31
وَيُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُمْ وَيَكِرُّ فِي رَجْعَتِكُمْ وَيُمَلَّكُ فِي دَوْلَتِكُمْ وَيُشَرَّفُ فِي عافِيَتِكُمْ وَيُمَكَّنُ فِي اَيّامِكُمْ وَتَقَرُّ عَيْنُهُ غَداً بِرُؤْيَتِكُمْ .
    بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَنَفْسِي وَاَهْلِي وَمالِي (1) مَنْ اَرادَ اللّهَ بَدَأَ بِكُمْ وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ ، مَوالِيَّ لا اُحْصِي ثَنائَكُمْ وَلا اَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ وَاَنْتُمْ نُورُ الاَْخْيارِ وَهُداةُ الاَْبْرارِ وَحُجَجُ الْجَبّارِ ، بِكُمْ فَتَحَ اللّهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ ـ اللّهُ ـ وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الاَْرْضِ اِلاّ بِاِذْنِهِ وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ وَيَكْشِفُ الضُّرَّ وَعِنْدَكُمْ ما نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ وَهَبَطَتْ بِهِ مَلائِكَتُهُ وَاِلى جَدِّكُمْ .
    وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين (عليه السلام) فعوض (وإلى جدّكم) قل : (وإلى أخيك) .
    بُعِثَ الرُّوُحُ الاَْمِينُ ، آتاكُمُ اللّهُ ما لَمْ يُؤْتِ اَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ طَأْطَأَ كُلُّ شَرِيف لِشَرَفِكُمْ وَنَجَعَ (2) كُلُّ مُتَكَبِّر لِطاعَتِكُمْ وَخَضَعَ كُلُّ جَبّار لِفَضْلِكُمْ وَذَلَّ كُلُّ شَيْء لَكُمْ
(1) في التهذيب إضافة (واُسْرَتي) .
(2) في العيون والفقيه (نَجَعَ) وفي التهذيب (بَخَعَ) .



32
وَاَشْرَقَتِ الاَْرْضُ بِنُورِكُمْ وَفازَ الْفائِزُونَ بِوِلايَتِكُمْ ، بِكُمْ يُسْلَكُ اِلَى الرِّضْوانِ وَعَلى مَنْ جَحَدَ وِلايَتَكُمْ غَضَبُ الرَّحْمنِ .
    بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَنَفْسِي وَاَهْلِي وَمالِي ذِكْرُكُمْ فِي الذّاكِرِينَ وَاَسْماؤُكُمْ فِي الاَْسْماءِ وَاَجْسادُكُمْ فِي الاَْجْسادِ وَاَرْواحُكُمْ فِي الاَْرْواحِ وَاَنْفُسُكُمْ فِي النُّفُوسِ وَآثارُكُمْ فِي الاْثارِ وَقُبُورُكُمْ فِي الْقُبُورِ فَما اَحْلى أَسْماءَكُمْ وَاَكْرَمَ أنْفُسَكُمْ وَاَعْظَمَ شَأْنَكُمْ وَاَجَلَّ خَطَرَكُمْ وَاَوْفى عَهْدَكُمْ ـ وَاَصْدَقَ وَعْدَكُمْ ـ (1) كَلامُكُمْ نُورٌ وَاَمْرُكُمْ رُشْدٌ وَوَصِيَّتُكُمُ التَّقْوى وَفِعْلُكُمُ الْخَيْرُ وَعادَتُكُمُ الاِْحْسانُ وَسَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ وَشَأْنُكُمُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ ، وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتْمٌ وَرَأْيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَحَزْمٌ ، اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ اَوَّلَهُ وَاَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأْواهُ وَمُنْتَهاهُ .
    بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَنَفْسِي (2) كَيْفَ اَصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُمْ وَاُحْصِي (3) جَمِيلَ بَلائِكُمْ وَبِكُمْ اَخْرَجَنَا اللّهُ مِنَ الذُّلِّ وَفَرَّجَ عَنّا غَمَراتِ الْكُرُوبِ وَاَنْقَذَنا مِنْ شَفا جُرُفِ الْهَلَكاتِ وَمِنَ النّارِ .
(1) هذا موجود في التهذيب .
(2) في العيون إضافة (وأهلي ومالي) .
(3) في العيون (وكيفَ اُحصي) .



