221
وَخِيرَتِهِ (1)

لي : « هنيئاً لك يانجمة كرامة ربّك ، فناولته إيّاه في خرقة بيضاء ، فأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ودعا بماء الفرات فحنّكه به ، ثمّ ردّه إليّ وقال : خذيه فإنّه بقيّة الله تعالى في أرضه » (1) .
    3 ـ تمثّل بها أيضاً مشيراً الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف مخاطباً أحمد بن إسحاق القمّي وكيل الإمام العسكري (عليه السلام) قال : « أنا بقيّة الله في أرضه والمنتقم من أعدائه ، فلا تطلب أثراً بعد عين ياأحمد بن إسحاق » (2) .
    وهذه الآية الشريفة أوّل كلام ينطق به الإمام الحجّة (عليه السلام) في ظهوره المبارك فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع إليهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وأوّل ما ينطق به هذه الآية : (بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ثمّ يقول : « أنا بقيّة الله في أرضه ، وخليفته وحجّته عليكم » فلا يسلّم عليه مسلّم إلاّ قال : السلام عليك يابقيّة الله في أرضه (3) .
    وتلاحظ خطبته المباركة في كتاب الغيبة (4) .
    (1) ـ الخِيَرة بكسر الخاء وفتح الياء ، معناه المختار المنتخب ، مأخوذ من الاختيار بمعنى الانتخاب .
    وأهل البيت (عليهم السلام) هم الذين اختارهم ربّ العالمين ، واصطفاهم على الملائكة المقرّبين ، وفضّلهم على الخلق أجمعين .
(1) بحار الأنوار : ج49 ص9 ب1 ح14 .
(2) إكمال الدين : ص384 ، وفي المختار : ج1 ص31 .
(3) إكمال الدين : ص331 .
(4) الغيبة للنعماني : ص281 ب14 ح67 .



222
وَحِزْبِهِ (1)

    كما تدلّ على ذلك أحاديث متظافرة مثل :
    حديث إسحاق بن غالب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في خطبة له قال فيها : « ... فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين (عليه السلام) من عقب كلّ إمام ، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم ... » (1) .
    وعن الإمام الرضا (عليه السلام) : أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال : « إنّ الله اختارنا معاشر آل محمّد واختار النبيين واختار الملائكة المقرّبين ، وما اختارهم إلاّ على علم منه بهم أنّهم لا يوقعون ما يخرجون به عن ولايته وينقطعون به عن عصمته » (2) .
    (1) ـ الحِزْب بكسر الحاء وسكون الزاء ، يأتي في اللغة بمعنى : الطائفة والجماعة والجُند ، وأكثر استعماله في المعنى الأخير .
    وبهذا المعنى الأخير جاء تفسيره بالأنصار ، وأصحاب الرجل الذين يكونون على رأيه وأمره ، وقد شاع إستعماله في الأنصار .
    وأهل البيت سلام الله عليهم هم حزب الله تعالى أي أنصاره ، اختصّوا بالله ، ولم يقصدوا غير الله .
    وفي هذه الفقرة إشارة إلى قوله تعالى : (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (3) المفسّرة بأهل البيت العظام وشيعتهم الكرام .
    وقوله تعالى : (وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ
(1) الكافي : ج1 ص203 ح2 .
(2) بحار الأنوار : ج59 ص322 ب24 ح3 .
(3) سورة المجادلة : الآية 22 .



223
الْغَالِبُونَ) (1) قال مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) :
    « فنحن وشيعتنا حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون » (2) .
    وتلاحظ ذلك في أحاديث التفسير (3) ، وورد في أحاديث الفريقين (4) ومن ذلك :
    1 ـ حديث عمّار بن أبي اليقظان ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : « يجيء رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة آخذاً بحُجزة ربّه ، ونحن آخذون بحُجزة نبيّنا ، وشيعتنا آخذون بحُجزتنا فنحن وشيعتنا حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون » (5) .
    2 ـ حديث الإمام الرضا ، عن آبائه الطيبين ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ياعلي : بكم يفتح هذا الأمر وبكم يختم ، عليكم بالصبر ، فإنّ العاقبة للمتّقين .
    أنتم حزب الله ، وأعداؤكم حزب الشيطان ، طوبى لمن أطاعكم ، وويلٌ لمن عصاكم ، أنتم حجّة الله على خلقه والعروة الوثقى ، من تمسّك بها اهتدى ، ومن تركها ضلّ ، أسأل الله لكم الجنّة ، لا يسبقكم أحد إلى طاعة الله فأنتم أولى بها » (6) .
(1) سورة المائدة : الآية 56 .
(2) بحار الأنوار : ج24 ص213 ب56 ح7 .
(3) كنز الدقائق : ج4 ص156 .
(4) إحقاق الحقّ : ج5 ص43 .
(5) بحار الأنوار : ج4 ص25 ب4 ح3 .
(6) بحار الأنوار : ج23 ص142 ب7 ح93 .



