331
الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِِ قَانِتِينَ) (1) .
    والتي هي من صفات المؤمنين المفلحين المبشَّرين بالجنّة في كتاب الله الكريم في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (2) .
    وأهل البيت (عليهم السلام) هم الذين أقاموا الصلاة حقّ إقامتها بكلّ خضوع وخشوع ، وإخلاص وحضور قلب ، وجاؤوا بها تامّة الأجزاء والشرائط ، وحافظوا على أدائها بكلّ ما هو من شروط قبولها وكمالها ، وواظبوا على إتيانها بكلّ جدٍّ واجتهاد ، واستعدّوا لها أتمّ الإستعداد ، وعلّموها أحسن التعليم ، ومنحوها غاية التعظيم ، والتزموا بها في الشدّة والرخاء ، واعتنوا بها غاية الاعتناء .
    كما تلاحظ ذلك بوضوح في سيرتهم وحياتهم ، وفي سفرهم وإقامتهم ، حتّى في حروبهم وسجونهم .
    وغني عن البيان صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) .
    وصلاة الإمام السجّاد (عليه السلام) (4) .
    وصلاة الإمام الكاظم (عليه السلام) (5) .
(1) سورة البقرة : الآية 238 .
(2) سورة المؤمنون : الآية 9 ـ 11 .
(3) بحار الأنوار : ج41 ص11 .
(4) سفينة البحار : ج6 ص387 .
(5) بحار الأنوار : ج48 ص100 ب39 الأحاديث .



332
    نقل أحمد بن عبدالله عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي : أشرفْ على هذا البيت وانظر ما ترى ؟
    فقلت : ثوباً مطروحاً .
    فقال : انظر حسناً .
    فتأمّلت فقلت : رجل ساجد .
    فقال لي : تعرفه ؟ هو موسى بن جعفر ، أتفقّده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على هذه الحالة ، إنّه يصلّي الفجر فيعقّب إلى أن تطلع الشمس ، ثمّ يسجد سجدة ، فلا يزال ساجداً حتّى تزول الشمس ، وقد وكّل من يترصّد أوقات الصلاة ، فإذا أخبره وثب يصلّي من غير تجديد وضوء ، وهو دأبه ، فإذا صلّى العتمة أفطر ، ثمّ يجدّد الوضوء ثمّ يسجد ، فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر .
    وقال بعض عيونه : كنت أسمعه كثيراً يقول في دعائه : « اللهمّ إنّك تعلم أنّني كنت أسألك أن تفرّغني ... » (1) .
    ولقد شهد بسموّ عباداتهم حتّى غير شيعتهم ، كما تقدّم عن أبي الحديد في شرحه حيث قال في صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) :
    وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على وِرده أن يُبسط له نطعٌ بين الصفّين ليلة الهرير ، فيصلّي عليه ورْدَه ، والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صِماخيه يميناً وشمالا ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته !
(1) بحار الأنوار : ج48 ص107 ب39 ح9 .


333
ثمّ قال : وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته ، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله ، وما يتضمّنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزّته والاستخذاء له ، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص ، وفهمت من أي قلب خرجت ، وعلى أي لسان جرت !
    وقيل لعلي بن الحسين (عليه السلام) ـ وكان الغاية في العبادة : أين عبادتك من عبادة جدّك ؟
    قال : « عبادتي عند عبادة جدّي كعبادة جدّي عند عبادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) » (1) .
    فإقامة الصلاة وإتمام العبادات كانت بأهل بيت العصمة سلام الله عليهم كما في حديث الإمام الرضا (عليه السلام) :
    « بالإمام تمام الصلاة والصيام والحجّ والجهاد ... » (2) .
    وأهل البيت سلام الله عليهم قد أتمّوا الحجّة ، وأوضحوا المحجّة في بيان الحثّ على الصلوات ، والمحافظة عليها في جميع الأوقات ، والترغيب إليها في جميع المناسبات كما تشاهده في أحاديثهم الوافية (3) .
    وقد بيّنوا حدود الصلاة وأبوابها وأحكامها بجميع سننها وآدابها .
    وقد فسّر الشهيد الأوّل (قدس سره) حديث (إنّ للصلاة أربعة آلاف حدّ) بواجباتها ومندوبها ، فجعل أحكام الواجبات ألفاً وصنّف لها كتاب الألفية ، وجعل
(1) شرح نهج البلاغة : ج1 ص27 .
(2) الكافي : ج1 ص200 .
(3) بحار الأنوار : ج83 ص1 ب6 الأحاديث .