33
بِاَبِي اَنْتُمْ وَاُمِّي وَنَفْسِي بِمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللّهُ مَعالِمَ دِينِنا وَاَصْلَحَ ما كانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيانا ، وَبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ وَائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ ، وَبِمُوالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطّاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ وَلَكُمُ الْمَوَدَّةُ الْواجِبَةُ وَالدَّرَجاتُ الرَّفِيعَةُ وَالْمَقامُ الْمَحْمُودُ وَالْمَكانُ الْمَعْلُومُ (1) عِنْدَ اللّه عَزَّوَجَلَّ (2) وَالْجاهُ الْعَظِيمُ وَالشَّأْنُ الْكَبِيرُ (3) وَالشَّفاعَةُ الْمَقْبُولَةُ .
    رَبَّنا آمَنّا بِما اَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِيْنَ ، رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ اِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً اِنَّكَ اَنْتَ الوَهّابُ ، سُبْحانَ رَبِّنا اِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولا .
    ياوَلِيَّ اللّهِ اِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ ذُنُوباً لا يَأْتِي عَلَيْها اِلاّ رِضاكُمْ ، فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلى سِرِّهِ وَاسْتَرْعاكُمْ اَمْرَ خَلْقِهِ وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ لَمَّا اسْتَوْهَبْتُمْ ذُنُوبِي وَكُنْتُمْ شُفَعائِي فَاِنِّي لَكُمْ مُطِيعٌ ، مَنْ اَطاعَكُمْ فَقَدْ اَطاعَ اللّهَ وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ
(1) في العيون (والمقامُ المحْمودُ عندَ اللّهِ تعالى والمكانُ المعلومُ) وفي التهذيب (والمكانُ المحَمودُ والمقامُ المعلومُ) .
(2) في العيون بدل عزّوجلّ (تعالى) .
(3) في العيون بدل الكبير (الرَّفيعُ) .



34
عَصىَ اللّهَ وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللّهَ وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللّهَ .
    اَللَّهُمَّ اِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ اَقْرَبَ اِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ الاَْخْيارِ الاَْئِمَّةِ الاَْبْرارِ لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعائِي ، فَبِحَقِّهِمُ الَّذِي اَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ اَسْأَلُكَ اَنْ تُدْخِلَنِي فِي جُمْلَةِ الْعارِفِيْنَ بِهِمْ وَبِحَقِّهِمْ وَفِي زُمْرَةِ الْمَرْحُومِيْنَ بِشَفاعَتِهِمْ ، اِنَّكَ اَرْحَمُ الرّاحِمِيْنَ وَصَلّىَ اللّهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ ـ الطّاهِرِينَ ـ وَسَلَّمَ ـ تَسْلِيْماً ـ كَثِيراً وَحَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (1) .

(1) هكذا في الفقيه ، لكن في العيون (وصلّى اللّهُ على محمّد وآلِه حسُبنا اللّهُ ونعمَ الوكيل) .


35
   ( شرح الزيارة الجامعة )
الفصل الأوّل
اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ (1)

(1) ـ السلام نوع من التحيّة ، بل هو تحيّة أهل الجنّة ، قال تعالى : (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) (1) .
    ومعنى السلام اختلف فيه على وجوه تالية :
    فذكر أنّه دعاء بمعنى سَلُمْتَ عن المكاره .
    وقيل : أنّ المقصود به معناه ، أي السلامة عليكم ...
    وقيل : يُراد من السلام اسم الله تعالى فالمعنى اسم الله عليكم ; يعني أنت في حفظه وأمانه ببركة إسمه ، نظير أن يقال : الله معك ، وخاصّية هذا الإسم الشريف الرحمة والسلامة ، فيكون حاصل المعنى : إنّ رحمة الله وسلامته عليكم أهل البيت .
    ولعلّ الأنسب هو المعنى الأخير يعني تفسيره : « باسم الله تعالى » أي اسم الله عليكم ، ويتمّمه آخر الفصل يعني ورحمة الله وبركاته .
(1) سورة إبراهيم : الآية 23 .


36
يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ (1)

    أفاد السيّد شبّر (قدس سره) (1) : أنّه اختار الشارع لفظ السلام وجعله تحيّة الإسلام لما فيه من المعاني الجامعة ، أو لأنّه مطابق لإسم الله تيمّناً وتبرّكاً ، ويجري هذا المعنى في التسليمات الآتية أيضاً .
    واعلم أنّه يجوز الإتيان بالسلام منكّراً ومعرّفاً ، تبعاً للكتاب الكريم في قوله تعالى : (وَسَلاَمٌ عَلى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (2) وقوله سبحانه : ((وَالسَّلاَمُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) (3) ولعلّ المعرّف أزين لفظاً وأبلغ معنىً .
    (1) ـ أهل بيت النبي هم الأئمّة الطاهرون وفاطمة الزهراء سيّدة النساء (عليهم السلام) ، كما يستفاد من حديث الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الوارد في تفسير قوله تعالى : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (4) جاء في هذا الحديث : « فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كساءً خيبريّاً ، فضمّني فيه وفاطمة والحسن والحسين . ثمّ قال : ياربّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » (5) (6) .
(1) الأنوار اللامعة : ص39 .
(2) سورة النمل : الآية 59 .
(3) سورة طه : الآية 47 .
(4) سورة الأحزاب : الآية 33 .
(5) تفسير البرهان : ج2 ص844 .
(6) وتلاحظ نزول هذه الآية في رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وبنيه التسعة الأئمّة (عليهم السلام) من طريق الخاصّة في أربعة وثلاثين حديثاً ، ومن طريق العامّة في أحد وأربعين حديثاً جاءت في غاية المرام : ص287 ب192 .



