كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه ؟
ها أنا ذا يابن عمران مطّلع على أحبّائي إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم من قلوبهم ، ومثّلت عقوبتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلّموني عن الحضور .
يابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينك الدموع في ظلم الليل ، وادعني فإنّك تجدني قريباً مجيباً » (1) .
2 ـ حديث ابن أبي عمير عمّن سمع أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : « ما أحبّ الله عزّوجلّ من عصاه ثمّ تمثّل فقال :
تعصـي الإله وأنت تُظهر حبّهلو كان حبّك صادقاً لأطعته
هذا محالٌ في الفعال بديعُإنّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ » (2)
3 ـ حديث سليمان بن داود باسناده قال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله) : يارسول الله علّمني شيئاً إذا أنا فعلته أحبّني الله من السماء وأحبّني الناس من الأرض .
فقال له : « ارغب فيما عند الله عزّوجلّ يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس » (3) .
4 ـ حديث نوح بن درّاج ، عن الإمام الرضا (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « أوحى الله عزّوجلّ إلى نجيّه موسى : احببني وحبّبني إلى خلقي ! قال : ياربّ هذا اُحبّك فكيف اُحبّبك إلى خلقك ؟
(1) بحار الأنوار : ج70 ص14 ب43 ح2 .
(2) بحار الأنوار : ج70 ص14 ب43 ح3 .
(3) بحار الأنوار : ج70 ص14 ب43 ح4 .
قال : اذكر لهم نعماي عليهم ، وبلاي عندهم ، فإنّهم لا يذكرون أو لا يعرفون منّي إلاّ كلّ الخير » (1) .
5 ـ حديث حنّان بن سدير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قال الله : « ما تحبّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه ، وإنّه ليتحبّب إليّ بالنافلة حتّى اُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته ، وما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في موت المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته » (2) .
وفي نسخة البلد الأمين هنا : « والمخلصين في توحيد الله ، والصادعين بأمر الله ، الثابتين في محبّة الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده المكرمين الخ » .
(1) ـ الخلوص هو : الصفاء والخلوّ من كل شوب ، والخالص في اللغة هو : كلّما صفا وتخلّص ولم يمتزج بغيره .
والعمل الخالص في العرف هو ما كان لوجه الله ، وكان قصد القربة فيه مجرّداً عن جميع الشوائب ، ولا تريد أن يحمدك عليه إلاّ الله ; وهذا التجريد هو الإخلاص .
والمخلصين ، يُقرأ بكسر اللام وفتحه ، فبالكسر معناه : الذين أخلصوا
(1) بحار الأنوار : ج70 ص14 ب43 ح12 .
(2) بحار الأنوار : ج70 ص14 ب43 ح21 .
183
في توحيد الله تعالى وكان اعتقادهم بالتوحيد خالصاً من كلّ شوب وريب .
وقد بلغ أهل البيت المرتبة العليا في هذا الإخلاص .
بدليل قوله (صلى الله عليه وآله) : « ياعلي ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير الله وغيري » (1) .
وبالفتح معناه : الذين إختارهم الله وأخلصهم لتوحيده ، بمعنى أنّهم هم المختارون الذين عرّفوا الله تعالى بأقصى مراتب التوحيد ، وبسبيلهم عرف التوحيد .
وقد بلغ أهل البيت (عليهم السلام) مرتبة أن خصّهم الله بهذه الدرجة ، بدليل قول الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث جابر : « بنا عُرف الله وبنا وُحّد الله وبنا عُبِد الله » (2) .
بل إنحصرت معرفة الله بمعرفتهم كما في حديث مِقرن ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله عزّوجلّ إلاّ بسبيل معرفتنا » (3) .
بل هم المعيار في معرفة الله والإيمان به كما في حديث الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « إنّ الله عزّوجلّ نصب علياً (عليه السلام) عَلَماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ، ومن جهله كان ضالا ، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة » (4) .
(1) بحار الأنوار : ج39 ص84 .
(2) بحار الأنوار : ج25 ص20 ب1 ح31 .
(3) بحار الأنوار : ج24 ص253 ب62 ح14 .
(4) الكافي : ج1 ص437 ح7 .
والخير كلّ الخير في الإخلاص ، والنجاة كلّ النجاة يكون بالخلوص ، والثمر في العمل يكون للمخلصين ، فلاحظ أحاديث باب الإخلاص مثل :
1 ـ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من أخلص لله أربعين يوماً فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » (1) .