334
مندوباتها ثلاثة آلاف وصنّف لها كتاب النفليّة (1) .
    فأهل البيت (عليهم السلام) هم الذين أقاموا الصلاة حقّ إقامتها ، بل علّموا وهذّبوا وأمروا الخلق بالصلاة التامّة الكاملة التي يلزم مراعاتها .
    ويحسن التدبّر لذلك في مفصّل حديث حمّاد في هذا الباب قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) يوماً : « تحسن أن تصلّي ياحمّاد ؟ قال :
    قلت : ياسيّدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة .
    قال : فقال (عليه السلام) : لا عليك قم صلّ .
    قال : فقمت بين يديه متوجّهاً إلى القبلة فاستفتحت الصلاة ، وركعت ، وسجدت .
    فقال (عليه السلام) : ياحمّاد لا تحسن أن تصلّي ، ما أقبح بالرجل (منكم) أن يأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة ، فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة ؟!
    قال حمّاد : فأصابني في نفسي الذلّ فقلت : جعلت فداك فعلّمني الصلاة .
    فقام أبو عبدالله (عليه السلام) مستقبل القبلة ، منتصباً ، فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضمّ أصابعه ، وقرّب بين قدميه حتّى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه (جميعاً) لم يحرّفهما عن القبلة ، بخشوع واستكانة فقال : الله أكبر ، ثمّ قرأ الحمد بترتيل ، وقل هو الله أحد ، ثمّ صبر هنيئة بقدر ما تنفّس وهو قائم ، ثمّ قال : الله أكبر وهو قائم ، ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره ، حتّى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن
(1) سفينة البحار : ج1 ص43 .


335
وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ (1)

لم تزل لاستواء ظهره وتردّد ركبتيه إلى خلفه ، ونصب عنقه ، وغمض عينيه ، ثمّ سبّح ثلاثاً بترتيل وقال : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، ثمّ استوى قائماً ، فلمّا استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده ، ثمّ كبّر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه ، وسجد ، ووضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه وقال : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الجبهة ، والكفّين ، وعيني الركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والأنف ، فهذه السبعة فرض ، ووضع الأنف على الأرض سنّة وهو الإرغام ، ثمّ رفع رأسه من السجود فلمّا استوى جالساً قال : الله أكبر ، ثمّ قعد على جانبه الأيسر ، ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، وقال : استغفر الله ربّي وأتوب إليه ، ثمّ كبّر وهو جالس ، وسجد الثانية وقال : كما قال في الاُولى ، ولم يستعِنْ بشيء من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مجنّحاً ، ولم يضع ذراعيه على الأرض ، فصلّى ركعتين على هذا .
    ثمّ قال : ياحمّاد هكذا صلّ ، ولا تلتفت ، ولا تعبث بيديك وأصابعك ، ولا تبزق عن يمينك ولا (عن) يسارك ولا بين يديك » (1) .
    (1) ـ الإيتاء هو البذل والإعطاء .
    والزكاة جاءت لغةً بمعنى الطهارة وبمعنى النماء .
    لأنّها إمّا مصدر زكّى بالتشديد بمعنى طَهَّرَ ، ومنه قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ
(1) وسائل الشيعة : ج4 ص673 ب1 ح1 .


336
مَن زَكَّاهَا) (1) أي طهّر نفسه ، أو مصدر زكى بالتخفيف بمعنى نَما ، ومنه قوله تعالى : (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) (2) أي أنمى لكم .
    والزكاة تناسب كلا المعنيين الطهارة والنمو ، فزكاة المال طهر للمال ، وزكاة الفطرة طهر للأبدان .
    وكذلك زكاة المال تطهّر المال من الخبث فتكون بمعنى الطهارة ، وتستجلب البركة في المال فتكون بمعنى النموّ (3) .
    وحكى صاحب الجواهر عن الشهيد الأول (قدس سرهما) معنىً ثالثاً للزكاة وهو العمل الصالح فإنّه قد تطلق عليه ، ثمّ أفاد أنّه لعلّ منه قوله تعالى : (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً) (4) (5) .
    فتكون معاني الزكاة في اللغة ثلاثة : الطهارة ، والنماء ، والعمل الصالح .
    هذا لغةً وأمّا إصطلاحاً فالمستفاد من تعاريف الفقهاء رضوان الله عليهم أنّ الزكاة : (اسم للصدقة المقدّرة بأصل الشرع ، المتعلّقة بالنصاب ، الثابتة في المال أو في الذمّة) .
    وأهل البيت سلام الله عليهم آتوا الزكاة ، وأعطوا الصدقات الواجبة
(1) سورة الشمس : الآية 9 .
(2) سورة البقرة : الآية 232 .
(3) مجمع البحرين : مادّة زكا ص41 .
(4) سورة مريم : الآية 31 .
(5) جواهر الكلام : ج15 ص2 .



337
والمستحبّة ، بكلّ معنى الكلمة ، وبأكمل ما يمكن ، وبأسخى بذل يتصوّر .
    وقد صنعوا المعروف ، وجادوا بكلّ خير ، وأحسنوا إلى كلّ ذي روح ، لا يريدون في قبال ذلك جزاءً ولا شكوراً ، فبارك الله لهم كثيراً وطهّرهم تطهيراً .
    ويشهد بذلك تصفّح سيرتهم الغرّاء ، وحياتهم العلياء ، المليئة بالبذل السخيّ والعطاء الوافي ، لأنحاء الصدقات وأبرّ الخيرات ..
    فإنّه يظهر ذلك بوضوح في أحوال جميعهم رسول الله وأمير المؤمنين ، وفاطمة سيّدة نساء العالمين ، وأولادهم الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين .
    وقد اتّفق على هذا الفريقان ، واعترف بذلك المؤالف والمخالف .
    قال المعتزلي في أمير المؤمنين (عليه السلام) :
    وأمّا السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة ، وكان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده ، وفيه اُنزل : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً) (1) .
    وروى المفسّرون أنّه لم يكن يملك إلاّ أربعة دراهم ، فتصدّق بدرهم ليلا وبدرهم نهاراً ، وبدرهم سرّاً وبدرهم علانية ، فاُنزل فيه : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً) (2) .
    وروي عنه أنّه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة ، حتّى
(1) سورة الإنسان : الآية 8 ـ 9 .
(2) سورة البقرة : الآية 274 .



