281
ومن العامّة في (66) حديثاً جاءت في بابين خاصّين مفصّلين في تنصيص رسول الله على علي بن أبي طالب وبنيه الأحد عشر (عليهم السلام) أنّهم الأئمّة من بعده وخلفاؤه وأوصياؤه فراجع (1) .
    وبهم (عليهم السلام) فُسّر قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَُيمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) (2) .
    كما تراه في الكافي في بابه الخاصّ ، من ذلك :
    حديث عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله جلّ جلاله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) ؟
    قال : هم الأئمّة (عليهم السلام) .
    وحديث الجعفري ، عن الإمام الرضا (عليه السلام) : « الأئمّة خلفاء الله عزّوجلّ في أرضه » (3) .
    وقد جاء من العامّة في تفسير أبي عبيدة (4) ، وكذا عن ابن حيّان في
(1) غاية المرام : ص32 ـ 56 .
(2) سورة النور : الآية 55 .
(3) الكافي : ج1 ص193 ح1 .
(4) غاية المرام : ص376 .



282
وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِهِ (1)

حياة النبي ، والحسكاني في شواهد التنزيل كما في الإحقاق (1) . ومن الخاصّة في أحد عشر حديثاً (2) .
    فالمستخلفون من الله تعالى في كتابه الكريم هم الأئمّة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين ، ومعلوم أنّ كمال الأمر والتمكّن لهم يكون في زمان الدولة الحقّة للإمام المهدي أرواحنا فداه ، كما تلاحظ بيانه في الأحاديث المبيّنة لخصائص تلك الحكومة المحقّة (3) ، ويأتي ذكرها في فقرة « مرتقب لدولتكم » .
    فخلافة الله تعالى الثابتة بنصّه وتنصيصه ، في أرضه وبريّته ، التي هي الخلافة الشرعية ، إنّما ثبتت بعد الأنبياء ، لنبي الإسلام وآله الأوصياء ، وتدوم إلى يوم القيامة واللقاء ، لبقاء دينه واستمرار شريعته .
    خلافة إلهيّة ثابتة من الله تعالى الذي هو الجاعل في الأرض خليفة ، كما تلاحظ تفصيله في أحاديثنا الشريفة (4) .
    (1) ـ مرّ أنّ حجج جمع حجّة مثل غُرَف جمع غرفة ، وهي في اللغة بمعنى الدليل والبرهان .
    وحجج الله : هم الذين يحتجّ بهم الله على خلقه ، وأتمّ الله حجّته البالغة بما جعل لهم من المعجزات الباهرات ، والدلائل الواضحات .
    والبريّة بمعنى الخليقة : من برأ الله الخلق ، أي خلقهم .
(1) إحقاق الحقّ : ج14 ص473 .
(2) غاية المرام : ص376 .
(3) بحار الأنوار : ج52 ص309 ب27 الأحاديث .
(4) كنز الدقائق : ج1 ص329 .



283
وَاَنْصاراً لِدِينِهِ (1)

    وأهل البيت سلام الله عليهم حجج الله البالغة على خلقه أجمعين ، ورضى بهم الله تعالى حججاً على العالمين .
    دلّت على ذلك أحاديث باب أنّهم الحجّة على جميع العوالم والمخلوقات (1) .
    وفي الحديث الرضوي الشريف : « إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام حتّى يعرف » (2) .
    لذلك ورد في زياراتهم التسليم عليهم بذلك ، ففي زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) : « السلام عليك أيّها الحجّة على الخلق أجمعين ... » .
    وفي زيارة الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه : « السلام عليك ياحجّة الله على من في الأرض والسماء » .
    وقد تقدّم مفصّل البيان والدليل في فقرة « وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والاُولى » .
    وفي نسخة الكفعمي : « وجعلكم حججاً على بريّته » .
    (1) ـ الأنصار : جمع ناصر ، مأخوذ من النصرة بمعنى الإعانة وحسن المعونة ، كما وإنّ الانتصار هو الإنتقام .
    ودينه : بمعنى دين الله ، وهو دين الإسلام كما صرّح به القرآن الكريم في =
(1) بحار الأنوار : ج27 ص41 ب15 ح7 ، ولاحظ ما سبق من ولايتهم التكوينية وسلطنتهم على جميع الأشياء الثابتة كتاباً وسنّة في فقرة « والسادة الولاة » .
(2) الكافي : ج1 ص177 ح3 .