224
وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ (1) وَحُجَّتِهِ (2)

    3 ـ حديث جابر قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : « حزب علي حزب الله وحزب أعدائه حزب الشيطان » (1) .
    (1) ـ العَيْبَة بفتح العين وسكون الياء في أصل اللغة هو الوعاء من الجلد المدبوغ يُجعل فيها المتاع ، والصندوق يُحفظ فيه الثياب أو أفضل الثياب ، واستعيرت لحفظ العلم فيقال : عيبة العلم أي مستودعه .
    وأهل البيت عليهم سلام الله عيبة علم الله ، ومستودع سرّه ، وخزنة معارفه والذين حمّلهم الله علمه .
    وقد تقدّم تفصيله ودليله من الكتاب والسنّة في الفقرة الشريفة « وخزّان العلم » وقد نقلنا أبواب علومهم الشريفة ودلّلنا على أنّه استودعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ ما استودعه الله تعالى ، فهم عيبة علمه .
    قال مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) : « وعندنا أهل البيت اُصول العلم ، وعُراه ، وضياؤه وأواخيه » (2) .
    وتقدّم بيان أنّ عندهم كتاب علي ، ومصحف فاطمة (عليهما السلام) ، والجفر الأبيض ، والجامعة ، وعمود النور ، وعلم المنايا والبلايا ، وفصل الخطاب ، وعلم الكتاب ، وعلم المواليد ، وكتب الأنبياء ، ويعلمون بإذن الله تعالى في كلّ يوم كلّ ما يشاؤون .
    (2) ـ الحُجّة بضمّ الحاء هو الدليل والبرهان ، وجمعها حُجَج .
(1) إحقاق الحقّ : ج5 ص43 ح66 ، وفي بحار الأنوار : ج38 ص95 ب61 ح11 .
(2) بحار الأنوار : ج26 ص31 ب8 ح44 .



225
وَصِراطِهِ (1)

    وأهل البيت حجج الله تعالى على جميع خلقه يحتّج بهم .
    وقد أتمّ بهم حجّته البالغة على عموم الخلق بما جعل لهم من المعجزات الباهرات ، والدلائل الظاهرات .
    ومرّ تفصيل ذلك في الفقرة الشريفة المتقدّمة « حجج الله على أهل الدنيا والآخرة والاُولى » وذكرنا الأدلّة على ذلك (1) .
    وفي حديث سلمان : « دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) فإذا الحسين بن علي على فخذه وتفرّس في وجهه وقبّل بين عينيه وقال : « أنت سيّد ابن سيّد أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو الأئمّة ، أنت حجّة الله ، ابن حجّة الله أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم » (2) .
    وفي نسخة البلد الأمين هنا زيادة : « وعينه وجنبه » .
    (1) ـ الصراط في اللغة هو الطريق المستوي ، فلذلك سُمّي الدين صراطاً ، لأنّه طريق إلى الثواب ، وسمّي أمير المؤمنين (عليه السلام) صراطاً لأنّ معرفته والتمسّك به هو الطريق إلى الله .
    وأهل البيت (عليهم السلام) هم الصراط الموصل إلى الله ، والطريق المؤدّي إلى قربه كما تلاحظ أحاديثه الكثيرة في كتب الأخبار ، من ذلك :
    حديث المفضّل قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصراط ؟
    فقال : « هو الطريق إلى معرفة الله عزّوجلّ ، وهما صراطان : صراط في
(1) كتاب سليم بن قيس : ج2 ص734 .
(2) كتاب سليم بن قيس : ج2 ص94 .



226
وَنُورِهِ (1)

الدنيا ، وصراط في الآخرة .
    فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه على الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنّم » (1) .
    وحديث الثمالي عن الإمام السجّاد (عليه السلام) أنّه قال : « ليس بين الله وبين حجّته حجاب فلا لله دون حجّته ستر ، نحن أبواب الله ، ونحن الصراط المستقيم ، ونحن عيبة علمه ، ونحن تراجمة وحيه ، ونحن أركان توحيده ، ونحن موضع سرّه » (2) .
    ثمّ إنّ هذه الفقرة إشارة إلى قوله عزّ إسمه : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (3) المفسّر بأهل البيت سلام الله عليهم في طرق الخاصّة والعامّة (4) .
    وقد جاء في الأخبار المتظافرة من أحاديث الفريقين أنّه (لا يجوز أحدٌ الصراط يوم القيامة إلاّ من كان معه صكٌّ من علي (عليه السلام) بالجواز) (5) .
    (1) ـ النور هو الضوء المنتشر ، والكيفية الظاهرة بنفسها والمظهرة لغيرها .
    وُصِفَ به أهل البيت سلام الله عليهم لأنّهم مضافاً إلى نورانيّتهم نوّروا العالم بعلم الله وهدايته ، ونوّروا الكائنات بنور الوجود ، وبهم تنوّرت القلوب ، وهم
(1) بحار الأنوار : ج24 ص11 ب24 ح3 .
(2) بحار الأنوار : ج24 ص12 ب24 ح5 .
(3) سورة الأنعام : الآية 153 .
(4) غاية المرام : ص434 ، كنز الدقائق : ج4 ص482 .
(5) غاية المرام : ص262 .