2 ـ حديث الإمام الرضا (عليه السلام) : « إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول : طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ، ولم ينس ذكر الله بما تسمع اُذناه ، ولم يحزن صدره بما اُعطي غيره » (2) .
(1) ـ المظهرين جمع المُظِهر ، اسم فاعل من الظهور : بمعنى وضوح الشيء ، وبروزه ، وتبيّنه .
يقال : ظهر الشيء : إذا بان وبرز بعد الخفاء .
وأهل البيت النبوي هم خزنة علم الله وورثة علم الرسول ، فكانوا هم العالمون بأوامر الله ونواهيه ، والمظهرون لأمر الله ونهيه كما تلاحظه في حديث خطبة الإمام الصادق (عليه السلام) في شأن الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين جاء فيه : « آتاه علمه ، وأنبأه فصل بيانه ... وانتدبه لعظيم أمره وأحيا به مناهج سبيله ، وفرائضه وحدوده » (3) .
وهم العين الصافية، والمعدن الفيّاض بالأحكام الشرعية والمعالم الربّانية ، وجميع الموضوعات المأمورة والمنهيّة كما تلاحظه في حديث عبدالعزيز بن
(1) سفينة البحار : ج2 ص668 .
(2) الكافي : ج2 ص16 ح3 و5 و6 .
(3) الكافي : ج1 ص203 ح2 .
185
مسلم عن الإمام الرضا (عليه السلام) : « بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف ، الإمام يحلّ حلال الله ، ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله » (1) .
وبالعيان والوجدان نجد ما ظهر من بياناتهم الشريفة في أحاديثهم المنيفة ، المبيّنة لحلال الله وحرامه ، وأوامره ونواهيه ، وسننه وأحكامه ، ممّا حُرّرت في كتب أصحابهم ورواتهم حتّى أنّه جمعت أحاديثهم الشريفة في الكتب الكثيرة فبلغت (6600) كتاباً كما أفاده المحدّث الحرّ العاملي (2) .
منها أربعمائة كتاب لأربعمائة مصنّف ، سمّيت بالاُصول الأربعمائة فصّلنا بيانها في محلّه (3) . وقد أخذ منها محدّثونا الكبار الكتب الشريفة الجوامع :
1 / الكافي ويشتمل على (16199) حديثاً .
2 / الفقيه ويشتمل على (5963) حديثاً .
3 / مدينة العلم وهو أكثر من أحاديث الفقيه .
4 / التهذيب ويشتمل على (13590) حديثاً .
5 / الاستبصار ويشتمل على (5511) حديثاً .
وقد بلغ كبار أصحابهم (عليهم السلام) في الحديث أن كان لجابر الجعفي
(1) الكافي : ج1 ص200 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : ج20 ص49 .
(3) الفوائد الرجالية : ص28 الفائدة الثالثة .
(70000) حديثاً ولأبان بن تغلب (30000) حديثاً ، ولكثير منهم كثيراً منها .
(1) ـ عباده : اُضيفت العبودية إلى الضمير العائد إلى الله تعالى في قوله عباده لمزيد الاختصاص والتشريف .
والمكرمين : بالتخفيف وفي نسخة بالتشديد أي الذين أكرمهم الله تعالى بالعصمة والطهارة والمعرفة .
الذين لا يسبقونه بالقول : أي لا يقولون بقول إلاّ بأمر الله تعالى ، بل كلامهم كلام الله العزيز كجدّهم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى .
وهم بأمره يعملون : أي في جميع أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم .
وقد أبانت هذه الفقرة الصفات الكريمة في أهل البيت (عليهم السلام) من حيث شرافتهم بالعبادة ، ثمّ كرامتهم عند الله ، ثمّ أدبهم أمام الله ، ثمّ إطاعتهم لله تعالى .
وقد فسّر بهم قوله تعالى : (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (1) .
فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه أومأ بيده إلى صدره وقال : (لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) » (2) .
وجميع ما فعلوه وهم أهل بيت العصمة كان بعهد من الله تعالى .
(1) سورة الأنبياء : الآية 26 ـ 27 .
(2) تفسير البرهان : ج2 ص686 ، كنز الدقائق : ج8 ص404 .
187
وقد عقد ثقة الإسلام الكليني في الكافي باباً في أنّ الأئمّة (عليهم السلام) لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عزّوجلّ وأمر منه لا يتجاوزونه (1) .