284
قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الاِْسْلاَمُ) (1) .
    علماً بأنّ دين الإسلام يشتمل على التوحيد والرسالة والولاية ، ولاية آل محمّد (عليهم السلام) .
    فإنّ دين الله المقبول لا يتحقّق إلاّ بمعرفتهم ، ومن جهلهم جهل الدين ، ومات ميتةً جاهلية .
    والدين مع معرفتهم هو الذي اصطفاه الله تعالى لعباده بقوله عزّ إسمه : (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (2) كما وردت به الأحاديث الشريفة المفسّرة (3) .
    وأهل البيت (عليهم السلام) هم خير الأنصار وأحسن الأعوان لدين الإسلام الشريف .
    إذ هم الذين بذلوا مهجهم وقدّموا نفوسهم لإعلاء كلمة الدين ، ولنصرة شريعة سيّد المرسلين ، كما صبروا على غليظ المِحَن وسجون الضغن ، في سبيل الله العظيم ودينه القويم .
    فآل محمّد صلوات الله عليهم في أعلى مراتب نصرة الدين وتأييده ، وفي أعظم مراحل الانتصار للدين والدفاع عنه .
    جرى فيهم هذا من سيّدهم الأمير (عليه السلام) الذي ما استقام الدين إلاّ
(1) سورة آل عمران : الآية 19 .
(2) سورة البقرة : الآية 132 .
(3) تفسير البرهان : ج1 ص100 .



285
بسيفه (1) ، إلى خاتمهم الحجّة المهدي (عليه السلام) الذي لا يظهر الدين على الأرض كلّه إلاّ بدولته .
    قال تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (2) ـ (3) .
    وقد تقدّم في الحديث القدسي : « المهدي أنتصر به لديني » (4) .
    وكلّهم كانوا أنصار دين الله والذابّين عنه ، بل كان السبط الشهيد (عليه السلام) هو المحيي للدين والمبقي لشريعة سيّد المرسلين .
    ففي الصلاة عليه بعد الزيارة : « وقام بين يديك يهدم الجور بالصواب ويحيي السنّة بالكتاب » (5) .
    وفي زيارته (عليه السلام) : « كنت لله طائعاً ... وللإسلام عاصماً ، تنصر الدين وتظهره » (6) ، وقال فيه جدّه الأمين : « حسين منّي وأنا من حسين » (7) إذ نصر دين جدّه بنفسه وأولاده ، وأهله وعياله ، وأصحابه وأحبّائه ، فكانت الشريعة الغرّاء حسينيّ البقاء .
    والحقيقة سجّلت الانتصار في النتيجة له لا لعدوّه ، وسيكون هو
(1) بحار الأنوار : ج36 ص180 ب39 ح174 ، شجرة طوبى : ج2 ص233 .
(2) سورة التوبة : الآية 33 .
(3) تفسير الصافي : ج2 ص338 .
(4) مشكاة الأنوار : ص208 .
(5) مصباح الزائر : ص248 .
(6) مصباح الزائر : ص231 .
(7) بحار الأنوار : ج43 ص271 ح36 .



286
وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ (1)