227
الأنوار اللائحة ، والأدلّة الواضحة ، والمصابيح الهادية التي تهدي الخلق .
    وهذه الفقرة إشارة إلى مثل قوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) (1) المفسّر بهم (عليهم السلام) وبولايتهم في أحاديث الخاصّة والعامّة (2) .
    وقد عقد ثقة الإسلام الكليني باباً في أنّ الأئمّة (عليهم السلام) نور الله عزّوجلّ (3) .
    وعقد شيخ الإسلام المجلسي باباً في معرفتهم (عليهم السلام) بالنورانية (4) .
    فمن الباب الأول حديث أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) .
    فقال : « ياأبا خالد النور والله نور الأئمّة من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة ، وهم والله نور الله الذي اُنزل ، وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض ، والله ياأبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم والله ينوّرون قلوب المؤمنين ، ويحجب الله عزّوجلّ نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ، والله ياأبا خالد لا يحبّنا عبد ويتولاّنا حتّى يطهّر الله قلبه ، ولا يطهّر الله قلب عبد حتّى يسلّم لنا ويكون سلماً لنا ، فإذا كان سلماً لنا سلّمه الله من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر » (5) .
    ومن الباب الثاني حديث محمّد بن صدقة المفصّل ، عن أمير
(1) سورة التغابن : الآية 8 .
(2) غاية المرام : ص437 ، كنز الدقائق : ج13 ص280 .
(3) الكافي : ج1 ص194 .
(4) بحار الأنوار : ج26 ص1 ب13 الأحاديث .
(5) الكافي : ج1 ص194 ح1 .



228
وَبُرْهانِهِ (1) وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ .

المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لسلمان وأبي ذرّ : « كنت أنا ومحمّد نوراً واحداً من نور الله عزّوجلّ ، فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يُشقّ ، فقال للنصف : كن محمّداً ، وقال للنصف : كن عليّاً ، فمنها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : علي منّي وأنا من علي ولا يؤدّي منّي إلاّ علي » (1) .
    (1) ـ البُرْهان بضمّ الباء وسكون الراء هي الحجّة والبيان كما في اللغة .
    والبرهان هو الشاهد بالحقّ (2) ، وبرهانكم أي حجّتكم ، وسمّيت الحجّة برهاناً لبيانها ووضوحها (3) ، والبرهان أوكد الأدلّة ، وهو يقتضي الصدق أبداً لا محالة (4) .
    وأهل البيت (عليهم السلام) براهين الله الصادقة ، وحججه الناطقة ، وآيات الله البيّنة ، ودلائله الظاهرة .
    لذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : « ما لله عزّوجلّ آية هي أكبر منّي ، ولا له من نبأ أعظم منّي » (5) .
    وبحقٍّ كان صلوات الله عليه الآية العظمى ، والدلالة الكبرى لله عزّ إسمه كما تلاحظ ذلك في أحواله (6) ، وقد مرّ شيء من ذلك في الفقرة الشريفة
(1) بحار الأنوار : ج26 ص3 ب13 ح1 .
(2) مجمع البيان : ج3 ص147 .
(3) مجمع البحرين : ص549 .
(4) المفردات : ص45 .
(5) الكافي : ج1 ص207 ح3 .
(6) بحار الأنوار : ج41 ـ 42 الأبواب الكثيرة فيه ، ولاحظ ج41 ص278 ح4 ، وج41 ص53 .



229
« والمثل الأعلى » .
    هذا تمام الكلمة في التسليمات الخمسة .
    ويتلوه ذكر الشهادات الثلاثة : التوحيد ، والرسالة ، والإمامة .
    ثمّ المناقب الفاخرة لأهل بيت العصمة (عليهم السلام) .


230
الشهادات الثلاثة
اَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ (1)

    (1) ـ بعد تكميل السلام وأداء تحيّة الإسلام إبتدأ (عليه السلام) في هذه الزيارة الشريفة الجامعة بأداء شهادة التوحيد الكامل ، والتصديق الشامل الذي هو حصن النجاة ، في الحياة والممات ، يعني الشهادة بأركانها الثلاثة :
    التوحيد والرسالة والإمامة .
    فإنّ الموحِّد الحقّ هو من يوحّد الله بما أراده الله تعالى ، لا بما يريده هو نفسه .
    والذي أراده الله من التوحيد هو التوحيد بشرطه وشروطه ، وولاية الأئمّة من شروطه كما تلاحظه في الأحاديث المتواترة ، نتبرّك بذكر بعضها تيمّناً وتبرّكاً مثل :
    1 ـ حديث المفضّل قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : « إنّ الله تبارك وتعالى ضمن للمؤمن ضماناً .
    قال : قلت : وما هو ؟
    قال : ضمن له إن هو أقرّ له بالربوبية ، ولمحمّد (صلى الله عليه وآله) بالنبوّة ، ولعلي (عليه السلام) بالإمامة ، وأدّى ما افترضه عليه أن يسكنه في جواره .