211
محمّد (عليهما السلام) : « الحمد لله الذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً وأكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده وخلفاؤه ، فالسعيد من اتّبعنا والشقيّ من عادانا وخالفنا » .
ثمّ قال : فأخبر مسلمة أخاه بما سمع فلم يعرض لنا ، حتّى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريداً إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه فأشخصنا .
فلمّا وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثاً ، ثمّ أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا ، وإذا قد قعد على سرير الملك ، وجنده وخاصّته وقوف على أرجلهم سماطان متسلّحان ، وقد نصب البُرجاس ـ الهدف ـ حذاه ، وأشياخ قومه يرمون ، فلمّا دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه ، فنادى أبي وقال : يامحمّد ارم مع أشياخ قومك الغرض .
فقال له : إنّي قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني ؟
فقال : وحقّ من أعزّنا بدينه ونبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) لا أعفيك ، ثمّ أومأ إلى شيخ من بني اُميّة أن أعطه قوسك فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثمّ تناول منه سهماً ، فوضعه في كبد القوس ، ثمّ انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثمّ رمى فيه الثانية فشقّ فواق سهمه إلى نصله ، ثمّ تابع الرمي حتّى شقّ تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك إلاّ أن قال : أجدت ياأبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ، هلاّ زعمت أنّك كبرت عن الرمي ، ثمّ أدركته ندامة على ما قال .
وكان هشام لم يكن كنّى أحداً قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهمّ به وأطرق إلى الأرض إطراقة يتروّى فيها وأنا وأبي واقف حذاه مواجهين له .
212
ـ فلمّا طال وقوفنا غضب أبي فهمّ به ، وكان أبي (عليه السلام) إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه ، فلمّا نظر هشام إلى ذلك من أبي ، قال له : إليّ يامحمّد ! فصعد أبي إلى السرير ، وأنا أتبعه ، فلمّا دنا من هشام ، قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثمّ اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ، ثمّ أقبل على أبي بوجهه ، فقال له : يامحمّد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ، لله درّك ، مَن علّمك هذا الرمي ؟ وفي كم تعلّمته ؟
فقال أبي : قد علمت أنّ أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيّام حداثتي ثمّ تركته ، فلمّا أراد أمير المؤمنين منّي ذلك عدت فيه .
فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قطّ مذ عقلت ، وما ظننت أنّ في الأرض أحداً يرمي مثل هذا الرمي ، أيرمي جعفر مثل رميك ؟
فقال : « إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيّه (صلى الله عليه وآله) في قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلاَمَ دِيناً) (1) والأرض لا تخلو ممّن يكمل هذه الاُمور التي يقصر غيرنا عنها » .
قال : فلمّا سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولّت واحمرّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثمّ أطرق هُنيئة ثمّ رفع رأسه ، فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد ؟
فقال أبي : « نحن كذلك ولكنّ الله جلّ ثناؤه اختصّنا من مكنون سرّه ، وخالص علمه بما لم يخصّ أحداً به غيرنا » .
(1) سورة المائدة : الآية 3 .
213
فقال : أليس الله جلّ ثناؤه بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّة أبيضها وأسودها وأحمرها ، من أين ورثتم ما ليس لغيركم ؟ ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مبعوث إلى الناس كافّة وذلك قول الله تبارك وتعالى : (وَللهِِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ) (1) إلى آخر الآية فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمّد نبي ولا أنتم أنبياء ؟
فقال : « من قوله تبارك وتعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله) : (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (2) ، الذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا أمره الله أن يخصّنا به من دون غيرها ، فلذلك كان ناجى أخاه عليّاً من دون أصحابه فأنزل الله بذلك قرآناً في قوله : (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (3) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه : سألت الله أن يجعلها اُذنك ياعلي ، فلذلك قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة : علّمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم ففتح كلّ باب ألف باب ، خصّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكنون سرّه بما يخصّ أمير المؤمنين أكرم الخلق عليه ، فكما خصّ الله نبيّه (صلى الله عليه وآله) خصّ نبيّه (صلى الله عليه وآله) أخاه علياً من مكنون سرّه بما لم يخصّ به أحداً من قومه ، حتّى صار إلينا فتوارثنا من دون أهلنا » .
فقال هشام بن عبدالملك : إنّ علياً كان يدّعي علم الغيب والله لم يطلع على غيبه أحداً ، فمن أين ادّعى ذلك ؟
فقال أبي : « إنّ الله جلّ ذكره أنزل على نبيّه (صلى الله عليه وآله) كتاباً بيّن فيه ما كان وما
(1) سورة آل عمران : الآية 180 .
(2) سورة القيامة : الآية 16 .
(3) سورة الحاقة : الآية 12 .