المنتصر عند رجعته ، وقيام دولته (1) .
    (1) ـ أي ورضيكم حفظة لسرّه ، وقد تقدّم في الفقرة الشريفة : « وحفظة سرّ الله » بيان المعنى والدليل بما حاصله : الحفظة جمع حافظ ، من الحفظ بمعنى الرعاية والمواظبة والإعتناء .
    وسرّ الله تعالى هو ما يلزم أن يكتم ، ولا يجوز إظهارها إلاّ لمن يتحمّلها من الكُمّلين كالملك المقرّب ، والنبي المرسل ، والعبد الممتحن .
    وأهل البيت (عليهم السلام) هم الحافظون للأسرار الإلهية المكنونة ، وعلوم الغيب المخزونة ، وحِكَم الكائنات ، وحكمة المخلوقات .
    وتضيف هذه الفقرة من الزيارة المباركة أنّ الله تعالى رَضِيَ بهم حفظة لتلك الأسرار ، وحافظين لتلك الآثار .
    حيث عَلِمَ تعالى فيهم كمال القابلية ، ومنتهى التحمّل ، ورآهم المثل الأعلى والقمّة العليا لأسرار عالَم المُلك والملكوت ، وعرفهم الصفوة اللائقة لتحمّل غيب السماوات والأرضين .
    وتعرف حافظيّتهم وتحمّلهم للأسرار والغيوب الإلهية من خلال دراسة سيرتهم وحياتهم وعشرتهم وكلماتهم ، التي توجب العلم بكونهم خزنة مكنون الأسرار ، والمرضيين لذلك من قبل الله القهّار .
    وقد عرفت حديث سيف التمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : « لو كنت بين
(1) بحار الأنوار : ج53 ص39 ب29 الأحاديث .


287
وَخَزَنَةً لِعِلْمِهِ (1)

موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما ، ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما » (1) .
    وفي حديث زياد بن المنذر ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) : « أنا شجرة النبوّة ... وموضع سرّ الله ووديعته » (2) .
    وفي حديث النعمان بن سعد ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : « وأنا المؤتمن على سرّ الله » (3) .
    وجاء في حديث حمران بن أعين ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « لم يُعلّم الله محمّداً (صلى الله عليه وآله) علماً إلاّ وأمره أن يعلّمه عليّاً (عليه السلام) » (4) .
    وفي نسخة الكفعمي : « وحفظة لحكمته » .
    (1) ـ أي رضيكم الله تعالى خازنين لعلمه .
    وتقدّم أنّ الخزن هو حفظ الشيء في الخزانة .
    وأهل البيت سلام الله عليهم إرتضاهم الله تعالى لأن يكونوا حافظين للعلوم الإلهية ، وخزائن للمعارف الربّانية ، وكانوا هم الصفوة اللائقون لميراث العلم وحقائق الحكمة .
    وقد تقدّم ذكر دليل خازنيّتهم لعلم الله تعالى ، مع بيان جهات علومهم في قوله (عليه السلام) : « وخزّان العلم » فراجع .
    وقد عقد ثقة الإسلام الكليني باباً من الأحاديث في أنّ الأئمّة (عليهم السلام) ولاة
(1) الكافي : ج1 ص260 ح1 .
(2) بحار الأنوار : ج23 ص245 ب13 ح16 .
(3) بحار الأنوار : ج39 ص335 ب90 ح1 .
(4) الكافي : ج1 ص263 ح1 .



288
وَمُسْتَوْدَعاً لِحِكْمَتِهِ (1)

أمر الله وخزنة علمه (1) ، من ذلك :
    حديث عبدالله بن أبي يعفور قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) :
    « يابن أبي يعفور إنّ الله واحدٌ متوحّدٌ بالوحدانيّة ، متفرّد بأمره ، فخلق خلقاً فقدّرهم لذلك الأمر ، فنحن هم يابن أبي يعفور ، فنحن حجج الله في عباده ، وخزّانه على علمه ، والقائمون بذلك » (2) .
    (1) ـ المستودع بفتح الدال : هو من يودَع عنده الشيء ، من الإستيداع بمعنى الإستنابة في الحفظ ، يقال : إستودعته المال أي استحفظته إيّاه وجعلته حافظاً له .
    والحكمة تقدّم بيانها بأنّها في اللغة : العلم الذي يرفع الإنسان ويمنعه عن فعل القبيح .
    وفي الإصطلاح هي العلوم الحقيقية الإلهية كما عرّفه الأعاظم .
    وفُسّرت في الأحاديث الشريفة بطاعة الله تعالى ، ومعرفة الإمام (عليه السلام) ، والولاية ، والتفقّه في الدين ، والعقل ، والفهم ، واجتناب الكبائر التي اُوجب عليها النار .
    وأهل البيت (عليهم السلام) رضى الله تعالى بهم مستودعاً لحكمته ، ومحلا لحفظها ، وكنزاً لمحافظتها ، وخزانةً لرعايتها .
    حيث كانوا في أسمى مراتب اللياقة لأن يكونوا خزائن للحكمة الإلهية ، ومعادن للمعارف الربّانية ، فآتاهم الله الحكمة ، وفصل الخطاب .
(1) الكافي : ج1 ص192 .
(2) الكافي : ج1 ص193 ح5 .