37
    ـ وروى الصدوق (قدس سره) أنّه سُئل الصادق (عليه السلام) مَن آل محمّد ؟
    فقال : ذرّيته .
    فقيل : ومَن أهل بيته ؟
    قال : الأئمّة .
    قيل : ومَن عترته ؟
    قال : أصحاب العباء .
    قيل : فمن اُمّته ؟
    قال : المؤمنون (1) .
    والنبوّة في الأصل : امّا مأخوذة من مادّة (نبا) أي إرتفع ، ويُسمّى النبي نبيّاً لإرتفاعه وشرفه على سائر الخلق .
    أو مأخوذة من مادّة (النبأ) بالهمزة ، بمعنى الخبر ، فيكون النبي بمعنى المنبئ ، وهو المخبر عن الله تعالى بغير وساطة بشر بينه وبين الله تعالى ، أعمّ من أن يكون له شريعة كنبيّنا (صلى الله عليه وآله) ، أو ليس له شريعة كيحيى سلام الله عليه (2) .
    ويمكن إجتماع كلا المعنيين في النبي كما تلاحظه في رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
    وتلاحظ الفرق بين الرسول والنبي في حديث زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ : (وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّاً) (3) ما الرسول وما النبي ؟
    قال : النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك ،
(1) معاني الأخبار : ص94 ح3 .
(2) مجمع البحرين : ص86 ، مادّة نبا .
(3) سورة مريم : الآية 51 .



38
وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ (1)

والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك .
    قلت : الإمام ما منزلته ؟
    قال : يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك (1) .
    (1) ـ أي محلّ أسرار أنبياء الله عزّ إسمه ، ومخزن علوم جميع رسل الله تعالى شأنه ، فإنّهم صلوات الله عليهم حملة علوم الرسل خصوصاً علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما تلاحظه في حديث سليم بن قيس الهلالي قال : قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله (صلى الله عليه وآله) غير ما في أيدي الناس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله (صلى الله عليه وآله) أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل اَفَترى الناس يكذِّبون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمّدين ، ويفسّرون القرآن بآرائهم ؟
    قال : فأقبل علىَّ فقال : قد سألت فافهم الجواب : إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلا ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعامّاً وخاصّاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، وقد كُذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عهده حتّى قام خطيباً فقال : « أيّها الناس قد كثرت علىَّ الكذّابة فمن كذب علىَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار » ، ثمّ كُذب عليه من بعده ، وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :
(1) الكافي : ج1 ص176 ح1 .


39
ـ رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنّع (1) بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمّداً ، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب ، لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزّوجلّ : (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (2) ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدُّعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولّوهم الأعمال ، وحمّلوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلاّ من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة .
    ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهِمَ فيه ولم يتعمّد كذباً فهو في يده ، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلو علم المسلمون أنّه وَهِمَ لم يقبلوه ولو علم هو أنّه وَهِمَ لرفضه .
    ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه .
    وآخر رابع لم يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لم ينسه ، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما
(1) متصنّع بالإسلام أي متكلّف له ومتدلّس به .
(2) سورة المنافقون : الآية 4 .



40
سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فإنّ أمر النبي (صلى الله عليه وآله) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاصّ وعام ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاصّ مثل القرآن وقال الله عزّوجلّ في كتابه : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (1) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله (صلى الله عليه وآله) وليس كلّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يسأله عن الشيء فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى يسمعوا .
    وقد كنت أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ يوم دخلةً وكلّ ليلة دخلةً فيخلّيني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من ذلك في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي نسائه فلا يبقى عنده غيري وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عنّي فاطمة ولا أحدٌ من بنيّ ، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكتُّ عنه وفُنِيَت مسائلي ابتدأني ، فما نَزَلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملأها عليَّ فكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملأه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك شيئاً علّمه الله من
(1) سورة الحشر : الآية 7 .