214
يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (1) وفي قوله : (وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُّبِين) (2) وفي قوله : (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْء) (3) وأوحى الله إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله) أن لا يبقي في غيبه وسرّه ومكنون علمه شيئاً إلاّ يناجي به عليّاً ، فأمره أن يؤلّف القرآن من بعده ويتولّى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه ، وقال لأصحابه : حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي ، فإنّه منّي وأنا منه ، له ما لي وعليه ما علىّ ، وهو قاضي دَيني ومنجز وعدي . ثمّ قال لأصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلاّ عند علي (عليه السلام) ، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه : أقضاكم علي أي هو قاضيكم وقال عمر بن الخطّاب : لولا علي لهلك عمر ، يشهد له عمر ويجحده غيره » .
فأطرق هشام طويلا ثمّ رفع رأسه فقال : سل حاجتك .
فقال : خلّفت عيالي وأهلي مستوحشين لخروجي .
فقال : قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم ولا تقم ، سر من يومك ، فاعتنقه أبي ودعا له وفعلت أنا كفعل أبي ، ثمّ نهض ونهضت معه وخرجنا إلى بابه ، إذا ميدان ببابه وفي آخر الميدان اُناس قعود عدد كثير .
قال أبي : مَن هؤلاء ؟
(1) سورة النحل : الآية 89 .
(2) سورة يس : الآية 12 .
(3) سورة الأنعام : الآية 38 .
215
فقال الحجّاب : هؤلاء القسّيسون والرهبان وهذا عالم لهم يقعد إليهم في كلّ سنة يوماً واحداً يستفتونه فيفتيهم .
فلفّ أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه وفعلت أنا مثل فعل أبي ، فأقبل نحوهم حتّى قعد نحوهم وقعدت وراء أبي ، ورُفع ذلك الخبر إلى هشام ، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي .
فأقبل وأقبل عداد من المسلمين فأحاطوا بنا ، وأقبل عالم النصارى وقد شدّ حاجبيه بحريرة صفراء حتّى توسّطنا ، فقام إليه جميع القسّيسين والرهبان مسلّمين عليه ، فجاؤوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم ، فأدار نظره ثمّ قال : لأبي : أمنّا أم من هذه الاُمّة المرحومة ؟
فقال أبي : بل من هذه الاُمّة المرحومة .
فقال : من أيّهم أنت من علمائها أم من جهّالها ؟
فقال له أبي : لست من جهّالها .
فاضطرب اضطراباً شديداً .
ثمّ قال له : أسألك ؟
فقال له أبي : سل .
فقال : من أين ادّعيتم أنّ أهل الجنّة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون ؟ وما الدليل فيما تدّعونه من شاهد لا يجهل ؟
فقال له أبي : « دليل ما ندّعي من شاهد لا يُجهل : الجنين في بطن اُمّه يطعم ولا يحدث » ، قال : فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً ، ثمّ قال : هلاّ زعمت أنّك لست من علمائها ؟
216
فقال له أبي : ولا من جهّالها ، وأصحاب هشام يسمعون ذلك .
فقال لأبي : أسألك عن مسألة اُخرى ؟
فقال له أبي : سل .
فقال : من أين ادّعيتم أنّ فاكهة الجنّة أبداً غضّة طريّة موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنّة ؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يُجهل ؟
فقال له أبي : « دليل ما ندّعي أنّ ترابنا أبداً يكون غضّاً طريّاً موجوداً غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لا ينقطع » .
فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثمّ قال : هلاّ زعمت أنّك لست من علمائها ؟
فقال له أبي : ولا من جهّالها .
فقال له : أسألك عن مسألة ؟
فقال : سل .
فقال : أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ولا من ساعات النهار .
فقال له أبي : « هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى ، ويرقد فيها الساهر ، ويفيق المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الآخرة للعاملين لها دليلا واضحاً وحجّة بالغة على الجاحدين المتكبّرين التاركين لها » .
قال : فصاح النصراني صيحة ثمّ قال : بقيت مسألة واحدة والله لأسألك عن مسألة لا تهدي إلى الجواب عنها أبداً .
قال له أبي : سل فإنّك حانث في يمينك .
فقال : أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمّر
217
أحدهما خمسون سنة ، وعمّر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا .
فقال له أبي : « ذلك عُزير وعُزيرة ولدا في يوم واحد ، فلمّا بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاماً ، مرّ عزير على حماره راكباً على قرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها (قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) (1) وقد كان اصطفاه وهداه ، فلمّا قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطاً عليه بما قال .
ثمّ بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه وعاد إلى داره ، وعزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه ، وبعث إليه ولد عزيرة وولد ولده وقد شاخوا وعزير شاب في سنّ خمس وعشرين سنة ، فلم يزل عزير يذكّر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكّرهم ويقولون : ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور ، ويقول له عزيرة وهو شيخ كبير ابن مائة وخمسة وعشرين سنة : ما رأيت شابّاً في سنّ خمسة وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيّام شبابي منك ! فمن أهل السماء أنت ؟ أم من أهل الأرض ؟
فقال : ياعزيرة أنا عزير سخط الله علىّ بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني فأماتني مائة سنة ثمّ بعثني لتزدادوا بذلك يقيناً إنّ الله على كلّ شيء قدير ، وهاهو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله تعالى كما كان .
فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة ، ثمّ قبضه الله
(1) سورة البقرة : الآية 259 .
218
وأخاه في يوم واحد » .
فنهض عالم النصارى عند ذلك قائماً وقاموا ـ النصارى ـ على أرجلهم فقال لهم عالمهم : جئتموني بأعلم منّي وأقعدتموه معكم حتّى هتكني وفضحني وأعلم المسلمين بأنّ لهم من أحاط بعلومنا ، وعنده ما ليس عندنا ، لا والله لا كلّمتكم من رأسي كلمة واحدة ، ولا قعدت لكم إن عشت سنة ، فتفرّقوا وأبي قاعد مكانه وأنا معه ، ورفع ذلك الخبر إلى هشام .
فلمّا تفرّق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنّا فيه ، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نجلس ، لأنّ الناس ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصارى .
فركبنا دوابّنا منصرفين وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مَدْيَن على طريقنا إلى المدينة أنّ ابنيَ أبي تراب الساحرين : محمّد بن علي وجعفر بن محمّد الكذّابين ـ بل هو الكذّاب لعنه الله ـ فيما يظهران من الإسلام وردا عليّ ولمّا صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسّيسين والرهبان من كفّار النصارى وأظهرا لهما دينهما ومرقا من الإسلام إلى الكفر دين النصارى وتقرّبا إليهم بالنصرانية ، فكرهت أن اُنكّل بهما لقرابتهما ، فإذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس : برئت الذمّة ممّن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلّم عليهما فإنّهما قد ارتدّا عن الإسلام ، ورأى أمير المؤمنين أن يقتلهما ودوابّهما وغلمانهما ومن معهما شرّ قتلة ، قال : فورد البريد إلى مدينة مدين .
فلمّا شارفنا مدينة مدين قدّم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا ويشروا لدوابّنا علفاً ، ولنا طعاماً ، فلمّا قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في
219
وجوهنا وشتمونا وذكروا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقالوا : لا نزول لكم عندنا ولا شراء ولا بيع ياكفّار يامشركين يامرتدّين ياكذّابين ياشرّ الخلائق أجمعين فوقف غلماننا على الباب حتّى انتهينا إليهم فكلّمهم أبي وليّن لهم القول وقال لهم : اتّقوا الله ولا تغلظوا فلسنا كما بلغكم ولا نحن كما تقولون فاسمعونا .
فقال لهم : فهبنا كما تقولون افتحوا لنا الباب وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس .
فقالوا : أنتم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس لأنّ هؤلاء يؤدّون الجزية وأنتم ما تؤدّون .
فقال لهم أبي : فافتحوا لنا الباب وأنزلونا وخذوا منّا الجزية كما تأخذون منهم .
فقالوا : لا نفتح ولا كرامة لكم حتّى تموتوا على ظهور دوابّكم جياعاً نياعاً أو تموت دوابّكم تحتكم ، فوعّظهم أبي فازدادوا عتوّاً ونشوزاً .
قال : فثنّى أبي رجله عن سرجه ثمّ قال لي : مكانك ياجعفر لا تبرح .
ثمّ صعد الجبل المطلّ على مدينة مدين وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع ، فلمّا صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وجسده ، ثمّ وضع إصبعيه في اُذنيه ثمّ نادى بأعلا صوته : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً) إلى قوله : (بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (1) .
نحن والله بقيّة الله في أرضه ، فأمر الله ريحاً سوداء مظلمة فهبّت
(1) سورة هود : الآية 84 ـ 86 .
220
واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والصبيان والنساء ، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلاّ صعد السطوح ، وأبي مشرف عليهم ، وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السنّ ، فنظر إلى أبي على الجبل ، فنادى بأعلا صوته :
اتّقوا الله ياأهل مدين فإنّه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب (عليه السلام) حين دعا على قومه ، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإنّي أخاف عليكم وقد أعذر من أنذر » ، ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا ، وكُتب بجميع ذلك إلى هشام فارتحلنا في اليوم الثاني ، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيقتله رحمة الله عليه وصلواته وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سمّ أبي في طعام أو شراب ، فمضى هشام ولم يتهيّأ له في أبي من ذلك شيء (1) .
2 ـ أشار إلى هذه الآية الشريفة أيضاً الإمام الكاظم (عليه السلام) حينما أُعطى ولده الإمام الرضا (عليه السلام) بعد ميلاده المبارك :
فعن علي بن ميثم عن أبيه قال : سمعت اُمّي تقول : سمعت نجمة اُمّ الرضا (عليه السلام) تقول : لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل ، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلا وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهولني ، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً فلمّا وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض ، رافعاً رأسه إلى السماء يحرّك شفتيه ،كأنّه يتكلّم فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقال
(1) بحار الأنوار : ج46 ص306 ب7 ح1 .