289
وَتَراجِمَةً لِوَحْيِهِ (1)

    والأدلّة تقدّم بيانها في فقرة « معادن حكمة الله » وقد تقدّم ذكر أحاديث حكمتهم كحديث أبي سعيد الخدري عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) فراجع .
    ويضاف الحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام) : « نحن حكماء الله في أرضه » (2) . وفي نسخة الكفعمي : « ومستودعاً لسرّه » .
    (1) ـ تراجمة بكسر الجيم : جمع تَرجُمان ، بفتح التاء وضمّ الجيم على الأجود .
    وهو الذي يبيّن الكلام ويوضّحه ، والذي يترجم الكلام ويعبّر عنه بلغة اُخرى غير لغة المتكلّم (3) .
    والوحي : معروف المعنى وقد تقدّم معناه في قوله (عليه السلام) : « ومهبط الوحي » .
    وفسّر الوحي في هذه الفقرة المباركة بأنّه يراد به القرآن الكريم ، أو الوحي الإلهي بنحو عام ، ممّا اُوحي إلى نبيّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) قرآناً ، وحديثاً قدسيّاً ، وما اُوحي إلى الأنبياء السلف سلام الله عليهم .
    وأهل البيت (عليهم السلام) هم الذين إرتضاهم الله تعالى لبيان وحيه ، وهداية خلقه كما في خطبة الإمام الصادق (عليه السلام) (4) .
    وهم الذين جعلهم ورثة القرآن الكريم كما في حديث الإمام الرضا (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا) (5) .
(1) بحار الأنوار : ج26 ص290 ح37 .
(2) مرآة الأنوار : ص89 .
(3) مجمع البحرين : مادّة ترجم ص506 .
(4) الكافي : ج1 ص203 ح2 .
(5) سورة فاطر : الآية 32 .



290
وَاَرْكاناً لِتَوْحِيدِهِ (1)

    قال : « ولد فاطمة (عليها السلام) » (1) .
    وهم الذين اختارهم وجعلهم الوارثين لعلوم وكتب أنبيائه التي تجد ذكرها في حديث أبي ذرّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2) .
    فهم ورثة الكتب الإلهية المقدّسة ، وتراجمة الوحي الربّاني الأقدس كما دلّت عليه الأحاديث الشريفة (3) . ومن ذلك :
    ما تقدّم عن هشام بن الحكم في حديث بريهة عن الإمام الصادق (عليه السلام) الذي ورد فيه :
    أنّ كتب الأنبياء هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرأها كما قرأوها ونقولها كما قالوا (4) .
    (1) ـ الأركان : جمع ركن ، وهو الجانب القوي للشيء الذي يكون به قوام ذلك الشيء وعليه استناده ، ومنه ركن البيت .
    وتوحيده : هو الاعتقاد بوحدانية الله تعالى .
    أي رضيكم الله تعالى بأن تكونوا أركاناً لتوحيده .
    بمعنى أنّ ولايتهم هو الركن لتوحيد الله ، ولا يُقبل اعتقاد التوحيد من أحد إلاّ إذا كان مقروناً بالاعتقاد بولاية أهل البيت سلام الله عليهم .
    كما يستفاد من الروايات الشريفة مثل حديث بُريد العجلي قال : سمعت
(1) الكافي : ج1 ص215 ح3 ، وص228 ح1 ـ 3 .
(2) مجمع البيان : ج10 ص476 .
(3) الكافي : ج1 ص222 ح6 ، وص225 ح5 و6 .
(4) الكافي : ج1 ص227 ح1 .