتال لا يجوز إلاّ ضدّ الذين يقاتلون المسلمين ، ويبدؤنهم بعدوان.
    وهو شرط في هذا النوع من الجهاد دون الجهاد التحريري ، الذي سيوا فيك تفصيله.
    فالقتال أساساً شرع لصد العدوان ورد المعتدي ، وإيقاف المتجاوز عند حدّه ، ولهذا يأمر الإسلام أتباعه أن يكفّوا عن القتال إذا فعل العدو ذلك :
    قال سبحانه :
    ( ... فَاِن اِعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَاَلْقَوْا اِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) ( النساء/90 ).
    ويقول في آية لاحقة :
    ( ... فَاِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا اِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا اَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) ( النساء/91 ).
    على أنّ الجهاد الدفاعي ربّما يشرع أيضاً عندما يقوم العدو بنكث المواثيق ، ونقض المعاهدات ، وتعري ـ ض السلام المتّفق عليه للخطر ، أو يقوم بطرد الشخصيات الإسلامية من مواطنهم ، وتشريدهم ظلماً وعدواناً.


(500)
    فمن الأوّل يقول سبحانه :
    ( وَاِنْ نَكَثُوا اَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِى دِينِكُم فَقَاتِلُوا اَئِمَّةَ الكُفْرِ اِنَّهُمْ لاَ اَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) ( التوبة/12 ).
    وفي آية لاحقة يشير سبحانه إلى الأمر الثاني إذ يقول :
    ( اَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا اَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِاِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ اَوَّلَ مَرَّة اَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ اَحَقُّ اَنْ تَخْشَوْهُ اِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ( التوبة/13 ).
    كما ويندرج تحت هذا مكافحة الإستعمار بكلّ أشكاله وألوانه ... التي سيوافيك تفصيل الكلام منها عند بيان السياسة الخارجية للحكومة الإسلامية.

ج ـ حد الجهاد وإطاره
    إنّ القتال يجب أن يكون في إطار الحق والعدل ولا يتجاوز حدودهما. و هو شرط مشترك بين الدفاعي والتحريري ولمّا كان الإسلام دين الحق والعدل فإنّه أكّد على هذا الشرط أشد وأبلغ تأكيد ، وصرّح ـ مثلاً ـ بأنّ القتال والعدوان يجب أن يماثل العدوان الواقع على المسلمين ولا يتجاوز مقداره ، وإلاّ عاد انتقاماً وخروجاً عن سنّة العدل فقال ـ في نفس الآية ـ :
    ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا اَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ ) ( البقرة/194 ).
    والجدير بالذكر أنّ إرداف الأمر بالجهاد بالحثّ على التقوى يوحي بضرورة وجود صفة التقوى ، وتقارنه مع الجهاد منعاً من تجاوز الحق والعدل.
    فإنّ المقاتل غالباً تدفعه سورة الغضب إلى ارتكاب الجرائم والتعدّي عن الحق إلاّ من خاف الله تعالى.
    وقد أشار القرآن إلى ضرورة رعاية العدل والتقوى في جميع الأحوال بصورة
مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: فهرس