338
مَجَلَت (1) يده ، ويتصدّق بالاُجرة ، ويشدّ على بطنه حجراً .
    وقال الشعبي وقد ذكره (عليه السلام) : كان أسخى الناس ، كان على الخُلُق الذي يحبّه الله : السخاء والجود ، ما قال : « لا » لسائل قطّ .
    وقال عدوّه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي سفيان لمِحْقَن بن أبي محْقَن الضبي لمّا قال له : جئتك من عند أبخل الناس ، فقال : ويحك ! كيف تقول إنّه أبخل الناس ، لو مَلَك بيتاً من تِبْر وبيتاً من تِبْن لأنفد تبره قبل تبنه .
    وهو الذي كان يكنس بيوت الأموال ويصلّي فيها . وهو الذي قال : « ياصفراء ، ويابيضاء ، غرّي غيري ، وهو الذي لم يخلِّف ميراثاً ، وكانت الدنيا كلّها بيده إلاّ ما كان من الشام » (2) .
    وتلاحظ إنفاقهم الزكوات وبذلهم الخيرات ، وشيمتهم السخيّة ، ومكارمهم الزكيّة في أحاديثنا الشريفة في أبواب صدقاتهم وإنفاقاتهم (3) .
    وقد بذلوا كلّ ما لديهم من الله في سبيل الله حتّى نزل فيهم كتاب الله ، فإنّه نزل في أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَة أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا
(1) مجلت يده : أي ثخن جلده وتعجّر وظهر فيه ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة .
(2) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي : ج1 ص21 .
(3) بحار الأنوار : ج36 ص59 ب36 ح1 ـ 3 ، وج41 ص24 ب103 ، وج42 ص71 ب119 ، وسائل الشيعة : ج6 ص284 ب19 ح1 و3 و5 ، وص319 ب39 ح2 و3 .



339
ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (1) (2) .
    ونزل فيه قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (3) .
    ونزل فيهم (عليهم السلام) قوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (4) (5) .
    وسجّل شيخ الإسلام المجلسي المصادر من الفريقين فيما أوقفه أمير المؤمنين (عليه السلام) من أمواله بخيبر ، ووادي القرى ، وأبي نيزر ، والبغيبغة ، وأرباح ، واُدينة ، ورغد ، ورزين ، ورياح .
    ثمّ ما أوقفه من مساجده ، وآباره ، ونخيله ، وأنّه كانت غلّته أربعين ألف دينار ، جعلها صدقة ..
    وإنّه كان يدعو اليتامى فيطعمهم العسل ، حتّى قال بعض أصحابه : لوددت أنّي كنت يتيماً ..
    وأنّه كان مثالا للجود والعطاء حتّى نزل فيه قوله تعالى في سورة الليل : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (6) .
(1) سورة البقرة : الآية 265 .
(2) تفسير العياشي : ج1 ص148 .
(3) سورة البقرة : الآية 274 .
(4) سورة الحشر : الآية 9 .
(5) كنز الدقائق : ج13 ص175 .
(6) سورة الليل : الآية 5 ـ 7 .



340
    كما تلاحظه في حديث فرات الكوفي بسنده عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) قال : « كان رجل مؤمن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) في دار حديقة ، وله جار له صِبية ، فكان يتساقط الرطب من النخلة فينشدون صبيته يأكلونه ، فيأتي الموسر فيخرج الرطب من جوف أفواه الصبية .
    وشكا الرجل ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، فأقبل وحده إلى الرجل فقال : بعني حديقتك هذه بحديقة في الجنّة .
    فقال له الموسر : لا أبيعك عاجلا بآجل !
    فبكى النبي (صلى الله عليه وآله) ورجع نحو المسجد ، فلقيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له : يارسول الله ما يبكيك لا أبكى الله عينيك ؟ فأخبره خبر الرجل الضعيف والحديقة .
    فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى استخرجه من منزله وقال له : بعني دارك .
    قال الموسر : بحائطك الحسنيّ .
    فصفق علي يده ، ودار إلى الضعيف فقال له : تحوّل إلى دارك فقد ملّكها الله ربّ العالمين لك .
    وأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له : يامحمّد اقرأ : (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالاُْنْثَى) (1) إلى آخر السورة ، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقبّل بين عينيه ، ثمّ قال : بأبي أنت قد أنزل
(1) سورة الليل : الآية 1 ـ 3 إقرأها إلى آخرها .