(1) الكافي : ج1 ص281 الأحاديث خصوصاً الحديث 4 .
(1) ـ جاء في هذا التسليم الخامس والأخير من هذه الزيارة المباركة السلام على أهل البيت (عليهم السلام) بأوصافهم الجليلة الفائقة ، ومقاماتهم الربّانية الرائعة بأنّهم : الأئمّة الدُعاة ...
والأئمّة جمع إمام مثل أكسية جمع كساء ، والإمام هو المقتدى الذي يأتمّ به الناس ، فيتّبعونه ويأتمّون به ويأخذون عنه ; وهو ذلك المقام الشامخ للحجّة الذي لا يكون إلاّ بجعل من الله تعالى كما قال عزّ إسمه : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) (1) .
وقال أيضاً : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) (2) .
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : « سُمّي الإمام إماماً لأنّه قدوة للناس ، منصوب من قبل الله تعالى ذكره ، مفترض الطاعة على العباد » (3) .
والأئمّة هم المحور للصفات الجليلة والمزايا النبيلة ، من ذلك كونهم :
(1) سورة البقرة : الآية 124 .
(2) سورة الأنبياء : الآية 73 .
(3) معاني الأخبار : ص64 ح17 .
189
الدعاة إلى الله تعالى .
والدعاة : جمع داعي مثل قضاة وقاضي ، مأخوذ من الدعوة بمعنى الطلب (فراخواندن) بمعنى الدعوة إلى الله تعالى ، وإلى معرفته وطاعته ، وإلى تقواه وجنّته ، وإلى هداه وعبادته .
وأهل البيت سلام الله عليهم هم الأئمّة الحقّ الذين يدعون إلى الله تعالى بالدعوة الحسنى ، كما مرّ بيانه مفصّلا في الفقرة الشريفة « السلام على الدعاة إلى الله » مع الإستدلال له بالكتاب والسنّة فلاحظ .
ويكفينا دليلا على عظيم شأن الإمام والإمامة ـ مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة ـ حديث طارق بن شهاب المروي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهو حديث جامع بليغ ، نذكره لعظيم نفعه وفائدته وهذا نصّه :
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : « ياطارق الإمام كلمة الله ، وحجّة الله ، ووجه الله ، ونور الله ، وحجاب الله ، وآية الله ، يختاره الله ، ويجعل فيه ما يشاء ، ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه .
فهو وليّه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدّم عليه كفر بالله من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء .
ويكتب على عضده : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلا) (1) فهو الصدق والعدل .
وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء ، يرى فيه أعمال
(1) سورة الأنعام : الآية 115 .
190
العباد ، ويلبس الهيبة وعلم الضمير ، ويطّلع على الغيب ، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت ، ويعطى منطق الطير عند ولايته .
فهذا الذي يختاره الله لوحيه ، ويرتضيه لغيبه ، ويؤيّده بكلمته ، ويلقّنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيّته ، وينادي له بالسلطنة ، ويذعن له بالإمرة (1) ويحكم له بالطاعة .
وذلك لأنّ الإمامة ميراث الأنبياء ، ومنزلة الأصفياء ، وخلافة الله ، وخلافة رسل الله ، فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية ، وإنّه تمام الدين ورجح الموازين .
الإمام دليل للقاصدين ، ومنار للمهتدين ، وسبيل السالكين ، وشمس مشرقة في قلوب العارفين ، ولايته سبب للنجاة ، وطاعته مفترضة في الحياة ، وعدّة (2) بعد الممات ، وعزّ المؤمنين ، وشفاعة المذنبين ، ونجاة المحبّين ، وفوز التابعين ، لأنّها رأس الإسلام ، وكمال الإيمان ، ومعرفة الحدود والأحكام ، وتبيين الحلال (3) من الحرام ، فهي مرتبة لا ينالها إلاّ من اختاره الله وقدّمه وولاّه وحكّمه .
فالولاية هي حفظ الثغور ، وتدبير الاُمور ، وتعديد الأيّام والشهور (4) .
(1) الإمرة بالكسر : الإمارة والولاية .
(2) العدّة : ما أعددته لحوادث الدهر من مال وسلاح .
(3) في نسخة : وسنن الحلال .
(4) في نسخة : ] وهي بعدد الأيّام والشهور [ ولعلّه مصحّف : وهي بعدد الشهور كما في حاشية البحار .